خضع ديوان «فيروز المحيط» للشاعر حسن أوريد لعملية تشريح دقيقة، خلال ندوة فكرية أول أمس الأربعاء من طرف ثلة من الباحثين والمفكرين في إطار فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الرشيدية التي تتواصل فعالياتها تحت شعار «تافيلالت أيقونة ثقافة الصحراء». خلال هذه الندوة التي كان فيها لحسن أوريد حضور قوي من خلال مجموعة من التيمات الفلسفية والأدبية والتي اقتربت من عوالم هذا الشاعر من قبيل تيمة «الاغتراب» «القلق الوجودي» و «الذاكرة»، فقد وقف الناقد محمد الوالي عند أهم الإشكالات «الفكرية» التي يطرحها ديوان «فيروز المحيط» (الصادر سنة 2009، عن منشورات طارق بن زياد، الرباط) والمرتبطة أساسا بالهوية الثقافية للمغرب، مشيرا إلى أن مفهوم الهوية عند حسن أوريد لها طابع تعددي يستند على مقومين أساسيين هما العربية والأمازيغية. فحسن أوريد الذي ينوه بجمالية التراث العربي القديم والحديث، ويرتقي باللغة العربية إلى مرتبة التشكيل الوجداني والذاتي أو العاطفي، بحسب محمد الوالي، فإن ذلك لم يشكل أمام الشاعر حاجزا أمام هويته الأمازيعية التي يحملها في دمائه، بمعنى أنها تتمتع ب «الحياة والعافية وليست حنينا إلى لغة ماضية وزائلة» يقول الناقد الذي سافر عبر دروب هذا الديوان إلى العوالم الفكرية للشاعر حسن أوريد، حيث ذكر الوالي أن إشكالية الهوية طرحها الشاعر في مقدمة ديوانه وأيضا من خلال قصيدتي «يوغرثن» و»طارق». واعتبر الوالي أن البعد الهوياتي بمفهومه التعددي التي يدافع عنه الشاعر جعله في تعارض مع مجموعة من المفكرين المغاربة من أمثال المرحوم محمد عابد الجابري وعبد القادر الفاسي الفهري بل أن هذا التعارض يبرز بشكل جذري مع المفكر عبد الله العروي خاصة في كتابه «ديوان السياسة». وعرج الناقد محمد الوالي على مجموعة من «الموضوعات/ المواقف» التي ساقها الشاعر حسن أوريد على لسان «فيروز المحيط» من قبيل موضوعة «التغيير» في الوطن العربي وعلاقة المثقف بالسلطة، بالإضافة إلى موضوعة القضية الفلسطينية وما تمثله من أبعاد وجدانية وإنسانية لدى حسن أوريد. في المقابل نجد هذا الديوان، حسب الوالي، ينطوي على موضوعات أخرى في مجموعة من القصائد ذات المحتوى الغنائي والعاطفي كانت بمثابة تلبية لنداء وجدان الشاعر كمرثية لجدته، وقصائد «الوداع» و»المساء» الطافحة بمعاني المعاناة والإحباط واليأس والغربة واشتياقه للوطن. كل هذه المضامين والتيمات تمت ترجمتها، وقف تحليل محمد الوالي عبر محمول شعري جمالي راق ملئ بالاستعارة والرمزية والإيحاء عن طريق استعارته لشخوص من متخيل الشاعر أو ترقد في ذاكرته من أمثال «عبد الكريم» و»أبو حيان التوحيدي» و»المجذوب «و»سندباد» و»دُومُوسِّيه». ومن جانبه، يرى الدكتور عبد السلام الفيزازي أن مفهوم «الغربة» كموضوعة اقترنت عند الشاعر حسن أوريد بالذاكرة تكتسي بعدا فنيا وفق تداعي اللغة وإيحاءاتها المشتعلة توهجاً وانشطاراً ، ويعبر عنها عن طريق استرجاع لمجموعة من التفاصيل الدقيقة المتشظية من عمق الذكريات الجميلة، وأضاف الفيزازي أن الشاعر اختزل مجموعة من الخبايا والأسرار الموجعة والجارحة شانها شأن كل الذكريات المستعصية على الاسترجاع، وهي بحسبه، تشكل «لحظات في أبهى بساطتها البدوية البريئة...