في كل مناسبة تثار فيها إحدى قضايا القطاعات غير المهيكلة بالمغرب، نقف غالبا عند الشجرة التي تخفي الغابة، وقد أكدنا هذا عبر هذا العمود سابقا بخصوص ما أثير حول قضية "سائق سيارة الأجرة" بعاصمة السياحة المغربية "مراكش"؛ أشرنا إلى أنه ليس استثناء، وأن القطاع برمته وعلى كافة التراب الوطني، تطبعه العشوائية ويغلب على بنيته الجشع والتهور والطيش وعلى عدد كبير من "مهنيي" هذا القطاع، وهكذا فقد سحبت اللجنة المكلفة من قبل ولاية مدينة مراكش، يوم الثلاثاء 10 يناير الجاري حوالي 46 رخصة" ثقة" من سائقي سيارات الأجرة بصنفيها الأول والثاني، لمدة تتراوح بين شهر أو شهرين. وعينت ولاية مراكش بعد واقعة توقيف سائق سيارة أجرة، الذي حاول النصب والاحتيال على سائح أجنبي، والذي قضت المحكمة الابتدائية بمراكش في حقه (السائق المعني) مؤخرا بالحبس 6 أشهر نافذة وسحب رخصة الثقة، (عينت) لجانا للمراقبة في إطار محاربة مثل هذه الظواهر التي تشهدها المدينة الحمراء؛ شرعت في خوض حملة واسعة ضد سائقي سيارات الأجرة بصنفيها؛ المخالفين للقانون، وذلك على خلفية الشكايات التي تلقتها بخصوص السائقين، الذين يضاعفون تسعيرة الركوب ويفرضون أسعارا خيالية على الزبناء والسياح القادمين إلى المدينة الحمراء. وقد أكدنا أيضا منذ إثارة الواقعة، حتى نكون منصفين ولا نتحامل على السائق بعينه ونحمله وزر أقرانه، أنه وهو ما لا يخفى على أحد، مجرد مثال بسيط على ما بات "أصلا وليس استثناء"، لما يحدث داخل قطاع سيارات الأجرة بكل المدن المغربية، ولا نظن أن أي قارئ لما أخطه الآن لم يسبق له أن دخل في مشادة أو شعر بظلم من طرف هذه الفئة، التي أضحت "تهدد حتى المسؤولين أنفسهم"، مما أصبح يسائل المسؤولين عن مكانة المواطن المغربي لديهم، في وقت عليه الانتظار والتحلي بالصبر حتى يثير سائح أجنبي قضية داخلية تعني المواطن المغربي بدرجة أولى ليتم التفاعل معها بالجدية اللازمة وترتيب الجزاءات اللازمة بأثر رجعي ؟! نقول هذا لنعيد تسليط الضوء على ما بات ينطبق عليه وصف "نار على علم" لما يحدث بالقطاع، على مستوى مدينتي الجديدةوالدارالبيضاء على سبيل المثال لا الحصر. في مدينة الجديدة السياحية التي تضم أكبر المنتجعات السياحية في أفريقيا إلى جانب ما تزخر به من مؤهلات طبيعية واقتصادية وثقافية لا زالت سيارات الأجرة من الصنف الثاني (طاكسي صغير) لا تعتمد العداد ولا تسعيرة محددة وموحدة، حيث أن كل سائق يحدد تسعيرة التنقل وفق أهوائه من 10 دراهم حتى 15 درهما بعدما كانت قبل 3 سنوات من 8 دراهم حتى 10 دراهم، كما أن سيارات الأجرة بهذه المدينة تنقل المسافرين الوافدين عبر القطار ب10 دراهم للفرد الواحد من محطة القطار إلى وجهته حتى لو لم تتجاوز كيلومترا واحدا، بمعنى أنه يتم نقل أسرة من 3 أفراد بتسعيرة 30 درهما باعتبار أنهم يحددون التسعيرة وفقا للفرد الواحد. أما على مستوى الدارالبيضاء التي لا تبعد عن الجديدة إلا بمائة كلم، فإن الوضع ليس أفضل بكثير عن غيرها، حيث إنه رغم اعتماد العداد وحد أدنى للتسعيرة في 7,5 دراهم، إلا أن الوضع مثل ما هو عليه بمراكش والرباط وطنجة وأكادير والعديد من المدن الأخرى، حيث يتم التحايل على الزبناء بمجرد اكتشاف أنهم من مدن أخرى، لتسجيل العداد أكبر قد ممكن من خلال تشغيل العداد الليلي دون انتباه الزبون أو اختيار مسار طويل، فضلا عن الامتناع عن نقل الزبناء إلى عدد من الوجهات خاصة من أمام محطات القطار، ثم عدم نقل الزبناء إن كانوا أكثر من فرد واحد مجتمعين (إثنين أو ثلاثة). هذا غيض من فيض مما يعج به قطاع غير مهيكل، يعتبر الواجهة الأولى للسياحة وأيضا يرتبط بالتنقلات اليومية للمواطن؛ وفي ظل ما يعرفه المجتمع المغربي من تطورات على كافة الأصعدة، لابد من إصلاح هذا القطاع، بدءا من إحداث شباك تذاكر خاص بسيارات الأجرة بالمحطات الخاصة بتوقفها خاصة الموجودة بالقرب من المطارات ومحطات القطارات ومحطات النقل الطرقي، مثل ما هو معمول به في العديد من الدول، ثم سن قوانين تنظم هذه المهنة بشكل يليق بصورة الوطن المرجوة. كما أنه على غرار مدينة مراكش، يجب إحداث لجان خاصة بكافة المدن المغربية، لمراقبة سيارات الأجرة بصنفيها الأول والثاني، سواء فيما يخص احترام التسعيرات المعتمدة أو احترام الضوابط المهنية والأخلاقية المفروضة في مهنيي القطاع؛ مع ضرورة الإنصات إلى هموم المهنيين ومشاكلهم التي يعانون منها بدورهم، حتى نضمن حقوق السائق والزبون معا وفق مبدأ احترام الحقوق والواجبات. فهل يتحرك المسؤولون لوضع حد للتسيب الذي يعرفه القطاع، أم أن على سكان كل مدينة أن يمنوا النفس بأن يفضح سائح أجنبي الممارسات المستفزة والمتهورة حتى يتم التفاعل مع معاناتهم ورفع الضرر؟!