جو من التشاؤم يطبع تقديم نقابة الصحافة لتقريرها السنوي لحرية الصحافة والإعلام في أجواء مفعمة بالتشاؤم، قدم يونس مجاهد رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية التقرير السنوي لحرية الصحافة والإعلام الخاص بالفترة الممتدة من 3 ماي2010 إلى 3 ماي 2011، إذ اعتبر أن استمرار إعمال مقتضيات القانون الجنائي في متابعة الصحفيين واعتقالهم بدل إعمال قانون الصحافة والنشر يعد ارتدادا عن المسار المحمل بالآمال الذي سمته إطلاق الحوار الوطني حول الإعلام وإعلان وزير الاتصال خالد الناصري عن مباشرة نقاش جديد حول قانون الصحافة، فضلا عن مسيرة المشاورات الجارية من أجل الإصلاح السياسي والدستوري والذي وضع خارطة طريقه الخطاب الملكي ل9 مارس. وقال مجاهد الذي عبر في بداية حديثه عن شجبه وإدانته للعمل الإجرامي الإرهابي الذي تعرضت له مقهى «أركانة» ساحة جامع الفنا بمراكش، مؤكدا أن الحادث لن يوقف مسيرة المغرب نحو الديمقراطية ولن يمس استقرار البلاد، وقال في هذا الصدد «إن اعتقال مدير جريدة المساء وتوجيه تهم له خارج قانون الصحافة يؤكد أن السلطات المغربية مازالت غير مستعدة لاحترام والالتزام بالقوانين. إننا للأسف نعود للوراء من جديد،ونجد أنفسنا مثل سيزيف». فالإشكال كبير، بحسب نقيب الصحفيين، «إذ إنه يمتد من تطبيق القانون الجنائي واعتقال الصحفي من طرف النيابة العامة إلى إعمال الحراسة النظرية في حقه وتمديدها كأنه مجرم متلبس»، مبرزا أن واقعة رشيد نيني «تثير تساؤلا عريضا حول جدوى إصلاح قانون الصحافة والمطالبة بإلغاء العقوبات السالبة للحرية ما دامت السلطات تتشبث بإعمال القانون الجنائي في قضايا النشر وتجد القضاء طيعا في يدها للقيام بذلك». واعتبر النهج الذي اتبع بخصوص ملف نيني «تعسفا ولايمكن للنقابة الوطنية للصحافة المغربية السكوت عنه»، داعيا إلى إعمال قانون النشر بالرغم من التحفظ الذي تبديه النقابة بشأنه، وداعيا في الوقت ذاته، جميع السلطات إلى تحمل مسؤوليتها سواء تلعق الأمر بالحكومة أو البرلمان أو القوى السياسية وهيئات المجتمع المدني لوضع أسس دولة الحق والقانون فيما يتعلق باحترام حرية الصحافة واستقلالية القضاء. وقال «بدون استقلالية القضاء لا يمكن إصلاح القوانين». ومن جانب آخر، أشار مجاهد ضمنيا إلى فشل النموذج الاقتصادي في تدبير قطاع الصحافة المكتوبة، حيث أبرز أن أكبر خطر تواجهه حرية ممارسة حرية الصحافة والإعلام يتمثل في طغيان النموذج الاقتصادي خاصة في قطاع الصحافة المكتوبة، ذلك أن ضخ رؤوس أموال من أجل تطوير الصحافة كما هو عليه الشأن في عدد من الدول المتقدمة لم يسفر في المغرب إلا عن ظهور لوبيات مالية وسياسية سلطوية لم تؤثر بالشكل الإيجابي على الصحافة المكتوبة بل كان لها تأثير سلبي واستعلمت فيه تلك الصحافة لتصفية حسابات ونشر ملفات مبنية على إشاعات، على حد تعبير نقيب الصحافيين المغاربة. وحذر المتحدث من أنه إذا لم يتم تطوير القطاع وجعله متعددا يستوعب جميع مكونات المجتمع المغربي وجميع الآراء بتنوعها واختلافها «سنجد أنفسنا أمام احتكارات وقوى ولوبيات سياسية تتحكم في سوق الإعلانات وتعرقل بشكل كبير إمكانيات تعدد وتطور وسائل الإعلام وتطوري المهنية بالشكل المطلوب». وحمل المتحدث مسؤولية الانزلاقات على مستوى أخلاقيات المهنة إلى هذه اللوبيات، مخليا ذمة الجسم المهني منها، وقال «لقد حان الوقت لهذه اللوبيات السياسية السلطوية المرتبطة بأجهزة أن ترفع يدها عن الصحافة المكتوبة وبعض المواقع الإعلامية الإلكترونية». أما بخصوص الإعلام السمعي البصري، فدعا نقيب الصحفيين إلى ضرورة إعادة هيكلة شاملة للقطاع، والتي يجب أن تنطلق حسب وجهة نظره، من المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري الذي تجاوز مدة انتدابه، معلنا أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية ليس لديها حاليا تصور شامل بشأن هذا الموضوع، لكنها تملك رؤية تتمحور حول ضرورة تغيير القانون النظم لهذه المؤسسة والتمثيلية داخلها وعلاقاتها بالمؤسسات الأخرى. وفيما يتعلق بوكالة المغرب العربي للأنباء، قال مجاهد «إن ما تعرفه هذه المؤسسة يلخص نموذجا للمقاربة التي تنهجها الدولة بخصوص القطاع والذي عنوانه التخبط نتيجة الانفراد بالقرار»، مستغربا وجود مؤسسة لها أهمية كبرى في المجال الإعلامي الرسمي بمدير لا يمارس صلاحياته. وأوضح المتحدث في هذا الصدد، أن النقابة الوطنية للصحافة المغربية كانت دائما تربط بين الإصلاح القانوني والتنظيمي وبين ضرورة مراجعة الدور السياسي للوكالة حتى تكون في خدمة المجتمع التعددي الديمقراطي مع اعتماد الحكامة الرشيدة في التسيير الإداري والتحرير وفي تدبير الموارد البشرية. وعلى مستوى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أكد مجاهد عدم وجود قطب عمومي معتبرا أن الأمر يتعلق بمؤسسات إعلامية مستقلة تتنافس فيما بينها، وتغيب عنها الشفافية بشكل مطلق، ويطبع التنافر العلاقات بين مسؤوليها، مشيرا إلى أن الهيكل التنظيمي الحالي لا يعطي الأهمية الضرورية للجسم الصحفي، فضلا عن أن التعيين في المناصب والمسؤوليات لا يخضع بالشكل اللازم لنظام الشفافية والإنصاف والاستحقاق. وأكد مجاهد من جانب آخر، على ضعف الحكامة الرشيدة داخل عدد من المؤسسات الإعلامية، مبرزا أنه لا يمكن تصور تطور حرية الصحافة والإعلام دون حكامة رشيدة، فالعديد منها لا يحترم ممارسة الحق النقابي، أو يطبعه طغيان حوار نقابي مغشوش وغياب تصور بخصوص الموارد البشرية . وفيما يخص الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون والصحفيات من طرف القوات العمومية، أعلن مجاهد أن النقابة الوطنية للصحافة ستلجأ إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان لوضع شكايات في الموضوع، خاصة وأن مختلف الإدارات التي تنتمي لها تلك القوات سواء الإدارة العامة للأمن الوطني أو وزارة الداخلية أو العدل، تفضل عوض فتح تحقيق في الموضوع، الهروب إلى الأمام بتجاهل مختلف الشكايات التي ترفعها النقابة بشأن تلك الاعتداءات.