بداية الأسبوع شهدت حدثا مميزا تجلى في زيارة أحد الشخصيات العالمية للمغرب.. يتعلق الأمر بزيارة رئيس أقوى منظمة رياضية في العالم. إنه السويسري السير جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). الزيارة لم تكن عادية نظرا لعدة اعتبارات. فالمغرب غدا يطمح ليكون من الدول الرائدة في مجال كرة القدم على المستوى التنظيمي، لقد تمكن من اجتياز تنظيم بطولة إفريقيا لأقل من 23 سنة بنجاح، وينتظره استحقاق عالمي: تنظيم بطولتي كأس العالم للأندية لسنتي 2013 و2014، والتي أسندتها (الفيفا) إلى المغرب بعد انسحاب جنوب إفريقيا والإمارات واليابان وإيران من المنافسة على تنظيم نسختين من مونديال الأندية، ليس إلا .!!! بلاتر وكدأبه مع المغرب ألقى قصيدة مدح فيها إنجازاتنا.. بلاتر قال إن المغرب جدير بتنظيم بطولتي العالم للأندية.. وقال إن المغرب كان شجاعا بترشحه للظفر بهذا الشرف.. واعتبر ذلك إنجازا للكرة المغربية والإفريقية.. كما أشاد بالمجهودات المبذولة لتطوير الكرة بالمغرب.. وقال إن الشغب موجود حتى في مسقط رأسه (سويسرا).. وقال كل شيء جميل، ونسي أن يقول كل شيء سيء.. وختم تصريحاته بأن طالب المغرب بالترشح لاستضافة بطولة كأس العالم 2026. هذا الطلب الذي قد يراه الكثيرون عاديا، يخفي في طياته رسائل ساخرة، مفادها أن رئيس (الفيفا) يتذكر لهفة المغرب على تنظيم المونديال في عدة مناسبات، وفشله في ذلك، وكان آخرها قبل سنتين بجنوب إفريقيا. بلاتر هذه المرة، وكأني به يقول للمغاربة: هذه المرة قد أمنحكم شرف استضافة المونديال.. هذا إن بقيت على رأس (الفيفا). بلاتر «المصواب» معنا دائما لم يقل أي شيء عن واقع الكرة ببلادنا، فرئيس أقوى منظمة رياضية كال عبارات الثناء لجامعة الفهري، وكلمات الإطراء لمشاريعها الرامية لتطوير المستديرة ببلادنا. بلاتر يرى المغرب كأنه سويسرا إفريقيا، فهو مليء بالساعات الذهبية والمجوهرات والشوكولاطة. بلاتر لا يعلم أن الواقع يخفي أشياء لا يراها هو أو لنقل -أنه لا يريد رؤيتها ويتعمد أن لا يراها- مع أنها واضحة للعيان، رغم الغطاء الشفاف الذي يحاول البعض لفها بها، لكن بلاتر يتشبث ب «حلوة اللسان» ويصر على مقولة «كلشي مزيان». ولا يخفى على أحد أن بلاتر الذي يحكم سيطرته الاتحاد الدولي للعبة، يتمتع بدبلوماسية الساسة الكبار التي تجعله يخرج من أكثر المواقف إحراجا ببذلة البطل، وذكاء متناه يجعل قراراته تمر دون أي هفوة، وبالتالي فإن أساليبه الكلامية من مراوغة وانسلال لا تعود إلى براعته في اللعبة، بل إلى مشوار طويل بدأه بلاتر من موظف بسيط في هيئة السياحة، مرورا بمناصب عديدة أغنت سيرته الذاتية، إلى أن تسلم مقاليد رئاسة أقوى اتحاد دولي لأكثر رياضة شعبية في العالم. عذرا بلاتر.. فالواقع ببلادنا يقول إن حالة كرة القدم ليست على ما يرام. فالأندية تحتج واللاعبون يحتجون بل إن الكل يحتج.. ودخول الكرة المغربية عالم الاحتراف مناف لحقيقة الهواية التي تنخرها في الصميم.. والشغب أصبح داء لا دواء له في ملاعبنا، بل بات طاعونا مسعورا يلتهم عقول مشجعي الفرق المغربية.. والمنشآت الرياضية التي يتم الحديث عنها ما زالت لم تصل إلى مستوى التطلعات، ومنها ما كان مبرمجا لانتهاء ولم ينته بعد.. عذرا بلاتر لأنك لم تر هذه الأشياء، أو لم ترد أو أنهم أرادوك أن لا تراها. عذرا بلاتر.. كيف يمكنك أن تقول إن كرة القدم المغربية تطورت، والمنتخب الوطني بات ضمن أضعف المنتخبات. كيف وهو الذي لم يتأهل إلى المونديال منذ 14 سنة، وحقق الفشل الذريع في المشاركات الأربعة الأخيرة بالبطولة الإفريقية. كفانا من المحاباة والمجاملات والضحك على ذقون المغاربة، والتي لن تسهم إلا في تأزيم الوضع الكروي ببلادنا إلى ما هو أسوأ مما عليه، فنحن مقتنعون أننا لسنا إسبانيا أو ألمانيا لنتحدث عن طفرة كروية في البطولات المحلية أو المنتخبات الوطنية. لهذا فلتحاول في زيارتك القادمة مهما كانت صفتك أن تحذف المجاملات من قاموسك، وأن تعلم أن الكلام شيء والواقع شيء آخر .!!!