أشعر بعدم التوازن بين قلبي وعقلي، وأن في حضن الغيمة البرية لا تنام الفراشات شيء يشبه السكين يلمس بطرفه المدبب حواف ذاكرتي، ويرفض أن يصدق أن الأبواب أضاعت المفتاح فشلت في ترتيب روحي لتصحو في غد أفضل، لتنضج وتكبر وتبتكر قنديل تهتدي به في أيام السهو طفلة، تشبه غيابي تشبه مزاجي وتأبى أن تكتسي الأعياد بالشيب ها أنا أشعر بخيبة كبيرة للمرة المليون، يسقينا الدجى قسراً من بُن الذكريات مساء بارد وأفكار تتساقط كالودق الضّار، أنفاس أكاد ألتقطتها بصعوبة، أنفاس تجرني إلى الأفول وعيون ذابلة لا تغطي مد بصري، إنه الوقت المناسب تماما لأقول إني لستُ بخير جروح تتجرع دمائها بلاد النجوم والأحلام ويتقاسم دون استئذان مع لياليه لهفة الأمسيات طعنات ينثرها الشجن على وسائد مبللة بالندم تشطر عنوة سكون الليل وتسرق سهد القوافي إنها المشاهد ذاتها تتكرر والشعور نفسه يتجدد ورعشة اليد هاته عاجزة تماما عن تأجيل غضبي لا سبيل لكتم هذا القلق، مزاج يحمل ثقل العالم بأسره، حين تستاء الأمور هكذا أبتكر لفظاً بائساً أشتمني به ثم أتهاوى من ثغر فصل غائر ظلت فيه الشمس منطفئة لعقود أزاحم اللغة حتى أكتب نصاً يصف مرارة الوقت الذي لا يمضي، يصف عبوسي، موتي وهزيمتي النكراء مع أناي ف لله در رائحة القهوة و هي تكحل لحظ القصيد ويا رائحة الخبز الراقدة في الأزقة العتيقة تصف أحاديثي الباردة التي أخوضها معي، وتصف هذا الجو الماطر الذي لا يتوقف على الصراخ، برق رعد وألسنة اللهب تتطاير في الأفق كأن السماء مع موعد صخب هذا المساء وأنا الأخرى مع موعد مؤجل معك، موعد لا يشبعه اللقاء مزدحمة بانطوائية هائلة تُجيد العبث بغربتي، تجيد استفزاز وجعي، الاستمرار على هذا الحال صعب للغاية، كيف لنظرتك البائسة أن تُشعرني بهذه اللذة كيف لي أن أفسر قسوتي، صراخي، غيرتي المفتعلة على أنها حب، حب لا يشعر به غيري وببساطة هكذا تنقلني من شرودي إلى طمأنينة تتمدد على صدري، امرأة منفعلة، مجنونة، غير مهذبة لا يليق بها سوى الصمت وضعت عيناي في الرف وأحلامي في الكنبات، وذكرياتي على المشجب حتى أتيح لنفسي فرصة إغوائي وتعذيبي كيفما أشاء أخطط لوضع ذاتي في مأزق وأفوز بفرصة الانحشار داخلي كفراشة أتسكع وحيدة في ليلي، أنقح شرياني الأبهر لأشكل منه مزهرية ترتجف أغصانها أجهض أحلام النبوءة تحت مكر الوسائد، أرخيها بين جدائل رغبتي وعيدان أسطري المتلبسة، لأنسجني بشعوذتي اللغوية معطفا شتويا لا تلبسه النساء في كل الفصول كان من اللطف أن أحبّ شخصاً مثلي، أن أحظى به كهدية بحجم الدهشة شخص ينتمي إلى كُنهي، يألفه نضجي و يضّم بإيماءة رأسه جلّ آرائي، باحثاً عن خيوط من لون الفيروز حتى يُحيك غيمة يستظل بها من أرق الوحشة، كان مثل الندى يشفع لي بالشروق من ثغره، لا يدري أنّ صباحاتي تبقى مؤجلة لحين ظهوره، أحّن إليه كونه اللحظة التي تسبب لي الرعشة، اللحظة التي تخطفني من الهشاشة إلى شعور لا يسع هذا الكون، بكل حفاوة ينقلني