تيسير خالد، عضو اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وفي بيان صادر عنه منذ أيام، أكد أن اللجنة التنفيذية لم تناقش مثل هذا الأمر، وأن الرئيس محمود عباس لم يعرض عليه أية فكرة مماثلة. غير أن هذا النفي، وهو صحيح، لا يعني أن الغرف المغلقة في مقر المقاطعة، حيث رئاسة السلطة الفلسطينية ودوائرها الرئيسية في قلب مدينة رام لله، لم تبحث هذه المسألة، ولم تنقل موقفها إلى الأميركيين كما إلى الإسرائيليين، وأنها لم تتلق رداً من الطرفين. حيثيات القضية القضية كما شرحها ل «الحرية»، أحد العاملين في «المقاطعة»، ممن يطلون على مشاورات الغرف المغلقة، والتي لا تنتقل نتائجها إلى اللجنة التنفيذية أو إلى الهيئات الأخرى ذات الصلاحيات الرسمية.. هي أن الرئيس محمود عباس، وفي سياق التوتير القائم بينه وبين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وعلى خلفية تعطل العملية التفاوضية، ورفض الولاياتالمتحدة الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان، آثر أن يفتح ملف السلطة، في سياق الضغط أكثر فأكثر على الرئيس أوباما وعلى نتنياهو، ودفع الأمور نحو ذروة التوتر، أملا بأن يشكل حافزاً للبعض للتحرك، والبحث عن حل لانسداد العملية التفاوضية. في هذا السياق بلورت الدائرة الضيقة حول الرئيس عباس الرؤية التي تقول إن السلطة الفلسطينية تأسست لفترة انتقالية، نص عليها اتفاق أوسلو، ومدتها القصوى خمس سنوات. وأن مهماتها تمحورت حول مسألتين: · إعفاء الجانب الإسرائيلي (أي الاحتلال) من عدد من الأعباء التي كانت تثقل عاتقه في إدارة شؤون الفلسطينيين في المناطق المحتلة (ما عدا القدس) وتقديم الخدمات الضرورية لهم. كالتعليم، والصحة، والبيئة، وشؤون السير،، والمسائل الاقتصادية (تحت سقف بروتوكول باريس). والالتزام بما يسمى بالتعاون الأمني مع سلطات الاحتلال، كما نص عليها اتفاق أوسلو بما في ذلك تبادل المعلومات في مكافحة ما يسمى ب «الإرهاب» والهدف من هذا كله تخفيف الاحتكاك بين جيش الاحتلال والفلسطينيين تمهيداً للوصول إلى إتفاق سلام. · بناء المؤسسات وإنشاء البنية التحتية الضرورية لقيام الدولة الفلسطينية في ختام المفاوضات حول قضايا الحل الدائم. · يلاحظ أنه مضى على بناء السلطة وقيامها حوالي العشرين عاماً دون أن يتم أي تقدم نحو ملفات قضايا الحل الدائم. بل يلاحظ أيضاً أنه في الوقت الذي التزمت فيه السلطة بنصوص الاتفاقات الموقعة، كثيراً ما انتهكت سلطات الاحتلال هذه الاتفاقات، من بينها على سبيل المثال حجز أموال الضرائب على المعابر، والعائدة لصندوق السلطة الفلسطينية، أو فرض الحصار على مناطق السلطة، أو منع الأجهزة الأمنية من مزاولة مهماتها... لذلك وبعد طول تأمل كما وصف المصدر المطلع قررت السلطة بشخص رئيسها محمود عباس «إعادة الصلاحيات» التي منحت لها إلى أصحابها، أي إلى سلطات الاحتلال. خاصة وأن من الشكاوي التي ذكرها الرئيس عباس علانية أن السلطة الفلسطينية لا تتمتع بأية سلطات وأن سلطات الاحتلال على استعداد لأن تجردها من كل الصلاحيات في لحظة ما، دون سابق إنذار. وإن هذه السلطة لا تمارس أية سيادة