مرة أخرى يكرس المسرحيون المغاربة مكانتهم الريادية في المشهد المسرحي العربي، فبعد تتويج المخرج محمد الحر بمسرحيته "صولو" لفرقة أكون في الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي التي جرت عام 2018 بتونس، وتتويج المخرجة أسماء هوري بمسرحية "خريف" لفرقة مسرح أنفاس في دورة الجزائر، (الدورة التاسعة) عام 2017، جاء دور المخرج المتألق أمين ناسور مع فرقة فوانيس ليحصد جائزة الشيخ الدكتور سلطان محمد القاسمي في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح العربي المقامة ببغداد في الفترة ما بين 10 و18 يناير الجاري، وهي الجائزة الكبرى والوحيدة في هذا المهرجان.. فاز أمين ناسور باستحقاق كبير وبإحماع أعضاء لجنة التحكيم التي ترأسها الفنان السوري أيمن زيدان، بمسرحيته الجديدة "تكنزة.. قصة تودة" من إنجاز فرقة مسرح فوانيس من وارزازات ومن إنتاج مسرح محمد الخامس.. ومعلوم أن جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لهذه السنة تنافست عليها 12 مسرحية عربية من المغرب، العراق، مصر، تونس، الجزائر، الأردن، سلطنة عمان، الكويت ومن بينها أيضا المسرحية المغربية "إكستازيا" لمؤسسة أرض الشاون للثقافات، وهي من تأليف وإخراج ياسين أحجام. وترأس لجنة تحكيم دورة بغداد لمهرجان المسرح العربي الممثل السوري أيمن زيدان وعضوية الأكاديمي المصري سامح مهران والممثل الفلسطيني حسام أبو عيشة والكاتب المسرحي الليبي علي الفلاح، والمؤلف المسرحي اللبناني هشام زين الدين. كما كانت 7 عروض مسرحية أخرى مبرمجة خارج المنافسة الرسمية من بينها العرض المغربي "كلام" لفرقة مسرح الشامات من مكناس، تأليف د. محمد برادة، إعداد وإخراج د. بوسلهام الضعيف. يذكر أن هذا المهرجان دأبت على تنظيمه سنويا الهيئة العربية للمسرح بالتناوب بين الدول العربية وبالتعاون مع الحكومات المحتضنة للدورة.. وعقدت دورة بغداد بالتعاون مع دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة ونقابة الفنانين العراقيين، خلال الفترة من 10 الى 18 يناير 2024. بمناسبة تتويج المسرح المغربي هذه السنة في شخص مسرحية "تكنزة.. قصة تودة"، أجرت بيان اليوم حوارين مع كل من المخرج أمين ناسور والمدير الفني لفرقة فوانيس إسماعيل الوعرابي. فيما يلي الحواران: أولا نجدد لكم جميل التهاني بتتويجكم بالجائزة الكبرى لمهرجان المسرح العربي في دورته 14 ببغداد وبذلك تكونون قد كرستم مكانة المسرح المغربي وشرفتموه في هذا المحفل الهام.. فهل كنت شخصيا تتوقع هذه الجائزة؟ وماذا تشكل لكم هذه الجائزة علما أنها ليست المرة الأولى التي تنعمون فيها بمتعة التتويج صراحة لا يمكنك توقع التتويج ولكن كنا نعرف منذ البداية أننا جئنا للتنافس بقوة في المهرجان العربي لأن تجربتنا مختلفة وجاءت كثمرة بحث ونتيجة مجهود فني كبير من طرف فريق عمل متنوع ومتمرس كل في مجاله وتخصصه... فالجائزة هي أولا إنصاف لمجهود إبداعي كبير ومتقن.. وثانيا هي تتويج لتجربة أضحت ملامحها واضحة وأسلوبها الفني أيضا أصبح واضحا... هي بالنسبة لي تتويج مسار وصل لمرحلة النضج وهي فاتحة لآفاق أخرى أكثر تحديا وإبداعا. [gview file="http://bayanealyaoume.press.ma/wp-content/uploads/2024/01/3.tif"] من خلال مشاركتكم في عديد من دورات مهرجان الهيئة العربية للمسرح، ما هي انطباعاتكم حول دورة بغداد؟ دورة بغداد كانت متميزة ومتنوعة كأنها تتويج لكل الدورات السابقة، حيث بذلت مجهودات كبيرة من طرف الهيئة العربية للمسرح والفنانين العراقيين من أجل إنجاحها وكانت السعادة بادية على محيى كل المسرحيين العراقيين وعلى رأسهم الصديق د جبار جودي نقيب الفنانين العراقيين ومدير دائرة الثقافة والسينما في وزارة الثقافة العراقية الذي بذل كل ما في وسعه هو وطواقمه من كوادر الفنانين لإنجاح الدورة مع الهيئة العربية للمسرح وجعلها دورة استثنائية.. * لقد اختارت لجنة التحكيم 4 عروض مسرحية من 12 ضمن اللائحة الضيقة المرشحة لنيل الجائزة الكبرى، هل ترون أن هذه العروض الأربعة كانت بالفعل تتوفر على مكونات وعناصر منافستكم شكلا ومضمونا؟ وبالتالي، من خلال تتبعكم ومشاهداتكم، ما هو تقييمكم لمستوى العروض المشاركة عموما؟ نعم كانت كذلك ما دام اختيارها تم من طرف اللجنة التي تضم أسماء وازنة على المستوى العربي برئاسة الفنان الكبير السوري أيمن زيدان وعضوية كل من الأكاديمي المسرحي ورئيس مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي د سامح مهران والكاتب والمخرج وعميد كلية الفنون في لبنان د هشام زين الدين والكاتب والمخرج الليبي علي فلاح والممثل الفلسطيني القدير حسام أبو عيشة... كانت العروض المعلنة في اللائحة الضيقة بالفعل منافسة لأنها تنطوي على اشتغال جيد وجدي وتحمل اقتراحات جمالية وأخص هنا بالذكر تجربة محمد العامري المخرج الإماراتي المتميز في عروضه وكذلك الأمر بالنسبة لتجربة المخرج والكاتب العراقي عبد النبي الزايدي.. أما بخصوص مستوى العروض عموما، صراحة هناك تفاوت بين مستوياتها ورؤاها الفنية، وأعتقد أن هناك تيها في بعضها وتقليدانية متجاوزة في البعض الآخر يجب إعادة النظر فيها... بعض المسارح العربية في حاجة لأن تنفتح على العالم وتشاهد ما يدور حولها من تطور لمفهوم الأداء والإخراج والتأليف، وستكون مطالبة بتنويع تجاربها دون تقديس أسلوب فني معين وتكريسه كنمط سائد عند الجميع، وهنا أشيد بالتجارب المغربية التي شاركت في المهرجان في عروض كل من "إكستازيا" لفرقة أرض الشاون للثقافات من إخراج الصديق ياسين أحجام، وعرض "كلام" لمسرح الشامات بمكناس من إخراج الزميل بوسلهام الضعيف، وهي عروض تنحو كلها منحى التجديد والبحث.. وهناك أمر آخر مهم وهو يجب أن نعرف الحدود بين الاقتباس والتناص وبين الاستلهام وبين السرقة الموصوفة لمجهود الآخرين، وهذا ما أشار له تقرير لجنة التحكيم حينما تحدث عن احترام حقوق المؤلف. لقد شاركت وتتبعت معظم مهرجانات الهيئة العربية للمسرح، فهل يمكن اعتبار مهرجان الهيئة محرارا لقياس حالة المسرح العربي ومدى تناميه وتطوره بالقياس لما هو عليه الحال في مختلف مسارح العالم؟ نعم مادام المهرجان العربي للمسرح هو أكبر تظاهرة مسرحية في العالم العربي باعتباره الفضاء الحقيقي الذي تلتقي فيه جل التجارب العربية المتميزة في بلدانها، وهو أيضا الموعد الذي برزت وتبرز فيه تجارب مهمة كانت معروفة فقط في وطنها... لا يمكن لأي أحد اليوم أن ينكر أن المهرجان العربي للمسرح الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح هو الأكبر والأهم والأضخم عربيا سواء من ناحية الكم أو الكيف أو من ناحية استقبال جل التجارب العربية المسرحية.. أنت كمخرج مسرحي، تحمل، رفقة زميلك الدكتور السينوغراف طارق الربح، مشروعا ثقافيا ينتصر للبحث الدرامي في متون الثقافة والفنون الشعبية.. وراكمتما معا في هذا الباب تجارب هامة بتجوالكما في جهات المغرب الغنية من حيث التنوع الثقافي واللغوي.. هلا حدثتمونا عن هذه التجربة وكيف ترسمون آفاقها؟ بعد تخرجي من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وبعد قضاء بضع سنوات من الاشتغال في الرباط كممثل وكمخرج، قررت أن أختار مسارا آخر لتجربتي المسرحية.. مسار هدفه تنويع التجربة وإنضاجها عبر ثقافة بلدي المتنوعة والزاخرة بجماليات عديدة.. تقاسم معي هذا الطموح وهذا المشروع صديقي وأخي السينوغراف د. طارق الربح، فانطلقنا معا في هذا السفر الفني المسرحي بين مدن وجهات المملكة المغربية... بدأنا بالحسيمة مع فرقة تفسوين ومع المسرح الناطق بالأمازيغية الريفية التي أنجزنا معها ثلاث مسرحيات آخرها عرض "شاطارا"، وفزنا معها بالعديد من الجوائز وطنيا وعربيا ودوليا، وانتقلنا إلى بني ملال مع فرقة الأوركيد وقدمنا معها عرض "شابكة" تأليف الدكتور عبد الكريم برشيد الذي ترك انطباعات لدى الجمهور المغربي والعربي خصوصا في دولة مصر الشقيقة .. وحظي عرض "شابكة" باستقبال نقدي لافت حيث كتبت عديد من المقالات النقدية حوله بمختلف الصحف والمجلالت العربية.. ثم واصلنا سفرنا الفني إلى الداخلة مع فرقة أنفاس حيث قدمنا عرض "الخالفة" باللغة الحسانية وفزنا بالجائزة الكبرى الوطنية للمسرح وهو أول تتويج بهذه الجائزة للمسرح الحساني في المهرجان الوطني للمسرح، ثم أخيرا ارتأينا أن نحط رحالنا بورزازات مع فرقة فوانيس حيث أنجزنا عرضا مسرحيا جديدا هو العرض ذاته المتوج اليوم بجائزة الهيئة العربية للمسرح "تكنزة قصة تودة" والذي تم إنتاجه من طرف مسرح محمد الخامس الذي نشكره بهذه المناسبة على كل الدعم الذي ما فتئ يقدمه للفرق المسرحية المغربية.. ومازالت هناك اشتغالات أخرى في الأفق إن شاء الله في نفس السياق ونفس النهج لأنه مشروع ممتد عبر الزمان وغير مقتصر على فترة معينة. غالبا ما يقود المخرجون المسرحيون فرقا مسرحية قارة بمثابة مختبرات لأبحاثهم وتجاربهم، إلا أنك خارج عن هذه القاعدة، بحيث نراك في كل موسم زائرا في ضيافة فرقة ومدينة من جهات المغرب.. هل يتعلق الأمر باختيار مؤقت أم أنه يندرج ضمن استراتيجية انشغالك واشتغالك الدرامي المتواصل في هذا النوع من البحث والتجديد؟ صراحة الأمران معا.. أولا أبحث عن التنوع والاختلاف بتنويع مصادر عروضي المسرحية وتنويع الشراكات مع الفرق المسرحية الجادة والمختلفة المتواجدة بربوع المملكة، والبحث في ثقافة وفنون بلدي المتسمة بالتنوع والتعدد والغنى.. وثانيا إيماني راسخ أن مفهوم الفرقة يجب أن تكون له مقوماته اللوجستيكية والإدارية وأن تتوفر له أيضا عناصر الاستقرار، وهي، في نظري، الركائز الغائبة للأسف في مشهدنا المسرحي مع بعض الاستثناءات القليلة جدا، وهنا أحيي تجربة مسرح الأكواريوم للصديقة المخرجة نعيمة زيطان التي استطاعت أن تؤسس لمفهوم الفرقة بمعناه الحقيقي رغم كل الصعوبات التي تواجهه .. طيب بودي أن أختم هذا الحوار الشيق معك بسؤال أتمنى ألا يحرجك، بحيث لم يتم تتويجكم ولا ترشيحكم في المهرجان الوطني الأخير في دورته 23 بتطوان رغم أن الكثير من الآراء في المهرجان أشادت بعرضكم وبتجربتكم، ولكن كان للجنة في مهرجان رأي آخر.. فما تعليقكم؟ ليس هناك أي حرج نهائيا، فأنا أعرض تجربتي دائما للنقاش والتفاعل، وهذا هو المحك الحقيقي للمبدع.. وكما قلتم الآن، كان للجنة رأي آخر وتوجه آخر، ومن حقها طبعا مادام ليس فيه سوء نية أو محاولة كبح جماح تجربة معينة لأنها ربما أصبحت تزعج.... وعلى العموم كنت فرحا جدا لتتويج شبابنا المسرحي في عرض "لافيكتوريا" الذي يعكس هواجس وانشغالات الجيل الجديد في المسرح المغربي.. وعلى كل قد يكون ذلك المهرجان آخر مشاركة لي في التنافس وطنيا. وأنا سعيد أيضا لأن المهرجان رجع بنسخة محترمة وتحترم قيمة وقامة الفنانين المسرحيين المغاربة. حاوره: الحسين الشعبي تصوير: نور القيصر