صفقة «الصندوق الأخضر» وخدعة «الاقتصاد الأخضر» أفضت المفاوضات الماراطونية ل 190 دولة حول المناخ يوم الأحد الأخير في دوربان في جنوب افريقيا الى وضع خارطة طريق في أفق التوصل إلى اتفاقية سنة 2015، تشمل للمرة الأولى كل الدول لمكافحة الاحترار المناخي. وهو الاتفاق الذي سيسمح بتمديد العمل ببروتوكول كيوتو بعد العام 2012 وتجنب الفشل بعد سنتين على خيبة أمل كوبنهاغن، دون إجراءات مرافقة لضمان ترجمة عملية للوعود المضروبة من أجل احتواء الاحترار المناخي تحت عتبة الدرجتين المئويتين في أفق تخفيض الانبعاثات بنسبة 20% سنة 2020، وهدا في الوقت الذي يعلن فيه خبراء البيئة وعلماءها، أن تعهدات الدول المتقدمة لم تعد مجدية، بعد أن صار المطلوب هو ضعف هذا الرقم عن مستويات عام 1990 للحدّ من ارتفاع درجات الحرارة أكثر من درجتين. وبروتوكول كيوتو الذي ابرم في دجنبر 1997 ودخل حيز التنفيذ في فبراير 2005، يفرض على الدول الغنية باستثناء الولاياتالمتحدة التي لم توقع عليه، خفض انبعاثاتها من المواد المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض وفي مقدمتها ثاني اكسيد الكربون. وحسب العديد من المتتبعين لقمة دوبران الجنوب إفريقية، فإن الاتفاق المذكور جاء على صيغة صفقة عرضت من قبل الدول المتقدمة على البلدان النامية، والتي تتمثل في السير في الجزء الثاني من «كيوتو» مع ما يتطلبه من التزام من الدول المتقدمة بالتخفيف من الانبعاثات وبمساعدة البلدان النامية، مقابل أن تتعهد الدول النامية بالتزامها بالتخفيض ابتداء من العام 2020، وهو الأمر الدي رفضته الصين والهند. وفي هدا الإطار أقرت قمة دوربان آلية عمل «الصندوق الأخضر» لتوفير مساعدة مالية للدول النامية على مواجهة التغير المناخي، بيد أن مسألة تمويل هذا الصندوق بقيت معلقة في حين أن الالتزام المتخذ قبل سنتين في كوبناغن ينص على التوصل إلى 100 مليار دولار سنويا اعتبارا من العام 2020. وبهدا الخصوص شهد مبنى المفاوضات في دوربان تظاهرات تنادي بإنقاذ أفريقيا وبإبعاد البنك الدولي ومرفق البيئة العالمي من «الصندوق الأخضر» وبالمسؤولية التاريخية للدول المتقدّمة وبرفض تجارة الكربون. تظاهرات أملتها الخلفيات التي طالما حكمت مفاوضات المناخ مند 1992، بدليل أسس التفاوض التي لم تكن بيئية قط ، ولا كانت تهدف يوماً إلى إنقاذ كوكب الأرض، بقدر ما كانت تروم التوظيف السياسي والهيمنة الاقتصادية. وحتى إن بدت نبرة خطابات وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة إنقاذ البيئة عالية أمام قمة دوربان، فإن متنها لم يخلو من لازمة ما بات يؤرق الأوروبيين في غمرة الأزمة الاقتصادية العالمية من ضرورة إنقاذ الأورو. ولعل أكبر خدعة في دوربان، حسب العديد من المتتبعين والمختصين في قضايا البيئة، هو ما جرى التسويق له من كون المخرج السليم من الكوارث التي تتهدد التوازن الإيكولوجي الكوني وبيئة الإنسان الطبيعية هو اعتماد «الاقتصاد الأخضر» والتكنولوجيا الخضراء بدلاً من الاقتصاد البني والطاقة الإحفورية المسببة للإحترار المناخي، خدعة لطمس حقيقة عمق وأصل الأزمة المتمثلة في اقتصاد السوق المنفلت من أي عقال أو ظبط والمدمر للطبيعة ولاقتصاديات الدول والشعوب وللتراث المشترك للإنسانية. وهكذا ومع كل جولة مفاوضات، تضيع الفرصة تلو الأخرى، وتنتصب مخاطر تغير المناخ خارج سلطة الدول، فواشنطن لم تستطع المصادقة على بروتوكول كيوتو العام 1997 ولا على التعهد الذي ابرمه الرئيس باراك أوباما نفسه في كوبنهاغن العام 2009، ودول صناعية كبرى مثل اليابان وروسيا وكندا تملصت من نسخة كيوتو الثانية بدعوى لا مسؤوليتها في انبعاثات العالم، في حين تجد البلدان النامية نفسها عاجزة اليوم عن أي التزام جديد أمام عدم وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها. في هذه الدوامة من الثقة المفقودة وأمام مصالح القوى الاقتصادية المسيطرة على سياسات الدول والمتحكمة في مصير الشعوب والعالم ً، لن تحصل تغييرات مهمة إلا إذا حصلت كوارث مناخية صادمة،كما يخلص إلى هدا تقرير أحد المتتبعين للمفاوضات المناخية الدولية الأستاذ حبيب معلوف.