على الأرض، أو على السكان، وأن بإمكان سلطات الاحتلال أن تخترق المنطقة (أ) الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، وأن تنتهكها، بدورياتها العسكرية، وأن تقتحم منازل المواطنين الفلسطينيين في رام الله أو نابلس، أو جنين أو غيرها، وأن تعتقل أو تغتال من تشاء، دون إذن من السلطة أو إخطارها، الأمر الذي حول هذه السلطة إلى جهاز كرتوني في أعين المواطنين، وأضعف من هيبته، وأثار في الأجواء العديد من الأسئلة حول جدوى وجوده. حل... أم إعادة الصلاحيات؟ اللافت للنظر أن أركان السلطة المطلين على الموضوع لا يتحدثون، تقنياً، عن «حل السلطة» بل عن إعادة الصلاحيات إلى سلطات الاحتلال الإسرائيلي. وحين يطلب إلى هؤلاء شرح الفارق بين المسألتين، يقولون إن «حل السلطة» يبدو وكأنه خطوة في الهواء نلجأ إليها، دون أن نحمل أحداً مسؤولية المصير الذي وصلت إليه هذه السلطة أي أننا بذلك نبرئ سلطات الاحتلال من مسؤولية إفشال تجربة السلطة، وكذلك إفشال الوصول إلى حل لقضايا الوضع الدائم وبالتالي فإن تعبير «إعادة الصلاحيات» يقصد به إعادة الصلاحيات إلى سلطات الاحتلال وتحميلها مسؤولية إدارة شؤون المناطق المحتلة، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال والمسؤولة أمام المجتمع الدولي عن أوضاع هذه المناطق، وعن أية تطورات سلبية قد تقع فيها، فضلاً عن كونها مسؤولة عن توفير الخدمات الضرورية للمواطنين الفلسطينيين. ماذا قال أوباما وماذا قالت القاهرة؟ تقول المصادر الفلسطينية إن الرئيس عباس طرح على الرئيس أوباما فكرة إعادة الصلاحيات في اللقاء بينهما في نيويورك على هامش الدورة العادية للأمم المتحدة كما بحث معه مسألة تقديم طلب عضوية فلسطين في الأممالمتحدة. وتضيف المصادر أن الرئيس أوباما أبدى اهتمامه بمسألة عضوية فلسطين. وإنه بذل جهداً كي يقتنع عباس بخطورة وبضرورة العودة عنها، وبأن الحل هو في «تسهيل» شروط العودة إلى طاولة المفاوضات. كما تضيف المصادر أن الرئيس أوباما حاول ممارسة المزيد من الضغوط على الرئيس عباس حين أوفد إليه، في مقر إقامته في نيويورك، شخصيات أميركية بعضها غير رسمي، لإقناعه بخطورة خطوته، ودعوته لعدم الإقدام عليها، غير أن عباس لم يعط جواباً، مما أوحى أنه بقي على موقفه. وفي القاهرة أيضاً، ناقش الرئيس عباس هذه الفكرة مع القيادات المصرية، السياسية والأمنية، التي أخذت الأمر على محمل الجد، ورأت فيه مساساً مباشراً بما أسمته القاهرة «الأمن القومي المصري». لأن أية متغيرات في المبنى السياسي الفلسطيني الإسرائيلي، ستكون له انعكاساته على الجوار المصري. وبالتالي رأت القاهرة أن على الرئيس عباس أن يتشاور مع الدول العربية المجاورة، كمصر والأردن، والتنسيق معها في أية خطوات ذات منحى إستراتيجي، كخطوة «نقل الصلاحيات» أو حل السلطة. وماذا يقول كبار المسؤولين في السلطة؟ تؤكد المصادر أن الحديث عن «نقل الصلاحيات» أثار في صفوف كبار السطة لغطاً ونقاشاً صاخباً. بعضهم رأى في القرار خطوة مهمة من شأنها أن تضغط على الإسرائيليين وتهددهم بإثارة العواصف في وجوههم، والبعض الآخر رأى في هذا الموقف خطوة متهورة، وخطوة نحو المجهول ومساساً بمصالح الآلاف ممن بنوا أوضاعهم على أن هناك سلطة ومرتبات وامتيازات وبالتالي فإن التخلي عن السلطة من شأنه أن يدمر الكثيرين وإن على الرئيس عباس أن يتمهل في اتخاذ قراره. بل إن البعض ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال إن قراراً كهذا لا يحق للرئيس أن يتخذه منفردا وإن عليه أن يعود إلى اللجنة المركزية لفتح، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإلى حكومة فياض، وإلى المجلس التشريعي، وربما تطلب الأمر دعوة خاصة للمجلس المركزي والمجلس الوطني. في محاولة لتعقيد الأمر، وإغلاق الطريق أمام عباس وزرعها بالعوائق. وماذا تقول إسرائيل؟! تؤكد المصادر أن مبعوثاً من الرئيس عباس إلى الإسرائيليين أبلغ من يعنيهم الأمر النية باتجاه نقل الصلاحيات وإعادتها إلى ما كان عليه تحت مسؤولية الاحتلال. وتضيف المصادر أن هذا المبعوث أبلغ الإسرائيليين أنهم بسياستهم المتبعة حولوا الاحتلال، ليس فقط إلى احتلال خمس نجوم، بل إلى مشروع استثماري رابح، في خدمة الاقتصاد الإسرائيلي، بما يؤكد نوايا إسرائيل في عدم رغبتها بالانسحاب من المناطق المحتلة. إذ من المعلوم أن الضفة الفلسطينية تستورد ما قيمته 4 مليارات دولار سنويا بضائع إسرائيلية. وإن قطاع غزة يستورد ما قيمته مليارا دولار. أي أن المجموع هو 6 مليارات دولار دون أن يفرض على البضائع الإسرائيلية المستوردة أية رسوم جمركية، عملاً بنصوص بروتوكول باريس، وهو ما يمكنها من منافسة مثيلاتها الفلسطينية والعربية ، نظراً لجودة صناعتها، ونظراً لكون البضاعة العربية تدفع رسوم جمركية عند المعابر، وبالتالي يصبح ثمنها أغلى من البضاعة الإسرائيلية فتفقد بذلك القدرة على المنافسة. بالمقابل تصدر الضفة مع القطاع، إلى إسرائيل ما قيمته سنوياً 250 مليون دولار فقط وهو مبلغ هزيل إذا ما قورن بالبضائع الإسرائيلية المستوردة، أي أن الميزان مختل بشكل فاقع لصالح الإسرائيليين. الرد الإسرائيلي على الموقف الذي حمله مبعوث عباس كان هادئاً، إذ أكد الضباط الإسرائيليون أن لديهم «بدائل» للسلطة الفلسطينية بإمكانها أن تقوم بما تقوم به السلطة وأن لديها «بدائل» للرئيس عباس بإمكانه أن يدير شؤون السلطة البديلة. ما هي البدائل... ومن هو البديل؟ هذان السؤالان، هما اللذان عاد بهما مبعوث عباس إلى مقر المقاطعة وشكل الموضوع المؤرق في الغرف المغلقة. هل، يا ترى، تراهن سلطات الاحتلال على شخصيات من داخل فتح أم من خارجها، لاختيار بديل لعباس وهل نجح في ذلك؟ هل يا ترى تراهن سلطات الاحتلال على اجتذاب بعض الضباط الفلسطينيين لبدائلها هذه، وبالتالي ينشق الوضع الفلسطيني على نفسه، وبدلا من أن يكون الصراع مع إسرائيل، يصبح فلسطينياً فلسطينياً؟ هل يا ترى تملك سلطات الاحتلال بدائل، حقاً، أم أنها مجرد محاولة لزرع القلق في النفوس ومناورة لإيهام عباس وفريقه أن تحته مجموعة ألغام يمكن لسلطات الاحتلال أن تفجرها؟ ولعل هذا كله، وقضايا أخرى لم يتم الإفصاح عنها هو ما دعا الرئيس عباس، من تونس، لأن ينفي نيته حل السلطة. دون أن يعني هذا أن الأمر قد أغلق ملفه نهائياً.