إذا كانت كل الدول العربية الاسلامية وجل دول العالم تقريبا قد رحبت بإتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الذي تم التوقيع على أحرفه الأولى في القاهرة يوم الاربعاء 27 أبريل، فإن إسرائيل كانت من أول الرافضين له وتبعتها الولاياتالمتحدة التي قالت أن الاتفاق يجب أن يتوفر على شروط معينة ليكون مفيدا لجهود التسوية العربية الإسرائيلية. وذكر المتحدث باسم البيت الأبيض تومي فيتور في بيان «الولاياتالمتحدة تؤيد المصالحة الفلسطينية على أساس ما يعزز قضية السلام، ولكن حماس منظمة إرهابية تستهدف المدنيين». وتابع «لكي تقوم أي حكومة فلسطينية بدور بناء في تحقيق السلام فعليها أن تقبل مبادئ اللجنة الرباعية وتنبذ العنف وتلتزم بالاتفاقات السابقة وتعترف بحق إسرائيل في الوجود». من جانبها قالت مجموعة من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين الأمريكيين يوم الخميس 28 أبريل عقب اجتماع في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «اختارت السلطة الفلسطينية التحالف مع العنف والتطرف على القيم الديمقراطية التي تمثلها إسرائيل». وذكرت الينا روس ليتينين الرئيسة الجمهورية للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب والمدافعة القوية عن إسرائيل أن القانون الأمريكي يلزم بوقف الدعم للسلطة الفلسطينية. واضافت في بيان «ينبغي ويجب ألا تستخدم أموال دافع الضرائب الأمريكي لدعم من يهددون أمن الولاياتالمتحدة ومصالحنا وحليفتنا المهمة إسرائيل». وتمنح الولاياتالمتحدة السلطة الفلسطينية نحو 400 مليون دولار في المتوسط سنويا يهدف أغلبها إلى دعم ما يسمى الحكم الرشيد والأمن. وتجاوزت المساعدات الإجمالية الأمريكية 3500 مليون دولار منذ عام 1994. نكسة مباشرة بعد الاتفاق ذكر محللون وخبراء في العاصمة الأمريكية ان اتفاق المصالحة التي تم التوصل اليه بشكل مفاجئ بين حركتي فتح وحماس شكل نكسة للادارة الأمريكية في جهودها لما وصفوه بإعادة إطلاق عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وتقول مصادر رصد أوروبية أن واشنطن تعتقد أن لديها متسع من الوقت لنسف إتفاق المصالحة الفلسطينية ومن ثم مواصلة مخططها الحقيقي لتصفية القضية الفلسطينية في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، أي على أساس مقايضة بالوطن البديل على حساب صحراء سيناء والضفة الشرقية لنهر الأردن. وأثار اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي يقضي خصوصا بتشكيل حكومة وحدة، غضب إسرائيل ودفع واشنطن الى التهديد بإعادة النظر في سياستها المتعلقة بمساعدة السلطة الفلسطينية. ويقول المحللون أن إبرام الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقا مع خصومه في حماس يعتبر انتصارا للضغط الشعبي على نفوذ واشنطن التي تراجعت شعبيتها بشكل متزايد في العالم العربي خاصة وهي تحاول ركوب حركة التطور لتحولها إلى فوضى خلاقة. أعتبر آرون ديفيد ميلر المفاوض الأمريكي السابق في عملية التسوية في الشرق الأوسط، ان هذا الاتفاق يدل على أن الفلسطينيين لم يعودوا يرون في واشنطن لاعبا أساسيا في شؤونهم. ولفت إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية يسعى بدون الاهتمام بالعواقب الدبلوماسية، إلى «الحصول على دعم أوسع وأكثر شرعية» من الشعب من اجل انتزاع اعتراف بقيام دولة فلسطينية أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2011، وهي خطوة تعارضها الولاياتالمتحدة. واوضح ميلر الخبير حاليا في مركز وودرو ويلسون أن «الفلسطينيين قاموا بخطوة تضعف فعلا موقفنا. السؤال المطروح هو لمعرفة ما إذا كان بمقدورنا