وغربة تشي بعوالم الطبيعة المسخرة لدى الإنسان في حركة دائبة». واعتبر الفيزازي، أن هذه الغربة هي غربة شعرية تسعى إلى «التفرد والعزلة في تصالح ممكن للوجود في لحظة صوفية نابعة من جوانية التاريخ بكل توهجاته»، مشيرا إلى أن الكتابة عن الغربة عند حسن أوريد هي في الأصل بحث عن التوازن بين الذي «كان والكائن الممكن» وأن «فضاءات» الذكرى في علاقتها بتيمة «الغربة» عند الشاعر هي لحظة استرجاع بامتياز، وشعور خاص الذي يختبره في كبرياء، من أجل «امتلاك الحرية التي تعينه على معرفة إيقاع الرياح، وسكون الليل وشذاه، ومزاج الأشياء في حركاتها وسكناتها». وحسب الدكتور حسن مخافي فإن ديوان «فيروز المحيط» هيمنت على جميع قصائده تيمة الاغتراب، وأن هذا الاغتراب يقول حسن مخافي»هي لحظة وجودية يفقد الإنسان أحاسيسه بالفضاء الذي ينتمي إليه و هدا ما وقع لحسن أوريد الذي أقام في أمريكا كجسد لكن روحه و فكره ظلت مشدودة بالمغرب, وهو ما أضفى على الديوان نوعا من المأسوية.» ووقف مخافي في تشريحه لهذا الديوان عند مفهوم «الطبيعة المزدوجة» عند الشاعر، مشيرا من جانب أخر إلى أن مجرد إرفاق الشعر بمقدمة، يطرح إشكالا نقديا قد يحول الشاعر إلى ناقد. ومع ذلك اعتبر حسن مخافي أن مقدمة « فيروز المحيط» تعتبر إضاءة للقصائد، لأنها تكتفي بإثارة القضايا الكبرى للشعر في علاقته بالتجربة، مؤكدا على أن مسألة التجربة في شعر حسن أوريد تستند على منظور الاغتراب كفكرة وجودية، مشيرا إلى أن هذه الفكرة تشكل هاجسا طغى على كل القصائد الوارد في الديوان. واعتبر مخافي أن الهجرة شكلت نوعا من الانفصام بين الشاعر والفضاء، أدى إلى «التركيز على الفضاء الأول (الوطن)، كما أبرزت رؤية مأساوية انعكست على شكل القصائد، متجلية في استدعاء الشخصيات التاريخية وفي التركيز على الأمكنة، وساهم هذا كله في البناء العضوي للقصيدة عبر اشتغال آليات منها آليات السرد التي أضفت على القصائد نزعة درامية». الشعر والصحراء: شعرية الفضاء وشاعرية اللغة وفي سياق أخر، شكل شعر الصحراء موضوعا لندوة ثانية نظمت في نفس اليوم أدارها الأستاذ عبد الله حديوي وشارك فيها مجموعة من الباحثين في موضوعة الصحراء كزايد أوشنا ومصطفى فضيلي وأخرون, وخلال تقديمه لهذه الندوة اعتبر عبد الله حديوي أن مهرجان الرشيدية في نسخته الخامسة برهان على قوة الإرادة لدى نخبة من مثقفي فضاء تافيلالت الذين أصروا على إعلان وجودهم وإعلان صوتهم مكسرين كل أطواق التهميش ومفندين مزاعم الهامش غير المنتج ثقافيا وغير النافع اقتصاديا، مشيرا إلى أن مهرجان الرشيدية استطاع أن «ينسف ثنائية الهامش والمركز». علاقة بموضوع الندوة تساءل عبد الله حديوي حول علاقة