الحلقة 20 يعتبر إدمون دوتي (1867-1926) من أبرز الكتاب الأجانب الذين اشتغلوا بالتعريف بالمغرب في إطار مهام استطلاعية واستعمارية معلومة. أصدر إدمون دوتي كتابه «مراكش» في سنة 1905، فكان واسطة بين مؤلفاته السبعة,. وهو كتاب ذو ملمح رحلي، جاء يرسم مسار مؤلفه الذي قاده من الدارالبيضاء إلى أبواب مراكش، مروراً بالجديدة وآسفي ودكالة وبلاد الرحامنة وبلاد الشاوية. وقد جاء الكتاب في فصول ثلاثة واشتمل على مجموعة كبيرة من الصور التي يعود معظمها إلى المؤلف نفسه، وجاء حاملاً طابع أكاديمية الرسوم والآداب الجميلة. إنه كتاب يصور جانباً كبيراً من عادات وتقاليد المغاربة في ذلك الزمان وجانباً كبيراً من معاشهم، ويجعل حاجة كبيرة إلى ترجمته للقارئ المغربي المعاصر. في جهات كثيرة من المغرب تتلقى النساء المولود الذكر بثلاث زغرودات و المولود الأنثى بزغرودة واحدة الولادة ما أن ينتاب المرأة آلام المخاض حتى يستدعون لها القابلة، أو المولدة. فإذا عسرت عملية الوضع غسلوا إبهام رجْل الزوج اليمنى وأشربوا المرأة الماء الذي استعملوه في الغسل. وقد رأيت هذه العادة الغريبة في الجزائر أيضاً. غير أنني لم ألحظ عندهم ما يمت بنسب قريب أو بعيد إلى ما يسمى «حمل الرجال». ثم يدفنون المشيمة في مكان يحرصون كل الحرص على التكتم عنه، لأن من شأن تلك المشيمة أن تُسخر في أغراض سحرية رهيبة، فإذا أذيق منه الشخص صار، كما يقولون، كارهاً مبغضاً للنفساء. ومن المعلوم أن هذه العادة في دفن المشيمة تعتبر عادة عالمية، ولاشك أن لها أوجه شبه كبيرة بالعادة الشائعة في الحرص على دفن قلامات الأظافر والتي سلف أن تناولناها بالحديث. ثم يُلبسون الوليد قطعة مستطيلة من الكتان ويجعلون في وسطها ثقباً يظهر منه رأس الوليد، ويسمى عندهم «مخرجة». فإذا كان اليوم الثالث أزالوا عنه ذلك اللباس، لكنهم يتركونه بإزائه ما دام صغيراً، فهو يقوم له بمثابة تعويدة تجلب له الخير. وربما كانت هذه العادة تمت بنسب إلى الاعتقادات الخرافية التي كانت عند البدائيين في أن روح الوليد لما تتعود بعد جسدَه أو تألفه، فلا يبعد أن تخرج منه، فلذلك يضعون بقربه شيئاً قد كانت له به صلة قريبة، حتى إذا اتفق لروح الوليد أن خرجت من جسده في لحظة من الفزع آوت إلى ذلك الشيء، وبعد ذلك يجعلونها تعود إلى جسد الوليد. فإذا أزالوا عنه «المخرجة» ألبسوه قميصاً صغيراً ولفوه في قماطه. وهم يتلقون ولادة الذكر من الأفراح بأكثر مما يتلقون ميلاد الأنثى. فإذا رزقوا ذكراً تلقته النساء بالزغاريد المسترسلة، ولا يكون منهم شيء من تلك الأفراح عندما تولد لهم الأنثى. وتراهم في جهات كثيرة من المغرب تتلقى نساءهم المولود الذكر بثلاث زغرودات، وكذلك يفعلن في الجزائر، وأما المولود الأنثى فيقتصرن عليه بزغرودة واحدة. ومع ذلك فإن هنالك مثلاً عربياً يقول : «اللي يبكَّر بالبنت يبكَّر بالبخت»، ومعناه أن من كانت البنت