المخرج حكيم بلعباس يحاضر حول تجربته السينمائية أحدد البداية والعقدة والنهاية بواسطة دقات القلب بعفوية شديدة تحدث المخرج السينمائي حكيم بلعباس عن تجربته الإبداعية، ضمن حصة درس السينما المبرمجة بالدورة التاسعة لمهرجان الفيلم القصير المتوسطي بطنجة، حيث راكم عدة أشرطة حظي البعض منها بجوائز قيمة، كما هو الحال بالنسبة لشريط أشلاء، وجرى تقديمه في هذه الحصة من طرف مدير المركز السينمائي نورالدين الصايل، مؤكدا على أن اختيار بلعباس لإلقاء درس السينما، له مغزى ومعنى خاص، يتجلى -فضلا عن النجاح الذي حققه شريطه السالف الذكر- في أنه معهود عليه أنه يقوم بإخراج أفلام وثائقية، وأنه استطاع أن يوظف قدرة إبداعية لا يستهان بها، في أشرطة تحمل ميكانيزمات الفيلم الوثائقي. وأضاف الصايل أن هذا السفر بين قارة التعبير الوثائقي والروائي، يدفع إلى التساؤل حول موقعه بين غيره من المخرجين السينمائيين المغاربة، فهو يرفض أحادية النظرة للعمل السينمائي، على اعتبار أن أرفع ما يقدمه الفيلم الروائي هو تجسيده للأبعاد الوثائقية. وارتأى حكيم بلعباس في مستهل محاضرته رد الجميل لمجموعة من الأشخاص الذين مهدوا له الطريق للبروز في الميدان السينمائي، وذكر على رأسهم إدريس المامون، قائلا: «أنا ممتن كثيرا لهذا الشخص، لأنه كان له الفضل الدفع بي لخوض غمار الإبداع السينمائي، ولكنني لا يمكن لي أن أقدم درسا، لأنني ما زلت أتعلم..». ومضى قائلا: «من الصعب على المبدع أن يضع إطارا لما يقوم به، غير أنني أود أن أنقل شعورا ينتابني صباح كل يوم، وهو أنني أشعر بالغثيان، ولا ألبث أقضم أظافري، غير أن ما يزرع الثقة في هو إيماني بأن المحيطين بي، سيمنحونني شيئا يصب في الإبداع. ينبغي على السيناريو أن يكون محبوكا، فأنا أحدد البداية والعقدة والنهاية، بواسطة دقات القلب..». وتحدث عن منظوره الخاص للعملية الإبداعية: «لقد جعلتني التجربة أومن بأن الإبداع، هو كذبة، أنا بهذا المفهوم كذاب، لكنها كذبة بيضاء، يحز في نفسي أن تكون الحياة مجرد عبث، ولهذا أعارك ولا أومن سوى بالأشياء التي تكون لدي القدرة على القيام بها..». وتطرق إلى الأحاسيس التي تخلفها لديه السينما التي يقوم بها: «السينما التي أقوم بها، تمنحني إحساسا بنوع من الكبرياء الخاوي، ولهذا لا أقبل أن أتحدث عن نفسي باعتباري فنانا، أنا لا أفرق بين حياتي الشخصية والعمل الإبداعي الذي أقوم به، فليس من حقي بيع وشراء الصور التي أنال حظ العثور عليها، والتي لم أساهم في خلقها..». وركز حديثه بعد ذلك عن ظروف اشتغاله في شريطه الذي يدور حول أسطورة تسليت وإسلي: «منذ خمس سنوات وأنا أدير فكرة هذا الشريط في رأسي، وشغلتني كثيرا صورة البنت التي تبكي، والدموع التي التي تذوب وتكون بحيرة، وأتساءل متى وقع ذلك، وأقول هذا ليس شغلي، فالصورة هي الأهم، ثم أستبعد الدموع، وأقول إنه فيلم عن حب دون قيد ولا شرط، إذن الفكرة تبدأ من هذه الصورة، ثم تتم عملية الحبك، لكن لدي قناعة مفادها أن هذه العملية لا ينبغي أن تتكرر، لأنه بقدر ما أواصل حبك السيناريو، بقدر ما سأخرج عن السياق، وأصير مجرد شاهد، ليس معنى ذلك السقوط في الارتجال، ولكن معناه القدرة على الوقوف على الرجلين، إنني أشدد على أن تكون صورة الموضوع واضحة، وأحاول أن أجد هذا الموضوع، ليس في المشهد فحسب، بل في كل صورة على حدة، ليس من المفروض أن تقوم بإثبات الموضوع، ولكن يكفي أن تكون له علاقة به. لا يهمني الإجابة عن الأسئلة الجاهزة، من قبيل متى ولماذا وكيف وماذا.. بل الأهم هو الذهاب إلى صلب الموضوع..». وتطرق للحديث عن بعض الخصوصيات التقنية التي يعتمدها في إبداعه السينمائي: «إنه بحكم تعاملي مع ناس عاديين، أكره استعمال الزوم، إنه مجرد أداة لتقريب الصور، وهذا يمنحني الإحساس بأن الخلل يكمن في، على اعتبار أنه ينبغي علي أن أقترب من هؤلاء الناس بدل الاعتماد على أداة ما تجعلهم يقتربون مني. لقد انتبهت بهذا الصدد إلى عامل أساسي، وهو خطف صور الناس، أنا بهذا المعنى خطاف وشفار، لكن مع ذلك تظل علاقتي مع الممثلين، محكومة بأخلاقيات، فعند مباشرة عملي مع ممثل، يكون أول سؤال أطرحه عليه، هو ما هو السر الذي يحتفظ به والذي لم يسبق له أن رواه على أي أحد. الفيلم هو سلسلة من الأسئلة التي لا نجد لها أجوبة، لكن أقبح شيء هو ادعاء المرء القدرة على العطاء في الوقت الذي يكون فاقدا لهذا العطاء..». وعبر عن نفيه للحدود القائمة بين ما هو تخييلي وما هو وثائقي في تجربته السينمائية، موضحا: «ما أقوم به متخيل حتى لو كان يدخل في خانة الوثائقي، إيمانا مني بأننا كلنا نمثل، وكلنا لدينا نوايا نحاول عدم إظهارها، ومهمة المخرج هو إظهار هذه الخبايا، وإذا كان هذا المخرج مقتدرا، فسيكون باستطاعته أن يظهرها بواسطة شيء آخر غير الحوار. على الممثل إذن أن يكون قادرا على تعرية أحاسيسه وخباياه، وأن لا يتقيد بأخلاقيات النفاق الاجتماعي، لأن التقيد بمواضعات المجتمع يحد من إمكانيات التمثيل..». وعلق بعض الحاضرين على الدرس الذي ألقاه بلعباس، حيث هناك من أبدى استغرابه للطريقة التي ألقي بها الدرس، باعتبار أنها تمت بعفوية شديدة، وتساءل إن كان المحاضر يهذي، وهو ما يعني أن الهذيان هو نوع من التعبير عن الحقيقة، وعن الصدق الباطني.