مبادرات في التعليم والعلوم والثقافة لتنمية التعاون بين أمريكا والدول الإسلامية الانتقال من مفهوم الحوار إلى مفهوم المشاركة يستمد حوار الأديان أو بالأحرى حوار المتدينين عتاقته من قدم الأديان نفسها عبر العصور. وأضفى عليه «حوار الحضارات» نفسا جديدا لتماسهما ويبدو أن الاهتمام به بلغ ذروته في عقد التسعينيات من خلال الجدل الذي أثارته أطروحة «صامويل هنتنجتون» حول صدام الحضارات. وينشد أقطاب الحوار موقفا موحدا وتمازجا أعمقا عبر الالتفاف حول قيم مشتركة خصوصا بعد اتساع الهوة السحيقة بين الغرب والشرق. رجال دين، وأكاديميون متخصصون في الأديان ، حاولوا مقاربة أوجه التقارب عبر حوار الأديان في مؤتمر مكتبة الاسكندرية الأخير حول «مبادرات في التعليم والعلوم والثقافة لتنمية التعاون بين أمريكا والدول الإسلامية» في محور خاص حول «حوار الأديان»، وذلك انطلاقا من الزاوية اللاهوتية الفقهية أو بمقاربة بنية الدين الداخلية والعقائدية أولا، أو بتصحيح بعض الاعتقادات الخاطئة عن الإسلام، ومحاربة الإسلاموفوبيا، أو من خلال تصفية التوترات وحل المشكلات وكذا الالتزام باستراتيجية واضحة للحوار وعدم التسرع في الحكم المسبق. *** أفاد الدكتور مصطفى كريك، مفتي البوسنة، أن مبعث انعدام الثقة بين المسلمين ودول الغرب، مرده بصفة أساسية إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعبرها عانى المسلمون من نتائج المفاهيم الخاطئة والممارسات السلبية تجاههم. وأضاف، في سياق مداخلته الحوارية، أن قادة وعلماء العالم الإسلامي قد بادروا بتدعيم الحوار بين الدول الإسلامية ودول الغرب لتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة ومنها مبادرة الزعيم الإيراني خاتمي لدعم حوار الحضارات بدلاً من صراع الحضارات، ومبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار والتي شاركت فيها الأممالمتحدة. متسائلا عن كيفية ربط عالم الإسلام بالإرهاب في حين أن الدول الإسلامية لا تنشر قواتها في دول العالم كما تفعل دول الغرب. مذكرا بكون الحوار هو الملاذ الوحيد لتسوية الخلافات ونبذ الأفكارالمتطرفة . واستعرض بالمناسبة معاناته كمسلم أوروبي من العديد من صور التمييز بالإضافة إلى صراعات الحروب، معربا عن أهمية الحوار لخلق سبل التفاهم في المستقبل وتجاوز خلافات الماضي، بغية العيش حياة مثمرة كمسلم وأوروبي وداع للحوار والسلام. وأكد القس أندريا زكى؛ نائب رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر إلى عدم إيمان بعض الفئات في العالم بأهمية الحوار بين الأديان، موعزا ذلك في بعض الأحيان إلى العولمة وانتشار وسائل الإعلام التي قد تكون سلبية. مبديا إيمانه الكامل بأهمية الحوار ونتائجه الإيجابية على الأمم عامة، ولكن مع الالتزام باستراتيجية واضحة للحوار وعدم التسرع في الحكم المسبق. وطالب بحوار لاهوتي فقهي بين الأديان بالرغم من حساسيته لكونه سيخلق صور جديدة من التفاهم عبر استيعاب مجالات التقابل بين الأديان واحترام الاختلاف. وحذر من التعامل مع التاريخ والتراث بانتقائية في تفسير بعض الأحداث في أوقات الأزمات بل «نلتزم بأسلوب علمي عادل وسمح». وأكد رشاد حسين، المبعوث الخاص للرئيس أوباما إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، إن