خالد لحلو يترأس دورة المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بمكناس    المغرب – اليابان: تعزيز التعاون في مجال الاستثمار    حركة سعيد شعو تدين لقاء الجزائر وتكشف خفاياه        البنك الدولي يمنح المغرب 250 مليون دولار لدعم برنامج جمع النفايات الصلبة في المدن        فريق دونالد ترامب يوقّع اتفاقا مع البيت الأبيض لمباشرة عملية انتقال السلطة    بدء سريان وقف إطلاق النار بين "حزب الله" اللبناني واسرائيل    مباحثات مغربية أمريكية لتعزيز التعاون العسكري المشترك    من أطلق الشرعي؟    غوتيريش يرحب بوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل    حماس جاهزة لإتفاق في غزة بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله    دوري أبطال أوروبا: إنتر يتصدر والأتلتيكو يكتسح والبايرن يعمق جراح سان جرمان    بعد اتهامات ثقيلة..أوزال رئيس الرجاء الأسبق يودع سجن عكاشة    نتائج مباريات الجولة الأولى من مجموعات دوري أبطال أفريقيا        حجز مجموعة من الحيوانات البرية والزواحف كانت موجهة للبيع بشكل غير مشروع    القصر الكبير : توقيف موظف بمؤسسة بنكية بتهمة اختلاس 50 مليون سنتيم    قضاء الرباط يقرر عدم تسليم الدكتور الإمام لمصر        انتخاب الاستقلالي الفخاري رئيساً لغرفة الصناعة التقليدية بجهة فاس - مكناس    كدمات في رأس ووجه بيب غوارديولا بعد نهاية المباراة أمام فينورد بالأبطال    ليالي المبيت بمؤسسات الإيواء السياحي المصنفة تسجل ارتفاعا بنسبة 4 في المائة    أخنوش: الحكومة تواصل تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية وتنفيذ سياسات اجتماعية منصفة ومستدامة    صاحب الجلالة يؤكد على ضرورة التوصل إلى الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار بقطاع غزة    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    كيوسك الأربعاء | إجراءات زجرية ضد مروجي الأخبار الزائفة بمواقع التواصل الاجتماعي    استثمارات ضخمة.. شركة الطرق السيارة بالمغرب تبدأ أشغال توسيع عقدتي عين حرودة وسيدي معروف        تركيا تعلق الدراسة في عدد من الولايات بسبب العواصف الثلجية    الرئيس الأسبق للرجاء أوزال بسجن "عكاشة" بسبب شيك بالملايير    نادي الدفاع الحسني الجديدة لكرة الطائرة بالجديدة منتشه بانجازاته المتميزة خلال السنوات الاخيرة    المؤبد والسجن النافذ لمرتكبي جريمة قتل شاب في حي المطار بالجديدة    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    حوار مع جني : لقاء !    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية: الكتابة بحبر الأحزان في «غزل الحكي» للروائية المغربية حبيبة الزوكي
نشر في بيان اليوم يوم 18 - 01 - 2012

مهما تعددت أساليب الكتابة وتشعبت، فإن الدارسين يصنفونها ضمن اتجاهين كبيرين اتجاه التعبير واتجاه الخلق، ودون الدخول في تفاصيل كلا الاتجاهين وما يجمعهما وما يفرق بينهما، أفضل أن أتحدث في هذه الورقة المتواضعة عن الاتجاه التعبيري الذي قدرت أن رواية الكاتبة حبية الزوكي «غزل الحكي» تنتمي إليه، فالتعبيرية مدرسة أدبية تنتصر للذات وتعتبرها مقياسا للفعل الإبداعي، مما يعني الاهتمام بالعواطف والمشاعر، وتتجلى وظيفة الأدب في هذا الاتجاه في إثارة الانفعالات والعواطف، حتى أن الكتابة تغدو معه فيضا تلقائيا للمشاعر القوية، لذا يعمد الكاتب التعبيري إلى البوح ليؤثر في نفسية القارئ، وذلك من أجل خلق نوع من التواصل الحميمي، الذي يأسر المتلقي عبر العزف على أوتاره الحساسة، وهكذا يميل الكاتب نحو المبالغة في طرح أحاسيسه وانفعالاته، فنجده يجنح نحو التفاؤل أو يغرق في التشاؤم ، ليخلق من العالم من حوله جنة تعبيرية تشد إليها الحالمين واليائسين على حد سواء، وفي تعاطيه مع شخصياته وأفضيته وأساليبه، فيعمد الكاتب مثلا إلى انتقاء عالم الكوارث والأحزان، محاولا إسقاط رؤياه الشخصية على مكونات العمل الأدبي، وقد لمع في هذا النوع من الكتابة الكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هيغو خاصة في روايته «البؤساء»، كما كان للأدب العربي نصيب من هذا التألق، ممثلا بكتابات جبران خليل جبران، التي خطت لنفسها طريقا تعبيريا رومانسيا، فأثمرت نصوصا تضج بالعواطف الجياشة، وقد وظفت - في سبيل تحقيق ذلك- لغة نابضة منفعلة و مؤثرة.
لا أخفي أنه منذ قراءتي الأولى لرواية «غزل الحكي» لحبيبة الزوكي فرض علي الاتجاه التعبيري نفسه بقوة، وتأكد ذلك في القراءة الثانية، إذأن ملامح هذا التوجه ومكوناته بادية للعيان، فتأثرت بذلك على كل عناصر المتن الروائي، وانعكس على شخوصه وأحداثه وأفضيته وأزمنته، وانسجاما مع هذا التجاه في الكتابة هيمن مكون الحزن بقوة على النص الروائي، حتى أن المرء يستطيع الحديث عن بلاغة الحزن في هذه الرواية.