التحدث مع حكومة تضم وزراء من حماس». في المقابل يشكل هذا الاتفاق برأي ميلر انتصارا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي زار واشنطن في مايو لأنه كان من الصعب على الرئيس باراك أوباما أن يطالبه بخطوات تجاه الفلسطينيين. ويتوقع أيضا ان يمتنع الرئيس الأمريكي عن طرح أفكار يمكن ان تعتبر مكافأة للفلسطينيين أثناء تدخلاته المقبلة حول سياسته في المنطقة. وخلص شبلي تلحمي الخبير في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ميريلاند إلى أن هذا الاتفاق «يضع إدارة اوباما في مأزق». سلاح المال كان أول رد فعل إسرائيلي عملي على اتفاق المصالحة هو إعلانها يوم الأحد 1 مايو وقف تحويل المستحقات المالية التي تجنيها تل أبيب من ضريبة المقاصة لصالح السلطة الفلسطينية، مقابل عمولة تصل الى 3 في المئة. وتدفع اسرائيل للسلطة الفلسطينية الضرائب التي تقوم بتحصيلها نيابة عنها على البضائع التي تمر عبر الموانىء والمطارات الإسرائيلية في إطار التعاملات الاقتصادية التي جاءت في اتفاقات أوسلو لسنة 1993. وتشكل هذه الأموال التي تصل قيمتها إلى ما بين 700 مليون ومليار يورو في العام ثلثي الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية. وقال وزير الاقتصاد الفلسطيني حسن ابو لبدة لوكالة فرانس برس إن القرار الإسرائيلي سيؤثر على تسديد الرواتب. وقدر أبو لبدة قيمة المبلغ المطلوب تحويله ب 89 مليون دولار خلال أيام، ويفترض ان يتم تحويله عادة بعد الرابع من كل شهر. وتبلغ تكلفة الرواتب لموظفي القطاع العام الحكومي الفلسطيني بحوالي 150 مليون دولار شهريا، وبمعنى آخر فإن قيمة المستحقات المالية توازي ثلثي قيمة الرواتب. وأكد ابو لبدة « هذه الأموال هي حقوق للشعب الفلسطيني، وتقوم إسرائيل بجبايتها حسب اتفاقية باريس الاقتصادية». من جانبه ذكر الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم أن «احد أوراق الضغط على السلطة الفلسطينية لإعاقة المصالحة هي العصا الاقتصادية، والتي تستخدمها إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية منذ تأسيسها». وأضاف عبد الكريم «المستحقات الضريبية هي الأسرع تأثيرا على السلطة الفلسطينية». واشار عبد الكريم إلى ان وقف توريد هذا المبلغ إلى خزينة السلطة الفلسطينية «لا يؤثر فقط على دفع الرواتب للموظفين، وإنما يؤثر على دفع مستحقات القطاع الخاص الذي يعتبر المورد الرئيسي للعجلة الاقتصادية الفلسطينية». وشهد الاقتصاد الفلسطيني تعافيا نسبيا في الأعوام 2009 و2010، حيث فاقت نسبة الإيرادات ملياري دولار، وهو ما دفع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض للاعلان خلال نهاية شهر أبريل 2011، بأن السلطة الفلسطينية ستكون جاهزة للاستغناء عن المساعدات الخارجية للنفقات الجارية في نهاية العام 2013. وحاول الخبير الفلسطيني عبد الكريم التخفيف من التأثير السلبي للقرار الإسرائيلي فقال «الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل ليسا اللاعبين الأساسيين في الاقتصاد الفلسطيني، فأوروبا هي الممول الأكبر للسلطة، وقد أبدت ترحيبا بالحكومة الفلسطينية المقبلة». رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض قال ان وقف اسرائيل تحويل المستحقات «لا يمكن فهمه إلا في محاولة اعاقة تحقيق المصالحة الفلسطينية». واضاف «المصالحة بالنسبة لنا هي اولوية قصوى، ولا يمكن رهنها بالتهديدات الإسرائيلية، ولا يمكن لنا ان نقبل بان ندفع الانقسام ثمنا لبقائنا السياسي والمالي». وتابع «وحدة الوطن أولوية قصوى لنا، وهي شأن فلسطيني داخلي ونقرر فيه حسب مصلحتنا، ونعول كثيرا على تحقيقه