يعج الحقل التربوي في حركيته المتنامية بعدد وافر من النظريات التربوية والاستراتيجيات الديداكتيكية التي تتغيا تطوير الفعل التربوي والارتقاء به ليصبح اكثر نجاعة ومردودية وليستجيب لتطلعات جميع الفاعلين التربويين. ونشدانا لهذا المسعى النبيل، ظهرت رزنامة من البيداغوجيات المختلفة كبيداغوجيا الاهداف والبيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا المشروع، وبيداغوجيا الكفايات وبيداغوجيا التحكم.هذه الأخيرة التي يعتبرها البعض حلا سحريا لمشكل الفشل الدراسي، في حين يعتبرها البعض الاخر رهانا مستحيل التحقق، لان لها تورطات عديدة تتجاوز الاطار الدراسي لتعانق ابعادا اخرى: اقتصادية واجتماعية. تعريف بيداغوجيا التحكم هي بيداغوجيا تضع هدفا لها التحكم الكلي في الاهداف المسطرة بحيث يمكن لاغلب التلاميذ تحقيق الحد الادنى من الانجازات المحددة سلفا. ويذهب دعاة البيداغوجيا الى أن الفشل الدراسي غير مبرر بما فيه الكفاية، ومن ثم يراهنون على الامكانيات التربوية غير المحدودة واللانهائية التي تتيحها بيداغوجيا التحكم، ذلك ان عدم تحقق النجاح المدرسي المستمر يمكن تفسيره - في نظرهم - بعدم نجاعة الطرق التربويةوليس بعدم قدرة التلاميذ على الانجاز، وانه كلما وفرنا للمتعلمين ظروف التعلم المناسبة، فإن التحكم في الكفايات سيكون عاما. وقدوضع بلوم سنة 1968 اسس هذه البيداغوجيا التي تم اغناؤها من قبل باحثين اخرين أمثال بلوك ودورين ودولانشير. وقد اضحى الاهتمام كبيرا ببيداغوجيا التحكم لانها تستبعد الاختيار بين التلاميذ عبر الترتيب والانتقاء كتطبيقين بيداغوجيين وتعيد الاعتبار بشكل مطلق لجوهر التعلم عبر تعميم النجاح الدراسي. ويظهر جليا ان مقصدية سيزاربيرزا من خلال كتابه بيداغوجيا النجاح تتجلى في ممارسة التحليل النقدي لبيداغوجيا التحكم من أجل ضبط الخطوات الرئيسية لمسارات تطورها، وابراز تطبيقاتها الممكنة في السياق المدرسي. يرى الباحث في مقدمة كتابه انه الى عهد قريب، كان النشاط المدرسي محكوما بهاجس الاختيار الانتقاء، وكان المدرسون مقتنعين بان عملهم موجه نحو اقلية مختارة بواسطة مصفات حيث كانوا منشغلين بترتيب التلاميذ ضمن سلم تراتبي ا عتمادا على النقط المدرسية (العددية) الامر الذي يؤدي الى اقصاء الضعاف وغير المتفوقين. ولعل هذا الانتقاد يجد مسوغه في وجود فروق فردية بين المتعلمين يصعب تجاهلها. لذلك يجب على المدرس احترام الضوابط الآتية - صوغ تعريف دقيق للتحكم من خلال ربطه باهداف محددة تحليل الاهداف البيداغوجية ضمن سيرورة التعلم تخصيص وقت اضافي كاف لتصحيح الاخطاء، وتدارك المراحل التي لم يتم بلوغها تقويم النتائج وليس التلاميذ ويعني ذلك ان التقويم يجب ان ينصب حول مدى تحقيق ا لتعلمات من منظور الاهداف البيداغوجية وليس من خلال مقارنة النتائج داخل المجموعة الصفية. النماذج النظرية لبيداغوجيا التحكم النموذج الزمني لكارول وبلوم اورد سيزاربيرزا هذا النموذج باعتباره مرجعية تربوية تستند اليها بيداغوجيا التحكم، ويرى دعاة هذا النموذج، انه في الممارسة المدرسية اليومية، تماثل الكفاية مستوى التحكم الذي يمكن لاي تلميذ ان يبلغه من خلال عمل معطى، و كلما كان التلميذ متفوقا، كان مستوى التحكم أكبر. ان استعداد المتعلم