نبيل بنعبد الله: قوى محافظة بألوان مختلفة تسعى إلى تحريف مشروع الإصلاح وجعله يزيغ عن الطريق عبد الواحد الراضي: يجب أن تكون نسبة اليسار في البرلمان المقبل مرتفعة لأن مغرب المستقبل رهين بالدور الذي سيلعبه التهامي الخياري: الشعب ينتظر من أحزاب اليسار رسائل التغيير باعتباره القادر على التجاوب مع انتظاراته اليسار ومغرب المستقبل بعيون ثلاثة أحزاب في الوقت الذي تنكب فيه أحزاب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم والاشتراكية وجبهة القوى الديمقراطية على وضع اللمسات الأخيرة لإعلان مبادرات في اتجاه وحدة اليسار، أجمع قادة هذه الأحزاب على أن وحدة اليسار باتت ضرورة ملحة في هذه الظرفية الجديدة التي يعيشها المغرب بعد المصادقة على الدستور الجديد، باعتباره الحامل للمشروع الذي يستجيب لتطلعات الشعب المغربي. وقال نبيل بنعبد الله في افتتاح لقاء حول «اليسار ومغرب المستقبل» الذي نظم الجمعة الماضي بالرباط، إننا نتواجد في ظرفية سياسية دقيقة ومتميزة، بعد نضالات وتضحيات جسام، تتميز بسعي قوى محافظة، بألوان مختلفة، إلى تحريف مشروع الإصلاح وجعله يزيغ عن الطريق. وانتقد نبيل بعبد الله ما وصفه بمحاولات هذه القوى تكسير هذا المسعى الإصلاحي بكل الأوجه. وشدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على أن أحزاب اليسار مطالبة بالإنصات إلى ما تم التعبير عنه في الشارع وداخل الأحزاب السياسية، وبالتالي تحمل مسؤوليتها في حمل لواء هذا المشروع الإصلاحي في إطار وحدوي للإسهام القوي في بلورة كل المضامين الإصلاحية الأخرى، التي تدخل في إطار التعاقد السياسي الذي يحتاجه المغرب حاليا أكثر من أي وقت مضى، من أجل بناء دولة ديمقراطية قوية، قادرة على تكريس المضامين التي يتضمنها الدستور الجديد. وأشار بنعبد الله إلى أن أحزاب اليسار تحيى في نوع من الضبابية في نظر عموم المواطنين، بسبب ما اعترى الحياة السياسية عموما والحزبية على وجه الخصوص، من تبخيس وانحرافات حقيقية. ودعا إلى استثمار المرجعيات والمقومات والمبادئ التي تتوفر عليها الأحزاب اليسارية، والتوجه بصوت موحد إلى المواطنين لاستعادة بريقها. وقال في هذا السياق «أمامنا مسؤولية وفرصة سانحة، وعلينا اغتنام مناسبة الاستحقاقات الانتخابية لكسب الرهان، وبعث الأمل من جديد في صفوف المواطنين». وعبر الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عن تفاؤله واستعداد حزبه للعمل من أجل قيام قطب يساري حداثي منفتح، قادر على استيعاب كل ما يجري من حوله، وأن يكون قوة اقتراحيه، ولم لا الوصول إلى قيام حزب يساري واشتراكي كبير. واعتبر نبيل بنعبد الله أن اللقاء يشكل لحظة تاريخية وسياسية تأتي لتلبية انتظارات المواطنين، أو ما يمكن تسميته «شعب اليسار» الذي كان يعتبر ولا يزال «أننا نشكل قوة قادرة على حمل مشروع مجتمعي وسياسي واقتصادي واجتماعي يستجيب لتطلعاته وانتظاراته»، على حد تعبيره. وعبر عبد الواحد الراضي عن أمله أن تحظى أحزاب اليسار بثقة الناخبين في الانتخابات التشريعية