في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 بعاصمتها القدس». وأضاف أيضا «لن نحشر شعبنا في زاوية الجوع او الركوع وسنبذل قصارى جهدنا مع مكونات المجتمع الدولي لإنهاء هذا الملف». مشيرا إلى أن «هذه الأموال ليست منة من إسرائيل وإنما حق للفلسطينيين». وطالب الدول المانحة الغربية والعربية بالوفاء بما قطعته على نفسها من تعهدات مالية للسلطة الفلسطينية، موضحا ان خزينة السلطة عانت مع نهاية العام 2010 من عجز مالي بلغ 100 مليون دولار. وقال فياض «ارفض التدخل الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال في شأننا الفلسطيني الداخلي، وموقف إسرائيل المسبق من حكومة لم تتشكل بعد إنما يعني نزعة عدائية إسرائيلية مسبقة تجاه الجهد المبذول لتحقيق الوحدة الفلسطينية». وأضاف فياض «ارى في تشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة خطوة وضرورة للشروع في التنفيذ الفوري للتفاهمات حول إعادة الوحدة الوطنية، ويجب أن تمكن هذه الحكومة من القيام بمهامها بالكفاءة المطلوبة وانتقال سلس للحكم والإدارة». الاتفاق وينص الاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية من المستقلين لتحل محل حكومتي فياض وهنية، للتحضير لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة في غضون عام واحد. وحتى ذلك الحين، يبقى الوضع على ما هو عليه سواء في ما يخص المفاوضات مع إسرائيل والابقاء على سيطرة كل من حماس على قطاع غزة والسلطة الفلسطينية في مناطق الحكم الذاتي في الضفة الغربية. كما ينص الاتفاق على تشكيل مجلس أعلى للأمن لمعالجة القضايا ذات الصلة بقوى الأمن التابعة للفصائل على ان يتم توحيدها في المستقبل الى قوة أمنية «مهنية» متكاملة، وتشكيل لجنة انتخابية واطلاق سراح السجناء من كلا الحركتين. وفي غزة توقع اسماعيل هنية رئيس الحكومة الفلسطينية المقالة والقيادي البارز في حركة حماس صمود اتفاق المصالحة «لنضوج الحالة الفلسطينية والتغيرات في الوضع العربي تحديدا في مصر والتراجع الملحوظ في الهيمنة الامريكية على المنطقة إضافة إلى الاتفاق على كافة التفاصيل خصوصا حول الملف الأمني». وأضاف هنية في لقاء مع عدد الصحافيين في مكتبه انه «تم الاتفاق على أن تعفى حكومة التوافق الوطني القادمة المتفق عليها من متابعة الشأن السياسي». ولكنه أضاف لاحقا إنه «ليس فقط على منظمة التحرير الفلسطينية أن تطرح مبدأ، أما السلام أو الاستيطان ولكن أيضا ان تسحب الاعتراف بإسرائيل لأن وجودها غير شرعي أساسا». وأشار إلى أن هذه الحكومة ستتولى ثلاث مهام رئيسية هي «التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني لمنظمة التحرير، والعمل على إعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وانهاء الحصار». كذلك سيعقد بحسب هنية اول اجتماع «للقيادة الوطنية المؤقتة» التي تشكلت من «الامناء العامين للفصائل» والتي ستتولى اعادة بناء منظمة التحرير حيث تم ضم حركتي حماس والجهاد الاسلامي». وشدد هنية ان «المطلوب منا البدء بالخطوات العملية لنواجه التحديات..وكلما اطلنا فترة تطبيق الاتفاق كلما سمحنا بالتدخل الخارجي». واعتبر ان الطريق لتطبيق المصالحة «فيه الغام وعقبات وتحديات وتخوفات خصوصا من الاحتلال، يجب ان ننوه لها..