منذ خطاب الملك بمناسبة عيد العرش، لم يلمس الشعب أي تفاعل حقيقي للحكومة على أرض الواقع مع توجيهاته، خصوصا ما يتصل منها بوضع حد للعراقيل المقصودة أو التصدي للمضاربة في الأسعار أو غير ذلك، ويبدو أن الحكومة لا تعتبر أنها المعنية، قبل غيرها، بما تضمنه خطاب العرش من توجيهات واضحة. التفاعل الحكومي المقصود يجب أن يلقاه الشعب في الميدان، وأن يحس به ويلمسه في حياته اليومية، ومن خلال تحسن قدرته الشرائية وظروف عيشه، وهو ما لم يحدث لحد اليوم. يتحدث الناس عن غلاء المحروقات، وما ترتب عن ذلك من زيادات في أسعار عدد من المواد الأساسية والخدمات، وبات الجميع يتفق بشأن وصف الواقع وتشخيصه، وجلالة الملك وضع الأصبع بكامل الوضوح على المعضلات وأسبابها، وبقي أن تتدخل الحكومة وتعرض الحل وتحرص على إعماله، لكنها إلى الآن لم تفعل. وحتى في تصوراتها المعلنة لميزانية العام المقبل أو في المذكرات التأطيرية والتوجيهية ذات الصلة، بقيت في حدود التشخيص وتكرار الكلام العام، ولم تذهب نحو التفاصيل والخطوات الإجرائية الملموسة. هنا يتفق الكثيرون على أن الأمر يتعلق بتضارب مصالح وارتهان واضح لضغوط لوبيات مستفيدة، ويرى الكثيرون أنه من هنا يجب أن يبدأ تنفيذ الحكومة لخطاب الملك، أي من شجاعة التحرر من هذا الارتهان للوبيات المصالح، والانتصار لمصلحة الناس والبلاد أولا. عندما ينبه جلالة الملك إلى العراقيل المقصودة، وإلى المضاربة والتلاعب بالأسعار، فهو يعني قضايا ملموسة ومعروفة ولها أسباب، وأيضا ملامح وجود وفاعلين يتسببون في حدوثها، ومسؤولية الحكومة هي أن تنطلق من هذا التشخيص الواضح، ومن التنبيه الملكي، وأن تدرك المغزى والمطلوب، وأن تبدأ في تنفيذ إجراءات ملموسة للتصدي للعراقيل والحد منها، وليس أن تعيد تذكيرنا بوجودها، فنحن نعلمها ونحس بها على مدار الساعة. في الميدان أيضا تغيب الحكومة عن التفاعل مع تطلعات المغربيات والمغاربة وحاجتهم لمن يتكلم معهم ويقنعهم وينورهم بشأن أوضاعهم الوطنية ومستقبلهم، وتختار الحكومة، بدل ذلك، الصمت أو استئجار من ينوب عنها ليشتم المواطنين ويهينهم. وفي الميدان كذلك، تفضل الحكومة ألا تنصت سوى لنفسها ولمريديها، ولا تدرك أهمية تمتين التعددية في البلاد أو تقوية أدوار البرلمان والمعارضة والصحافة المهنية الجادة، أو تعزيز حيوية المجتمع ودينامية الانفتاح فيه. يعني، أن حكومتنا تفضل عدم التفاعل مع توجيهات خطاب العرش باتخاذ إجراءات عملية وشجاعة لتحسين القدرة الشرائية وظروف عيش المغاربة، وتختار الاستمرار في الصمت، ولا تقدم على التواصل المسؤول مع المغاربة، إن عبر البرلمان أو من خلال الإعلام الوطني المهني الجاد، وبذلك تضع البلاد كلها في حلقة مغلقة من الشك والقلق وعدم الوضوح... متى تستيقظ الحكومة وتفهم القصد من خطاب العرش وتنكب على تطبيق تعليمات الملك؟