شارحا أسباب تراجعه عن نصرة الغزو الأمريكي للعراق بعد أن كان أول الدعاة إلى استخدام منطق القوة، فرانسيس فوكوياما المفكر المثير للجدل وذو الأفكار المستوقفة، الذي يعيش حاليا مرحلة مراجعة الكثير من أفكاره، يفيض صراحة في هذا الحوار؛ حيث يقر باتخاذ الديمقراطية ذريعة للحرب على العراق التي افتقرت لأية إستراتيجية بعيدة المدى. ولن تقف صراحته عند هذه الحدود بل سيعترف بخوف الجمهوريين من عضوية المحكمة الجنائية الدولية، وبضرورة محاكمة حتى المثقفين الذين دفعوا بفكرهم قبلة الحرب، وبعدم تخلي أمريكا، ضمن خطتها الجديدة للألفية الثالثة، عن مصالحها المستدعية لسياسة ازدواجية المعايير. في هذا الحوار أيضا، يناقش مجددا فوكوياما في فكرة نهاية التاريخ وتصدير المؤسسات الديمقراطية للبلدان الثالثية، ونهاية السيطرة الأمريكية على العالم واتجاه هذا الأخير صوب تعددية الأقطاب، ثم المواجهة بين العالم الغربي والإسلام السياسي في صيغته الراديكالية. ولن ينتهي الحوار دون أن يبوح فرانسيس فوكوياما للقراء بفحوى كتابه القادم «جذور النظام السياسي»، وهو الحوار الذي أجري في ستانفود يونيفرسيتي بولاية كاليفورنيا في نونبر 2010. * في سنة 2003 غيرت موقفك حيال فكرة استخدام آلية القوة لتدعيم وترسيخ الديمقراطية، وفي سنة 2006 نشرت مقالا تنتقد فيه سياسة المحافظين الجدد ومواقفهم وأفعالهم، ما هي الدواعي الحقيقية لهذا التحول علما أنك مصنف كواحد من مثقفي المحافظين الجدد، وواحد من دعاة استخدام القوة ضد الإرهاب والتخلص من نظام صدام؟ - حدث هذا التحول في مواقفي سنة بعد هجمات 11 شتنبر، وسنة قبل غزو العراق، أي في سنة 2002 حين كانت إدارة بوش تحضر لغزو العراق، وكنت أنا حينها في جولة أوروبية لتباحث قضايا تتعلق بالسياسة الأمريكية، وأولها مسألة الغزو، مع كبار الشخصيات بأوربا. أثناء هذه المباحثات، وفي خضم متابعتي لخطوات الغزو عن كثب، تكشف لي أن إدارة بوش لم تحضر بشكل جيد لهذا الغزو، وتحديدا لمرحلة ما بعد الغزو، وأن الدواعي المعلنة من قبيل الديمقراطية لا صلة لها بحقيقة الغزو ومآربه، خاصة وأني أمضيت سنوات أفكر وأبحث حالات الغزو الأمريكي كحالة الفيتنام، وفي كل مرة أخلص إلى الخلاصة ذاتها، أن الغزو الأمريكي لا يهتم ولا يدرس مرحلة ما بعد الغزو، والأمر ذاته حدث في حالة لعراق، إذ كان كلما دنا موعد الغزو تبين لي أن إدارة بوش لا تملك أي مخطط جدي لما بعد الحرب في العراق. لقد كانت مغامرة غير محسوبة العواقب للسياسة الخارجية الأمريكية. كانت نظرة بوش للغزو ونتائجه المتخيلة فوق تفاؤلية، خاصة في مسألة الاعتماد بسهولة الانتقال نحو الديمقراطية، لقد بدا جليا أنهم لا يفهمون تعقيدات الحالة وأبعادها التاريخية، الثقافية والجيو إستراتيجية، إذا ليس من السهل خلق مؤسسات ديمقراطية بدولة نامية في سرعة البرق، إنهم لم يكونوا واعين بمحاذير الاختلاف البيئي والثقافي، ليتبنوا- هم أنفسهم - فيما بعد، أن الأمر لم يكن فسحة ربيعية. إذن عدم التحضير الكافي للغزو، وعدم التخطيط له ولما بعده، جعلني متيقنا أن الخسائر والأخطاء ستكون فادحة وفظيعة، لذا غيرت موقفي ولم أعد مناصرا للغزو. * قيادة حرب باسم «الديمقراطية»، ألا يعد جريمة ضد الإنسانية وضد الديمقراطية ذاتها؟ وهل يمكن بناء الديمقراطية عبر الغزو والدمار والتعذيب؟ - طبعا، لا يمكن، فالديمقراطية لم تكن الهدف الرئيسي من هذه الحرب، إنها ذريعة روجت واعتقد بها الكثيرون، لقد كان الهاجس الأول من هذه الحرب أمنيا صرفا، أما الهاجس الثاني فتجلى في إنهاء نظام صدام كجزء من مسلسل الحرب على الإرهاب وقبل أن يمتلك هذا النظام فعليا أسلحة الدمار الشامل، أما الديمقراطية فكانت مجرد مبرر. * ألم يكن الأمر جريمة ضد الإنسانية؟ - مبدئيا يمكن استخدام القوة لحماية حقوق الإنسان، والاتقاء من خطر هجوم ما، ليس خطأ. ولكني أعتقد أن القوة يجب أن تستخدم بحذر شديد، وأن تخضع لمعايير القوانين الدولية وضوابطها، وأن يكون الهدف حماية المنظومة الدولية واحترام قوانينها. * (مقاطعة) ولكنه تصور لمفهوم استخدام القوة بشكل «وقائي»، فلا أحد يضمن التجاوزات والخروقات والجرائم الشنيعة التي تقترف باسم الدفاع عن النفس، إذ كيف تصنف «أبو غريب» وما اقترفه الجيش الأمريكي بالعراق تحت ذريعة الاتقاء من خطر محتمل؟ - سأعطي مثالا لاستخدام القوة لغايات حسنة، كحالة سيراليون عام 1999 حيث تدخلت بريطانيا تحت المظلة الأممية، ليس من أجل الديمقراطية، ولكن من أجل استتباب الأمن، وهو نموذج لاستخدام القوة. * (تعقيب) أعتقد أنه لا رابط بين حالة سيراليون وحالة العراق، هذا دون مناقشة أن ما يحدث بدول إفريقيا جنوب الصحراء، من اضطربات وحروب ومجاعات، تقف خلفه القوى الكبرى بالتواطؤ مع الأنظمة المحلية، ليتستروا فيما بعد في ثوب الحمل مطوعين المظلة الأممية... - ولكني مع ذلك أقول إنه من الممكن استخدام القوة من أجل الديمقراطية، مشددا في ذات الآن على أن الأمر يجب ألا يتحول إلى عادة روتينية أو سهلة لأننا لا نستطيع ضمان كيفية استخدام القوة، فالشطط والخروقات واردة كما حدث في العراق. * بناء عليه، هل التخلص من نظام صدام كان يتطلب 13 سنة من الحصار والعقوبات الاقتصادية، ثم الإجهاز على العراق عبر الغزو، وتدمير بنياته التحتية، وتقتيل شعبه صغارا وكبارا؟ ألا تعتقد أنه لو تخلصت الولاياتالمتحدةالأمريكية من صدام بالطريقة التي تخلصت بها من نظام سيلفادورألندي، لكان الأمر أقل تكلفة، أم أن الثمن كان يستحق ذلك كما صرحت مادلين أولبرايت؟ - لا، مطلقا، لم يكن الثمن مستحقا لذلك، فالتخلص من نظام صدام لم يكن يستدعي جعل الشعب العراقي يطفح كل هذه المعاناة. وأمريكا مسؤولة عن معاناة الشعب العراقي وآلامه، لقد كان الأمر خطأ فظيعا. * مجرد خطإ فظيع! أو ليس الأمر جريمة؟ - (ضاحكا)، الحقيقة، لا يوجد معيار لتحديد صورة الجريمة وحيثياتها، لذا أقول إنه خطأ شنيع ناجم عن سياسة فظيعة، أكثر منه جريمة. * كيف ذلك؟ لا يوجد عيار؟ هناك القوانين الدولية خاصة تلك المتعلقة بالحروب، اتفاقيات جنيف وباقي فصول القانون الدولي الإنساني، كما أن كبار العلماء والمفكرين ورجال القانون الدولي وحتى بعض العسكريين الأمريكيين، أكدوا أنها جريمة بكل المقاييس والمعايير، إنها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية... - أكتفي بالقول إن الأمر كان خطأ فظيعا. * حسنا، لقد حضرت بمعية البروفسور لارلي دايموند، تقريرا حول ما استقام وما اعوج في التجربتين العراقية والأفغانية، تحت عنوان:What went wrong and right in Iraq and Afghanistan تقيمان من خلاله التجربتين، وتسطران الأخطاء القاتلة في كلتيهما، فما كانت هذه الأخطاء القاتلة في كل من العراق وأفغانستان؟ - إنهما حالتان مختلفتان. في الحالة الأفغانية، الغزو الأمريكي لم يكن مساندا أمميا، والخطأ القاتل يتمثل في المبادرة الباكرة لإعادة بناء دولة أفغانستان وفق المعايير الغربية، مما جعل أمريكا تتكبد تكاليف ضخمة وهائلة، لم تكن تستطيعها، وقد طالت المدة ووجدت القوات والإدارة الأمريكيتان نفسيهما في حالة استنزاف. أما الحالة العراقية، فهي على خلاف الأفغانية، حيث الغزو في حد ذاته يعتبر خطأ قاتلا رغم أنه كان مدعوما أمميا، إضافة إلى عدم التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب، وعدم توقع حدوث حرب أهلية، والأشياء الفظيعة التي حدثت كأبو غريب. * ألكل هذه الأسباب تخشى أمريكا عضوية المحكمة الجنائية الدولية؟ وهل يمكن لإدارة أوباما الدفع في اتجاه العضوية، بعد ما رفضتها رفضا قاطعا، إدارة بوش؟ - إن المشكل يكمن في عدم إمكانية المصادقة على أية معاهدة دولية دون موافقة ثلثي مجلس الشيوخ، وأوباما وحده لن يتمكن من إصدار قرار الموافقة على العضوية بالمحكمة الجنائية الدولية نظرا لسيطرة الجمهوريين الضاغطين في اتجاه الرفض. * إذن هم خائفون من العضوية، ومن إمكانية محاكمة أعضاء إدارة الصقور من قبل المحكمة الجنائية الدولية. - ( يتأمل ثم يجيب( أجل، الأمر كذلك إنهم خائفون. * وهذا دليل على أن أيديهم ملطخة بالدماء، وأن ما اقترفوه جريمة وليس مجرد خطأ فظيع. في نفس سياق المحاكمة والمحاسبة، ألا تعتقد أنه ينبغي محاكمة المثقفين والباحثين الذين دفعوا في اتجاه الحرب، فهم متورطون بفكرهم؟ - أعتقد أن أي شخص يتورط في مثل هذه الأعمال الشنيعة، ينبغي أن يحاسب، حتى المثقفين. ولكن كيف يجب أن تتم محاسبتهم؟ إنه في الحقيقة سؤال معقد، فقرار الحرب يعتبر قرارا سياسيا، وأول المتورطين هم إدارة بوش والعسكريون الذين أنجزوا هذه الحرب، أما المفكرون، فلا شيء في القانون يشير إليهم. * على الأقل من الناحية الأخلاقية، تتوجب محاسبتهم. - أجل، إني أعتقد وبشدة بضرورة محاسبة المفكرين المتورطين في الحروب، لكن الأكيد أن محاسبتهم ينبغي ألا تتم بالكيفية التي يحاسب بها العسكريون. * هل من المحتمل أن تقود إدارة أوباما حربا على إيران أو سوريا؟ - لا، لا أعتقد أن إدارة أوباما ستقود حربا على إيران أو سوريا. فالحرب ليست من أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، بل إن أمريكا اليوم باتت عاجزة عن قيادة أية حرب جديدة في الشرق الأوسط، فالحرب باتت سيناريو يخشاه الكل في أمريكا. وأمريكا لن تدعم – في اعتقادي- أية خطوة حرب منفردة قد تقدم عليها إسرائيل حيال حزب الله مثلا. * في هذا الحالة، تعتقد جديا أن أمريكا لن تدعم إسرائيل إذا ما أقدمت على خطوة الحرب منفردة؟ - أجل، أعتقد جازما أن أمريكا حاليا لن تدفع إسرائيل لاتخاذ أية خطوة حرب، كما لن تدعمها في حالة كان القرار إسرائيليا محضا، فلو تعلق الأمر بإدارة بوش لدفع في اتجاه الحرب. والحقيقية أنه الآن، لا أحد يرغب في الدفع صوب الحرب. * ألا تعتقد أن المواجهة بين الإسلام الراديكالي والعالم العربي بقيادة أمريكا، فتحت عهدا جديدا من التاريخ وليس نهايته كما توقعت؟ ثم ألا ترى أن النموذج الغربي للديمقراطية وتحديدا مفهوم تحرير السوق فتح تاريخا من العبودية والسيطرة والفقر والتبعية كما عمق الفجوة بين جنوب العالم وشماله، وبالتالي ففكرة نهاية التاريخ وتبني العالم لنموذج واحد (الديمقراطية الغربية) هي ضد الطبيعة الإنسانية ودينامية المجتمعات البشرية على الصعيدين المحلي والدولي؟ - لا أعتقد ذلك، لأنه حتى في العالم الإسلامي، الإسلام الراديكالي غير مرحب به، والإسلاميون إجمالا لديهم مفهوم ثيوقراطي جدا للسلطة وللدولة كنموذج طالبان والحركات السلفية. ففي العالم العربي لا يوجد دعم قوي لهذه التيارات، وأشك أن تصل هذه الحركات إلى السلطة، فالعيش في ظل جمهورية إسلامية لن يجد قبولا كبيرا. ولكني أقر بأن النموذج الإسلامي – السياسي، يبقى على المستوى العالمي، بديلا من البدائل المطروحة على الساحة كالماركسية مثلا، والأكيد أنه بديل مختلف من حيث مضامينه، مبادئه ومفاهيمه، مختلف حتى في صراعه، فصراع أمريكا والإسلام الراديكالي مغاير للصراع الأمريكي – السوفياتي. * تتحدث في كتابك Building Nations عن فكرة تصدير المؤسسات، بمعنى أنه يتوجب على أمريكا ألا تصدر السلع وأموال المساعدات فقط، بل المؤسسات الديمقراطية. ألا تعتقد أن هذه الفكرة ضد المسلسل الطبيعي لخلق المؤسسات، فأي مجتمع هو بحاجة إلى خلق مؤسساته عبر ديناميته، لا أن تُصدر له؟ - أولا، لا يمكن أن تكون لك مؤسسات ما لم يكن هناك دعم من داخل المجتمع، فإقامة المؤسسات تعني حل المشاكل التي يعرفها مجتمع ما، والسير به نحو حكامة مؤسساتية جيدة ولكني أيضا لا أرى ضيرا في استلهام نماذج مؤسساتية خارجية، فليس في الأمر ما يوحي باستعمار جديد. * إذن ما الذي تقصده بتصدير المؤسسات؟ - المقصود هو دعم المؤسسات الدولية الكبرى كالبنك الدولي للمجتمعات النامية، والضغط عليها في اتجاه المأسسة، وامتلاك مؤسسات أكثر فعالية، وأكثر شفافية وديمقراطية، لهذا لا أعتقد بأن عملية تصدير المؤسسات بسيطة وسهلة. * المجتمعات بحاجة إلى المسار الطبيعي لخلق مؤسساتها، أما فكرة تصدير المؤسسات فلها وقع كولونيالي، والحقيقة أنه طفح بنا الكيل من كل ما هو حامل للشارة الأمريكية.. التدخل الأمريكي، الغزو الأمريكي، الوصاية الأمريكية... حتى الدعم الأمريكي. إننا في المجتمعات الثالثية بحاجة إلى أن نخط مسارنا ونخوض معركتنا لوحدنا بما لها وما عليها... فلماذا يجب أن تفكروا بدلا عنا؟ - صحيح، ما تقولينه صحيح، فمن بين أكبر التراجيديات في العقد الأخير، استغلال إدارة بوش لفكرة تنمية الديمقراطية ودعمها واتخاذها ذريعة لغزو العراق، وللتدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، الأمر الذي يجرد مفهوم المساعدة من المصداقية كما أنه شوه صورة أمريكا. * لهذا أعتقد أنك بادرت وخبراء آخرين أمثال: : Larry Diamond .& Michael A Faul Mc ، إلى كتابة وتوقيع تقرير: New Day New Way, U.S foreign assistance for the“ ” 21 h centry تقرير تُلاحظ فيه نبرة ضمير يقظ واعتراف بأخطاء وقطاعات السياسة الخارجية الأمريكية في كنف النظام العالمي أحادي القطبية، كما يلاحظ سعيكم إلى إعادة بناء صورة أمريكا الأخلاقية – من خلال هذا التقرير – بالقول إن لأمريكا أخلاقا أيضا وهي تستطيع أن تكون شريكا جيدا بعد أن كانت سيدا متعجرفا، لكن ما لم ألاحظه في هذا التقرير هو هل أمريكا ستُبقي في إطار سعيها إلى بناء صورة جديدة- على سياسة ازدواجية المعايير بمعنى دعم الاثوقراطية باليمنى، والديمقراطية باليسرى؟. - صحيح أن أمريكا تدعم الديمقراطية، وتهتم بها كأساس من أسس سياستها الخارجية، ولكن أمريكا في ذات الآن لم تهب نفسها راعية للديمقراطية عبر العالم كهدف أوحد وأسمى للسياسة الخارجية الأمريكية، فللمصالح ثقل كبير في هذه العملية. إن المصالح الأمريكية متضاربة ومتعددة بتعدد واختلاف مناطق العالم، فهناك هاجس الأمن، الحرب على الإرهاب، دعم الأتوقراطية، ضمان الولوج الدائم لمصادر النفط.. كل هذه المصالح هي التي تسطر السياسة الأمريكية الخارجية، وبالتالي إذا كنا ندعم الديمقراطية ببقعة ما، فنحن في ذات الآن ندعم الأنظمة الأثوقراطية في بقع أخرى.. وهذه الحالات تدل على أن الديمقراطية ليست أولية الأولويات على طول الخط، وإن كنا ندعم برامج التنمية والديمقراطية بالعالم العربي إلا أنها ليست أولوية في هذه المنطقة. والسؤال العملي الذي ينبغي طرحه هو كيف تغير أو على الأقل تقلص سياسة ازدواجية المعايير؟ الحقيقة، إني لا أعتقد بوجود حكومة ستتخلى عن هذه السياسة في تعاملها مع المصالح الأمريكية، فلا أحد سيقول «هيا لنزعزع النظام في هذا البلد العربي أو ذاك من أجل الديمقراطية»، لا أحد سيفعل ذلك، إنهم حلفاؤنا وإن كانوا أتوقراطيين، ولهم دور مهم في كبح الخطر الإسلامي والحرب ضد الإرهاب. لذا، أظن وحتى تقلص أمريكا من سياسة ازدواجية المعايير، عليها الوعي أكثر بعدم تغليب كفة الاستبداد على كفة الديمقراطية، أثناء سعيها لحماية مصالحها، وبالتالي فعليها الضغط على الأنظمة الأتوقراطية الحليفة، حتى يوسعوا من مساحة الحريات والحقوق وعدم التعرض للديمقراطيين المدافعين عن حقوق الإنسان. * عذرا، حين تلقي أنظمتكم الحليفة بالقوى الديمقراطية في السجون، أو تضيق عليهم الخناق، فأمريكا تغلق عينيها، ولا تهتم بالأمر، فأي دعم للديمقراطيين والحقوقيين هذا؟ - تماما، لهذا أرى أنه من واجبنا كقوى فاعلة في أمريكا الضغط على حكوماتنا لاتخاذ خطوات عملية أكثر من أجل دعم حقوق الإنسان وحماية المدافعين عنها في المناطق حيث الحاكم أتوقراطي وحليف لأمريكا في ذات الآن، ففي مصر مثلا، على أمريكا الضغط أكثر على مبارك للدفع بنظامه في اتجاه اتخاذ قرارات تخدم الديمقراطية أكثر، وتوفير ضمانات بعدم التعرض للمعارضين الديمقراطيين. والحقيقة إن أمريكا لا تخشى الديمقراطيين بقدر ما تخشى القوى الإسلامية في الشرق الأوسط. * لذا تدعم أمريكا حكام المنطقة المتسلطين، وتمنحهم الضوء الأخضر بأن افعلوا ما شئتم، فقط ابقوا الخطر الأخضر بعيدا عنا. - صحيح وهذا من بين الأخطاء التي اقترفتها الإدارة الأمريكية بأن استخدمت الحكام المتسلطين بالمنطقة العربية للحد من خطر الإسلاميين، ولكنهم استغلوا الأمر لقمع الديمقراطيين. * هل لنا أن نتعرف على الإشكالية التي يناقشها كتابك القادم : The origins of political order - كتابي القادم يبحث مسألة جذور الدولة وأسس هذا الكيان، ودور القانون، كما أنه يغطي بعض المناطق الجغرافية والحقول السياسية المختلفة لمعاينة تجربة الدولة بكل من الصين، الهند، الخلافة الإسلامية وتجربة السلطنة بمصر، ثم تاريخ التطور السياسي والمؤسساتي بالشرق الأوسط، إضافة إلى دراسة بعض الحالات الأوروبية في السياق ذاته. * بعد أن غيرت مواقفك، وبعد الحروب المكلفة التي خاضتها أمريكا، وما زالت كتلك التي تخوضها ضد الإرهاب، كيف تقرأ مستقبل التاريخ الآن؟ أما زال في اتجاه النهاية التي تحدثت عنها؟ أم أنها نهاية السيطرة الأمريكية على العالم في اتجاه عالم متعدد الأقطاب؟. - (ضاحكا) إن مقولة «نهاية التاريخ» تتعلق بفكرة الديمقراطية الغربية كنموذج جيد، وأنا ما زلت أعتقد بصحتها، إضافة إلى اعتقادي بأن نهاية السيطرة الأمريكية قد حلت بالفعل، خاصة بعد الأزمة المالية الأخيرة.. لقد باتت اليوم دول أخرى تنافس أمريكا كالصين وروسيا وحتى البرازيل، لم تعد أمريكا وحدها المؤثرة في قرارات الساحة الدولية. ثم إن سيطرة دولة واحدة على العالم ليست أمرا صحيا ولا طبيعيا، فنحن اليوم متجهون صوب عالم متعدد الأقطاب وهو أمر طبيعي أكثر. فوكوياما يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكر أمريكي الجنسية من أصول يابانية، ولد في مدينة شيكاغو الأمريكية عام1952 ، يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد. من كتبه: «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» و»الانهيار أو التصدع العظيم» و»الثقة». يعتبر فوكوياما واحدا من الفلاسفة والمفكرين الأميركيين المعاصرين، فضلا عن كونه أستاذا للاقتصاد السياسي الدولي ومديرا لبرنامج التنمية الدولية بجامعة جونز هوبكنز، ويعمل حاليا بمركز الأبحاث حول الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون بجامعة ستانفورد- كاليفورنيا. تخرج فوكوياما من قسم