يعرف المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة هذه السنة نقلة نوعية بدخوله الدورة الثالثة، والتي ستقام من 26 الى 29 أكتوبر، وتتميز هذه الدورة باعتبارها جسرا مهما ومحطة رئيسية للعبور الى بر الأمان وبالتالي الإقرار الرسمي بنجاح المهرجان، ستطل علينا هذه الدورة محملة بعدة تساؤلات وتوقعات ومخاوف، تنطلق من التحديات الملقاة على عاتق إدارته، وقدرتها على الصمود في وجه واقع قاس لا يتورع عن افشال كل محاولة صادقة تروم الاصلاح والتغيير وخصوصا في المجال السينمائي. الاهتمام بالفيلم الوثائقي في المغرب بدأ يكتسب طابعا حيويا واجتهادا ملحوظا من لدن القائمين على المشهد السينمائي، إذ بدأنا نشهد حضوره الملفت في المهرجانات والملتقيات الوطنية، بل اصبح يسرق الأضواء وينتزع الصدارة ويحصد الجوائز، وقد خصصت له فعاليات خاصة به تحتفي بصورته وتشجع مريديه، هذه الفعاليات التي اصبحت تنافس نظيرتها الخاصة بالأفلام الروائية، واضحت تستقطب جمهورا لابأس به من الفاعلين السينمائيين والمحبين لهذا النوع من الأفلام. لا شك أن الفيلم الوثائقي خلق تلبية لحاجة لم يستطع الفيلم التخييلي تلبيتها والوصول اليها، فالعناصر المشكلة للفيلم الوثائقي لم تتشكل عفويا بل نشأت من رحم الواقع وترعرعت ضمن منظور نقدي شامل، تلبية لطموحات الجمهور التواق لصورته وملامحه وهويته الحقيقية البعيدة عن كل تزييف وتحريف. إلا أنه لابد من الاحتفاء بهذه الصورة ووضعها داخل إطار يستجيب لطموحاتها وتطلعاتها، وتوحيد صيغها داخل نموذج متكامل في بنيته، متفاعل في تجلياته الثقافية وتمظهراته الإبداعية، نموذج يستجيب لقيمة الفيلم الوثائقي وقدرته على التأثير، نموذج يلم الشمل، ويعطي للمهتمين بهذا الجنس السينمائي فرصة الظهور والاحتكاك بتجارب تختلف باختلاف البعد الجغرافي والفني. ولعل الحراك الأخير الذي تعرفه السينما المغربية، ساهم بشكل من الأشكال في النهوض بهذا الجنس ومنح محبيه أملا في معالجة ما أهملته السنين الماضية، واستلهم منه البعض قدرتهم على تحقيق حلمهم وتطبيق أفكارهم على أرض الواقع، من بين هؤلاء ثلة من الفاعلين السينمائيين بمدينة خريبكة المغربية أبوا إلا ان يحققوا بعضا من التوازن السينمائي داخل هذه المدينة الصغيرة، وجعلها مركزا عربيا ودوليا لبث الوعي الثقافي من خلال تفعيل الصورة الوثائقية، وخلق فضاء ابداعي جديد لها يكمل ما بدأه مهرجان الفيلم الافريقي بهذه المنطقة. بات صوت المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة تتضح نبراته سنة بعد أخرى، ودورة بعد أخرى، فلم يكن سهلا أبدا، تحقيق هذه الخطوات في ظل امكانيات محدودة إن لم نقل مخجلة، وفي ظل رهانات تعاني من ترسبات مشوهة، ساهمت بشكل من الأشكال في خلق كائن مسخ يتقن التزييف والتمثيل، مما أدى الى الطعن في الأهداف التي خلقت من أجلها مثل هذه التظاهرات. القائمون على هذا المهرجان يحاولون جاهدين إعطاء صورة مشرفة للمغرب الثقافي، عبر تكثيف انشطة المهرجان الثقافية والابداعية، وزيادة التعاون بين جهات متعددة لها نفس الرسالة والطموح وبناء جسر متكامل يربط الصورة المغربية بنظيرتها العربية والغربية... للتعرف أكثر على بعض الجوانب من هذا المهرجان والقائمين عليه كنا قد أجرينا حوارا مطولا ومشتركا مع رئيسه الدكتور الحبيب الناصري ومديره الدكتور بوشعيب المسعودي هذا جانب منه: بداية سألنا الدكتور الحبيب الناصري عن أهم الأولويات التي وضعتها إدارته لهذه الدورة، فأجاب بأن أهم الاولويات هي توسيع قاعدة الدول المشاركة، وتطوير بعد المهرجان الاشعاعي داخل وخارج المدينة والوطن ككل من خلال التعريف بانشطته الرسمية والبانورامية، ومدى رغبته القوية في تقريب الفيلم الوثائقي للمؤسسات التعليمية والتكوينية، نظرا للبعد التربوي والثقافي والنقدي والجمالي، ونوه بمن يؤمن هذا المشروع الوثائقي وخص بالذكر المركز السينمائي المغربي، والمجمع الشريف للفوسفاط والمركز الايطالي الثقافي والمعهد الوطني للتهيئة والتعمير. وفي سؤالنا حول كثرة المهرجانات السينمائية في المغرب والتخمة التي قد تصيب الجمهور عوض تثقيف ذائقته الفنية والفكرية، أجاب الدكتور الحبيب الناصري ان ظاهرة المهرجانات السينمائية في المغرب، ظاهرة ثقافية صحية في غياب قاعات سينمائية كافية نظرا لتهاوي هذه الاخيرة وتقليص عددها، وذلك في اطار تنامي ثقافة العقار، وأضاف انه ينبغي ان نشير الى ان البقاء لما هو مفيد ولمن سيضيف فكرة ما للمتلقي، وفي نظره معظم هذه المهرجانات، تقدم فرجة ممتعة للجمهور، وفرصة لتحقيق تماس ثقافي وفني وجمالي، ليختم بطرح السؤال بصيغة اخرى ماذا لو لم تكن هذه المهرجانات؟ أما الدكتور بوشعيب المسعودي فأضاف أن كثرة المهرجانات السينمائية في المغرب قد تصيب الجمهور بالتخمة، اللهم إلا إذا كان هناك اختصاص مخصص لنوع واحد من الأفلام، مثل المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة فهو خاص بالفيلم الوثائقي لا غير. وليس هناك خليط من عدة أفلام. ثم سألناهما حول تحقيق المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة لتواجده وحضوره الفعلي على الخريطة السينمائية المغربية ابتداء من الدورة الثانية، وماهو شعورهما وهما يقفان على أعتاب الدورة الثالثة؟ فأجاب الدكتور الحبيب الناصري أن شعوره شعور من ازداد له ابن وولد من مخاض صعب، لكن الان المولود قد وصل سنه الثالثة، مما يعني انه بدأ يقف على رجليه، وهو الآن قادر على أن يدافع على نفسه لانه أصبح من الممكن أن يصدر كلماته الاولى. هذا المولود هو للمدينة وللوطن وللعرب وللإنسانية ككل. وحول نفس السؤال تابع الدكتور بوشعيب المسعودي أن المهرجان لم يحقق تواجده وحضوره على الخريطة السينمائية المغربية فقط، بل على الخريطة السينمائية الدولية ككل إذ أصبح ذا صيت عالمي وهذه الدورة ستشاهد بعين محترفة وليست هاوية.