من ركن التيه إلى عالم السهو يرمم مخلّفات الدمار النفسي التي سببها لي الخوف والعزلة، هو الأمل الذي يكفل بإعادة تكويني لا أدري ما يعنيه لي جملة وتفصيلا، أعلم فقط أنه شيء لا يدركه تفسير، شيء تشتهيه روحي وتتطلع إليه ك شيء خارق لا يحدث في العمر إلا مرّة، بتعويذة ما يجعلني أنغمس فيه من تلقاء الرغبة التي لا تتوقف عن سحبي إليه شخص يشبه القصائد والموسيقى والأحلام يشبه النبيذ والعطر والفرص التي لا تتكرر لا شيء هنا أنتظره غير وجهي الهارب من بقعة ضوء، هارب من اللذة والقسوة والوهم، هارب من أشياء لا تعترف إلا بالجمال، تفاصيل أتعبتها وسامته، أكتبه و أنا أعي تماماً أن السنوات تمضي والسبعين عذرا لم يعد يغطي على غيابه أفتش عنه في أكثر الأماكن التي سرقت اندفاعي نحوه، خلف أبواب الرتابة في بريق النجوم وفي الدوائر التي تطفو فوق السيول، في أكثر الزوايا المنسية و في الركن الآخر حيث تموت الذاكرة وتتقاتل الأمواج لتوحي إليه بالعطب الهائل الذي سببه الصمت الطويل، تخبره بالطريقة التي تراها مناسبة أنها اشتاقت له حد السماء شيّد قلبي باللّين والكثير من الانتباه، يكترث لكل أشيائي، لصخبي لانطفائي ولمزاجي، لرائحتي لجدائلي ولآفاقي مُلفت بشأن فظيع، مصنوع من تطرفٍ واختلاف ينتقل من لحظة إلى أخرى بكل احتفاء، ومن شرود مؤقت إلى مأزق حقيقي، يشعرني أنني حسناء النساء بارع في إعادة صياغة أفكاري ليجعلها في النهاية تبدو ك ومضات، يُفرغني من قوالب معادية للفرح ويشّكلني روح ندّية تتطلع للأفضل عابرُ قاطعني بالجمال باللطف والدهاء يربت بيد دافئة على روتني اليومي الذي لا يخلو من مفاجآته، شخص مثلي مثير للحماس يجعلني متجددة، مفعمة بالفوضى لا أتوقف عن اللمعان منبهر بوعيي، بعاديتي ببساطتي المحلاّة بملعقة ونصف من ضحكته صدقوني بكل هذا الشعور الذي ورطني بنفسي أتأمل الملامح ونظرات العيون فأراني مذهلة أو بالأحرى استثنائية، بالله كيف تتفلت اللحظة وكيف يتجمد الموقد و يصبح الدفء مسجون؟ في كل مرة تجمعني بنفسي صدفة أراها كأنها أول مرة، ملامحها تبدو مألوفة كأنني التقيت بها في ميلاد آخر قبل آلاف السنين فوقفت مليا عند تلك اللقطة ترى لماذا يغدر بنا العمر وتغادرنا السنون؟ كم أشتاق أن أقف تحت تلك النافذة أمد نظري إلى ظلي وتهمس لي الأشواق لقد أقبلت فأحن إلى صوتي الذي كان يسابق خطواتي ليطمئن قلبي أنني قادمة من لي بليلة عيد تفوح منها رائحة الحناء ومن من يسرق لي من الذاكرة بقايا ضحكات ودفء أمسيات وحفنة لهفات كنت قد خبأتها ذات شرود لهذه السنوات، حتى لا تجعلني عشوائيتي لحناً يرقص خارج الإيقاع مهربي من ضنك الحياة ومفتاح لكل العثرات، يتسع لكل الأعباء ومرآب تعود إليه المعضلات، وشاح يغزلني بالسمر والضحكات والأغنيات، يخبئ لي في عينيه دفئاً، سلاماً وسرّا يعود إلى أساطير الحكايات لماذا لا نستطيع أن نعيد لحظة؟ صدقوني أنا لا أنسى من أحبّ، لهذا أخترت أن أكتب لنفسي حتى أستمر في العيش.