الدراسات الكلاسيكية في جامعة كورنيل، حيث درس الفلسفة السياسية على يد ألن بلووم Allen Bloom ، بينما حصل على الدكتوراه من جامعة هارفارد حيث تخصص في العلوم السياسية. وفضلا عن التدريس الجامعي، عمل بوظائف عديدة منها مستشار في وزارة الخارجية الأمريكية. في عام 1989 كان قراء دورية ناشيونال انترست National Interest على موعد مع مقالة» نهاية التاريخ «والتي أحدثت رجة فكرية، حيث قال: إن تاريخ الاضطهاد والنظم الشمولية قد ولى وانتهى إلى دون رجعة مع انتهاء الحرب الباردة وهدم سور برلين، لتحل محله الليبرالية وقيم الديمقراطية الغربية. وقد أضاف وشرح فوكوياما نظريته المثيرة للجدل في كتاب صدر عام1992 بعنوان «نهاية التاريخ والإنسان الأخير». وقد قصد فوكوياما أن يعارض فكرة نهاية التاريخ في نظرية كارل ماركس الشهيرة «المادية التاريخية»، والتي اعتبر فيها أن نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني سينتهي عندما تزول الفروق بين الطبقات. كما تأثر فوكوياما في بناء نظريته بآراء الفيلسوف الشهير هيغل وأستاذه الفيلسوف ألن بلوم، حيث ربط كلاهما بين نهاية تاريخ الاضطهاد الإنساني واستقرار نظام السوق الحرة في الديمقراطيات الغربية. لفترة طويلة، وقبل أن يغير مواقفه، اعتبر فرانسيس فوكوياما واحدا من منظري المحافظين الجدد حيث أسس هو ومجموعة من هؤلاء في عام 1993 مركزاً للبحوث عرف آنذاك بمشروع القرن الأميركي، وقد دعا هو ورفاقه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون إلى ضرورة التخلص من نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وقد عبر فوكوياما في مقالاته ومؤلفاته في السنوات الأخيرة عن قناعته بأنه على الولاياتالمتحدة أن تستخدم القوة في ترويجها للديمقراطية، ولكن بالتوازي مع ما أطلق عليه نموذج ديبلوماسية نيلسون الواقعي، حيث اعتبر أن استخدام القوة يجب أن يكون آخر الخيارات التي يتم اللجوء إليها، ملمحا إلى أن هذه الإستراتيجية تحتاج المزيد من الصبر والوقت. واعتبر أن التركيز على إصلاح التعليم ودعم مشاريع التنمية يمنحان سياسة الولاياتالمتحدة لنشر الديمقراطية أبعادا شرعية. هند عروب تشتغل الدكتورة هند عروب، وهي باحثة مغربية مقيمة بأمريكا، على قضايا وملفات تتصل بالخروقات التي تطال حقوق الإنسان، وعلاقة السياسة بالدين، والانتفاضات والحركات الاجتماعية، وقضية الإعلام وحرية التعبير، وعن القضايا الدولية المتعلقة بالعالم العربي والإسلامي كالإرهاب والحرب على العراق وغيرها من القضايا كالميديا الصهيونية والرأي العام الدولي. وهند عروب حاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس عام 2007 في أطروحة تقدمت بها بعنوان «مقاربة الأسس الشرعية في النظام السياسي المغربي»، وصدر لها كتاب «المخزن في الثقافة السياسية المغربية» عام 2004، وبعد التجربة التي خاضتها في مختبر السوسيولوجيا في استراسبورغ بفرنسا إلى غاية 2008، انتقلت للعمل في جامعة ستانفورد بالولاياتالمتحدةالأمريكية.