«كلمات بطعم الحب» وبهاء القيم الجميلة صدر مؤخرا للأستاذ حميد مخلوف، الإعلامي والكاتب المسرحي والغنائي، ديوان غنائي تحت عنوان «كلمات بطعم الحب»، جمع فيه الشاعر، كعادته بين رقيق الكلم وجميل القيم، ليعود بنا من خلال قصائد تستلهم من حب الله وحب الوطن وحب الناس، إلى زمن المشاعر البهية في نقائها، والكلمات الأنيقة في بساطتها، الرائقة في سمو معانيها ومراميها، إذ كان -كما يزال- للشعر رسالة كما له جمال وجذوة. وليس ذلك غريبا عن الشاعر حميد مخلوف، الذي عاش زهرة شبابه محلقا في فضاءات الجمال والفن الراقي، متنقلا بين تربية الأجيال كمعلم في السلك الثانوي، ومعانقة الركح المسرحي كممثل ثم كمؤلف مسرحي، والاحتكاك برواد الفن الغنائي والمجال الإعلامي كمنتج إذاعي في إذاعة الدارالبيضاء وشاعر «من شعراء الغناء المرموقين» في العاصمة الاقتصادية، كما يقول عنه الرائد عبد الله شقرون في تصديره لديوان «كلمات بطعم الحب»، وهكذا تعامل مع أساتذة أمثال المعطي البيضاوي و إبراهيم العلمي وحميد شكري ومحمود الإدريسي وعبد الرحيم السقاط وغيرهم... وإن كان مخلوف قد ابتعد عن المجال الغنائي والأدبي في لحظة ما، فإنه ظل قريبا من المجال الإبداعي والفني من خلال اشتغاله في ميدان الصورة والخطاب الإشهاريين، حيث أبدع وصلات إشهارية طبعت الزمن الذهبي للتلفزة الوطنية ومازالت أصداء كلماتها ترن في ذاكرة الأجيال التي عايشتها. لكن هذا البعد يرجعه مخلوف، أيضا، في لحظة مكاشفة نادرة - فهو من الذين يؤمنون بالعطاء بلا حدود الشكوى والبكاء، منصتا في ذلك إلى صوت عزة نفسه الأبية وأخلاقه وتواضعه الرفيعين- إلى نوع من الإقصاء والتهميش الذي أصبح من العادة، وللأسف، في زمن المادة وتوحش المصالح والمشاعر، يعاني منه كل مبدع أصيل وفن راق. فعديدة هي المسرحيات والمسلسلات التلفزية والقصائد الغنائية التي جادت بها روح هذا الفنان، لكنها تواجه بالإهمال واللامبالاة من قبل المسؤولين عن رعاية الفن وتحفيز الفنانين والمبدعين. لكن المبدع يظل دائما عدوا لليأس عاشقا للعطاء، ولذلك فإن شاعرنا، وفي لحظة كان يمكن أن ينزوي فيها مرتكنا إلى طول العمر وعجز السنين، ومتعللا بانقراض الذوق والذواقة، ينتفض على واقع الردة مشهرا إبداعاته في وجه النسيان، مخلدا ذكره من خلال هذا الديوان الغنائي الجديد، وواعدا بالمزيد مما في جعبته من أشعار وحكايات... ليمنحنا، نحن الأجيال اللاحقة، درسا في الإصرار وشعلة أمل تتجدد... وبالعودة إلى ديوان «كلمات بطعم الحب»، فإننا نتذوق فيه عصارة تجربة الشاعر الغنية التي زاد من حلاوتها أحاسيسه المرهفة وإنسانيته المتوهجة، وأسبغ عليها الشاعر بهارات القيم الجميلة متمثلة في عشق صوفي للخالق، وحب ملحمي للوطن، وتقدير كبير للمخلوقات، ووعي وإحساس مرهف بطبائع البشر وتقلباتهم... وقد رتب الشاعر كل هذا الزخم في قصائد متنوعة الإيقاعات، منها الزجلي ومنها الفصيح، وصنفها إلى أربع مجموعات تبتديء بالابتهالات وتمر عبر الأخلاقيات والوطنيات لتصل إلى العاطفيات، وفي كل هذه الرحلة الطويلة المليئة بالصور والقصص، يظل حضور الشاعر - الإنسان نقيا بهيا بهاء الحب ونقاء الزمن الجميل.. فالديوان نداء صادح لكل محبي الكلم الطيب والفن الراقي من أجل العودة بالشعر الغنائي إلى معينه الصادق والأصيل، والتغني بمثل هذه القصائد التي تغذي الأرواح وترتقي بالأذواق والمشاعر والأفكار، عوض الضحالة والرداءة والتفاهة التي أضحت اليوم تشوش للأسف على أسماعنا وترهق أرواحنا وتزعج عقولنا... وأختم بما كتبه الجامعي والباحث جمال الدين ظفير الإدريسي في قراءته وتصديره للديوان: «مجموعة شعرية نفتقدها في زمن العولمة والمادة، في زمن المصالح المطلقة والخداع النفسي والتربوي، ما أحوجنا لما يكتبه الأستاذ حميد مخلوف، الذي يتلاعب بالكلمات وبتراكيبها كما يتلاعب الطفل بلعبه، نعم، نجد تلك البراءة الطفولية منسجمة مع نضج السنين ليعطي إخلاصا في المشاعر وصدقا في التعبير، يتغذى به كل عاشق للصدق، كل محب لجمالية الإنسان الطبيعي المجرد من المظاهر ومن سوء الظن، فشكرا على هذه النزهة في شذى الكلمات العذبة»...