جاء في التعريف الذي قدمه المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب لبيداغوجيا الإدماج، أنها الإطار العملي والمنهجي لتطبيق المقاربة بالكفايات. فإذا كانت الكفايات تتأسس على المراحل المتقدمة لبيداغوجيا الأهداف. وإذا كانت بيداغوجيا الأهداف قد أحدثت ثورة كبرى في التربية والممارسات الفصلية بوضعها لأهداف محددة ودقيقة ساهمت في عقلنة العمل التربوي ودفعت المتعلمين لتحقيقها ، وركزت على أن تكون التعلمات بهذا المستوى تكمن في إقدار التلميذ على إبراز مدى تحكمه في تلك الأهداف ، فإن بيداغوجيا الإدماج كإطار عملي للمقاربة بالكفايات هدفها هو تنمية الكفاية لدى التلميذ و حددت إطارها العملي في ما يلي : إيجاد ترابطات بين التعلمات من أجل تقديم عمل مركب عبر وضعية إدماجية كسياق أساسي وحصري وذلك بتعبئة الموارد بشكل مدمج من الموارد التي تلقاها الطفل بشكل منفصل في مرحلة سابقة (فترة التعلمات المجزأة) ، تدريب المتعلمين على الإدماج عبر وضعيات مركبة ، تقديم سياقات واضحة لإبراز مدى التحكم في الكفاية، وهذه السياقات لن تكون سوى وضعيات إدماجية تأتي في نهاية التعلمات، ويطلب من التلاميذ تقديم إنتاج محسوس ومركب (نصوص شفهية أو كتابية ? حلول لوضعيات في الرياضيات ? ، تقديم اقتراحات لتحسين نوعية الإنتاج في النشاط العلمي مثلا..). فالإدماج هوسيرورة ذهنية شخصيّة تقوم على :ربط علاقات بين تعلّمات اكتسبها المتعلّم بطريقة مجزّأة، والتّنسيق بينها، من أجل حلّ وضعيّة مركّبة. إنه السيرورة التي يدمج بها المتعلم معارفه السابقة بمعارفه الجديدة، ويربط بينها ليعيد هيكلة خطاطاته وتمثلاته الداخلية، ويطبق كل ما اكتسبه على وضعيات جديدة ملموسة ودالة. لماذا الإدماج؟ في إطار معطى علم النفس المعرفي والنظرية البنائية التي تفيد بأن المعرفة تبنى ولا تنقل، وتنتج عن نشاط بيداغوجي أو اجتماعي مفترض أو واقعي في سياق دال، يندرج الإدماج للتنسيق بين المكتسبات الراهنة بالسابقة، والربط بين مختلف الموارد للقيام بفعل معين، يستهدف تحقيق غاية. وبما أن الإدماج بنية من سيرورة التعلم لدى الفرد الإنساني؛ فهو مطلوب في التعلم وفق المقاربة بالكفايات لأنه جزء منها. وهو مطلوب لأهميته التي تتجلى في: 1 حصول الفائدة في كل تعلم: تبين نشاطات الإدماج الفائدة العملية لنشاطات التعلم الأساسية، فمثلا في وضعية مركبة، سيكتشف التلميذ كيفية استعمال قانون أو قاعدة و كذا مجالات الاستعمال و في وضعية أخرى سيكتشف أهمية علامات الوقف في التعبير الكتابي ... ويمكن للتلميذ كذلك أن يدرك نوع الوضعية التي يكون فيها مطالبا باستعمال نوع خاص من المكتسبات .للعلم أنه ليس بالضرورة أن يكون لكل ما يتعلمه التلميذ فائدة تطبيقية مباشرة. 2 إتاحة الفرصة للتلميذ لإدراك الفارق بين الأشياء النظرية و التطبيقية : يحتمل، عند تطبيق بعض القواعد أو القوانين كان قد تعلمها الطفل في مراحل سابقة خلال فترات التعلم الأساسية ،أن تعترض المتعلم صعوبات من قبيل : - معطيات مشوشة يفترض إزالتها وعدم اللجوء إليها. - معطيات خام ينبغي تحويلها قبل استخدامها . - معطيات ناقصة يجب تلقيحها بمعطيات أخرى حتى تكتمل وتصبح جاهزة للاستعمال ، - اللجوء إلى حالات خاصة لتطبيق قاعدة معينة تتطلب بعض الخصوصيات . 