أولى مواليده فهي له بداية سعيدة. وإن هم إلا يقولوا هذا المثل على سبيل المواساة، وإن كل مسلم إلا يتمنى أن يبكروا بالولد الذكر. التسمية / العقيقة وسواء أكان المولود ذكراً أو كان أنثى فإنهم يقيمون له في يومه السابع حفلاً لتسميته يعرف عندهم ب»التسمية»، وفي ذلك اليوم يذبحون خروفاً، يسمى عندهم «عقيقة». ثم يضعون بعض الأعواد أرضاً وقد كنوا على كل واحد باسم. ويضعون فوقها السكين الذي سيُذبح بها الخروف، ويأتون بشخص معصب العينين ليختار واحداً من تلك الأعواد. وحينئذ يقوم أحد الحضور، لكن لا يكون الأب، فيتناول السكين ويضعها فوق عنق الخروف ويذبحه قائلاً : «آلمحجوب سميناك فلان». وسنلاحظ أن من العادات الأشد شيوعاً عند شعوب المعمور أنهم يقومون باختيار اسم المولود بطريق الاقتراع مهما اختلفوا فيه طرائق وأساليب. ثم إنهم يدفعون إلى القابلة بجلد الخروف، وعند الشياظمة يعطونها أحشاء الذبيحة ورأسها. والعادة في الجزائر، أو في إقليموهران على الأقل، أنهم لا يشوون من لحم الذبيحة التي تقدم في هذه المناسبة، فإن من شأن ذلك أن يلحق الأذى الوليد، وكذلك يعطون القابلة أحشاء الذبيحة والكتف الأيمن. والعادة عندهم في كثير من المدن المغربية، ومن جملتها الصويرة على سبيل التمثيل، أنهم في الحفل الذي يقيمونه في اليوم السابع يعطون القابلة جلد الذبيجة ورأسها. ثم إنهم يعطونها بعد ذلك في سائر أعيادهم الإسلامية الكبرى الكتف الأيمن من الذبيحة. فيتحصل للمولِّدات المسلمات كميات عظيمة من اللحم، فيصنعن منه «الخليع»، وهو اللحم المملح والمجفف. ذلك بأن القابلة عند المسلمين، شأنها شأن حفار القبور والطالب، يعملون «في سبيل الله»، من دون أن يكون لهم حق في أي أجر. والشرعية الإسلامية لا تجيز للمولدة، كما لا تجيز لمن قام بالذبح في العقيقة، أن تحصل على شيء من الذبيحة، إذ لا يمكن أن يُدفع من هذه الذبيحة على سبيل الأجر، فهي كما الأضحية التي تقدم في العيد الكبير، ينبغي ألا تدخل في عداد الأشياء التي يباع وتشترى. بل إن هذه الذبيحة لا يجوز أن تُسخر للولائم، بل ينبغي أن تُدفع في الصدقات، ولا يحق لأبي الوليد أن يأكل منها. لكن الأمر يجري على خلاف ذلك في الواقع؛ فالقابلة تغدق عليها الأسرة لتي طلبت خدماتها من الهدايا والعطايا. وعلى كل حال فالذبيحة التي تقدم في العقيقة تعتبر عندهم شيئاً لازماً؛ فلا ترى الفقير المعوز منهم يقعد عن أي وسيلة ليعق عن وليده في تلك المناسبة. التسمية لا تخفى الأهمية الكبرى التي توليها الأقوام البدائية لاختيار الأسماء. وهو أمر تجد كذلك عند المسلمين؛ فهم يعتنون عناية خاصة باختيار الأسماء، ويؤثرون منها الأسماء الدالة على الحظ. وخير تلك الأسماء عندهم هو بطبيعة الحال محمد، ومن أجل أن يعم التأثير الخير الذي يعتقدونه لهذا الاسم على مصائر من يحملونه تراهم يمعنون في اشتقاق ما لاعد له من الأسماء من الجذر (ح-م-د) الذي هو