المقبلة لمواصلة الإصلاحات الواردة في الدستور الجديد. مشددا على أن المرحلة المقبلة سترهن مستقبل البلاد لعشرات السنين القادمة، مشيرا إلى أن مغرب المستقبل رهين بالدور الذي سيلعبه اليسار، الذي يتوجب عليه أن يكون حاضرا وأن يلعب دورا طلائعيا لبناء المستقبل. وقال الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إن التحديات التي تنتظر الجميع في الشهور والسنوات القادمة كبيرة، معربا عن أمله أن تكون نسبة اليسار في البرلمان المقبل مرتفعة وهو ما سيمكنه من التواجد العددي في المؤسسة التشريعية مما يمكنه من المساهمة في التنزيل الفعلي لمضامين الدستور الجديد. ودعا عبد الواحد الراضي أحزاب اليسار الثلاثة إلى تعزيز العمل الوحدوي، وتجميع شتاتها لمواجهة التحديات المطروحة عليها آنيا ومستقبلا، من أجل تعبئة الجماهير والاهتمام بقضايا المواطنين، ووضع برنامج يتضمن مشاريعها المستقبلية، بما يجعله قوة اقتراحية، لا يتوقف فقط عند تشخيص المشاكل، بل أيضا اقتراح الحلول الناجعة للمعضلات التي تعاني منها البلاد، وهو ما سيساهم في نظره بخلق الثقة مع الفئات الشعبية. ونفى التهامي الخياري، الكاتب الوطني لجبهة القوى الديمقراطية ما يروج له البعض حول نهاية اليسار، معتبرا أنه لازالت هناك قيم اليسار، متفائلا بخصوص ما يحمله المستقبل إذا أدركت هذه المكونات اليسارية أن عليها أن تتحمل مسؤوليتها في هذه الظرفية بالذات. وقال الخياري إن الشعب ينتظر من أحزاب اليسار رسائل التغيير، باعتباره القادر على التجاوب مع انتظاراته والاستجابة لحاجياته الملحة، داعيا إلى تحمل المسؤولية الملقاة على عاتق هذه الأحزاب. وشدد الخياري على أن اليسار هو القوة القادرة هو البديل الذي ينتظره الجميع. معربا بدوره عن أمله أن يشكل هذا اليسار النواة الصلبة للأغلبية المقبلة. وعبر عن تفاؤله بخصوص الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أن الأحزاب الثلاثة قادرة على الحصول على ثقة المواطنين والناخبين والحصول على ما يؤهلها لقيادة ومواصلة الإصلاحات العميقة التي عرفها المغرب منذ حكومة التناوب التوافقي. وسيكون كذلك إذا دخل في تحالف مبني على أساس برنامج منسجم وواضح أساسه الحداثة ومرتكزاته الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية. وقال الكاتب الوطني لجبهة القوى الديمقراطية «نحن مستعدون أن لا ينتهي عملنا في هذا اللقاء، والقيام بتقييم حول أعماله، ومواصلة جهود التنسيق بين كل الأحزاب، لنكون في موعد مع التاريخ». ومباشرة بعد كلمات الأمناء العامين للأحزاب الثلاثة، انطلقت أشغال ندوة فكرية حول اليسار ومغرب المستقبل بمشاركة ثلاثة أطر قيادية من الأحزاب اليسارية الثلاثة، فيما يلي أهم ما جاء فيها: الفكاك: وحدة اليسار مبعث أمل ووسيلة لتعبئة المواطنين شدد سعيد الفكاك على أن وحدة اليسار من شأنها أن تبعث من جديد الأمل في صفوف أنصاره، وأن تساهم في تعبئة المواطنين والمواطنات التواقين إلى الديمقراطية الحق، والحرية والعدالة الاجتماعية. وأضاف أن اليسار الديمقراطي