ربما عرف عن السعودية طوال تاريخها القريب والبعيد بحثها الدؤوب عن التهدئة، ودائماً ما يسمي المحللون السياسيون السعوديون سياسة بلادهم تلك بأنها سياسة الحكمة والروية، لكن الأمر اختلف هذه المرة في التعاطي مع الحالة المصرية حينما هاجم متظاهرون بالمئات ممثليات المملكة هناك واعتدوا عليها إلى أن لم يبقَ سوى اقتحامها، احتجاجاً على اعتقال محامٍ مصري متهم بتهريب حبوب ممنوعة إلى الأراضي السعودية. السعودية هذه المرة وجهت رسالة قوية، فسحب السفير لم تفعله المملكة حينما قتل الدبلوماسي السعودي خلف العلي في بنغلادش مطلع آذار مارس الماضي، رغم أن اغتياله حدث في منطقة دبلوماسية، وكذلك لم تصعد الأمر مع الحكومة اليمنية رغم تقصيرها في حماية الدبلوماسي السعودي عبد الله الخالدي الذي يقع الآن ضحية للمساومة الإرهابية والقبلية. يقول الدكتور السعودي مشاري النعيم في حديث ل»إيلاف»: «السعودية كان يعنيها الأمر الرسمي أكثر من أي شيء آخر، وجهة نظري أن المملكة ترد على موقف رسمي وليس رداً على انفعال شعبي». ويضيف النعيم، وهو المتخصص في العلوم السياسية، «في جو متوتر اجتماعيًا وسياسيًا مثل الجو المصري أن تكون هناك حسابات وتنشيط لقطاعات شعبية معينة للقيام بردود فعل ليست عقلانية هذا قد يحصل، ولكنه لا يفسر التلكؤ الرسمي وهذا هو موضع الاستغراب السعودي، فالقضية بالنسبة للسعوديين كانت واضحة». ويقول النعيم: «إن موضع الاستغراب أن القضية لا تستحق كل هذا التصعيد شعبياً، فالمملكة سمحت بمقابلة المحامي المصري وأبدت مرونة كاملة في التعاطي معها قانونياً بل ولم تمنع أي محامٍ مصري أن يترافع عنه، فالعلاقة السعودية المصرية علاقة استراتيجية لا يمكن أن تترك لمثل هذه الأحداث». وعن الموازنة بين الأوراق الانتخابية التي تستغلها بعض الجماعات المصرية في هذه الحالة سواء بتحريضها وتصعيدها، أو تلك الأحزاب التي آثرت الصمت تجاه ما حدث، وبين المصالح السياسية والاستراتيجية لمصر، يقول النعيم، «إن ذلك منوط بمعرفة من وراء هذا التصعيد، نعم هناك جهات شعبية وسياسية تبدي عداء للمملكة، وهذا واضح في طرحها وتوجهها بصورة شبه يومية، ويحملون المملكة دعم بعض الجهات رغم أن لا شيء ثابت من هذا ولا يتعدى مجرد الأطروحات التي يراد منها إقصاء بعض الجماعات أو التيارات وإلصاقها بالخارج». هذا الأمر برأي النعيم ولد نوعاً من الانتقام، وعن ذلك يقول: «إذا ما فهمنا هذا الأمر فقد يكون ذلك سببًا للجهات التي تضررت من هذه الاتهامات للتصعيد»، ويعود النعيم ليقول بأن هذا يجب أن يكون محل بحث، لأنه يظل افتراضاً. واستطرد النعيم قائلاً: «على الطرف الآخر، فإن تلك الجماعات المتهمة بأنها مدعومة سعودياً وخصوصاً السلفيين، يبدو أنهم يفكرون بأن الهجوم على المملكة جزء من محاولة إعلان البراءة». ويختم النعيم مداخلته بأن هذا الأمر هو «عتب سياسي سعودي واضح على السلطات الرسمية في مصر، وبالتالي قد تكون المملكة رأت في هذا التصعيد ما يشكل خطراً أكبر على العلاقات وحاولت إيقاف الأمور عند هذا الحد»، وأضاف: «برأيي أنه لا يمكن تصور العلاقة بين الطرفين إلا جيدة لأن قدرهما السياسي جمعهما بهذه القوة والتشابه في هذه المنطقة». حديث النعيم كان متزامناً مع بيان بثته الحكومة المصرية أعربت فيه عن أسفها للحوادث الفردية التي صدرت عن بعض المواطنين ضد سفارة المملكة العربية السعودية الشقيقة في القاهرة»، ما يعني أن الحكومة المصرية أعادت الكرة مرة أخرى إلى مرمى الشارع، ورغم ذلك يمكن قراءته متسقاً مع تصريح رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر المشير طنطاوي الذي أجرى محادثة هاتفية مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أكد فيها على عمق العلاقات السعودية