لأول مرة، وفي ملف يتعلق باعتداء إرهابي، لم يرفع ممثل الحق العام ملتمسا يتضمن بشكل صريح إصدار عقوبة الإعدام في حق المتهمين بالضلوع في التفجير الإرهابي على مقهى «أركانة» بمراكش، واكتفى بالإشارة إليها بشكل ضمني من خلال مطالبته بتوقيع أقسى العقوبات التي ينص عليها القانون في مثل هذه الحالات. إذ أوضح ممثل النيابة العامة خالد الكردودي في ترافعه أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بالإرهاب بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، أن أقسى العقوبات التي ينص عليها القانون في مثل الأفعال التي ارتكبها المتهمون التسعة تتمثل في الإعدام. لكنه عند تقديمه للملتمس أمام هيئة الحكم، لم يذكر كلمة «الإعدام»، وطالب بإنزال أقسى العقوبات ومصادرة الممتلكات التي استعملت مكانا للإعداد للاعتداء، وهو ما اعتبر في نظر بعض المراقبين استجابة ونزولا عند رغبة عائلات الضحايا الفرنسيين الذين طالبوا بعدم الحكم بالإعدام على المتهمين وأكدوا على تبني كل الملتمسات التي ستقدمها النيابة العامة باستثناء الإعدام. لكن المحامي محمد صادوق عن هيئة دفاع الأظناء يستبعد هذا التأويل، معتبرا في تصريح لبيان اليوم أن ملتمس النيابة العامة رغم أنه لم يتضمن صيغة صريحة بتوقيع الإعدام، «إلا أنه بالنظر إلى التوضيح الذي قدمه النائب العام من أن أقسى العقوبات التي ينص عليها القانون الجنائي وقانون مكافحة الإرهاب في مثل الأفعال التي يتابع من أجلها المتهمون تتمثل في عقوبة الإعدام، فإن ذلك يعني ضمنيا المطالبة بهذه العقوبة». وفي المرافعة التي قدمها ممثل النيابة العامة، أكد على التهم التي يتابع من أجلها المتهمون والتي تتحدد في المس بسلامة أمن الدولة الداخلي وتكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف والقتل العمد، هذا فضلا عن عدم التبليغ. وأبرز المسؤول القضائي أنه اعتمد على ثلاثة عشر مرتكزا قانونيا، تؤكد كلها تبوث تورط المتهمين التسعة في الاعتداء الإرهابي على مقهى أركانة، كما تؤكد سلامة الإجراءات والمساطر التي تم اتباعها سواء من خلال ضبط المتهمين في حالة تلبس والاستماع إليهم، أو التصريحات والاعترافات المفصلة التي أدلوا بها خلال البحث التمهيدي والجزئي أمام قاضي التحقيق وبحضور دفاعهم، أو نتائج الخبرات المنجزة من قبل الشرطة العلمية والقرائن، هذا فضلا عن تطابق التصريحات المتضمنة في صك الاتهام أثناء مواجهة المتهمين مع بعضهم، وشهادة الشهود بعد أدائهم اليمين أمام قاضي التحقيق، وإعادة تمثيل الجريمة وإعادة تشخيص كيفية إعداد العبوات الناسفة المستعملة في الاعتداء وجهاز التحكم عن بعد. وفي كشفه عن الأدلة التي تثبت تورط المتهمين وتخطيطهم المسبق للقيام بعمل إرهابي، أبرز ممثل الحق العام العلاقات التي كانت تربط بين كافة المتهمين والمسارات التي قطعوها خلال مرحلة أولى تمتد بين سنوات 2005 وإلى غاية شتنبر 2010، إذ تبين اعتناقهم للفكر الجهادي وعقدهم لاجتماعات متتالية قرروا خلالها نقل تصورهم بخصوص القيام بعمل إرهابي خارج الوطن والبحث بشكل حثيث عن منفذ للالتحاق بمعسكرات القاعدة سواء بالجزائر أو بمنطقة الساحل عبر مالي أو معسكرات القاعدة ببلاد الرافدين بالعراق عبر سوريا أو محاولة الالتحاق بمناطق النزاع منها الشيشان. واستدل المتحدث في هذا الصدد بالمحاولات التي قام بها عادل العثماني المتهم الرئيسي في ملف أركانة، للالتحاق بالقاعدة ببلاد الرافدين عبر سوريا التي ألقت عليه سلطاتها القبض ورحلته إلى المغرب، ثم محاولة الالتحاق بالشيشان حيث التقى بمطار العاصمة التركية بالشاهد محمد نجيمي الذي أكد الواقعة