3 اكتشاف التلميذ ما ينبغي أن يتعلمه لاحقا : يمكن من حين لآخر اقتراح وضعيات تكون درجة صعوبتها عالية بشرط أن تكون قابلة للتحليل والحل، كدراسة نص ترد فيه بعض المفردات التي يجهل المتعلم معانيها أو تفسير نشرة جوية قبل أن يدرس الضغط الجوي ... 4 السماح بإبراز أهمية المواد المختلفة : يتحقق ذلك عند اختيار وضعيات تتطلب استعمال مختلف المواد كما هو الحال في الرياضيات و الفيزياء و العلوم التي تشترك في كثير من الجوانب. فبيداغوجيا الإدماج باعتبارهاالإطار العملي والمنهجي لتطبيق المقاربة بالكفايات ترتكز على المبادئ التالية : * دمج الموارد: في البداية تكون الأولوية المطلقة لتعلم الموارد بشكل منفصل ومجزأ (ponctuel) كتعلم قاعدة لغوية صريحة أو ضمنية ، وذلك عبر مواد دراسية مختلفة كالقراءة والتعبير الكتابي والشفهي وقواعد الرسم والإملاء، يتم تدريب التلاميذ عليها من خلال أهداف واضحة ودفعهم إلى التحكم فيها، ثم تدريبهم بعد ذلك على الرّبط بين هذه التعلّمات التي اكتسبوها بشكل مجزّأ والتنسيق بينها، فتعبئتها وتجنيدها إنّطلاقا من فئة وضعيات قابلة للحل تغطي موارد الكفاية الأساسية من أجل إنّمائها وهو ما يفسح المجال أمام التعود على التعامل مع المعرفة المركبة أو التركيب (le conjointe). وهذه السيرورة ضرورية في جميع مراحل التعلم. التركيب في الوضعية الإدماجية: يعود التّركيب إلى كيفيّة تمفصل مختلف العمليّات المؤدّية إلى التعامل الناجع مع الوضعية، وبالتالي إنّتاج المركب بحيث يصبح التلميذ معنيا بالدرجة الأولى بإنجاز مهمة مركبة تتطلب منه توظيف المعارف المجزأة التي تمرس عليها خلال أسابيع دراسية عديدة في مستوى معين، و يصبح الهم المشترك عندنا جميعا هو الوصول بالمتعلمين إلى محطات التعامل مع المهام المركبة برصيد كاف من المعارف(savoirs) والمهارات(savoir-faire) والمواقف (savoirs-être)، بحيث تصبح هذه المستويات الثلاثة موارد أساسية يعبئها ويجندها المتعلم بشكل خفي عبر سلسلة من العمليات الفكرية لا تظهر إلا آثارها حينما يتم إنجاز مهمة مركبة بنجاح من لدن المتعلم ، وكمثال على هذا النجاح : حينما يطلب من تلميذ ما وفي مستوى معين أن يقدم خطابا شفويا أو كتابيا في مناسبة احتفالية بالمؤسسة التي ينتمي إليها وذلك بتجنيد بعض المكتسبات اللغوية: عناصر الجملة الفعلية والاسمية وبعض الأدوات الأسلوبية : التعجب- الاستفهام سواء تعلمها بشكل صريح أو ضمني، وغيرها لتقديم النص المطلوب والذي يتطلب نوعا من التركيب والدمج لا تظهر موارده ولكن تظهر آثاره، إذ يشبه إلى حد ما التيار الكهربائي الذي لا ترى إلا آثاره في الإنارة والاستخدام الكهربائي المنزلي. فالتلميذ أثناء تحكمه في الأهداف المسطرة، قد امتلك خزانا من الموارد، سيوظف منها عند الحاجة ما يقتضيه المقام التواصلي أو ما يفرضه حل المشكل من خلال الوضعية الإدماجية، إذ يعود دائما لذلك الرصيد لتوظيف واختيار ما يلائم . هذا بالإضافة إلى التركيب الذي يظهر من خلال اختيار المعلومات المناسبة في سياق الوضعية وفي أسنادها (المهمة المركبة المطروحة في السياق والتي هي رهان الوضعية ، والأسناد المشوشة التي على المتعلم عدم استخدامها ثم التقاط معلومات الأسناد التي تكون ضرورية للحل وهذا فيه نوع من التركيب)، بالإضافة إلى التعليمات التي هي عبارة عن مهام فرعية منبثقة عن المهمة الرئيسية التي يطلبها السياق، وهي كلها مركبة لأنها تتطلب إنتاجا مركبا كحل مسألة رياضية من الواقع أو إنتاج نص شفهي أو كتابي في مقام تواصلين. فالتركيب بشكل عام هو اختيار ما يناسب من موارد التلميذ ومعطيات عناصر الوضعية قصد إيجاد الحل . * السياقية: تعبئة موارد مدمجة داخل سياق اجتماعي أو مدرسي.. وفق معنى ودون تجزئة . فالإدماج سيرورة منهجية تشتغل على إنماء الكفاية الأساسية لدى كل تلميذ عبر محطتين أساسيتين : المحطة الأولى: وهي مخصصة لإرساء الموارد(Installation de ressources) وتثبيتها لدى التلاميذ من خلال تعلمات مجزأة تحتويها الأهداف التعليمية بمستوياتها الثلاثة : معارف - مهارات? مواقف ، إذ يتلقى المتعلم المعارف في القواعد اللغوية مثلا ، ثم يتعلم مختلف مهاراتها وآلياتها قصد توظيفها كتعلم أليات القراءة من أجل القراءة وتعلم مهارات الصرف والتراكيب من أجل استخدامها في الحديث الشفهي والكتابي . ثم تتكون لديه مواقف وسلوكات وذلك باستخدام القواعد بشكل صحيح في الصرف والنحو ورسوم الهمزة على سبيل المثال . المحطة الثانية: وهي الأهم بالنسبة لبيداغوجيا الإدماج إذ المراقي المعرفية والمهارات والمواقف إضافة إلى الكفايات المستعرضة والخبرة الشخصية تصبح كلها موارد أساسية يتم تجنيدها لحل مشكل يصبح فيه التلميذ مسيقا (أي ضمن سياق معين: contextualisé) والمطلوب أن يجد كل تلميذ حلا بإنجاز مهمة معينة تتطلب التركيب وإقامة علاقات بين موارد قد لا تبدو بينها روابط في بداية الأمر، ولكن يتم إيجاد تلك العلاقات بغرض تقديم الحل ، والحل تفكير فردي ، مثال : حينما يكتسب التلميذ مهارات القراءة ويتملك آليات التعبير الشفهي مثلا ويستطيع توظيفهما نطالبه ضمن سياق اجتماعي محدد أن يساعد زملاءه في المدرسة على إنشاء ملصق أو كتابة موضوع حول نظافة المؤسسة التي ينتمي إليها في وضعية إدماجية مركبة . صحيح أن تلاميذ المستويات الأولى يجدون صعوبة في تقديم هذه الحلول في بداية الأمر لكن تدريبهم في هذه السن المبكرة على تجنيد الموارد اللغوية خاصة يجعلهم مستقبلا قادرين على إيجاد الحلول حينما يوضعون في مقامات تواصلية تتطلب منهم تلك الموارد سواء داخل المدرسة أو خارجها . فما الفائدة إذن من هذه الموارد التي تتم دراستها عبر دروس مجزأة لا رابط بينها إذا لم تكن تساهم في إ يجاد حلول لمشاكل حياتية . ولعل الإنتقال من التجزيئ إلى التركيب هو ما يعطي للكفاية معنى ودلالة .ويصح أن نقول أن هذه الكفاية قد تم اكتسابها أم لا من خلال تتبعها وتقويمها بمعايير ومؤشرات واضحة وضعت خصيصا لمرافقة كل وضعية إدماجية مركبة .