هو الأكثر قوة وانسجاما، والأكثر مصلحة في الدفع بقوى المجتمع المدني إلى المستوى المطلوب، حتى وإن كانت مهمة صعبة في ظل التشتيت والضعف الذي يعاني منه اليسار اليوم. وخلص في معرض مداخلته أن فوز الديمقراطية في جانبها التمثيلي، أولا، ثم في جوانبها الأخرى، ورسوخها في المجتمع، يبنى على مدى نضج المجتمع المدني ومدى حضوره وفاعليته. واعتبر عضو المكتب السياسي للتقدم والاشتراكية في مداخلته حول «اليسار، الهوية، التاريخ والمستقبل» أن حالتي الضعف والتشتت اللتين تعاني منهما كل القوى الديمقراطية في المغرب، ومن ضمنها اليسار طبعا، هي المحفز الأول والأخير لقيام القطب اليساري الموحد. ودعا سعيد الفكاك إلى العمل من أجل تطوير الكتلة الديمقراطية وتوسيعها والرفع من فعاليتها، بالموازاة مع الجهود المبذولة من أجل توحيد اليسار الاشتراكي في قطب جماهيري كبير، وهما السبيلان الكفيلان بالرد على ما أسماه «الهجمة اليمينية، وعلى الأخطار المحدقة بالتجربة الفتية لبلادنا في ميدان الدمقرطة والتقدم». معتبرا أن قناعة حزب التقدم والاشتراكية هي أن اليسار الاشتراكي لا يمكنه أن ينمو ويتقوى إلا في نهوض جماهيري ديمقراطي واسع يشمل كل القوى والفعاليات ذات نفس الروح. وأبرز الفكاك أن تاريخ اليسار تاريخ نضالي بامتياز، داعيا الذين يرغبون في معرفة تاريخ اليسار بالمغرب، بالعودة إلى أرشيف الدولة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة، حيث سيكتشفون أنه في الوقت الذي كان فيه من وصفهم ب «مناضلي آخر ساعة ومحترفي السياسية الجدد» يراكمون الثروة ويهتمون بعائلاتهم ومستقبلهم، كان اليساريون يتذوقون علقم السجن والمنافي والتعذيب وكل أشكال القمع والترهيب. وأكد أنه لا مناص من العمل الوحدوي في اتجاه قطب يساري، مطالبا في نفس الوقت بتقديم أحزاب اليسار للنقد الذاتي، وتجاوز مقولة أن تاريخ اليسار يكمن فقط في تاريخ انشقاقاته، متسائلا عما إذا كانت هناك تسعة مشاريع يسارية، موازاة مع وجود تسعة أحزاب يسارية بالمغرب. المالكي: ضرورة التفكير في وضع لائحة مشتركة لبعض الترشيحات دعا حبيب المالكي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى ضرورة بعث رسائل لمن يهمهم الأمر بأن اليسار لازال قادرا على تحقيق العديد من المكتسبات. واقترح المالكي، في مداخلته حول «أي انتخابات في ظل الدستور الجديد»، على الأحزاب الثلاثة التفكير بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في وضع لائحة لبعض الترشيحات المشتركة، كيفما كانت الصعوبات المرتبطة بهذه الانتخابات على مستوى نمط الاقتراع. وشدد على أنه لا بد من التضحية التي بدونها لا يمكن بناء اليسار المغربي. واقترح المالكي أيضا وضع ميثاق بين أحزاب اليسار يحدد الإطار ويوضح الأفق، ويجعل الاختيارات الإستراتيجية لليسار، اختيارات اعتبرها معبئة. وهو السبيل الذي يمكن معه القول، حسب حبيب المالكي، «أننا قد ساهمنا اليوم في إعطاء مضمون ومحتوى ملموس لهذه الدينامية»، وسيساعد من جهة أخرى في التفكير في امتدادات