المصرية وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية. بيان الحكومة المصرية أرجع أن «تلك الحوادث لا تعبر إلا عن رأي من قاموا بها وتستنكر الحكومة المصرية هذه التصرفات غير المسؤولة وغير المحسوبة، والتي تسيء إلى العلاقات المصرية السعودية عميقة الجذور عبر التاريخ». من مصر تحدثت ل»إيلاف» الدكتور نادية النشار عن هذا الأمر قائلة: «الوضع سأختصره بأنه حالة طارئة وستهدأ، أظن أن الأمور تحتاج إلى بعض الشفافية من الطرفين لإنهاء الأزمة، لأن غياب المعلومة ساهم في توتر الأجواء خصوصاً وأن الشارع المصري في حالة حراك سياسي ومهيّأ لمثل هذه التجاذبات». وأضافت النشار، وهي دكتورة متخصصة في الإعلام السياسي، «السعودية ليست بصدد تصعيد الأمور مع مصر وإنما كانت بحسب بيانها تهدف أولاً إلى حماية الدبلوماسيين، فالشعبان السعودي والمصري يعرفان تماماً حجم وتأثير كل منهما، وبالتالي يعيان معنى ردم هذه الهوة خصوصاً في هذا التوقيت»، وأضافت بأن السعوديين عليهم بأن يكشفوا كل ما يمكن أن يطمئن المصريين على مواطنهم المتهم. أما عن موقف الإخوان فكان متناسقاً مع ما يطرحه كثير من السعوديين حول أن أحزاباً مصرية اتخذت من قضية المحامي المصري الجيزاوي كرتاً انتخابياً، أكثر من قضية جنائية فردية لاعلاقة للسياسة بها. وكان حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، دعا السلطات السعودية إلى «عدم زيادة الاحتقان بين القاهرة والرياض»، واعتبر الحزب في بيان له، «أن العلاقات المصرية - السعودية هي أكبر من أية مشكلة يمكن تجاوزها بالتشاور والشفافية بين البلدين». واقترح الحزب مشاركة فريق مصري في التحقيقات الجارية مع أحمد الجيزاوي المحتجز لدى السلطات السعودية، وإعلان هذه التحقيقات على الرأي العام «بشكل شفّاف ومحايد»، مطالباً المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية باتخاذ خطوات جادة لحل مشكلة الجيزاوي «بالشكل الذي يضمن كرامة المصريين ويحافظ في الوقت نفسه على متانة العلاقات المصرية - السعودية». وقال إن «الجماهير التي تظاهرت أمام السفارة السعودية خلال الأيام الماضية إنما كانت تعبر عن رغبتها في الحفاظ على كرامة المواطنين في الدول العربية، وعن عدم قبولها أي استهانة بكرامة المصريين في الخارج خاصة بعد الثورة». حول الموقف برمته وموقف الإخوان خصوصاً، أبدى المحلل السياسي السعودي ومدير قناة العرب الدولية جمال خاشقجي في حديث ل»إيلاف» استغرابه من بيان حزب الحرية العدالة، وقال إن من أكبر الأخطاء أن يجعل البعض في مصر من المملكة ورقة انتخابية، أظن أن هذا الوقت هو المناسب ليتحرك فيه عقلاء مصر بدلاً من ترك الأمور تجري بأهواء الغوغاء. وأضاف خاشقجي «هناك من يتحدث في مصر عن أن السبب هو الإساءة للذات الملكية، بينما لا توجد لدينا تهمة بهذا الشيء أبداً، فما حدث للممثليات الدبلوماسية السعودية في مصر أمر مرفوض، كما سنرفض أيضاً أن يُساء لأي ممثلية مصرية في المملكة». وأوضح خاشقجي الذي يتحدث من لندن أن الشخصيات المصرية الكبيرة مثل عمرو موسى أو أبو الفتوح ومرسي وغيرهم، من المنتظر منها مواقف تعيد الأمور لنصابها وتسهم في رأب أي صدع قد يضر العلاقات السعودية المصرية التي من المفترض أن تكون بصورة أفضل»، وأضاف: «ليس المطلوب من هؤلاء أن يقولوا إنهم يثقون بالقضاء السعودي إذا كانوا لا يريدون ذلك، ولكن على الأقل يجب أن يقولوا أن الموضوع بيد القضاء السعودي، خصوصاً وأن السعودية كانت مرنة بدرجة كبيرة في قضية المحامي الجيزاوي، ولكن قد يخفي البعض أن السعودية لم تعتد أن تصدر بيانات حول مهربين أو متهمين بمثل هذا النوع من الجنايات، وهذا يؤكد أن المملكة لم تتعاطَ مع الأمر بصورة سياسية كما يريد أن يفهم البعض».