الجائزة الكبرى من نصيب تركيا فيما جائزة لجنة التحكيم ينالها المغرب من مفاجآت الدورة التاسعة للفيلم القصير المتوسطي بطنجة، أن التتويج بالجائزة الكبرى، كان من نصيب شريط صامت، أي أنه خال من الملفوظ اللغوي، وربما قد يوحي هذا بأن لجنة التحكيم، يشدها الحنين إلى زمن السينما الصامتة، ما قبل اكتشاف الآلية الصوتية،غير أنه شتان بين شريط الدراجة للمخرج التركي سرحات كرسلان وبين ذلك الزمن البعيد، على اعتبار الفارق الشاسع القائم على مستوى آليات الاشتغال، التي ساعدت مخرج الدراجة على تقديم صورة أخاذة تعتمد أحدث التقنيات السينمائية، وإن كانت موضوعة الشريط شديدة البساطة، تتمثل في أسرة فقيرة تعتمد على كسب عيشها عن طريق النبش في القمامات، وفي ذات لحظة يعثر الطفل على دراجة، ورغم أنها معطلة، يسعد بحصوله عليها، ويشقى لإصلاحها، وفي خضم ذلك ينقل لنا المخرج بعض الجوانب العاطفية، من ذلك مثلا تطوع أحد النباشين بإهداء عجلة للطفل، كما أن هذا الطفل الذي هو كذلك يشتغل بالنبش، سيهدي للرجل زوج حذاء، ولعل الجميل في هذا السياق، أن كلاهما لن تكون الهدية التي حصلا عليها في المقاس المطلوب، مع ذلك لم يعبرا عن يأسهما،وهذا بمثابة درس في التشبث بالأمل. لقد استطاع مخرج هذا الشريط أن ينقلنا إلى عالم مطبوع بقسوة الطبيعة من جهة، وصعوبة كسب الرزق من جهة أخرى، ورغم حضور مظاهر القمامة والنباشين بلباسهم الرثة؛ فإن هذا لم يبعث على التقزز، على اعتبار أن المخرج تفوق في أن يضفي على ذلك بعدا شاعريا، ومما قوى هذا البعد، استغناء المخرج عن الملفوظ اللغوي، آخذا في الاعتبار أن التعبير بالحركة هو الذي يهم. وتواصل توزيع الجوائز على النحو الآتي: جائزة السيناريو للشريط الإسباني بلباس رسمي، وجائزة الإخراج للشريط البوسني نقيض، وجائزة لجنة التحكيم للشريط المغربي طريق الجنة، وجائزة التنويه الخاص للممثلة التونسية سندس بلحسن في شريط الموجة، وللمثل المغربي محمد الخلفي في شريط أمواج الزمن، ولمخرج الشريط اليوناني وداعا أنستيس، ولمخرجة الشريط الاسباني هل سترحل. وعبر الفائزون عن شعورهم بالسعادة، اعتبارا لأن هذا المهرجان يحتل موقعا بارزا ضمن المحافل الدولية، وقد اكتسب مصداقيته لعدة اعتبارات، منها حفاظه على وتيرته المنتظمة، وحسن تنظيمه، وإشراكه لعدد لا يستهان به من الدول، وصرامته في انتقاء الأعمال المرشحة للمسابقة الرسمية، وانفتاحه على مختلف الاتجاهات والتعابير السينمائية.. وفي الكلمة التي ألقاها بالمناسبة محمد بكريم باسم لجنة التحكيم،تم التأكيد على أن هذه الدورة اتسمت بالتنوع الذي تعكسه جعرافية حوض البحر الأبيض المتوسط،حيث طرقت الأفلام الخمس والخمسون، المنتمية لعشرين دولة، مواضيع عديدة، بأبعاد جمالية متعددة، اكتنفتها تساؤلات وقلق وجودي، حول المستقبل والأمل وما إلى ذلك. كما تمت الإشارة في متن هذه الكلمة، إلى أن ما رجح منح الجائزة الكبرى للشريط التركي الدراجة، هو تفرده بتناول بساطة اليومي، وإعادة بناء العالم، وتجسيد براءة الطفولة. من جهة أخرى، جرى صبيحة اليوم نفسه، إلقاء درس حول السينما، للمخرج المغربي حكيم بلعباس، حيث تناول تجربته الخاصة في إخراج أفلامه الوثائقية، والصعوبات الجمة التي يلاقيها، على اعتبار أنه يتعامل في الغالب مع أناس ليسوا ممثلين مهنيين. وأشار بلعباس إلى أنه يحاول في أفلامه أن يقدم الموضوع في كل صورة يلتقطها وليس عبر المشهد ككل، وأنه لا يهمه الإجابة على الأسئلة الجاهزة، بقدر ما يسعى إلى الذهاب إلى صلب الموضوع، مع الوعي بأن الشريط هو سلسلة من الأسئلة التي ليس لها أجوبة. وعلى مستوى طريقة اشتغاله، أكد على أنه يمقت استخدام تقنية الزوم، التي تعمل على تقريب الصورة عن بعد، ولكنه يفضل أن يقترب هو نفسه مما يسعى إلى تصويره. لقد كانت للأيام الستة التي استغرقها المهرجان، أثر إيجابي على نفوس المتتبعين، وهذا يتجلى من خلال التصفيقات الحارة التي حظيت بها الأشرطة التي عرضت ضمن المسابقة الرسمية، هذه الأشرطة التي أبرزت مدى التنوع الذي تجسده بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، من نواحي عديدة: اللغة والثقافة والدين والحضارة والتقاليد وغير ذلك من الخصوصيات.