رد الصحفي عبد الحميد الجماهري مدير نشر جريدة الاتحاد الإشتراكي على التفاعل الحكومي مع الخطاب الملكي الأخير بمناسبة تخليد الذكرى ال23 لعيد العرش، قائلا: "لن أخفيكم أنني خائف من السهولة، التي تعاملت بها الحكومة مع الرسالة الواضحة حول العراقيل المقصودة حول الاستثمار، ومصدر خشيتي هو أن المنشور أو الورقة التأطيرية حول قانون مالية 2023، أعاد إلينا بضاعة الملك بدون تكليف نفسه عناء التفصيل فيها". وجاء ذلك ضمن عمود نشره الجماهري ضمن عدد اليوم الأربعاء من جريدة الاتحاد الاشتراكي بعنوان "كيف فهمت الحكومة حديث الملك عن العراقيل المقصودة في وجه الاستثمار؟"، حيث أضاف: "لكي لا نتهم بأننا نمارس معارضة غير بناءة، فقد قرأت منشور السيد رئيس الحكومة بغير قليل من التركيز، وهي عادة اجتهد كثيرا أن أوفرها لنفسي في حالات الحكومات، بما فيها حكومات شارك فيها حزبي، وأربي بها الأمل، وأعاند ميلي إلى البلاغة الشاعرية أكثر من التدقيق الحسابي والمحاسباتي". وهذا مما كتبه الجماهري ضمن نفس العمود: "أعدت قراءة منشور السيد رئيس الحكومة، توجهت رأسا إلى بند الاستثمار، وهو ما قد يحسب ضدي ويرى فيه السيد الناطق الرسمي باسمها نوعا من التعمد وسبق الإصرار غير البريئين. فماذا وجدت حقا حول الأمر؟ أولا، كان نقطة بين النقط الركائز التي دعا السيد الرئيس إلى التفضل بوضعها كحجر الأساس في المشروع القادم لقانون المالية، وهي نقطة تحسب للحكومة. .ثانيا، أقام رئيس الحكومة جردا مفصلا لما سبق أن تم في الاستثمار بالمغرب، منذ اكتشف المغاربة سك العملة وتشييد الأبناك والتجارة مع تومبوكتو... واعتبرت قائمة الحكومة أن إنعاش الاقتصاد يمر بقاعدة دعم الاستثمار. لكن في هذه البداهة تطييب «للغة وتربيت على كتف الأنا الجماعية، بمنطق «نحن الأفضل» منذ البداية ونحن قطعنا أشواطا في «تحسين مناخ الأعمال» سواء في البنية التحتية أو في ما يتعلق بالترسانة القانونية والمؤسساتية المنظمة والمحفزة للاستثمار. طبعا في جدول المديح الذاتي، تحدث عن تنزيل القانون الإطار بمثابة ميثاق للاستثمار المصادق عليه في المجلس الوزاري المنعقد في 13 يوليوز الماضي.. لاسيما، البند المتعلق بتفعيل آليات دعم المشاريع الاستراتيجية ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة... ونصل إلى بيت القصيد: في ختام الفقرات الخاصة بالاستثمار مباشرة يقول منشور رئيس الحكومة: «كما ستعمل على تفعيل التوجيهات السامية بتسهيل الاستثمارات الأجنبية التي تختار بلادنا في الظروف العالمية وإزالة العراقيل أمامها» وبس!... ما هي هذه العراقيل؟ ومن هم الذين تحدث عنهم الملك بالواضح لا بالمرموز، أولئك الذين يفضلون مصالحهم الذاتية على حساب المصلحة الوطنية؟ كيف ستحصيهم مؤسسات الحكومة وتحدد مجالات عملهم؟ ما هو المسار، الذي يجب بالفعل أن تسير فيه قاطرة الإصلاح، ضدا على العراقيل المقصودة؟ كل هذه الأسئلة البديهية لم ترد في المنشور الرئاسي، إن أبسط الأشياء هو أن لا يكون في الحكومة مستثمرين! ولا وزراء يملكون شركات أو مؤسسات للإنتاج المادي والرأسمالي، وإلا ستصبح الحكومة بالرغم من أنفها مركز ضغط ضد إرادة الدولة في إصلاح مسارات الاستثمار... الواضح أن ملك البلاد لم تكن تنقصه المعطيات (حاشا لله) لو أراد أن ينحو هذا المنحى المرتبط بالتنمية الذاتية في خطاب الحكومة، بل أنه أحسن وأفضل وأكبر من يعرف تفاصيل ما أنجز، لآنه بدأ قبل الحكومات التي سبقت هذه الحكومة... لم يختر هذا المنحى بل ذهب مباشرة إلى العراقيل المرتبطة بالمراكز التي تسعى إلى قلب كل شيء لصالح القوى التي يمكنها أن تعطل مصلحة البلاد من أجل أن تكسب التيارات التي تنتظم في لوبيات، ولا يمكنها أن تفعل ما تفعله لأنها أفراد فقط بل هي مجموعات قد تصل بها الشراهة إلى بيع الاستثمارات لفائدتها... لقد دق الملك ناقوس الخطر منذ ثمان سنوات، على الأقل، عندما قال في الخطاب السامي الذي ألقاه في افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة 2016: «قد أكدت أكثر من مرة، على ضرورة حل المشاكل، ومعالجة الملفات في عين المكان، كما أعطيت تعليماتي للحكومة، ووجهتها لاتخاذ الإجراءات الإدارية بهذا الخصوص. فما جدوى الرسالة التي وجهتها إلى الوزير الأول منذ 2002 وما فائدة الجهوية واللامركزية واللاتمركز، إذا استمر الوضع القديم واستمرت المشاكل السابقة؟ إن هذا الوضع غير مقبول، ولا ينبغي أن يستمر، فالمستثمر عندما لا يتلقى جوابا وإذا لم يتم حل المشكل الذي يواجهه، فإنه يرجع أمواله إلى البنك، إذا كان مقيما في المغرب. أما إذا كان من أبناء الجالية، وفضل الاستثمار في وطنه، فإنه يكون مجبرا على العودة بأمواله إلى الخارج.(...) وإذا لم يتم إيجاد الحلول الناجعة لها، بعد كل هذه السنوات، فكيف سيتم تطبيق باقي النقط المهمة الواردة في رسالتنا إلى الوزير الأول، والتي تخص علاقة المواطن بالإدارة وتبسيط المساطر وتشجيع الاستثمار؟». غير مسموح للحكومة أن تعود إلى الوراء وتبقى في مرحلة التوصيف، أو أن تجر المستوى إلى الأسفل، فالمطلوب أن يكون الخطاب وما ورد فيه بداية العمل لا سقف السياسة وسقف الإرادة، تكتفي الحكومة فيه بإعادة صياغة العبارات الواردة في الخطاب... المسار يبدأ من التمثيليات المغربية في الخارج، التي تترك المستثمرين في قاعات انتظار (ولنا أمثلة حية) وصولا إلى الجماعات الترابية، التي تفرض في بعض الأحيان إتاوات على المستثمرين مرورا بكل المؤسسات ذات الصلة بالاستثمار.. وعلى رأسها الحكومة... إن من مزالق هذا السلوك المناهض للمصلحة الوطنية أنه يخلق طائفية ذات ولاءات للجهات المستثمرة، المحتكِرة مِن قَبيل اللوبيات المحلية ذات الارتباط بالقوى الاستثمارية الأجنبية، والتي تخلق محميات داخل النسيج الاستثماري المغربي.. والفاهم يفهم!".