ملك الحريات وإزالة الفروق الطبقية والعرقية والسياسية... لم يكن مارتن لوثر كينغ صانع قوانين، أو قيماً على الحريات الليبرالية في الولاياتالمتحدة، ولم ينصب نفسه يوماً رجل دولة من الطراز الأول. بقي منشغلاً طوال حياته القصيرة في الدعوة الى المساواة بين الأميركيين. لا فضل لأبيض على أسود. ولا أرجحية لأسود على أبيض إلا في ما ينطوي على الارتقاء بالمجتمع المدني. كان يلقب بملك الحريات وإزالة الفروق الطبقية والعرقية والسياسية بين الناس. ولعلّه استحق هذا اللقب بجدارة استثنائية. في الذكرى الثالثة والأربعين على وفاته، كان اغتيل في العام 1968 بعد قيامه بسلسلة من حملاته المدنية في ولايات أميركية مختلفة، دشّن نصب له في العاصمة الأميركية واشنطن. ولعلّ هذا الرجل المناضل من أجل حياة أرقى لم يكن يحتاج الى مناسبة كهذه ليحتل مقعداً خالداً في الصفوف الأمامية من التاريخ. كلما ازداد غياباً ازداد حضوراً وتألقاً وخلوداً. وليس غريباً أنه لا يزال ماثلاً في الحياة السياسية والفكرية والمدنية في أميركا حتى اليوم. يُحسب له ألف حساب في القضايا المتعلقة بالحساسيات المزمنة بين السود والبيض، كما كان عليه واقع الحال أثناء حياته القصيرة. أُقيم النصب منذ أيام، في حديقة خضراء واسعة في العاصمة واشنطن. وكان متوقعاً أن يحتفل بهذه المناسبة في وقت لاحق. ثم استقر الرأي على تأجيله استباقاً للعاصفة المدمرة التي اجتاحت مدناً مختلفة في الولاياتالمتحدة. يبلغ طول النصب ثلاثين قدماً بقاعدة عريضة ضخمة تتلاءم مع قامة التمثال وأهمية ما يمثله مارتن لوثر في منظومة القيم الأميركية. وقد صنع من حجر الغرانيت المعروف بمقاومته الصلبة لعوامل الزمن واحتمالات التشقق بفعل الرطوبة والحرارة والماء. ولعل هذه الميزات التي يتصف بها هذا النوع من الحجارة تماثل الى حد بعيد القيم التي كان يدعو إليها هذا الزعيم الأميركي الكبير. كتب لوثر في العام 1963 قائلاً: الظلمة لا تولّد الا الظلمة. وحده النور قادر على ذلك. البغض لا يولّد إلا البغض. الحب لا يولّد إلا الحب. وقد اجتهد النحّات الصيني لاي يكسين في أن يضفي على النصب شيئاً كثيراً من هيئة مارتن لوثر الخارجية، والأهم أنه حقق نجاحاً كبيراً في إضفائه على التمثال قدراً كبيراً من مزاياه الداخلية. النصب ينطوي بالفعل على قدر من الصفات التي اشتهر بها كينغ في حياته. وها هي تظهر واضحة على تمثاله.