خلال إدلائه بشهادته أمام المحكمة. كما استدل بالسفريات التي قام بها حكيم الداح إلى موريطانيا ومالي ثم الجزائر وليبيا، والمحاولات التي قام بها أثناء ذلك لربط الاتصال بالقاعدة بالمغرب الإسلامي أو بمنطقة الساحل لتمكين أعضاء المجموعة من الالتحاق بالمعسكر والحصول على تدريبات عسكرية، وأشار إلى فشل هذين العنصرين في محاولتهما دفع المجموعة إلى تمكين المتهم وديع اسقيريبة من السفر إلى موريطانيا بدعوى استكمال الدراسة في العلوم الشرعية، وتكلفيه بالبحث عن منفذ للوصول إلى معكسرات القاعدة بمنطقة الساحل. وأضاف ممثل النيابة العامة أن فشل كل تلك المحاولات دفعت بالمجموعة إلى تغيير مخططهم والبحث عن إمكانية القيام بعمل إرهابي داخل المغرب، حيث شرعت المجموعة في عقد اجتماعات لهذه الغاية والتفكير في مكان تنفيذ مخططها، ليستقر رأيها حول تنفيذ الاعتداء بمدينة مراكش وبمقهى أركانة. وعدد النائب العام مختلف المراحل التي مر بها التحضير للعمل الإجرامي والأدلة التي حصلت عليها الشرطة العلمية بمكان الحادث أو بالمحل التجاري الذي تم فيه صنع المتفجرات، مشيرا في هذا الصدد إلى الشريط الذي أنجزه عادل العثماني وكان يستعد لإطلاقه عبر الانترنت والذي يتضمن تهديدات موجهة إلى كل من فرنسا والسلطات الأمنية المغربية. وأبرز أن كل عنصر داخل المجموعة كان يعرف الدور المنوط به، وأنه تم الاتفاق على الفرار خارج المغرب بعد تنفيذ الاعتداء، وأن عادل العثماني هو من تكلف بمهمة التنفيذ، وقام من أجل ذلك بمعاينة مسبقة وبالتحديد خلال شهر مارس للمكان «مقهى أركانة» وأخذ صورا له، ثم اطلع على كيفية صنع العبوات الناسفة عبر عدد من المواقع الإلكترونية، وتلقى جوابا عبر الانترنت من أحد شيوخ القاعدة حول مدى خطورة نقل المتفجرات عبر القطار، ليقوم بعد ذلك باقتناء المواد الكيماوية التي استعملها في صنع العبوات الناسفة، وكذا جهاز التحكم عن بعد. واستغرب ممثل النيابة العامة نفي المتهمين لضلوعهم في الاعتداء، مشيرا إلى أن عملية إعادة تمثيل الاعتداء التي قام بها العثماني أمام عناصر الشرطة القضائية تمت أمام عدسات الكاميرا حيث كان العثماني في المقدمة يوجه ويرشد الأمن بشكل دقيق حول مختلف المراحل التي قطعها، سواء عند تحضير العبوات الناسفة وكيفية صنع جهاز التحكم، أو عند دخوله لمكان الاعتداء ومغادرته. ومن جانبه أكد النقيب عبد الرحيم الجامعي، الذي ترافع نيابة عن عائلة أحد الضحايا الفرنسيين ضلوع المتهمين في الاعتداء، واستشهد في هذا الصدد بالتقرير التي أنجزته الشرطة العلمية، قائلا «إن العلم في هذه الحالة يواجه القانون»، حيث أن عناصر الشرطة جمعت 180 من العينات من مكان الحادث، وأنهم من خلال 125 نوع من العينات استدلوا ووصلوا إلى قناعة تفيد بتورط المتهمين، خاصة أن الوسائل التي عثروا عليها مرمية بأحد شواطئ آسفي وآثار الخليط المستعمل في الاعتداء تشهد بذلك. والتمس النقيب الجامعي بالإضافة إلى المحامي عمر أبو الزهور بتحقيق العدل وإنصاف الضحايا وعائلاتهم، وتوقيع أقسى العقوبات في حق المتهمين الذين روعوا مدنية مراكش وزائريها بل روعوا وأرهبوا الوطن والعالم بأسره بفعلهم الإجرامي. وندد الجامعي بالمسار الذي اختارته المجموعة التي نفذت الاعتداء، قائلا «إذا كانوا يريدون الإصلاح ومحاربة الفساد فعليهم سلك المسار النضالي السلمي وليس قتل الأبرياء»، مستشهدا بالتضحيات التي قدمها جيل سنوات الرصاص من أجل بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان، مقدما في ذات الوقت نموذج المسار السلمي من أجل الإصلاح الذي اختاره وتبناه حاليا شباب حركة 20 فبراير».