المال مقابل الآلهة الشهرة مقابل الأسطورة معابد الإغريق مقابل ملاعب الكرة .................. لعل المتتبع الواعي لتطور ممارسة وامتهان الرياضة عبر العالم، لا بد وأن يقف مشدودا ومندهشا للسرعة القياسية التي تسير وتتحرك بها لغة المعاملات والاستثمارات المالية المرتبطة بها، من عقود احترافية، وإعلانات، وبث تلفزي وإذاعي، وتغطيات صحفية، ...إلخ. ففي كرة القدم مثلا، بحكم أنها الرياضة الشعبية الأولى على البسيطة، لم يعد هناك مجال للهواية أو البحث عن مكان للخطوة الأولى دون التفكير في آلاف الأميال القادمة. فكرة القدم أصبحت مؤسسة قائمة الذات، تدار وفق شروط معينة، وأهداف محددة، وتخطيط وبرمجة، وإستراتيجية اقتصادية وسياسية ... إلخ. إن فرش هذه الصورة نابع من أن هذه الرياضة التي سلكت هذا المسار الخرافي، تجعلنا نطرح مجموعة من الأسئلة حول التصور القديم الذي كان لدى المجتمعات حينها حول الظواهر الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، والرياضة واحدة من تلك الظواهر. فالقراءة البسيطة لتاريخ ظهور الألعاب الأولمبية منذ ما يزيد عن 6 قرون قبل الميلاد، يجد أن تلك البداية البدائية لأم التظاهرات الرياضية عبر التاريخ، لم يكن أحد من أبناء أثينا وحاكميها يتصورون أنه سيأتي يوم ستدرس فيه أساطير الإله بروميتيوس -الذي سرق النار من جبال الأولمب- في الجامعات مقترنة بالأدب والفن والفلسفة والدين ... إلخ، وأن سرقة المشعل من معابد الأولمب لإنقاذ البشر، ستتحول من شجاعة تتحدى الآلهة إلى ماركة مسجلة لأكبر تجمع رياضي. لكن ماذا بالنسبة للبشرية في القرن الحادي والعشرين؟ أليست كرة القدم الآن تملك القلوب والعقول؟ أليست أسطورة بدورها؟ ألم تحمل بالونة ريح أناسا، موهوبين طبعا، من أفقر بلدان العالم إلى أغناها؟ ألم تسكن لعبة كرة القدم عقول وقلوب وعيون ملايين البشر في المقاهي وأمام الشاشات لساعات طويلة؟ ألم تأسس تكتلات اجتماعية متعصبة فاقت عصبية الجاهلية التي حذر منها نبي المسلمين؟ ألم تحرك نتائج المباريات الجماهير للخروج في تظاهرات واحتفالات بدون تعبئة ولا إعلام مسبق؟ ألم تحرج الكتاب والنقاد والمبدعين المسرحيين والسينمائيين الذين يتباكون على زمان الخشبة والشاشة الكبرى، عندما ينظرون إلى الأعداد الغفيرة من الجمهور الذي يملأ الملاعب للاستمتاع فقط؟ أليست في نظرك أسطورة؟ بالنسبة لي فالإبداع هو من يخلق الأسطورة