مشتق منه، فبالإضافة إلى اسم «أحمد» تجد لديهم حشداً كبيراً من الأسماء التي هي تنويعات على الاسم «محمد»؛ من قبيل : «حمّو» و»حمّود» و»حمدوش» و»حميدوش» و»حمّاموشن» و»حمدي» و»حمداش»، إلخ. وكذلك يفعلون في أسماء الإناث؛ فالاسم «فاطمة» قد اشتقوا منه «فطومة» و»فاطمة» و»فاضنة» و»طامو» و»طيطم» و»فطاطم»... ومن «خديجة» استقوا «خدُوج» و»خدُّوجة» و»خديوج» و»خدادج»... والمسلم كيفما كان [قدره ومنزلته] يشعر دائماً بالفخار أن يدعى سيدي محمد وسيدي عبد الله. والغاب عندهم أنهم يسمون المولود يوم الجمعة باسم «بوجمعة»، ويسمون المولود يوم العيد باسم «بلعيد»، ويسمون المولود حليق الرأس «المحجوب»، ويسمون المولود من غير شحمة الأذن باسم «ميسوم»، وقد ربما جعلوا هذا الاسم للمولود لا تكون له هذه العلامة، لكن الغالب عندهم أنهم يجعلونه لمن كانت تلك صفته. وإذا ولد لهم توأمان فالغالب عندهم أن يسموهما الحسن والحسين، إذا كان التوأم أنثيين أسموهما فاطمة وخديجة، وأما إذا التوأم ذكراً وأنثى فإن الغالب عندهم أن يسموهما الحسن وفاطمة. وعلى عكس بعض الأقوام من البدائيين الذين يعتبرون ميلاد التوأم فألاً سيئاً، فإن المسلمين [في الجزائر] يرونه مجلبة لليمن والخير. لكنهم يرون ميلاد ثلاثة توائم فألاً سيئاً، وكذلك شأنهم مع الحيوان؛ فإذا وضعت النعجة ثلاثة حملان قتلوا واحداً، ليدفعوا عنهم سوء الأقدار. والتوقير الذي يحيطون به الأطفال كثيراً ما نراه مترجماً في الأسماء التي يسمونهم بها. وقد سبق لنا أن أشرنا إلى العادة الجارية عندهم في تسمية الأطفال الصغار باسم «سيدي»، وكيثراً ما يدعونهم كذلك «ملائكة». ويسمون الوليد كذلك باسم «المحجوب» إلى أن يتم الأربعين يوماً أو نحوها، وهذا شيء رأيناه في الطريقة المتبعة عندهم في التسمية. ولا ينبغي أن نخلط هذا الاسم باسم «المحجوب» الذي يجعلونه، كما ذكرنا، للأطفال الذين يولدون حليقي الرؤوس، ويظل هو الاسم الذي يحمله صاحبه بطبيعة الحال على الدوام؛ لكنه يظل في الحالتين اسماً يتفاءلون به؛ ومن المعلوم عندنا [نحن الأوروبيين] أن الوليد الذي يولد حليق الشعر يكون دلالة على الحظ؛ فهذا اعتقاد عام ويعود إلى أصول واضحة. أهمية الاسم لقد ثبت من الدراسات التي تناول بها علماء العراقة المعاصرون الأقوام البدائية بصورة قاطعة لا تقبل الشك أن الاسم عند يكون عندهم متماهاياً بوجه من الوجوه مع الروح، وكما أن الخوف من رؤية الروح وهي تغادر الجسد شيء يتملك على البدائي أفعاله في كثير من المناسبات، فكذلك تراه لا يتلفظ بالأسماء إلا بحذر شديد، مخافة أن تفارق روحه الجسد. وكذلك يخاف البدائي أن يطلع على اسمه الشخص الأجنبي، لأن هذا الأخير يكون حاملاً لما يشبه مضاعف الروح، فربما خاض وإياها في ممارسات سحرية من شأنها أن تضر بصاحبها. وفي هذا الذي ذكرنا تفسير للكره الشديد من الإنسان البدائي في سائر البلدان أن يفصح عن