«لم يتغير أي شيء منذ 3 ماي من العام الماضي، نعيش نفس الأوضاع على مستوى القوانين وعلى مستوى أوضاع الصحافيين وكذا على مستوى ممارسة السلطة اتجاه الصحافيين»، بهذه الخلاصة المركزة قدم يونس مجاهد نقيب الصحافيين المغاربة التقرير السنوي حول «حرية الصحافة» الذي دأبت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على إعداده سنويا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من ماي من كل عام. وفي هذا الإطار، دعا يونس مجاهد، بالمناسبة، في ندوة صحفية أمس بالرباط، إلى ضرورة صياغة برنامج شامل لتفعيل مقتضيات الدستور الجديد في مجالات الصحافة والإعلام يستند على المقاربة التشاركية مع جميع الفاعلين الذين يشتغلون في مجال الصحافة والإعلام، مشيرا إلى أنه لا يمكن لأي طرف أن يعتبر نفسه الوصي على ما جاء به الدستور الجديد. وأوضح رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية على أن استمرار العمل بقانون صحافة يكرس ممارسة قمعية وتحكمية تجاه الصحافة المكتوبة ومختلف وسائل الإعلام، وكل المنشورات ووسائط الاتصال الإلكترونية، يؤكد رغبة الدولة في أن يظل هذا القانون، بمثابة سيف ديموقليس، فوق رقاب الصحافة والصحفيين. ورفض مجاهد أي عودة إلى الوراء بخصوص النقاش حول إصلاح قانون الصحافة الذي انطلق منذ سنة 2006 مشيرا إلى أن المبادئ التي ينبغي أن تحكم هذا الإصلاح، لابد أن تتبنى التوجهات الكبرى لما يحصل في البلدان الديمقراطية، خاصة وأن المغرب في حاجة إلى قانون يستجيب للمعايير الدولية في هذا المجال. وأكد على موقف النقابة من هذا القانون الذي يتعين أن يكون خاليا من العقوبات السالبة للحرية، وأن يتخلى عن الصيغ الفضفاضة والمبهمة والغامضة، التي تفتح الباب أمام تأويلات تعسفية، واستعملت، لحد الآن، من أجل التضييق على حرية الصحافة. وجدد يونس مجاهد التأكيد على رؤية النقابة للتطور الديمقراطي الذي يتعين أن يسير عليه المغرب، والذي يفرض استقلالية العمل المهني على مختلف المستويات، دون أن تتدخل السلطات، إلا بالشكل الذي يعزز هذه الاستقلالية. ودعا في هذا السياق إلى مراجعة مفهوم الوزارة «الوصية» خاصة في ظل الدستور الجديد، على اعتبار أن «الوصاية على مهنة الصحافة وعلى المقاولات والمؤسسات الإعلامية، لا يمكن أن تقبل في أي مجتمع ديمقراطي». وحول موضوع أخلاقيات مهنة الصحافة، والذي كان مثار نقاش وندوات نظمتها النقابة الوطنية للصحافة المغربية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، شدد يونس مجاهد على أن موضوع أخلاقيات المهنة هو من صلاحيات المهنيين أنفسهم على غرار ما هو معمول به في الدول الديمقراطية، وأن دور السلطة يكمن في تشجيع الصحافيين وأن أي تدخل خارج الاتفاق مع المهنيين يعد مرفوضا وفق يونس مجاهد الذي ألح على أن النقاش حول المجلس الوطني للصحافة لم ينته بعد وأنه لا يمكن لأي طرف أن ينوب عن النقابة في النقاش حول هذا الموضوع الحيوي. وتعرض تقرير النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى وضعية الإعلام العمومي، وبهذه المناسبة ذكر يونس مجاهد بموقف النقابة بخصوص دفاتر التحملات الخاص بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة وشركة صورياد دوزيم، والتي طرحتها وزارة الاتصال، مؤكدا في السياق ذاته على إيجابية فتح النقاش حول هذه الدفاتر، لكنه في نفس الوقت قال «إن التشاور لم يصل إلى المدى الذي كنا نرجوه ولم تسر المقاربة التشاركية بهذا الخصوص إلى نهايتها». وكان المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية الذي اجتمع يوم السبت 14 أبريل المنصرم، سجل عدة ملاحظات تتعلق بمنهجية إعداد ومضمون دفاتر التحملات، سواء بالنسبة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أو القناة الثانية، معتبرا أنه بالرغم من الاعتراف بأن أسلوب التشاور الذي تم بصدد هذه الدفاتر يعتبر مبادرة إيجابية، لكن كان من اللازم تنظيم حوار مؤسساتي للوصول إلى خلاصات مشتركة، لتطبيق ما جاء في الدستور الجديد والاستجابة لمطالب المجتمع والمهنيين، مبديا أمله في تجاوز ما حصل، في المشاريع اللاحقة سواء في عقد البرنامج أو آليات الحكامة. وعبر كذلك عن التخوف من أن يغلب الهاجس الإيديولوجي في تطبيق بعض الالتزامات، على القنوات والمحطات العمومية، بدل الانكباب أكثر على تطوير المضمون واحترام التعددية الفكرية وحرية الإبداع والانفتاح اللغوي والثقافي. وأكد مجاهد على أن انتقاد دفاتر التحملات لا يعني الاصطفاف إلى جانب مديري الإعلام العمومي مشيرا إلى أن الاستقلالية المهنية التي تنادي بها النقابة الوطنية للصحافة المغربية ليست هي الاستقلالية التي يدعيها مسؤولو التلفزة العمومية. وسجل التقرير بهذا الخصوص، صعوبات تطبيق العديد من المشاريع التي تتطلب إعادة النظر في تنظيم الموارد المادية والبشرية وفي العلاقات مع القطاعات الثقافية والفنية. كما انتقد تجاهل دور المهنيين والمجتمع في مراقبة و تقييم تنفيذ هذه الدفاتر. فعلى الرغم من أهمية التنصيص على مبادئ الجودة والتعددية والإبداع وأولوية الإنتاج الوطني والشفافية وغيرها من شروط الحكامة، فإن المجلس الوطني الفدرالي اعتبر أنه من غير الممكن تنفيذها في إطار الهياكل التنظيمية والمهنية الحالية مشيرا إلى أن المدخل للإصلاح لا يكمن فقط في صياغة دفاتر تحملات تتضمن التزامات، كيفما كانت، بل في توفير الشروط الضرورية للصحافيين، ومختلف فئات العاملين، للعمل في إطار الحرية والاستقلالية، طبقا لقواعد الحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص في إسناد المسؤوليات والشفافية في التسيير المهني والإداري والمالي.