وكيف ستتعاطى الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي مع هذه الحكومة». كذلك ناشد هنية الشعب خاصة اسر «الشهداء في الصراع الفلسطيني الفلسطيني بتغليب التسامح والتصالح وطي صفحة الألم». القيادي في حماس محمود الزهار قال إن الحركة ما زالت تعارض أي إعتراف بإسرائيل وتعارض أيضا مفاوضات السلام ولكنها لن تحاول عرقلة ذلك. وأضاف «اذا كانت فتح على استعداد لتحمل مسؤولية التفاوض حول الهراء واذا تمكنوا من الحصول على دولة فهذا أمر جيد لهم». ويؤكد محللون غربيون أن حماس تنتظر بادرة من الدول الغربية بعد توقيع اتفاق المصالحة وهي تقدر أن تلك الدول لن تستطيع تجاهلها بعد الآن وتنتظر منها وضع حد للمقاطعة الدولية المفروضة على الحركة التي تسيطر على قطاع غزة بعد قطيعة استمرت اربع سنوات. وقال غازي حمد احد قادة حماس في غزة لوكالة فرانس برس»نحن الان جزء من الشرعية الفلسطينية. فقد عانت حماس كثيرا من الانقسام». واضاف حمد «تريد حماس الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية». ويتزعم منظمة التحرير رئيس حركة فتح محمود عباس وهي معترف بها دوليا بوصفها «الممثل الشرعي والوحيد» للشعب الفلسطيني, ولقد اعترفت بها اسرائيل عام 1993. المفاوضات ويؤكد المراقبون أنه رغم كل هذه التصريحات لا يغير إتفاق المصالحة أي شيء في المفاوضات مع إسرائيل. وأكد محمود عباس ان قيادة المفاوضات تعود اليه كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، رافضا اعتراضات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي خيره بين «السلام مع اسرائيل او التصالح مع حماس». واضاف عباس ان «هذه الحكومة تفعل شيئين هما تحديد موعد للانتخابات واعادة اعمار غزة». من جانبه قال القيادي في فتح عزام الاحمد يوم الاثنين 2 مايو في مؤتمر صحافي عقده عشية توقيع الفصائل الفلسطينية على وثيقة الوفاق الوطني بعد توقيع كل من فتح وحماس عليها، ان «المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة تبدأ على الفور بعد الاعلان الرسمي عن الاتفاق». واضاف، ردا على سؤال حول امكان استمرار سلام فياض في منصبه، ان «الامر متروك لاتفاق الفصائل فهي التي ستقرر بقاء فياض اذا اتفقت على ذلك اما اذا لم تتوافق عليه فسيتم اختيار رجل اعمال فلسطيني او استاذ جامعة لرئاسة الحكومة». وأكد الأحمد ان مهام الحكومة «تقتصر على إدارة الشؤون الحياتية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة» موضحا ان كل الشؤون السياسية «بما فيها المفاوضات وعملية السلام من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية». وتابع ان التنسيق الأمني مع إسرائيل يتم بموجب اتفاقيات اوسلو «والحكومة الجديدة ليس لها علاقة بهذه الاتفاقيات». وذكر القيادي في فتح صخر بسيسو في المؤتمر الصحافي نفسه انه بموجب اتفاق المصالحة بين فتح وحماس فان لجنة فصائلية تضم رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والامناء العامين للفصائل الفلسطينية ستقوم «بدور سياسي من الان وحتى تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد ولكنها ليست بديلا عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير». وانتقد عزام الأحمد بشدة الادارة الأمريكية الحالية معتبرا أنها «منحازة بشكل مطلق لإسرائيل». وسئل عن تهديد ادارة اوباما بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، فأجاب «الوحدة الفلسطينية اهم» من هذه المساعدات. وأكد الاحمد ان الفلسطينيين سيطلبون في سبتمبر المقبل من الجمعية العامة للامم المتحدة «قرارا ملزما تحت الفصل السابع لميثاق المنظمة الدولية بالاعتراف بدولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو 1967». خلافات في إسرائيل في إسرائيل انقسمت أراء وسائل الإعلام ومعها مواقف بعض السياسيين من اسقاطات اتفاق المصالحة. جرى الحديث على نطاق واسع ضمن هذه المواقف المستنكرة للاتفاق كلام عن الشكوك في إمكانية تنفيذه نظرا للاختلافات الجوهرية بين فتح وحماس. وذكرت