وعلى مستوى انتمائه العربي والإسلامي, فإن المغرب, الذي يتابع بانشغال ما يجري في بعض البلدان العربية الشقيقة من تحولات, يعتبر أنه لا مناص من التعاطي مع قضايانا وتحدياتنا, بروح جريئة واستشرافية, بالحوار التوافقي البناء ; بعيدا عن كل أشكال التعامل التقليدي, الذي برهن عن محدوديته وعدم جدواه, وذلك لتطويق المخاطر المهددة لسلامة الدول ووحدتها الترابية. وإن خدمة المصالح الحيوية للأمة العربية في هذا الاتجاه, ليقتضي, قبل كل شيء, الاعتماد على روح التعاون والتكامل, والشراكة المثلى بين كل مكونات الوطن العربي, وتكتلاته الإقليمية. وتظل القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماتنا, ولاسيما في هذه الظرفية التي تشهد انبثاق آمال عريضة, أفرزتها المواقف الإيجابية لبعض الأطراف الدولية الكبرى, والآثار المنشودة من المصالحة الفلسطينية. وبصفتنا رئيسا للجنة القدس, فإننا نوجه نداء للرباعية الدولية, لتحمل مسؤولياتها في هذه المرحلة الدقيقة من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ; مجددين التأكيد على أن السلام العادل والدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط, يمر عبر ضمان حقوق جميع شعوب المنطقة في الحرية والاستقرار والازدهار, وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للاستمرار, عاصمتها القدسالشرقية. أما علاقاتنا مع عمقنا الإفريقي, الذي يشكل مجالا لفرص واعدة, فإننا حريصون على نهج مقاربة متجددة, قائمة على التضامن, ومبنية على تعزيز الأمن والاستقرار, خاصة في منطقة الساحل والصحراء ; فضلا عن خلق شروط تنمية بشرية, تسهم في النهوض بالإنسان الإفريقي, طبقا لأهداف الألفية للتنمية. كما أن ما يجري من أحداث ومتغيرات في منطقة جنوب المتوسط, يؤكد ضرورة تحقيق نقلة نوعية في مسارات الشراكة بين الشمال والجنوب, من أجل خلق فضاء اقتصادي وإنساني متضامن ومنسجم, تتقاسم شعوبه قيم الديمقراطية والتنمية المشتركة. ويمكن لشراكة المغرب مع الاتحاد الأوروبي, بمختلف أبعادها, أن تشكل مصدر إلهام لصياغة هذه المقاربة المتكافئة, ذات المنافع المتبادلة. وسيواصل المغرب تعاونه مع باقي الشركاء, في القارتين الأمريكية والآسيوية, في إطار شراكات استراتيجية مثمرة, بما يضفي المزيد من الحيوية على شراكاتنا عبر العالم. شعبي العزيز, في هذا الظرف التاريخي المتميز بتدشين عهد دستوري جديد, نستحضر بكل خشوع وإكبار, الأرواح الطاهرة لجدنا المقدس, بطل الحرية والاستقلال, جلالة الملك محمد الخامس, ووالدنا المنعم, جلالة الملك الحسن الثاني, باني الدولة المغربية العصرية, وكافة شهداء الوطن الأبرار, أكرم الله مثواهم. كما نتوجه بالإشادة إلى قواتنا المسلحة الملكية, والدرك الملكي, والأمن الوطني, والإدارة الترابية, والقوات المساعدة, والوقاية المدنية, على تفانيهم وتجندهم الدائم, تحت قيادتنا, للدفاع عن حوزة الوطن وسيادته, وصيانة أمنه واستقراره. شعبي العزيز,كما أن لكل زمن رجاله ونساءه, ولكل عهد مؤسساته وهيئاته ; فإن دستور 2011, بصفته دستورا متقدما من الجيل الجديد للدساتير, يستلزم بالمقابل جيلا جديدا من النخب المؤهلة, المتشبعة بثقافة وأخلاقيات سياسية جديدة, قوامها التحلي بروح الغيرة الوطنية, والمواطنة الملتزمة, والمسؤولية العالية, وخدمة الصالح العام. كما يتطلب انتهاج السياسات المقدامة, الكفيلة بتحصين المكتسبات, وتقويم الاختلالات, والنهوض بالإصلاحات الشاملة. وذلكم هو السبيل الأمثل لتحقيق طموحنا الجماعي لبناء مغرب جديد, موحد ومتقدم, يحقق المواطنة الكاملة لكل أبنائه, ويحفظ كرامتهم, ويصون وحدة الوطن وسيادته. "ربنا آتنا من لدنك رحمة, وهيء لنا من أمرنا رشدا". صدق الله العظيم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".