يقارب فيلم «حد الدنيا» للمخرج حكيم نوري، الذي تم عرضه الاثنين الماضي ضمن فعاليات المهرجان الوطني للسينما بطنجة، تيمة الحب المستحيل في مواجهة غير متكافئة مع الموت قاهر اللذات، تنتصر فيها التجربة العشقية إنسانيا ورمزيا. ولئن كانت البنية الدرامية للفيلم ومكوناته الإخراجية تجعلانه أقرب إلى الفيلم التلفزي منه إلى السينما، فإن رهان حكيم نوري يقوم على إعادة التوهج لتيمة الحب في دلالاته المثالية السامية وأبعاده الروحية والإنسانية الراقية، بعد أن حولته سيرورة التحولات الحديثة في منظومة القيم الثقافية والاجتماعية إلى مجرد نوسطالجيا ليس إلا أو مادة للتعبير الأدبي. فالفيلم يصور قدر ية إنسانية تجمع بين بشرى (حنان إبراهيمي) ورئيسها في العمل سليم (حكيم نوري) في قصة حب ملتهبة، يزيدها فارق السن بينهما توهجا واحتداما حيث يرفض محيط البطلين هذه العلاقة غير الطبيعية والشاذة، تجسد ذلك بشكل واضح في موقف الطبيب صديق سليم (يونس ميكري) منها. يواجه كل من البطلين مسارا قدريا شكل ذلك الدافع الروحي للاقتراب من بعضهما البعض في تحد رهيب لمواضعات اجتماعية مناهضة لهما، فسليم الذي تهجره زوجته (فاطمة عاطف) بعد رحيل ابنيهما عادل وعصام وزواجهما، وبشرى التي فقدت والديها في حادثة سير رهيبة قادتها إلى الاستقرار نهائيا مع أخيها من الرضاعة هشام (يحيى الفوندي)، يجدان نفسيهما وقد تشبثا بذلك النور الداخلي الملتهب والدافئ الذي تكتنزه التجربة العاطفية الملتاعة والباذخة، وكأنهما بذلك يبصمان على ميلاد جديد لكينونتهما، بعد أن قادتهما دروب الحياة إلى عزلة ويتم روحي وإنساني قاس. تتنامى أحداث فيلم «حد الدنيا» من سيرورة من التناقضات والمواجهات بين الحب باعتباره اندغاما وفناء في المحبوب، وبين الموت الذي يتربص ببشري بعد اكتشاف إصابتها بالسرطان، أدى بها إلى الدخول في صراع نفسي ومواجهة شرسة مع نفسها، بين خيار وضع حد لهذه العلاقة، وبين عدم إخبار حبيبها بحقيقة مرضها المأساوي ليستمر حبه وتعلقه الجنوني بها. إن المعالجة «السينمائية» لموضوعة العشق في فيلم «حد الدنيا» هنا ليس له علاقة هنا باستهلاك رومانسي رتيب، بل يشكل رؤية للحياة وموقف منها، باعتباره أحد الأبعاد والمرتكزات لرؤية حداثية تعتبر العشق، كما عاشته شخصيات الأعمال الخالدة، ليس نزوات عابرة أو رسائل غرامية، بل نمط حياة ومساهمة في ترسيخ قيم ثقافية تناهض تلك المنظومة الأخلاقوية التي تنبذ الحب وتتعامل معه بنظرة تحقيرية وتسطيحية، وهو الأمر الذي دفع سليم إلى الدفاع عن حبه بتحد قوي باعتباره يشكل أساس كينونته وأساس وجوده الانساني، علاوة على أنه اختبار لحريته في الاختيار الحر لنمط وفلسفة حياته الخاصة. لقد نجح الفيلم في إعادة رد الاعتبار لتيمة الحب باعتباره تجربة إنسانية سامية لن تزيدها التحولات الشكلية التسطيحية المبتذلة والإيقاع الرتيب لحياتنا العصرية إلا توهجا وتألقا وبعدا حلميا، غير أن البنية السينمائية (التلفزية في الحقيقة) للفيلم وضعف الموقف الدرامي خصوصا في حالات الاشتداد ومحدودية أداء بعض الممثلين وانغلاق الفيلم على فضاءات معتمة معدودة، جعل الفيلم يسقط في رتابة مملة وخواء فني أجوف، مما يطرح معه سؤال الكتابة السينمائية، وقدرتها على ترسيخ تعبيرية جمالية وفنية متمكنة في نفس الوقت من أدواتها التقنية والسينمائية، ومنفتحة على الأبعاد والمعاني الكونية للتجارب الإنسانية الخالدة.