صحيفة يديعوت احرونوت ان الاتفاق «سيسهل مهمة رئيس الوزراء في جهوده للتصدي لاعلان دولة فلسطينية». ورأت الصحيفة ان اسرائيل «ستتفاوض مع حماس» شاءت ام ابت. اما صحيفة هارتس اليسارية فتحدثت بسخرية عن «الشبح الذي يخيف إسرائيل: الدولة الفلسطينية». وقالت انه من الأفضل لإسرائيل ان تكون «اول من يدعم إنشاء دولة فلسطينية تعيش بسلام معها». المحلل الصهيوني بن كاسبيت كتب في صحيفة معاريف انه ان كانت» هذه المصالحة تشبه بعرض زواج فنحن ما زلنا في فترة الاغراء». وانتقد بن كاسبيت موقف نتنياهو الذي وصف المصالحة بأنها «ضربة للسلام وانتصار كبير للإرهاب». وقال كاسبيت «كان ينبغي على إسرائيل ان تتبني نهجا مغايرا كليا. الفلسطينيون يريدون وحدة وطنية، هذا حقهم كل ما نتوقع من حكومتهم الجديدة هو اعترافها بالاتفاقات الموجودة مع إسرائيل ونبذ الإرهاب». ويتأسف الكاتب فيقول أنه «بدلا من ذلك، كالعادة اختارت إسرائيل الموقف الذي يرفض كل شيء «الولد الشرير» وأضاعت فرصة جديدة لاستغلال الحدث كوسيلة ضغط». وبالنسبة لصحيفة جيروزاليم بوست «يمين» فان «الوحدة بالنسبة لحماس تشكل تكتيكا للبقاء» قائلة «ان هناك فرصا ضئيلة في استمرار الاتفاق». واوضحت الصحيفة انه «في اللحظة التي اصبح فيها سقوط نظام بشار الأسد على المحك، اتخذ خالد مشعل قرارا محسوبا لضمان بقائه السياسي من خلال موافقته على اتفاق المصالحة الذي رفضه قبل شهر». «فهذا الاتفاق تعرضه القاهرة منذ أشهر طويلة وقبل تنحي الرئيس مبارك». اما صحيفة هارتس «معارضة يسار» فقالت في افتتاحية سمتها «فرصة وليس تهديدا» ان الاتفاق «يتطلب من إسرائيل مراجعة مواقفها. لا تستطيع إسرائيل ولن تقوم باحباطها. وسيكون من الجيد ان تقوم إسرائيل بالاعتراف بحكومة الوحدة الفلسطينية من أجل إجراء حوار وعلاقات جيدة مع الدولة الفلسطينية في المستقبل». تقرير سري في 30 أبريل نشرت عدة مصادر إعلامية ما ذكرت أنه تقرير سري صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، وجاء فيه أن اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حماس وفتح، أخرج كلا من الحركتين من المأزق الذي تواجهانه في الشهور الأخيرة، وفي الوقت نفسه، يضع السياسة الإسرائيلية في أصعب وضع ممكن. ويضع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على شفا الانهيار». وجاء في التقرير إن هذا التطور يلزم إسرائيل والولاياتالمتحدة وحلفاءهما في الغرب ب»التنسيق المشترك لمواجهة الأوضاع الجديدة، وأنه يجب أن يتفق الحلفاء على «عدم الاعتراف بأي حكومة فلسطينية تكون حركة حماس جزءا منها ما دامت تلك الحركة لم تعلن التزامها بشروط الرباعية الدولية الثلاثة، أي الاعتراف بإسرائيل وقبول الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ونبذ الإرهاب وكل أشكال العنف الذي مارسته حتى الآن ضد إسرائيل». وأفادت مصادر الخارجية الإسرائيلية بأن هناك قلقا جديا من أن تتجاهل بعض دول أوروبا قرارات الاتحاد الأوروبي تجاه حماس وتعلن اعترافها بالحكومة الفلسطينية القادمة. ويتركز القلق حاليا على دول مثل آيرلندا والسويد وإسبانيا، التي تتخذ إجراءات فعلية للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأضافت إنه في أعقاب المصالحة بين فتح وحماس، بات أسهل على إسرائيل أن تقاوم فكرة الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية في سبتمبر القادم. وقررت الوزارة أن ترصد تصريحات قادة حماس المعادية لإسرائيل منذ التوقيع على مسودة اتفاق المصالحة في القاهرة، لتثبت للعالم أن الحركة لم تتغير وما زالت متمسكة بسياسة العداء للسلام مع إسرائيل. وكان التقرير