فقدت الساحة الصحفية المغربية أحد أعلامها البارزين، صباح أمس الثلاثاء. يتعلق الأمر بالصحفي عبدالله الستوكي الذي أسلم الروح لبارئها بعد وعكة صحية ألمت به منذ سنتين، وأرغمته على ملازمة فراش المرض. ويعد عبد الله الستوكي، بحق، قيدوم الصحافة المغربية، تميز بمقالاته المؤثرة، والتي أضحت اليوم تؤرخ لمرحلة هامة وساخنة من تاريخ المغرب المعاصر. لم يكن الستوكي رجل إعلام فقط، بل كان أيضا وبحق رجل سياسة. حيث انخرط في العمل السياسي مبكرا، وساهم فيه بفعالية وهو شاب يافع، بعد عودته من موسكو حيث كان يتابع دراسته الجامعية. واختار الانتماء للحزب الشيوعي المغربي الذي أصبح فيما بعد قياديا بارزا في صفوفه، مدافعا فيه، إلى جانب رفاقه، عن قيم الحرية والاستقلال والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية. وكان للجانب الحقوقي حيز كبير ضمن انشغالاته. فقد أسس، بمعية ثلة من رفاقه وزملائه، المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي كان عضوا بمكتبها الوطني، وناضل بقوة كعضو باللجنة المغربية الإسبانية ابن رشد، مثلما ساهم بجدية في فعاليات هيئة الإنصاف والمصالحة. بدأ الستوكي مشواره المهني منتصف الستينات بوكالة المغرب العربي للأنباء إلى جانب الراحل المهدي بنونة، كما شغل منصب رئيس تحرير بيومية "لاديبيش" (القصاصة). وكان له حضور لافت في ممارسته مهنة المتاعب خلال مرحلة حرجة ودقيقة من تاريخ المغرب، أي عشرية سبعينات القرن الماضي التي تعد مرحلة حاسمة في تاريخ المغرب الحديث، بما عرفته من تعاقب أحداث سياسية داخلية ساخنة، وأخرى لها علاقة بالدفاع عن وحدة المغرب، ونعني بذلك قضية الصحراء المغربية التي اشتد وطيسها وهو يتحمل مسؤولية مدير بوزارة الإعلام آنذاك. بعد ذلك شغل الستوكي منصب مدير مجلة أنفاس الثقافية، كما كان له الفضل في تأسيس العديد من الجرائد الحزبية كرسالة الأمة (الاتحاد الدستوري)، وجريدة الميثاق الوطني (التجمع الوطني للأحرار)، وأسهم في ميلاد مجموعة من الصحف غير الحزبية. وعلى الرغم من المد الجارف لصاحبة الجلالة وما تتطلبه من وقت وجهد، لم يبخل الستوكي بعطاءاته وكتاباته عن الإبداع سواء في المسرح أو الفنون التشكيلية… فقد كان يجد دوما حيزا زمنيا لكتابة مقالات حول الفن التشكيلي، أو تقديم جديد أب الفنون. ويحسب له، بهذا الخصوص، أنه أبهر الجميع بكتابة نص مسرحي باللغة الفرنسية تحت عنوان Que Molière وهي من أولى المسرحيات التي ألفت باللغة الفرنسية في المغرب. وتمضي السنون، ويكل جسد المناضل عبدالله الستوكي دون أن يطال الوهن قلمه الذي ظل مترفعا عن التفاهات، رافضا الانزلاقات، ملتزما بالرصانة، وبعزة النفس رغم الوضع المادي الصعب الذي أصبح ينغص أواخر سنوات عمره. رحم الله عبدالله الستوكي فقد كان بحق من الأقلام الصحفية المغربية المعروفة على الصعيد الوطني والدولي وموسوعة متحركة ومثالا للمثقف المغربي الملتزم والصحافي المهني المستقل.