ويصادفنا هذا الملمح ويفرض علينا نفسه انطلاقا من العناوين الداخلية،التي وسمت بها الكاتبة مقاطع الرواية من قبيل مات البطل عاش العلم -أبيض أسود- اغتيال الأحلام- رمادي.
افتتحت الكاتبة روايتها بحديثها عن الفضاء الذي سيكون مسرحا لأحداثها وشخوصها، فبرعت في تصويره بحبر الحزن، بما ينسجم مع الاتجاه التعبير في الكتابة الذي اختارته لنفسها، فجعلت منه فضاء يئن تحت وطأة الأحزان تقول الساردة» «مازغان الأم والتاريخ تتمزق.. مازغان شاحبة الوجه وهي ترقب بقلب حزين ما وقع لأبنائها.. عيناها مبللتان تتحسران على حاضر أبنائها».
وإذا كان الفضاء بمثل هذا الحزن، فلا يمكن إلا أن تنتقل عدواه إلى باقي المكونات والعناصر، فنجد الحيطان تشعر بثقل الفجيعة، تقول الساردة «فوق الحائط المصاب بالفجيعة» ونقرأ في مكان آخر من الرواية «تلك الحيطان المملوكة بهاجس الموت».
هذا الحزن الذي تسيد الفضاء الذي تجري فيه أحداث الرواية طال الزمان كذلك تقول الساردة «في صباح هذا اليوم الشاحب مثل القمر» وفي مكان آخر من الرواية نقرأ «أضحت الأيام جوفاء» كما نجد في ثنايا الرواية تعبيرا من قبيل «تمر الأيام وتتكرر الأحداث حتى الموت».
وانسجاما مع هذا الجو الكئيب فضاء وزمانا أصبح العالم المحيط بالشخصيات معبرا عن الآلام التي تعتصره، فالبحر مثلا غدا «محطة الأحزان» والشوارع تبكي ألما وحزنا والأشجار تحتضر.
وقد نالت الشخصيات الرئيسية في الرواية نصيبها الأكبر من هذه اللوعة، ليصطلي بنارها كل ما يحيط بالرواية، ف»نور البطل أو الشخصية الرئيسية يعرفنا بنفسه فيقول «أفقي الذي كان نورانيا مرض بمرض الظلمة» وحين تتدخل الساردة لتعمق معرفتنا بشخصيته، ترسخ في أذهاننا إحساسه بالحزن والضياع وفقدان الأمل فتقول «إنه شارد البال أو ربما يعيد شريط حياته الحزينة «يبكي»، وهو رهين عالمه السوداوي تراوده باستمرار فكرة الانتحار، لأن ذاكرته كما تقول الساردة «استضافت أفكارا سوداء عميقة» حتى أن النوارس بدت له حزينة وكئيبة، إنه دائم الشكوى تقول الساردة «وقف وبلل وجهه ماء العينين ..ولا يني ينخرط في «مثل البكاء والأنين بل مثل النحيب» لأنه يشعر بأن «النيران تحرقه فلا يغدو إلا حطاما» وكم مرة نجده يعترف بمأساويته محاولا تبريرها بشتى الوسائل فلنصغ إليه وهو يقول «كيف لا يكون كل شيء في جسدي موقعا على إيقاعات السيد الحزن».
وحتى الشخصية المرافقة للبطل والتي من الممكن أن تحد من غلوائه، وترفع من معنوياته وأقصد بها حبيبته كوثر، نجدها تعاني تحت وطأة الحزن والألم، فترفع عقيرتها بالشكوى، ورغم أنها تحتج على سوك البطل قائلة «ما هذا الكلام المصاب بالفجيعة؟» فإنها سرعان ما تستسلم لأجواء الأحزان التي تحيط بها تقول عنها الساردة» أحست بانهيار كل أملها وانتحار كل صمودها، قالت ذلك وهي تتذكر كل انكساراتها، فلم تجد سوى الطبيعة ملجأ لها لتبثها شكواها وهي غالبا ما تتوجه كباقي الشخصيات الحزينة بخطابهاإلى البحر والنوارس والأشجار.. ولعل ذلك من سمات الفارقة للاتجاه الرومانسي التعبيري.
إذا كان كل ما تقدم يبرهن على أن الكاتبة قد اتخذت من الحزن حبرا تسطر به بلاغتها ضمن اتجاه تعبيري رومانسي، ينتصر للذات والانفعالات والعواطف،فإن الكاتبة قد عمدت أكثر من مرة للإشارة إلى هذا التوجه تصريحا أوتلميحا في روايتها، ومن ذلك قولها « إن عالم الحرف له دور إكلينيكي في امتصاص الغضب وتدجين اليأس والانهزام، «وهذا مما يشي بتصور محدد، يؤطر رؤيا الكاتبة للفعل الإبداعي عموما، وكل ما أتمناه شخصيا أن تكون.
هذه الرواية قد أدت دورها التطهيري للكاتبة وللقارئ معا، حتى يمكنهما أن يلتقيا مستقبلا في عمل روائي لحبيبة الزوكي يسخر من العالم وقبحه وسماجته بدل أن يتفجع عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.