السري لقسم الأبحاث في وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي سربته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، قد ذكر أن اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس يهدد بانهيار السياسة الأمريكية في المنطقة وقد يحبط جهود الولاياتالمتحدة لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفسر التقرير التحول في موقف حركة حماس وقبولها التوقيع على اتفاق المصالحة بأنه خطوة تكتيكية ناجمة عن المصاعب الاستراتيجية التي تواجهها الحركة في الأسابيع الأخيرة. ويضيف: «حركة حماس لعبت اللعبة بشكل رائع، إذ تمكنت من كسر الحصار الدولي عنها وأدخلت إسرائيل وحليفاتها في وضع سياسي هو الأكثر صعوبة». وتابع: «إن الدافع الأساسي لحركة حماس نحو المصالحة هو خشيتها من خسارة الدعم السوري في أعقاب التطورات الأخيرة هناك، التي تضع النظام السوري الداعم لها في حالة تدهور خطير. فهذا النظام هو الذي يساند حماس وحزب الله حاليا، بينما المعارضة السورية تهاجم حماس وإيران وحزب الله». ووفق تقديرات التقرير فإن حماس ستحصل من القيادة المصرية الجديدة على مقابل، مثل فتح مكتب للحركة في القاهرة، وحتى نقل مقرات الحركة من دمشق إلى القاهرة في ظل التطورات الحاصلة في دمشق، إضافة إلى فتح الحدود المصرية مع غزة. ويرى التقرير أن المصالحة تدعم الجهود الدبلوماسية التي يتبعها رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للحصول على اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية في شهر سبتمبر المقبل، لأن المصالحة ستتيح له القول إنه يمثل الشعب الفلسطيني بأكمله. وأضاف التقرير أن هذه العوامل ستؤدي إلى اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية بشكل شبه حتمي، ليس على أراضي الضفة الغربية فقط وإنما في القطاع أيضا. الرهان الإسرائيلي في رهان إسرائيل والولاياتالمتحدة على فشل إتفاق المصالحة وتآمرهما لإفشاله يمكن اعتبار ما كتبته صحيفة «إسرائيل اليوم» يوم 29 أبريل مؤشرا عن الحالة الذهنية لقادة تل أبيب وواشنطن في التعامل مع المعطيات الجديدة. تقول الصحيفة «لا تفترق منظمة التحرير الفلسطينية وحماس بعضهما عن بعض في العقيدة فحسب بل وفي الأساس بالخلفية الاجتماعية. فمتوسط أعمار نشطاء حماس وقادتها من 30 40 سنة في حين ان متوسط أعمار نشطاء م.ت.ف من 60 إلى 70 سنة. وماذا عن الاتفاق؟ كنا في هذا الفيلم من قبل. كف العالم منذ وقت عن عد كم من الاتفاقات وقعت بين م.ت.ف وحماس، وهي اتفاقات تم التوقيع عليها بحبر يمحي من تلقاء نفسه. المثال البارز هو اتفاق مكة في فبراير 2007 الذي وقع أمام الكعبة تحت ضغط مادي غير معتدل من عبد الله ملك السعودية، وكان يفترض ان يرتب هذا الاتفاق علاقة م.ت.ف بحماس بعد ان تحطمت على أثر فوز حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي قبل ذلك بسنة، في يناير 2006، ورفض م.ت.ف أن تنقل لحماس صلاحيات ووظائف خلال تلك السنة. كان رئيس الحكومة الفلسطينية اسماعيل هنية من حماس مشلولا بسبب القطيعة مع اسرائيل ومعاداة الرباعية ورفض الولاياتالمتحدة تحت ادارة بوش الاعتراف بأن حماس كيان شرعي، واحجام اوروبا عن تحويل اموال الى السلطة التي تسيطر عليها رسميا على الأقل منظمة ارهابية. لم تحل المنظمات الارهابية وأصبح العنف في الشوارع اسم اللعبة وهاج الاضطراب المالي. كان اتفاق مكة يفترض ان يحول الجهود الى الأهداف المشتركة وهي: التحرر من الاحتلال الصهيوني، وتحرير القدس، والعمل على تقديم عودة اللاجئين، والافراج عن الأسرى وابعاد المستوطنات والجدار. اتفق الطرفان آنذاك على تعدد سياسي، وهذا