واصل المغرب خلال سنة 2011، في سياق التحولات الجارية في المنطقة والعالم، بخطى حثيثة اعتماد مقاربة ترتكز على جعل تطوره المؤسساتي والديمقراطي رافعة قوية لتعزيز دبلوماسيته الوطنية خدمة لمصالحه وقضاياه الاستراتيجية، وذلك من خلال سعيه لتعميق التكامل بين الإصلاح السياسي والانفتاح والتفاعل الإيجابي مع محيطه الجيو-السياسي. ووفق هذا المنظور لم يكن المغرب، بانخراطه في خيار بناء مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحداثية، يؤسس فقط لمرتكزات دولة الحق والقانون، بل وأيضا لتفعيل هذه الدينامية الإصلاحية لتكريس إشعاعه وحضوره الإقليمي والدولي. وهكذا أعطت الإصلاحات الدستورية والسياسية التي باشرها المغرب، فضلا عن النهوض بثقافة التنمية الاقتصادية التي أطلقها جلالة الملك منذ أزيد من عشر سنوات، دفعة قوية لهذه للدبلوماسية المغربية، إذ أضحى المغرب، بفضل الزخم الديمقراطي والتنموي، نموذجا للإصلاحات في العالمين العربي والإفريقي، وتبوأ مكانة متميزة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فقد شكل المسار الذي تميز بتبني دستور جديد يتضمن قواعد الحكامة الجيدة ويرسي دعائم الجهوية الموسعة والحكامة الترابية بكل مناطق المملكة، وفي صدارتها الأقاليم الجنوبية، سندا قويا لمبادرة الحكم الذاتي، كحل سياسي ونهائي للنزاع حول الصحراء، ومساهمة نوعية في ترسيخ مصداقية المغرب كشريك اقتصادي يحظى بالجاذبية في ميدان الاستثمار. وفي هذا الإطار، جاء انتخاب المغرب، بأغلبية ساحقة، عضوا جديدا غير دائم بمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ليؤكد الثقة المتنامية التي يضعها العالم في المغرب وفي استقراره السياسي، وتنويها وتشجيعا لنموذج التحديث والإصلاح الذي ينتهجه، وتتويجا لدبلوماسية مسؤولة وفاعلة، وتقديرا لمساهمته في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، من خلال مشاركته السابقة والمتواصلة في عمليات حفظ السلام بإفريقيا. ونفس الدلالة اكتستها عملية انتخاب المغرب في شخص رئيس مجلس النواب عبد الواحد الراضي رئيسا للاتحاد البرلماني الدولي، وكذا تعيين يوسف العمراني أمينا عاما للاتحاد من أجل المتوسط، إذ اعتبر شغل هذين المنصبين نتاجا لجهود حثيثة لدبلوماسية موازية خلال السنوات الأخيرة بنفس جديد من أجل الدفاع عن مصالح المغرب على الصعيد الدولي، وإقرارا بدور المغرب الفعال والنشيط على الساحة الدولية، ودعما لطموحه في الإسهام في الارتقاء بالمنطقة المتوسطية إلى فضاء جيو-سياسي متجانس عماده المصالح المتبادلة، والتحديات المتقاسمة، وبناء مستقبل مشترك. وبهذه الرؤية الاستراتيجية التي تعتمد الحزم في المبادئ، والواقعية في التوجه، والنجاعة في الآليات والنتائج الملموسة، انخرط المغرب أيضا خلال هذه السنة في مسار البحث عن تسوية للنزاع المفتعل حول الصحراء من خلال جولات من المفاوضات غير الرسمية مع «البوليساريو»، بهدف دفع الأطراف المعنية إلى إيجاد حل سياسي متفاوض حوله. وجاء القرار 1979 حول الصحراء المغربية، الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي في شهر أبريل من هذه السنة والذي تم بمقتضاه تمديد مهمة بعثة الأممالمتحدة للاستفتاء في الصحراء (المينورسو) إلى غاية 30 أبريل 2012، لينتصر لهذا الخيار، ويعزز المكتسبات التي حققها المغرب خلال السنوات الأخيرة بفضل تقديم مبادرته للحكم الذاتي، ويثمن المبادرات الهامة لجلالة الملك محمد السادس. وعلى المستوى المغاربي، واصل المغرب تأكيد التزامه بمواصلة العمل من أجل بناء الصرح المغاربي كخيار استراتيجي ومشروع اندماجي لا محيد عنه، مجددا حرصه القوي على تشييد مستقبل مشترك، يقوم على احترام مستلزمات السيادة والوحدة الترابية للدول. وفي إطار التوجه نفسه، ساهم المغرب في دعم وإنجاح مشروع التغيير في ليبيا وتطلعها لبناء أسس دولة حداثية وديمقراطية من خلال تقديم دعم سياسي قوي للمجلس الوطني الانتقالي الليبي وذلك تماشيا من نهجه في نصرة القضايا العادلة للشعوب والوقوف إلى جانب الشرعية الشعبية وخلق شروط وحدة مغاربية ترتكز على الأهداف الديمقراطية والتنموية. كما واصل المغرب، بعزم وحزم، جهوده لتعزيز أواصر الأخوة العربية والإسلامية والشراكة المثلى بين كل مكونات الوطن العربي وتكتلاته الإقليمية. ويمكن اعتبار الدعوة التي وجهها مجلس التعاون الخليجي للمغرب للانخراط في هذا التكتل الاقليمي، وإنشاء صندوق خليجي للتنمية لتقديم الدعم لمشاريع التنمية بكل من المغرب والأردن، دليلا آخر يؤكد تثمين المشروع السياسي والإصلاحي الوطني المرتكز على التغيير الهادئ والرصين والتدريجي، وتأكيدا لمكانة المغرب عربيا ومساهمته في بناء شروط نهضة عربية قائمة على التكامل السياسي والاقتصادي. وعلى المستوى الشراكة المغربية الأروبية عمل المغرب جاهدا على التفعيل الأمثل للوضع المتقدم والمتميز لشراكته مع الاتحاد الأوروبي، من منطلق إيمانه بأن هذه الشراكة تتطابق وما يبذله من مجهودات للمضي قدما في ترسيخ دعائم مجتمع منفتح، ديمقراطي وتضامني، فضلا عن كون توجهه للبروز كاقتصاد صاعد يتلاقى مع طموحه الاستراتيجي، لبناء فضاء اقتصادي مشترك مع هذا الاتحاد. وفي هذا الإطار يمكن إدراج الدعم المالي والسياسي الذي قدمه كل من الاتحاد الأوربي ومجموعة الثمانية إلى المغرب بهدف تعزيز وتسريع الإصلاحات السياسية التي مكنت من ضمان نجاح انتقال ديمقراطي بالمغرب في إطار تطور هادئ ومهيكل وسلمي. ويؤكد العديد من المتتبعين أن المغرب، وهو يستشرف المستقبل بخطوات واثقة نحو إرساء الديمقراطية، يرنو بنفس الطموح إلى جعل ذلك مرتكزا قويا لحضور دولي وازن ومؤثر يخدم قضاياه وأهدافه الوطنية الاستراتيجية.