يعود الى حجم الزمن ا لضروري المخصص لانجاز الاعمال المدرسية، وليس الى مستوى التحكم لدى التلاميذ، لذلك اذا توفر كل تلميذ على الزمن ا لضروري للانجاز فان كل التلاميذ سيصبحون قادرين على الوصول الى مستوى من التحكم المطلوب، والعكس صحيح، ومن ثم يقاس مستوى التحكم بمؤشر العلاقةبين الزمن الفعلي المطلوب والزمن ا لضروري للانجاز، اذ يصبح التعلم تطورا من اللاتحكم الى التحكم عبر المرور بسلسلة مراحل و سائطية. اما بلوم، فقد صاغ افكاره في نموذج زمني موحد قادر علي ضمان ما يسميه نظاما تربويا بدون اخطاء ويحتوي هذا النظام على ثلاث درجات. اولا- في بداية كل مرحلة من مراحل التعلم، يجب على المدرس ان يلاحظ الفروق الفردية اثناء اكتساب كل عمل دراسي ثم معالجتها من خلال وضع تغذية راجعة مناسبة - ثانيا: التعلم هو مجموعة من المحفزات والتجارب الموزعة بشكل غير متساو بين التلاميذ بما يستدعي تنويع زمن التعلم ثالثا: نتائج التعلم ثابتة ومتجانسة، بمعنى ان التلاميذ يجب ان يحققواعلى الاقل مستوى ادنى من الانجاز يكون بمثابة عتبة معدة سلفامن خلال اتفاق و تعاقد بين المدرس وتلاميذه تنهض بدور المقياس اي مقياس التحكم، وعلى اساسها يتم تنظيم التعليم والتقويم التكويني. ومن اجل تقليص حدة الفروق الفردية وضمان هامش زمني موسع يوفر كل الحظوظ للمتمدرسين، ثم اقترح بيداغوجيا تصحيحية كنموذج نظريا استلهمته بيداغوجيا التحكم. البيداغوجيا التصحيحية لبونبوار البيداغوجيا التصحيحية هي التدخل البيداغوجي الموجه والمبرر في حالة حدوث تباين دال كمي ونوعي بين ماهو محصل عليه في الواقع من خلال خطوة بيداغوجية اولية و بين ماهو منتظر كنتائج لهذه الخطوة. وتهدف هذه البيداغوجية إلى محو اثار التباعدات السلبية بين النتائج المحققة والنتائج المفترضة،ثم تعديلها بواسطة علاج تصحيحي من اجل ضمان مستوى التحكم المنتظر بالنسبة لجميع التلاميذ، والمسطر من خلال الاهداف البيداغوجية. والملاحظ ان البيداغوجيا التصحيحية لبونبوار لم تحول الي استراتيجية ديداكتيكية لقياس الارتفاع النسبي، الملحوظ في مستوى التلاميذ، لذلك اعتبرت نموذجا نظريا فقط نظرا لقيمتها النسبية في علاقتها بالنجاح الدراسي، اذ نادرا ما تطابق النتائج المحققة النتائج المنتظرة وهذا يقتضي تقديم علاج تصحيحي في الحالات التي تتجاوز فيها التباعدات حدود التسامح الاستراتيجيات الديداكتيكية لبيداغوجيا التحكم ترتبط هذه الاستراتيجيات بالجانب التطبيقي لبيداغوجيا التحكم، اذ تسعى الى تحقيق الاهداف الآتية التعريف المحدد للتحكم في شكل اعمال يجب انجازها التقويم المستمر لانجازات التلاميذ بعد كل وحدة دراسية او مجزوءة التصحيح الذاتي للاخطاء بهدف ضمان الحد الادنى من التحكم بالنسبة لكل تلميذ، وتتوزع هذه الاستراتيجيات الديداكتيكية الى ثلاث 1 - الاستراتيجية الفردية: النظام الفردي لكيلر وشيرمان 2- الاستراتيجية الجماعية: من أجل التحكم لبلوك واندرسون. 