تعبير حسن مغسول معناه الامتناع عن قرار على النهج السياسي التنفيذي الذي سيجري العمل به. وقررا ايضا مبدأ الشراكة السياسية ومعناها الخارجي الشراكة في اتخاذ القرارات لكن معناها العملي شلل مزدوج لطرفي الاتفاق. وكان يفترض ان تكون حكومة وحدة وطنية الجسر بين الطرفين والحلقة التي تربط بين الحصانين كي يجرا العربة الفلسطينية في اتجاه واحد ولا يحطماها. أفضى الاتفاق في الحقيقة الى انشاء حكومة وحدة في مارس 2007، لكن الاختلافات في النهج وفي هوية صاحب القرار جعلتها تنهار وتسيطر حماس على غزة في يونيو من ذلك العام مع القضاء على عشرات من أنصار م.ت.ف. الاختلافات بين م.ت.ف وحماس في الأهداف وفي طرق احرازها قائمة حتى اليوم. والفروق في التصورات العامة لم تتقلص خلال سني الانشقاق وكذلك ايضا الاتهامات والشتائم. فأعضاء حماس لا يؤمنون بالشعارات التي يطلقها أبو مازن بأنه لن يتخلى عن حقوق الفلسطينيين، لكنهم مستعدون لأن يدخلوا مرة أخرى في اتفاق غير ملزم استجابة لطلب الجماهير في غزة ورام الله، وعقد الجسور فوق الاختلافات بسبب الثمن السياسي الذي يدفعه الطرفان بسبب القطيعة بين غزة ورام الله. برغم ذلك، وبرغم الاتفاق، لن تستسلم اجهزة أمن حماس وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام والقوة التنفيذية لبرنامج عمل م.ت.ف أبدا، ولا تفكر اجهزة م.ت.ف المسلحة حتى للحظة بالعمل بحسب املاءات تأتيها ممن يوالون حماس. سيظل ازدواج الحكم يقسم السلطة الفلسطينية برغم محاولات مضاءلة المعركة، وعندما يحين وقت تقاسم جلد الدب ربما بعد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية في «يهودا والسامرة» وغزة ستطفو الاختلافات على السطح وسنرى مرة أخرى كيف تتغلب الحالة الاجتماعية في العالم العربي على السياسة. ومن اجل الإثبات فقط نقول: «هل يتذكر أحد ما أن باكستان وبنغلاديش ولدتا مثل دولة واحدة ؟». الرد على الحرب الدعائية للرد على حرب الدعاية الإسرائيلية أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل ان حركته تشارك حركة فتح في العمل على تحقيق «الهدف الفلسطيني الوطني» وهو إقامة «دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على ارض الضفة والقطاع عاصمتها القدس الشريف دون أي مستوطن ودون تنازل عن شبر واحد أو عن حق عودة» اللاجئين الفلسطينيين. وتبنت حماس هذا الموقف بعد التصديق على «وثيقة الاتفاق الوطني» التي صاغها عام 2006 اعضاء الفصائل الرئيسية المسجونين في إسرائيل والتي تضمنت إقامة دولة فلسطينية على جميع الأراضي المحتلة منذ العام 1967 أي القدس الشرقية، والضفة الغربية وقطاع غزة، والاعتراف الضمني بإسرائيل. إلا أن إعلان مشعل في خطاب أمام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال الحفل الرسمي لتوقيع المصالحة، يعطي طابعا رسميا أكثر بكثير. وقال مشعل خلال مقابلة اجراها مع وكالة فرانس برس يوم الخميس 5 مايو في القاهرة ان حماس «توافق على دولة في حدود 1967 عاصمتها القدس ومع حق العودة وبدون مستوطنات». واضاف مشعل ان «هذا أمر متفق عليه في الساحة الفلسطينية بين غالبية القوى ويصلح اساسا نبني عليه»، داعيا إلى وضع «برنامج سياسي مشترك». واقترح رئيس المكتب السياسي لحماس ايضا «الجمع بين المقاومة والتحرك الدبلوماسي لانتزاع أي قرارات ومواقف دولية لصالح القضية الفلسطينية»، في اشارة الى طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 الذي سيضعه الرئيس عباس أمام الأممالمتحدة في سبتمبر 2011. وصف البعض السياسة بأنها لعبة للمزج بين الحقيقة والأوهام. وبين الساسة في فلسطين وإسرائيل تمارس تلك التكتيكات