ميدانية أخرى، وسيكون بمثابة أرضية مناسبة لإعطاء الشحنة الضرورية لليسار المغربي. واستهل المالكي مداخلته بالتأكيد أن اللقاء يفتح باب انتظارات جديدة، داعيا إلى تحمل المسؤولية الجماعية من أجل استمرارية هذا التوجه الوحدوي الذي بدونه «سنعمق من خيبة الأمل في صفوف المواطنين والمواطنات». مشيرا إلى أن اللقاء يتزامن مع قرب تخليد ذكرى اختطاف واستشهاد المهدي بنبركة، الذي جعل من اليسار قناعة راسخة، والمؤمن بأن اليسار هو السبيل للخروج من كل الأزمات والتقلبات التي عاشها المغرب. وقال المالكي إن الظرفية الحالية تستدعي إنعاش وتعزيز الفكر اليساري، في ظل كل المتغيرات التي يعرفها العالم. ففي غياب إنعاش الفكر اليساري يبقى كل شيء مجرد ممارسة للسياسة الظرفية، والبراغماتية التي أدت بالبعض إلى ممارسة البؤس السياسي. وقال المالكي إننا نعيش زمنا سياسيا جديدا من خلال المصادقة على الدستور الجديد، وبات الجميع مقتنعا أن هذا الدستور يشكل لحظة تحول في المسار الديمقراطي للمغرب، متسائلا من هي القوى التي ستدفع بهذا الدستور إلى الأمام إذا لم تكن هي قوى اليسار. ودعا إلى ضرورة توحيد اليسار، من خلال الاجتهاد وإيجاد الصيغ المتعددة والتفكير في مبادرات مختلفة، لجعل الدستور الجديد دستورا لبناء مغرب المستقبل، وأن تتحمل كل القوى الديمقراطية مسؤوليتها بكل العزم والجرأة وتجاوز ما أسماه «الأنانيات» كيفما كان نوعها. عمر الحسني: الحاجة إلى اليسار لازالت ضرورة ملحة أكد عمر الحسني، عضو المكتب التنفيذي لجبهة القوى الديمقراطية، أن الحاجة إلى اليسار لازالت ضرورية وملحة، وأن عليه، أي اليسار، أن يستعيد المبادرة لتأطير الحراك الاجتماعي، على اعتبار أن مصلحة البلاد تقتضي أن يسترجع اليسار موقعه الطبيعي وسط هذا الحراك، لأنه وحده القادر على تأطيره وتوجيهه وقيادته. وقال الحسني في مداخلته حول «اليسار والحراك الاجتماعي»، إن الحراك الاجتماعي كان دائما الشغل الشاغل لليسار، الذي اختار العمل في إطار المؤسسات وفي الشارع. وبعد أن استعرض بعض ملامح الحراك الاجتماعي في المغرب في السنوات العشر الأخيرة، أوضح أنه يتميز بثلاث مميزات أساسية، اتساع الحركات الاحتجاجية، وتشتتها بفعل تعدد الإطارات التنظيمية لها، وأيضا تقلص دور اليسار إلى حد كبير في الانخراط فيها. وانتقد الحسني ما أسماه «تقلص دور المركزيات النقابية»، وتناسل عدد من الجمعيات المهنية ذات الطابع المطلبي، واتساع حركة حاملي الشهادات الجامعيين، بالإضافة إلى عدد من الحركات ذات الطابع الفئوي. وأشار الحسني إلى أن أغلب هذه الحركات الاحتجاجية يطبعها العفوية والتلقائية والقليل من التأطير، الناتج عن عدة أسباب أهمها تراكمات العقود السابقة للمشاكل والمعضلات الاجتماعية، واستفحال مظاهر البطالة والإقصاء الاجتماعي والمجالي، واستشراء الفساد السياسي، نتيجة ما عرفه المشهد الحزبي والسياسي من تشوهات، وعجز المؤسسات التنفيذية عن الإجابة على أسئلة الشارع، وهو ما أدى في نظره إلى ابتعاد المواطنين وعزوفهم عن صناديق الاقتراع.