اسمه، وهذه الكراهية نراها واضحة صارخة عند المسلمين [في الجزائر]، ونراها خاصة من المغاربة. ولذلك فإذا عن لك أن تسأل الواحد منهم اسمَه وجب عليك، وإلا رماك بسوء الأدب، أو امتنع من الإجابة عن سؤالك، أن تخاطبه بتلك العبارة المهذبة : «كي سماك الله؟». وبذلك نفهم السبب، جرياً على كل هذه المعتقدات، في أنهم يجعلون للأطفال خاصة أسماء هي كلمات فيها تلميح تعريضي، لأنهم كائنات ضعيفة، فتكون حاجتهم أكثر من حاجة غيرهم إلى الحماية من التأثيرات السيئة. ولشبيهة بهذه الأسباب كذلك يخشى الكثير من البدائيين أن يتلفظوا بأسماء الأموات. وقد امتد هذا الخوف إلى الشعوب المتحضرة فاتخذ عندها صورة مختلفة، وقد يكون أدى عندها إلى ظهور تلك العادة في التحرز من التلفظ بأسماء الميت إلا ويتبعونها بعبارة ترحمية، لكن مما لاشك فيه أنه قد أدى إلى ترسيخ هذه العادة عندهم، وهذا أمر جار كذلك عندنا [نحن الأوروبيين] لا نختلف فيه عن المسلمين. والأهمية الكبرى التي يعلقها الأهالي في شمال إفريقيا على كل ما يمت بصلة إلى الاسم أمرٌ رأيناه أجلى ما يكون في الجزائر، وقت أن كان يجري تطبيق قانون 1882 المتعلق بالحالة المدنية في هذا البلد؛ لتقنين نظام الأسماء الخاص بالأهالي؛ فقد وجدنا بوادر تمرد قد أثارها هذا الأمر في بعض المناطق، ومن قبيل ذلك أن الأهالي في زمورة قد نشروا شائعة تقول إن كل من ارتضى لوليده التلقب باللقب الجدي الذي ألزمه به المفوض سيعرض وليده للهلاك في سنته. وجعلوا يتناقلون بينهم قصة عن ذلك الشخص ارتضى أن يُبدل له اسمه فتوفي أياماً قليلة بعدها، والواقع أنه لم يكن ليعييهم أن يجدوا غير واحد من أولئك الأشخاص الذين يصدق عليها هذا الأمر. وقيل إن ذلك الشخص دُفن بزاوية سيدي محمد بن عودة، وإنهم نبشوا قبره وأخرجوه ثم جعلوا فوق رأسه شاشية دلالة على الاحتقار الذي ينزلونه بالكفار. ولزم حاكم وهران أن يتوجه إلى عين المكان، فتحدث إلى الجماعة حديثاً فيه شدة وتعنيف. وقد ردت الجماعة بهمهمات فيها استياء، لكن لم تستطع أن تحول دون سريان تطبيق ذلك القانون. التمائم، الشعوذة لقد سبق لنا القول إن البدائيين يخافون كثيراً التأثيرات الشريرة، ذات المنشإ السحري، التي يمكنها أن تهاجم الأطفال. وقد وقفنا على كثير من الخرافات والمعتقدات الباطلة التي تدخل هذا المدخل. وقد كان للشعوب التي بلغت شأواً بعيداً في الحضارة، مثل المصريين، طرائق وطقوس عديدة لطرد تلك التأثيرات. والرحامنة يحرصون أشد الحرص على أن يجنبوا الأطفال أن تقع عليهم أنظار النساء المعروفات بتعاطيهن للسحر، إذ لا تزال ترى لهؤلاء النساء وجوداً بين ظهرانيّ المغاربة. ويحكى أنهن يحملن تحت ثيابهن صرة من القماش يعقدنها بين أكتافهن، قد احتوت على دم إنسان قتيل ومسحوق من عظام الأموات ومواد أخرى شيطانية. فكل طفل أطلن إليه النظر كان مآله الموت قبل أن يدرك سن البلوغ، وكذلك يفعلن بصغار الحيوانات؛ من فراخ وحملان وفصال...