سفر بالأبيض والأسود هو عنوان معرض الفنان عبد اللطيف الزين الذي افتتح مساء الجمعة 16 دجنبر برواق «عنبر غاليري» بمدينة المحمدية ويمتد إلى غاية 15 يناير 2012. التَسَامي داخل رحلة روحية سؤل الفنان عبد اللطيف الزين بمدينة الدارالبيضاء، ما إذا كان قد سَبَقَ له رَسْم الكعْبة الشريفة من قبْل. وبعدَ أنْ رَدّ بالنّفي، راودت الزّين على التّوّ فكرة رؤيوية مفادها أنّ هذه مناسبة لللعودة إلى منبع تطهيريّ. وحينَ وصل إلى العربية السعودية، عند شُرُوق الشمس، وما أنْ بَلَغَ ساحة الكعبة، حتى أبْهره المشهد الهائل الماثل أمامَ عينيْه، والذي يهيْمن عليه النور والحشود البشرية المتّشحة بالأبيض والأسود وهي تكبّر وتطوف بالكعبة المنتصبة بجلال وسط الفضاء... إنه كَشْف ذو طبيعة صُوفية، سواء على مستوى الموضوع غير المسبوق في السّجّل التشكيلي لهذا الفنان، حيث المادة البيضاء والسوداء تخضع لتقنية اللمسات الفنية المُحْكمة والمُفْعمة بالحيوية، ولمذهب نصْف تجريديّ هو الذي أعْطى الشُّهرة الحَرَكيْة لعبد اللطيف الزين، أو على المستوى الروحي، أيْ مستوى التأمّل داخل فضاء مَمْهور بقوى إلهيّة. إنّ الأعمال ذات الأحجام الكبيرة والصغيرة، تنفتح كالنوافذ على فضاء شاسع ذي نور أبيض منتشر، هو بوتقة لكلّ الأنوار. ذلك أنّ الحركةَ الدائريةَ التي يقوم بها الحُجّاج، المتّشحين كلّهم بالبياض، حاضرة كأنها مدّ وجزر بشريّ متراصّ ومتموّجة، يسعى نحو الكعبة الهائلة المشرّفة المكسوّة بالحرير الأسود، والموشّاة في أعلاها ببنط دائري مُذهَّب ولامع. يعمدُ عبد اللطيف الزين إلى تنويع زوايا النظر على موضوعه، وكذا زوايا الرصد (التضْخيم، المَرْكَزة، الرؤية من الزاوية)، وذلك تبعا لمقاييسه الجمالية، وبصفة خاصة، تبعا للقوة الانفعالية التي تبدو، أثناء الإنجاز، أنها تُكَهْرب فعْلا تشكيليّا جليلا وبارعا. ومن هنا يأتي اختيار الزّين للعنوان الفرعي المتمثل في «الرحلة الروحية» المتسامية. إنّ التقنية المستعملة عادة من طرف الزين، وهي تقنية وصفية وذات حمولة تجريدية قوية، على الرغم من كونها تقتصر هنا على اللونيْن المتعارضيْن، الأبيض والأسود، هذه التقنية تعمل، مع ذلك، على التكثيف في ذاتها مجموع سلم الألوان الذي تنبع منه هنا وهناك نقط ألوان تميل إلى الزّرقة، وهي التي يجسّدها اللون الرمادي الدّالّ... ومن ثمَّ، فإنّ العين تنخرط في لعبة بارعة من الظلال المتراصّة، حيث أشكال الأشخاص ( النساء المتّشحات بالسّواد، والرّجال بالبياض) تأخذ مظهر صُوَر ظلّيّة، هي في معظم الأوقات صور أزواج منسجمين فيما بينهم، وهي من المشاهد التي يتعرّف عليها المرْء بسهولة كبيرة، المشاهد النمطية لمشرق إسلاميّ عتيق. يبدو أنّ عبد اللطيف الزين، من خلال «رحلة بالأسود والأبيض»، وهو العنوان المميّز للوحات تمثّل شخوصا، يرمي إلى القيام ببحث رُوحي. وعلى الرّغم من الجانب الإثنوغرافي إلى حدّ ما، والمُعبَّر عنه بالرّسوم التخطيطية، فإنه يدعونا إلى الخشوع والسكينة الرّوحية، وبالتالي يبقى إنجازا من بيْن الإنجازات الكبيرة التي تطبع المسار الإبداعي لهذا الفنان. إنّ الثنائية اللوْنية تُحيل عن قصد على بلدان الخليج في اختياراتها على مستوى اللباس، وهي الاختيارات التي تنسجم وتتلاءم مع الأمكنة وروح الأمكنة. فاللباس الأسود النّسوي يتعارضُ مع اللباس الأبيض الذُّكوري؛ بحيث أنّ رمْزيّة هذيْن اللوْنين المحايديْن تمتدّ لتشملَ رمزيّة الأمكنة المقدّسة وتغطّي الفضاء.