3- الاستراتيجية المختلطة: التكوين المبني على الكفايات لطورشين. ولعل ما يوحد هذه الاستراتيجيات الثلاث هو اتفاقها حول مبدأ التحكم في إنجاز التلاميذ ضمانا لتعميم النجاح الدراسي، لكن هذا لايمنع اختلافها في بعض الاسس والمنطلقات. تعتمد الاستراتيجيات الفردية او النظام الفردي لكيلر وشيرمان على مجموعة من العناصر: - تطور الايقاع الفردي لكل تلميذ. - تحكم التلميذ الاجباري في الاهداف في كل وحدة / مجزوءة. - إنجاز التلميذ لبعض الانشطة - كشكل من أشكل الدعم - بعد أن يبرهن على استيعابه للمجزوء. - تعزيز التواصل الكتابي للتلميذ. - غياب الجزاء او العقوبة بالنسبة للأخطاء. وتنهض الاستراتيجيات الفردية على مجموعة من الدعامات الديداكتيكية (كتب مدرسية، جذاذات، نصوص مختارة، دلائل تربوية نصوص تقويمية، بطائق التصحيح...) التي تسمح للمدرس برصد مستوى التحكم لدى كل تلميذ. الا أن الاكراه الذي يواجه هذه الاستراتيجية يتمثل في الزمن، اذ يصعب توفير الزمن الكافي لتتبع مستوى كل تلميذ، فضلا عن كونها تتجاهل الفروق الفردية بين التلاميذ. وبخلاف الاستراتيجيات يتمثل في الزمن، اذ يصعب توفير الزمن الكافي لتتبع مستوى كل تلميذ، فضلا عن كونها تتجاهل الفروق الفردية بين التلاميذ. وبخلاف الاستراتيجيات الفردية، تعتمد الاستراتيجية الجماعية على مبدأ التحكم لكن من خلال خلق مجموعات صفية متجانسة. وقد حاول بلوك وأندرسون صياغة هذه الاستراتيجية من خلال دينامية الجماعية، اذ يصبح التحكم في الانجاز مطلبا جماعيا. اما الاستراتيجية المختلطة، فتعتمد المقاربة بالكفايات، وقد اختزلها طورشين في ست عمليات. 1- تحديد الاهداف: الاهداف باعتبارها مؤشرات الكفاية. 2- التقويم البدئي او الاولي للكفاية عند كل تلميذ. 3- التعليم هو مجموع الوسائل والوضعيات التعلمية التي تقود الى ردم الهوة بين المنجز والاهداف النهائية. 4- التقويم التشخيصي: يستعمله طورشين كمرادف للتقويم التكويني، اذ يتعلق الامر بمراقبة دائمة لتقدم مستوى كل تلميذ، وتحديد الاغلاط المتكررة، ويرى طورشين ان التقويم التكويني يفرض على المدرس إجابتين: - نعم: تعني التطابق بين النتائج والانتظارات مما يسمح بإغناء البرنامج الدراسي ومتابعته. - لا: تدل على التباعد السلبي بين الاهداف والنتائج، وفي هذه الحالة يتطلب الامر إجراء تعديلات على البرنامج الدراسي. 5- برنامج التعليمات: تكمن المساهمة المهمة لطورشين في ضرورة تكثيف العلاج مع الوضعيات التي نصادفها، ويقترح من أجل ذلك ثلاثة انواع من التعليمات: أ- تكرار المحتويات غير المتحكم فيها. ب - إحكام المحتويات لمعرفة مدى تكيف الاهداف مع ما هو مطلوب سلفا. ج - إغناء المحتويات ومتابعة الدروس بالنسبة للتلاميذ الذين تمكنوا من التحكم في الانجازات المتداخلة للمجزوءة. 6- تحقيق برنامج التعليمات يقتضي ابتكارين اثنين: - الاستعمال الحر للتعليم من طرف نظام من الإرشادات والتعليمات، التي اعتبرت مساهمة مميزة الاستراتيجية طورشين. بعد عرض سيزار بيرزا للنماذج النظرية والاستراتيجيات الديداكتيكية لبيداغوجيا التحكم، ينتقل الى تحليل النتائج المترتبة عن تطيبق هذه البيداغوجيا في السياق المدرسي ليخلص في الاخير الى تحديد بعض المظاهر الايجابية والسلبية التي تطبعها. ا- المظاهر الايجابية تتمظهر من خلال مجموعة من المؤشرات نذكر منها. - تعميم النجاح الدراسي واستمرارية النتائج او المكتسبات الدراسية واستثمارها لمدة طويلة. - تعزيز الثقة بالنفس لدى التلاميذ وإذكاء روح التعاون فيما بينهم، وتحفيزهم على الاهتمام بالدراسة. - تعديل دور المدرس (التنظيم والتوجيه والتصحيح والقيادة). تغير وظائف المدرسة (اظهار الانتاجات الذاتية - تقليص الانتقاء - تحدي الفروق الفردية - قيادة التلاميذ جميعا نحو بلوغ الاهداف المتوخاة مما يعني تعميم التحكم). - اعتماد مقياس القدرة على اكتساب التعلمات بدل المقياس القائم على التنقيط والترتيب. - تساوي النتائج مع التعلمات الضامنة للحد الادنى من الانجازات المشتركة بالنسبة للجميع . -إقصاد المنافسة البين فردية والانتقاء الدراسي. - التقليص من أهمية الديبلومات وبعض المصادقات والإشهادات الشكلية. - بيداغوجيا التحكم هي بمثابة تدخل تصحيحي لمواجهة الهدر البيداغوجي داخل الحقل التعليمي. ب - المظاهر السلبية: تتجلى في المؤشرات الآتية: - تطرح بيداغوجيا التحكم مشكلة اخلاقية تختزل في السؤالين الآتيين: - إلى أي حد يمكن للمدرسين حرمان بعض التلاميذ من الحظوة مقارنة مع باقي التلاميذ؟ وهل يمكن للتربية ان تتكيف حصرا مع إمكانيات التلميذ المتوسط ومستواه المحدد عبر ضوابط التحكم. - معايير النجاح محددة في شكل عناصر للإجابة او انجازات فضفاضة. - تركيز بيداغوجيا التحكم على الانجازات الفورية في نهاية كل درس او مرحلة بينية. - إنجازات بيداغوجيا التحكم قصيرة المدى. - تأثير الاستعدادات والوضعيات غير المتساوية للوسط يكون أقوى من تأثير المكتسبات المدرسية. - ضعف المردودية الخارجية لهذه البيداغوجيا من الزاوية الاقتصادية لأن المنظومة المهنية ليست محددة فقط بواسطة النتائج الدراسية، كما ان الاصلاح التربوي لايقود بالضرورة الى إصلاح اجتماعي واقتصادي، فكل بيداغوجية جديدة تراهن فقط على نجاعة قصيرة المد للميثاق التربوي، لا على تصحيح التفاوتات البنيوية للمجتمع. طبيعة التقويم الملائم لبيداغوجيا التحكم يشير سيزار بيرزا الى نظام التقويم الذي تعتمده بيداغوجيا التحكم بهدف قياس مستوى التحكم لدى التلاميذ ومراقبته باستمرار. ويندرج هذا النظام ضمن مسلسل تقويمي يتحدد من خلال ثلاثة عناصر: 1- القياس: يتم من خلال بطاقة معلومات تتضمن الوسائل المناسبة للتقويم. 2- التطابق: لمعرفة درجة التطابق بين الاهداف والنتائج 3- حكم القيمة: تقدير جماعي للانجاز على قاعدة المعلومات المحصل عليها. ويستنتج الباحث الروماني ان بيداغوجيا التحكم توظف التقويم التكوين بكثافة، اذ يصل حجم حضوره الى %75 مقابل %25 للتقويم الإجمالي. نخلص الى القول، بعد مقاربتنا، لبيداغوجيا النجاح من منظور »سيزار بيرزا إلى« انها أفرزت ردود فعل متباينة، فهناك من يعتبرها حلا سحريا لتصحيح كل الاختلالات البيداغوجية، في حين يرى البعض الآخر - ومن ضمنهم الباحث - أنه في التربية لاتوجد حلول سحرية، بل أبحاث مستمرة من أجل تطوير العملية التعليمية وعقلنتها. وبمناسبة الحديث عن بيداغوجيا النجاح، نشير في الاخير الى أن المشرع التربوي المغربي ينشد أيضا تعميم النجاح المدرسي، كما ورد على لسان محمد الساسي مدير «المركز الوطني للامتحانات» نسعى لتعميم النجاح المدرسي، لانريد من الامتحان ان يكون آلية للانتقاء، بل مناسبة تمكن المترشح من أن يكشف تحكمه في ما هو مطلوب منه للحصول على شهادة وطنية، الرهان الآن هو كيف يمكننا ان نمكن أكبر عدد من التلاميذ من الحصول على الباكلوريا. بالثانوية التأهيلية: القرويين