باراك أوباما يدعم الحوار بين الأديان كما هو مؤكد في الخطاب الذي ألقاه للعالم الإسلامي العام الماضي، والذي اتضح جليا في تقدم علاقات التعاون بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والعالم الإسلامي في جميع المجالات. وأكد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وضح موقفه من التطرف وبين أن التطرف والإرهاب هي أعمال مرفوضة في الإسلام، كما أنه قام بتصحيح عدد كبير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام. وحمل رشاد مسؤولية نشر القيم السامية للدين الإسلامي وتصحيح بعض الاعتقادات الخاطئة عن الإسلام ومحاربة الإسلاموفوبيا إلى قادة وعلماء العالم الإسلامي. منبها إلى أنه لا يمكن التحدث عن عدم جدوى الحوار لأنه لا يمكن تخيل عالمنا بدون هذا الحوار خاصة في ظل التقدم التكنولوجي والعلمي. وأرجع الدكتور ظافر الأنصاري من باكستان أهمية الحوار بين الأديان ومسؤولية مختلف الدول في الاتصال والترابط تحت مظلة الحوار البناء إلى وجوب استشعار أهمية الدين في حياتنا. واستيعاب كوننا شركاء عالميين في هذا العالم، وعدم السماح لبعض الجهات المغرضة بتدمير روابط الحياة الإنسانية. ومن جهته دعا الدكتور محمد كمال الدين إمام؛ رئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية إلى التمييز بين حوار الأديان وحوار المتدينين، لكون حوار الأديان لا يمكن أن يتحقق لأن لكل دين عناصره الخاصة وبنيته الداخلية اللاهوتية والعقائدية. وأشار إلى أن الحوار يجب أن يتم بين المتدينين على أن يعرف كل متدين أصول دينه أولا، وأن يتم الحوار في بعض القضايا الجزئية الرئيسية في عالم اليوم. واقترح الدكتور كمال الدين إمام أربعة قضايا رئيسية للحوار بين المتدينين؛ أولها الحوار الديني الذاتي الذي يناقش مكان الدين من العقل المعاصر والمجتمعات ووظائفه في المجتمع وتفاعله مع الواقع الاجتماعي والسياسي، وقضية تهميش الدين وتأثير ذلك على الحوار والتقدم. أما القضية الثانية فهي موقف الدولة من الدين في ظل المجتمعات التي تتأكد فيها سياسة الدولة يوما بعد يوم، في حين اعتبر قضية الأسرة، وهي القضية الثالثة، أساسية بالنظر إلى مدى التفكك الذي وصلت إليه في عدد كبير من المجتمعات في حين أن كل الأديان تعتبر الأسرة النواة الأساسية لأي مجتمع. أما القضية الرابعة فهي الحوار حول كيفية أن يحقق الإنسان السلام الداخلي من خلال الدين، وأن يصل إلى سلام داخلي بخارجه أيضًا بواسطة الدين. و أكد القس اليستير ماكدونالد رادكليف؛ من المملكة المتحدة، أن العالم يعاني من أزمة عدم ثقة الأفراد في أهمية الحوار وفعاليته في تحقيق التلاحم والتعاون بين المجتمعات، خصوصا على مستوى لغة الحوار. وأوصى بلزوم تخطي هذه الأفكار والتفكير في مراحل أبعد من الحوار نفسه وهي تقييم مدى أهليته وتفوقه على تصفية التوترات وحل المشكلات. وذكر بالروابط الإيجابية القائمة بين دول الغرب والعالم الإسلامي والمحتاجة إلى قادة يعززون تواصلها، مع التمحيص في أسباب الخلاف وتحديد الأهداف المراد تحقيقها من الحوار من خلال العديد من المبادرات في المجالات المختلفة خاصة التعليم والإعلام. ودعا الدكتور ميروسلاف فولف؛ مؤسس ومدير مركز الإيمان والثقافة بجامعة ييل، إلى ضرورة إدراك أهمية الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما للعالم الإسلامي العام الماضي، والبناء على مبادرته للحوار والتعاون بين الأديان والثقافات والحضارات، في أفق إرساء السلام العالمي من خلال إدراك نقاط الاتفاق بين الدول والحضارات والمجتمعات المختلفة. وفي جلسة حوارية خاصة تحدث فيها الإمام الدكتور علي جمعة؛ مفتي الديار المصرية، والدكتور ويليام فيندلي؛ الأمين العام للمؤتمر العالمي حول الأديان من أجل السلام، وقدمها الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، اعتبر هذا الأخير أن الدكتور علي جمعة والدكتور ويليام فيندلي قد ساهما من خلال أعمالهما في العديد من المناقشات التي توضح طبيعة الدين الإسلامي، وتدعم الحوار بين الأديان، مشيراً إلى أنهم يعتبرون من أبرز قادة العالم الذين نشروا مفهوم الحوار بين الأديان، وهو ما يأتي ليدعم هدف المؤتمر في تعزيز الحوار والتعاون بين الدول الإسلامية والولاياتالمتحدةالأمريكية في العديد من المجالات. وقال الدكتور علي جمعة إن المؤتمر يعد خطوة بناءة في طريق تدعيم ثقافة التسامح وخلق اقتراحات جديدة وعملية للتعاون بين الدول الإسلامية والولاياتالمتحدة بعد مرور عام من إلقاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما كلمته للعالم الإسلامي من القاهرة. وأكد على أهمية أن نستدعي الروح الجديدة لخطاب أوباما الذي دعا إلى بناء علاقة جديدة بين الطرفين قائمة على المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل بحيث لا يكون هناك تعارض أو تنافس بل قواسم واهتمامات مشتركة كالعدالة والتقدم والتسامح والكرامة. وشدد على أهمية ترجمة تلك الاهتمامات في شكل برامج عالمية تنقلنا من مفهوم الحوار إلى مفهوم المشاركة. وأكد الدكتور جمعة أن إقامة السلام الشامل والعادل في فلسطين سيكون له أبلغ الأثر في تحسين العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الإسلامية، وتحقيق السلام بين الأديان، وهذا السلام يعد ضمان نجاح أي مبادرة لتحقيق التقارب، والأساس الذي يجب أن نبدأ به عهد جديد من التعاون. وأشار إلى أن مسئولية تحقيق التعاون تقع على الجانبين وهي الطريقة الوحيدة لبناء عالم أكثر إشراقا وازدهاراً، فبالتعاون والاحترام لا يستحيل شيء على الإنسانية. وتحدث عن أهمية الحوار لإزالة التوتر بين الجانبين وتعزيز التصالح وتدعيم الأصوات المعتدلة على طاولات الحوار بين الأطراف المتعددة من أجل الصراعات، وهي الغاية التي يلتزم بها العالم الإسلامي. وأشار إلى الحاجة إلى حماية التعاون الثقافي وتشكيل شبكة لدعم الحلول الفعالة لمبادرات وجهود الحكومات والمجتمع المدني، والعمل مع المؤسسات الإعلامية لنشر قيم التسامح لصالح حرية التنوع الديني والثقافي وتبادل القيم والخبرات الناجحة. وقدم جمعة للحضور مجموعة من الحقائق التي تحدد معالم جديدة في طريق الشراكة بين الإسلام ودول الغرب، ومنها أن الإسلام دين يدعو إلى التسامح والرحمة، فالرحمة هي أساس الدين وهو ما يبينه حديث الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّماء»، وهو أول ما يتعلمه طلبة العلم. وأضاف أن الإسلام يحث المسلم على التعاون والانخراط في تنمية المجتمع وبناء الحضارة وتعمير الأرض والعبادة وهو ما يبينه قول الله تعالى: «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». وأوضح مفتي الديار المصرية أن الإسلام قد تقبل تعددية الحضارات عبر التاريخ ولم يصطدم بأي ثقافة أو حضارة واستوعب حضارات متعددة منها الفارسية والهندية والصينية وغيرها، وهي حقيقة تاريخية واقعية يؤكدها التاريخ والمصادر الإسلامية. وأضاف أن الإسلام يتعاون مع كل الحضارات التي تساهم في بناء المجتمعات وينشئ شراكات مع الجهات التي تستهدف تطوير الحياة الإنسانية، وهو تعاون يستلزم الوسطية الإسلامية واعتمادها كمرجع للتفاهم. وتحدث جمعة عن أهمية دور المرأة في الإسلام مبيناً أن أول من أسلم كان امرأة، وهي السيدة خديجة بن خويلد رضي الله عنها، مؤكداً أن مكانة المرأة في الإسلام عبر العصور لم تتغير، فقد حكمت وتولت القضاء وباشرت الحسبة وشاركت بالرأي، ويشهد بذلك التاريخ الإسلامي ويؤكد عليه الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية. وتحدث جمعة أيضا عن قضية المرجعية العالمية للمسلمين وأكد أن منظمة المؤتمر الإسلامي تلعب دوراً رائداً في هذا المجال بدعم من مؤسسات عالمية أهمها جامعة الأزهر. وأكد أن العالم في أمس الحاجة للحوار الآن في ضوء المشكلات العالمية التي يواجهها العالم اليوم، مشيراً إلى أن هذا الحوار ينطلق من الاعتراف بالهويات والحقائق واحترام خصوصيات الآخرين، على أن يقوم الحوار على التعددية الدينية والتنوع الثقافي. وأضاف أن عالمنا هذا يتغير بسرعة فاقت كل المتوقع وأثرت الحروب على الاستقلال والاستقرار وأصبحنا متفرقين، ولم تستمر الدول في الاتصال الحضاري الدائم واتخذ البعض من الاختلافات الحضارية والثقافية فرصة للتفريق وإشعال النزاعات، ولذلك يجب أن نؤمن بأهمية التعاون لتحقيق السلام والعدل والمساواة. ومن جهته، أكد الدكتور ويليام فيندلي أن العالم تجتاحه الآن ثورة جديدة في مجال التعاون الديني وهي ثورة تعتمد على توحيد الخطاب ونبذ الخلافات الفردية، من خلال لغة مشتركة للسلام والاهتمام. وأكد على أهمية وجود ردود فعل أساسية للقادة المتدينين لمواجهة التحديات التي تواجه الكرامة الإنسانية من أجل حل النزاعات والتقدم الإنساني. وأشار إلى أهمية أن يكون هناك فهم جديد للعلاقة بين العالم العربي والإسلامي والغرب، وتنفيذ هذا الوعد ببدايات جديدة تعتمد على اتخاذ عدد كبير من القرارات من أهمها نبذ خلافات الماضي وخلق أساس جديد للتفاهم من خلال القيم والأهداف المشتركة ودعم التعاون. وطرح الدكتور ويليام فيندلي عدد من الأسئلة الأساسية التي تحدد مستقبل الحوار بين الأديان والتعاون بين دول الغرب والعالم الإسلامي، بهدف أن تصل إلى كل أطراف الحوار في العالم من خلال المؤتمر، وهي: هل سنتعلم معاً؟ هل سنقدر هويتنا معاً؟ هل سنعمل معاً؟ وأكد فيندلي على أهمية أن تحدد الدول الأولويات وتضع الأهداف التي لا تخدم مصالحها الفردية فقط، بل تخدم العالم بأكمله، وأن يكون الاختيار الذي تقوم به هو ما يخدم الصالح العام، وهو الذي يؤهلنا أن نستفيد من خبرات تاريخنا وتراثنا في التعاون في مجالاتنا المشتركة ودعم الخبرات بناء على عدد من القيم. وأشار إلى أهمية أن لا نسمح للعنف والمفاهيم الخاطئة أن تتلاعب بقدرتنا على القيام بالاختيارات الصائبة والقيام بالأفعال السليمة بناء على الأهداف السامية المشتركة.