إلخ، فإذا نظرت «الساحرة» إلى الطفل انفجر من فوره باكياً، وحينئذ يُذهب به عند «الكواية»، وهي بمثابة المبطلة للسحر، فتكوي الطفل بقضيب بأعواد من الدوم في ظهره وبطنه وتعطيه كذلك دواء. وأما الأمهات فأكثر ما يخشين [على أطفالهن] «التابعة»، وهو جني شرير يتبع الناس بشروره ويفرغ البيوت من أصحابها ويتسبب في ما لاحصر له من الويلات، وأكثر ما ينال بشروره الأطفال. وقد تذهب التابعة أحياناً بأطفال الرجل جميعاً، فهي تهلكهم واحداً بعد آخر، إلى أن يفلح التعيس في قطع (وهي الكلمة المستعملة عندهم في العربية) هذه السلسلة المتوالية من المصائب وذلك بالأضحية يتقدم بها إلى أحد الأضرحة. وينبغي له أن يحرص في ذبح الأضحية، إن كان هو من يقوم بذبحها، على أن يستند إلى جدار الضريح من أجل أن يحصل له الاتصال الكامل مع صاحبه. الخصوبة المرأة التي يموت لها أولادها تباعاً، أو المرأة العاقر تستعير حزاماً من المرأة الولود ذات الأولاد الأصحاء الأشداء، وتتمنطق به؛ إنه طقس مألوف من السحر الخيّر شديد الشيوع في بلدان المغرب. وكذلك تحرص النساء على أن يتفادين لمس حزام المرأة العاقر، وإذا طلبن منها أن تعيره لهن حرصت هي نفسها على أن تعيره للمرأة منهن ذات الأولاد. وتدخل كذلك في هذا النوع من الاعتقاد تلك العادة الجارية عندهم في فاس على أن يستعيروا لأجل العروس في حفلات الزواج حلياً وأغراضاً ثمينة من بعض الأسر الميسورة والسعيدة؛ فهو شيء وقفنا عليه في تلمسان، ومن عادتهم في هران أنهم يطلبون لأجل العروسين الجديدين كأس حليب أو ماء من المتزوجين قديماً اللذين ينعمان بالحياة السعيدة. طقوس العقيقة يحلق الرحامنة شعر الطفل في اليوم الرابع للولادة، والمغاربة يؤثرون أن يحيوا هذه الشعيرة في اليوم الأربعين بعد الولادة، لكن الغالب عندهم أنهم لا يلتزمون فيها تاريخاً معلوماً أو ثابتاً، وهذا هو الشائع في سائر أنحاء المغرب. لكن كثيراً ما يحدث، وهذا شيء سمعنا بحصوله في نواحي مدينة الصويرة، أن أول حلقهم شعر الوليد يكون في اليوم السابع، وهو اليوم نفسه الذي يسمونه فيه. وعلى كل حال فمهما يكونوا قليلاً جداً ما يحيون هذه الشعيرة في اليوم السابع فاللافت أنه هو التاريخ الوحيد تقره الشريعة الإسلامية. فالشريعة الإسلامية تجمع العقيقة والتسمية والحلق في شعيرة واحدة وواحدة. والمسلم تقع عليه في هذا اليوم سبع واجبات، وهي : أن يسمي الوليد ويحلق له شعره ويتصدق بوزن ذلك الشعر مالاً أو ذهباً حسب الاستطاعة، ويقوم له بذبيحة تسمى عندهم عقيقة، وأن يدهن رأس الوليد بالزعفران ويختنه ويوزع على الأقارب من تلك الذبيحة. الحلق الأول إن كل هذه الطقوس يؤتى بها دون استثناء بقصد التطهير، وهناك حديث يقول : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) : ما الحكمة في حلق رأس المولود؟ قال : تطهيره من شعر الرحم» وتخبرنا الإناسة المقارنة بوجود هذا الطقس عند شتى الشعوب، وتعلمنا أن حلق شعر الرأس هو من أجل طرد التأثيرات أو المؤثرات السلبية أو السيئة. حلاقة الأطفال غير أنهم لا يحلقون رأس الوليد بالكامل، بل يتركون له خصلة أو خصلات من الشعر، يوزعونها فوق رأسه بصورة شتى حسب الولي الذي يطمعون في أن يجعلوا الطفل تحت حمايته. فالأولاد الذين يوجهونهم إلى سيدي بلعباس يجعلون لهم خطاً من الشعر وسط الرأس خصلة صغيرة يسمونها «كرن» عن يمينه، وأما الذين يوجهونهم إلى سيدي رحال فإنهم يجعلون لهم خطاً من الشعر وسط الرأس وكرن على جانبيه، وأما الذين هم أتباع لمولاي إبراهيم (جنوبي أمزميز في جبال الأطلس) فيجعلون للولد ناصية وزوج نواضر، وهما خصلات فوق الصدغين وخصلة على القفن، وأما المنتسبون إلى مولاي عبد الله بن حساين على مقربة من تامصلوحت فيتركون للولد ضفيرة في الجانب الأيسر، وأما المنتسبون إلى سيدي علي بن إبراهيم (في تادلة) فيجعلون للولد ناصية على مقدم الجبهة وضفيرة صغيرة على الجانب الأمين، إلخ... وتلك هي التكريسات الأكثر شيوعاً عند الرحامنة. وما أكثر ما تراهم يجعلون في تلك الضفائر الصغيرة فوق رؤوس الأطفال تمائم مكتوبة أو أصدافاً أو شيئاً من التراب يجلبونه من أحد الأضرحة ويجعلونه في صرة صغيرة يعقدونها في تلك الضفائر. فإذا أدرك الطفل سن البلوغ أزالوا عنه كل خصلة من الشعر وضفيرة، وما تركوا له غير النواضر، فالذين يحملونها منهم يبقون عليها مدى الحياة ويتركونها تستطيل إلى أن تختلط بلحاهم. الختان يختن الرحامنة أولادهم بين سن الثانية والخامسة. ومن المعلوم أن الموعد للقيام بهذا الاحتفال يتباين أشد ما يكون التباين في سائر بلدان المغرب. فقد رأينا أن الختان يقع عند دكالة في اليوم السابع للولادة وسن الثانية عشرة أو الثالثة عشرة، وفي فاس يقع عندهم الختان بين سن الثانية وسن العاشرة، ويقع عندهم في طنجة في سن الثامنة أو نحوها، ويقع عند جبالة بين سن الخامسة وسن العاشرة، ويقع عندهم في نواحي الصويرة بين سن الثانية وسن الرابعة. ويأتي الختان عندهم في الجزائر عامة في سن السابعة أو الثامنة. والشريعة الإسلامية تحث على أن يكون ختان الولد في يوم العقيقة نفسه؛ أي أسبوعاً بعد الولادة. والطبيب أو «الحجام» هو من يتولى هذه العملية في المغرب كما في الجزائر، غير أنك لا تراه في الجزائر يستعمل في الختان مقصاً أبداً، بل يقتصر فيه على سكين. ولم نسمع كذلك في أي مكان في المغرب أو في الجزائر أن الحجام يستعمل في الختان سكيناً من الحجارة؛ غير أنه أمر كان شائعاً من قبل في الجزائر، حسب رواية للأب دان. ومن المعلوم أن سكاكين الحجارة يكثر استعمالها في الاحتفالات الدينية؛ فهي تدلنا على أن هذه الاحتفالات تعود بأصولها إلى زمن لم يكن للناس فيه عهد بعدُ بالحديد. ثم إننا لا يساورنا شك في أن الختان الذي نلاقيه عند كثير من الأقوام على اختلافها وبعد الشقة بينها عادةٌ تعود بأصولها إلى غابر الأزمان. والرحامنة إذا قطعوا القلفة [عن عضو الطفل] رموا بها حيثما اتفق ولم يعيروها اهتماماً، وقد أكدوا لي أنهم لا يدفنونها في المقبرة. ومع ذلك فالعادة عندهم في معظم مناطق المغرب أن يدفنوا القلفة، وكذلك يفعلون في سائر مناطق الجزائر. بل إنهم كثيراً ما يجلبون التراب سواء من المقبرة أو من تخوم القبيلة، ويدفنون القلفة ثم يعيدون التراب إلى موضعه وفي جميع الحالات يكون الختان عند الرحامنة، كما عند سائر المسلمين، مناسبة لاحتفال كبير، ولا يسع عالم الاجتماع إلا أن يلاحظ الأهمية الكبرى التي يوليها الناس إلى الختان، وشتان بينها والمكانة المتواضعة التي تجعلها له الشريعة الإسلامية. ثم إنهم كثيراً ما يختنون الأطفال جماعة. ومع أنها ليست العادة الغالبة في الختان، فإن من العادات الثابتة عندهم أن الثري منهم إذا عزم على ختن ولده جعل كذلك من يختن أبناء الفقراء في ناحيته، بل إن من الأغنياء من يوظف في كل سنة مبلغاً من المال لهذا الختان الجماعي. أصل الختان من غريب أننا نجد الشريعة الإسلامية لم تتحدث عن الختان إلا باقتضاب شديد. فالقرآن لا يذكره بشيء، والأحاديث النبوية لا تذكره إلا بتقتير شديد، ولا تجد نصاً من نصوص الشريعة يبين له القواعد والضوابط. وعلى النقيض من هذا التكتم تجد العناية الكبرى التي يوليها الأهالي إلى الختان. وإن في سؤالك الواحد منهم هل هو مختون لإهانة عظيمة له، وقد رأينا سلاطين المسلمين إذا عن لهم أن يُذلوا المسيحيين أجبروهم على الاختتان. وإذا ولد لديهم الطفل بقُلفة جلدته التناسلية قصيرة جداً بحيث يبدو كأنه ولد مختوناً عدوه بركة. ويتحدثون بكثير من الاستغراب عن قبيلة في شرق المغرب يقولون إن فيها مسلمين غير مختنين. وهذه الاعتبارات يؤكد لنا مجتمعة أننا بصدد احتفال ضارب في القدم، ثم ورثه الإسلام لكنه لم يحله الأهمية نفسها التي يتبوؤها في اليهودية. فما المعنى البدائي الذي كان لهذا الحفل؟ لقد وضعت مصنفات كثيرة في هذا الموضوع. فهذا سبنسر يدخله في التضحية، لكن هذه الفرضية أسقطت اليوم فما عاد لها اعتبار. ويُدخل آخرون الختان في أنواع البتر التي يتعاطاها الهمجيون لتمييز أنفسهم ولفت الانتباه إليهم، خاصة انتباه النساء. والشريعة الإسلامية تأخذ الختان بمعنى التطهُّر، ومن هذا المعنى استمد الاسم الذي يُجعل له في العربية [الدارجة] «الطهارة». وأغلب علماء الاجتماع المعاصرين يعتبرون الختان من الطقوس التعليمية. والتأويلان الأخيران غير متعارضين؛ فمن جهة هنالك شبه للختان بحلق الشعر، من حيث يتم فيهما معاً دفن القُطاعة، وهذه الاعتبارات تعزز مجتمعة من الأطروحة التي تُدخل الختان في طرد الشر، وأما من جهة أخرى فإن الختان أكثر ما يقام بصورة جماعية بل ويُجعل في موعد سنوي ثابت، بما يجعله أدخل في تجربة تعليمية، وهي الصورة التي تجعلها له الدراسات المتناولة لعادات الهمج المعاصرين.