الشعر بالمكان وبشكل أكثر تبئيرا علاقة الشاعر بالصحراء، مؤكدا ترابط هذه الثنائية أو العلاقة الجدلية بين المكان والشاعر، حيث يصبح هذا الأخير إحالة على المكان بكل حمولاته الثقافية والمجالية وحيث يصبح الشعر بكل مضامينه وصوره إحالة على الشاعر بكل التأثيرات التي راكمها طيلة مساره في علاقة بمحيطه وبيئته الثقافية والاجتماعية. شاعر الصحراء أو شعر الصحراء، يقول عبد الله حديوي «هو صورة لهذا الفضاء الممتد المليء بالحركة وبالحياة، فكل شيء في الصحراء حسب عبد الله حديوي يتحرك الرمال والصخور والإنسان والكائنات الحية والجامدة ، وهذه الحركة الدائبة تؤكد الحياة وتؤكد الحضارة» . من جانبه،أعتبر الأستاذ مصطفى لفضيلي الذي تدخل في موضوع شعرية القصيدة الجاهلية، أن المكان يترك وقعا شديدا لدى الشاعر الذي يحرص على تسجيله ووصفه والتأريخ له، مشيرا إلى أن هذا المحيط شكل صورة خارجية تفاعلت مع المحيط الداخلي للشاعر العربي وكشفت عن صورة ثالثة اختزنت هواجسه وآماله وأحلامه. وذكر لفضيلي أن الصحراء بشساعتها وامتداد أفقها، «مملكة الجاهلي بدون منازع وعالمه السحري والأسطوري، وأن الصحراء شكلت في القصيدة الجاهلية حضورا شاسعا تضيق العبارة عن استيعابه». ووقف مصطفى فضيلي عند الصور المتعددة في القصيدة الجاهلية،باعتبارها بلدة مقفرة وموحشة صعبة المسلك وأيضا باعتبارها حلبة صراع الشاعر الجاهلي مع الموت الذي تبدى له في كل ما يحيط به فعالم، الصحراء حسب الفضيلي هو عالم الوحشة والموت وتجاوزه قهر للموت وإثبات للذات، وان رحلة الشاعر في الصحراء هي رحلة معنوية أكثر من مادية وهي أيضا رحلة الإنسان في الحياة وهو يصارع من أجل البقاء. وخلص الفضيلي إلى أن البحث في شعرية هذا المعطى الطبيعي بحث في العالم الميتافيزيقي لإنسان ماقبل الإسلام بكل ما يختزنه لا شعوره من معتقدات أسطورية وأن الكشف عنها يسمح بفهم العالم الشعري للقصيدة الجاهلية وفهم شاعرية الصحراء وسحرها . وبدوره ذكر الأستاذ زايد أوشنا أن القصيدة الأمازيغية كقصيدة ارتبطت بالمجال الصحراوي، شكلت موضوعا لعلاقة الأمازيغي بالمكان الذي عاش فيه وارتبط به كفضاء له وقع خاص على حياته الاجتماعية والثقافية والحضارية. فالصحراء حسب زايد أشنا لها تأثيراتها الخاصة على نمط عيش الشاعر وعلى عاداته وتقاليده المستمدة من هذا الفضاء الممتد عبر سياقات الشاعر الأمازيغي العامرة بالدلالات المرجعية الفكرية الثقافية، وقسم الباحث في الشعر الأمازيغي القصيدة الأمازيغية بشكل عامة وبالجنوب الشرقي بشكل خاص،إلى ثلاث أقسام: شعر ارتبط بشكل ما بالوصايا والتوجيهات والتي يتم تمريرها عبر الأجيال، وشعر نسائي خالص والقسم الثالث بحسب أوشنا هو شعر بالمعنى الدقيق للكلمة في نظمه ومبناه اللغوي والرمزي مؤكدا على أن الشعر الأمازيعي له بناءه الخاص الذي يميزه عن الشعر الآخر الذي ينطوي في غالبيته على البوح بموقف ما من قضية معينة لها بعد سياسي أو اجتماعي أو مرتبطة بحياته اليومية.