على أوسع نطاق. يوم الثلاثاء 10 مايو صرح الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز ان اجراء مفاوضات سلام مع حركة حماس أمر ممكن، رغم ان الدولة العبرية تعتبرها منظمة ارهابية. وقال بيريز في المقابلة التي اجراها الموقع الالكتروني لصحيفة يديعوت احرونوت «واي نت» بمناسبة الذكرى الثالثة والستين لإعلان إسرائيل «لا يهمني الأسم. المهم هو المضمون. كل شيء يمكن ان يحدث لأن حماس لديها مشاكل ايضا وليست قوية إلى هذا الحد». واضاف «عندما بدأت المفاوضات مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان يقال لي أن هذا لن يؤدي إلى شيء، واعتقد أن الأمر نفسه ينطبق على حماس»، ملمحا بذلك إلى المفاوضات السرية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية التي أفضت إلى اتفاق أوسلو في 1993. واوضح بيريز «ان حماس يمكن ان تتعرض لعقوبات اقتصادية اذا أصرت على رفض المبادئ التي تطالبها الأسرة الدولية بقبولها». واكد بيريز انه «في كل مفاوضات، كل طرف يريد ان يثبت لانصاره انه قوي وجريء ولن يتخلى عن شيء. لكن القادة يعرفون في اعماق انفسهم ان لا خيار لديهم وانه يجب صنع السلام». وتابع «لا احد يتطلع الى سفك الدماء لذلك يجب ان نميز بين المظاهر والامكانات الخفية». وردا على سؤال عن المصالحة بين حركتي فتح وحماس، قال بيريز «اذا ارادوا الاتحاد فليتحدوا». «نحن من جانبنا نتحدث عن قضايا امنية تعنينا واذا شكل الفلسطينيون وحدة مع منظمة تواصل الدعوة الى تدمير اسرائيل فالأمر لا يعود مسألة داخلية فلسطينية بل قضية سياسة خارجية تعنينا». واعلن بيريز ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس يبقى «بالتأكيد» شريكا للسلام بعد المصالحة مع حماس. يوم 9 مايو قال القيادي الفلسطيني نبيل شعث ان عملية السلام ليست من اولويات الرئيس الأمريكي باراك اوباما. ورأى في حديث صحافي ادلى به لصحيفة «الشروق» المصرية أن إحياء جهود المصالحة جاء بمبادرة مصرية، ولم تجر الفصائل الفلسطينية أي مفاوضات جديدة، بفضل خطوات مصرية سرعت من وتيرة المصالحة، على رأسها إنهاء التعقيدات على معبر رفح، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية، لاسيما الثورة السورية، التى جعلت حركة «حماس» تعيد النظر في موقعها، لكون دمشق الداعم الأول لها. ونقلت صحيفة «الشروق» عن شعث حديثه، عن المصالحة وأسباب إنجازها بعد أربعة أعوام من التنافر والانقسام، مستندا للمثل: «الطلاق يعلم الناس فوائد الزواج». ورأى أن ثمار عودة الوفاق بين حركتي فتح وحماس ستظهر خلال عشرة أيام». وبشأن المصالحة، رأى أن «اليوم ليس كالأمس، والصراع العسكري الذي كان قائما بين فتح وحماس وقت اتفاق مكة لم يعد موجودا، فالجميع يعرف تبعات الانقسام». ولا يجد شعث سببا لقلق البعض من استحالة تمكن السلطة الفلسطينية من أن توازن بين التزاماتها الأمنية مع إسرائيل بمكافحة العمليات المسلحة وبين التزاماتها مع «حماس» بوقف التعاون الأمني مع الاحتلال، لأن «الاتفاق السياسي بين «فتح» و»حماس» يحرم استخدام العنف على أن يستمر النضال الشعبي غير المسلح والحراك الدولي للضغط على إسرائيل وتعزيز الوحدة الوطنية وبناء مؤسسات الدولة. لا عمليات عسكرية، وبالتالي لا مشكلة». قبل أسابيع من إتفاق المصالحة استخدمت حركة حماس مرة أخرى كل سلطاتها لتوقف العمليات العسكرية انطلاقا من غزة ضد الصهاينة لأن موازين القوى لم تكن تسمح بتحقيق إنجازات عن طريق مواصلتها. تقول مصادر رصد أوروبية أن مستقبل إتفاق المصالحة مرتبط كثيرا بنتيجة المواجهة الحالية في سوريا بين القوى التي تناهض نظام بشار الأسد وتلك التي تسانده.