أكد باحثون أن الترجمة شكلت، في مختلف الحقب والعصور، قاطرة في بناء الفضاء الثقافي العربي في أقوى لحظاته، ولا تزال، في العصر الحديث، أداة للتفاعل بين الثقافات واللغات، حيث تبرز أهميتها في الشعار الذي تحمله كآلية أساسية لحوار الثقافات والحضارات. وأبرزوا أن الترجمة طرحت إشكاليات معقدة شديدة الارتباط بالدينامية الفكرية وبالبحث العلمي، موضحين أن هذه القضايا تقتضي نقاشا متواصلا ومعالجة متدرجة من حقل معرفي إلى آخر، فهناك الكثير من الكتابات الاستشراقية التي تدرس المجتمعات العربية والتي بذلت جهودا مهمة في دراسة الفكر العربي الحديث و المعاصر. وفي هذا الصدد، يلاحظ الكاتب ريشار جاكمون، من جامعة ايكس مرسيليا (فرنسا)، في مداخلة قدمت خلال الأيام الدراسية العربية الأوروبية حول موضوع «الترجمة العربية للكتابات الاستشراقية المتصلة بالتقليد الإسلامي»، التي نظمتها مؤخرا كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، أن المنشورات المترجمة إلى اللغة العربية تتناول عناوين كثيرة، منها العالم العربي، حيث تم تناول هذا الموضوع بشكل مباشر وبدرجات متفاوتة ك`(تاريخ قديم أو حديث، ومشاكل سياسية أو اجتماعية معاصرة، وشؤون دولية، وغيرها). واعتبر أن عددا من المؤلفين الذين ترجمت مؤلفاتهم هم من أصل عربي، يكتبون بلغات أخرى وخاصة الفرنسية والإنجليزية، كمحمد أركون والطاهر بن جلون وأمين معلوف وإدوارد سعيد، وغيرهم، مؤكدا، في هذا الإطار، أن الحضور القوي لهذه الترجمة في نوع خاص من المؤلفات، هو علامة نجاح في اكتساب جمهور من القراء نادرا ما تحققه الترجمة. أما الباحث المغربي محمد العمري، من جامعة القاضي عياض بمراكش، فيرى أن أي إسهام في تطوير المعرفة لا يعتبر كذلك، إلا إذا طور رؤية جديدة تمس المادة موضوع المعرفة والمنهج المتتبع في مقاربتها. وفيما يخص الترجمات الاستشراقية، أجمع الباحثون أن نوعية الأسئلة ومناهج وأساليب الدراسة التي تميزت بها الدراسات الاستشراقية وطريقة تناولها للموضوعات أثرت في الكتابات العربية والإسلامية الحديثة، وذلك على الرغم من أن معظم الدراسات الاستشراقية لم تنقل إلى اللغة العربية.