أحيى قطاع الثقافة والفنون والاتصال التابع لحزب التقدم والاشتراكية، أربعينية الشاعر المغربي، والمبدع المتألق والمناضل الرفيق الراحل الحسين القمري، وذلك يوم الجمعة 11 مارس الجاري بقاعة علي يعته بالمقر الوطني للحزب بالرباط، بحضور فعاليات سياسية وحقوقية وأدبية وإعلامية وأسماء وازنة في المجال الثقافي المغربي، علاوة على نخبة من القيادات الحزبية الوطنية، ومناضلات ومناضلي الحزب بالرباط وسلا والقنيطرة والدار البيضاء ومن إقليم الناضور، بالإضافة إلى أفراد من أسرة الفقيد تتقدمهم أرملته الأستاذة فاطمة القضاوي.. وعدد من أصدقاء الراحل.. وافتتح هذا اللقاء التأبيني، الذي أداره ونسق فقراته باقتدار الباحث محمد صلو عضو المكتب الوطني للقطاع وعضو اللجنة المركزية للحزب، بعرض شريط يوثق بالصور لأهم محطات الراحل الحزبية والمهنية والثقافية والحقوقية محليا ووطنيا.. وهكذا تناوب على منصة الخطابة كل من الرفيق محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب؛ والرفيق محمد بولعيون نائب الكاتب الإقليمي لفرع الحزب بالناظور؛ والشاعر إدريس الملياني الذي ارتأى أن تكون شهادته عبارة عن مرثية شعرية في حق الراحل؛ والدكتور عبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب؛ والأديب والناقد الدكتور نجيب العوفي؛ والكاتب والباحث الأستاذ محمد أقوضاض؛ والباحث في ثراث منطقة الريف الأستاذ امحمد ميرة؛ والمخرج المسرحي والفاعل الجمعوي الأستاذ فخر الدين العمراني؛ ورئيس بيت الشعر بالمغرب الأستاذ مراد القادري. وتلا الأستاذ عبد الصادقي بومديان على مسامع الحاضرين مختارات من شعر الراحل.. وألقت الأستاذة كريمة القضاوي كلمة باسم أسرة الفقيد. بيان اليوم كانت حاضرة لتتبع أطوار هذا اللقاء، وأعدت ملفا شاملا ستنشره في الملحق الثقافي الأسبوعي الجمعة القادم، وتكتفي في هذا العدد بنشر النص الكامل لكلمة الأمين العام للحزب الرفيق محمد نبيل بنعبد الله. أيها الحضور الكريم عائلة فقيدنا العزيز الحسين القمري الكتاب والمثقفون أصدقاء الحسين القمري رفيقاتي رفاقي الأعزاء نلتقي اليوم لنحيي أربعينية فقيدنا العزيز الحسين القمري، فقيد الثقافة الوطنية المغربية وفقيد الحركة الوطنية التقدمية… لقد فقدنا جميعا هرما حقيقيا وقامة ثقافية وازنة في الثقافة الوطنية. فقدنا مبدعا من الطراز الرفيع ومناضلا مخلصا لقضايا شعبه ووطنه، وفاعلا ثقافيا جادا ومؤثرا. فقدنا مثقفا عضويا بكل معنى الكلمة. لذلك لم ننظم هذا اللقاء، في حزب التقدم والاشتراكية، فقط لأن الحسين القمري كان مناضلا صلبا في صفوفه ومن قادة الحزب الأساسيين بالناظور والمنطقة الشرقية وعضو سابق في لجنته المركزية… بل أيضا لأن الفقيد كان قامة وطنية، ومناضلا مخلصا على كل مستويات النضال: السياسي والثقافي والحقوقي، من أجل الشعب والوطن.. وعطاؤه النضالي والفكري والثقافي والإبداعي ملك لكل الوطن. الحسين القمري مبدع وشاعر كبير بكل مقاييس الشعر والإبداع، دواوينه وأعماله الكاملة المنشورة شاهدة على ذلك. حضوره الشعري القوي محليا وجهويا ووطنيا وفي عواصم عربية تأكيد لهذا… إنه قامة وازنة واسم كبير في ديوان الشعر المغربي المعاصر. شاعر كبير لكن أيضا شاعر ملتزم بقضايا شعبه ووطنه. والحسين، إضافة لذلك، وإضافة لكونه ناقدا وباحثا في الثقافة الشعبية وتجلياتها، فإنه كان فاعلا ثقافيا، أو قل مناضلا ثقافيا، مؤثرا بقوة في محيطه المحلي والوطني، لأنه كان يعتبر الشعر وسيلة تعبير وتجل للثقافة، لذلك ساهم بقوة في بروز حركة ثقافية قوية بالناظور، مدينته، بل من المؤسسين لهذه الحركة بدءا بدعم الحركة المسرحية مؤلفا ومخرجا ومؤطرا للشباب في دار الشباب منذ أواسط ستينات القرن الماضي، ثم بمقر الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية بالناظور. ويوجد معنا أحد رواد المسرح بالناظور المخرج المتألق فخر الدين العمراني ليحدثنا عن الأدوار الرائدة للحسين القمري في تأسيس وتطوير الحركة المسرحية. ثم كان أحد المؤسسين الأساسيين لجمعية الانطلاقة الثقافية بجانب رفيقنا الراحل عبد الرحمان طحطاح والأستاذ قيس مرزوق الورياشي… وهذه الجمعية كانت رائدة للحركة الثقافية الوطنية الديمقراطية عموما والثقافة الأمازيغية على وجه الخصوص. وكان بيته المتواضع بوسط مدينة الناظور بمثابة صالون ثقافي منه خرجت قرارات ومبادرات ثقافية مازالت تاثيراتها قائمة لحد الآن. وكان لفقيدنا حضور قوي في اتحاد كتاب المغرب، والذي ترأس وأدار باقتدار عددا من مؤتمراته الوطنية، وحضور في أنشطته المختلفة وطنيا ومحليا وجهويا. كما كان يحظى باحترام وتقدير من طرف زملائه الأدباء والكتاب. وتحضر معنا أسماء وازنة في اتحاد كتاب المغرب منهم الأساتذة عبد الرحيم العلام ومحمد أقوضاض ونجيب العوفي ورفيقنا الشاعر المتألق إدريس الملياني، وسيقدمون لنا إضاءات بخصوص هذا الجانب المشرق في الحياة الثقافية لفقيدنا. كما كان للحسين القمري دور أساس في تأسيس وتنشيط فروع اتحاد كتاب المغرب بالجهة الشرقية وبالناظور بجانب صديقيه (صداقة العمر) الباحثين والناقدين محمد أقوضاض وعبد الله شريق، وسينيرنا الأستاذ أقوضاض في هذا الجانب وجوانب أخرى من حياة الفقيد. ولأنه مثقف عضوي، ولأن إبداعه في الشعر وممارسته للفعل الثقافي ينطلقان من قناعات فكرية وسياسية واختيار إيديولوجي، بالمعنى النبيل، أي الانتماء لليسار، فإنه مارس قناعاته بقوة على المستوى الثقافي، لكن أيضا على المستوى الحقوقي والسياسي، فهو مناضل متعدد برابط موحد: فكر اليسار واعتناق قضايا الناس والحياة كما يجدر أن تعاش، والنضال على كل الواجهات ومنها الواجهة الحقوقية. فعلاوة على مساهمته في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ونضاله في إطارها، فإنه مارس قناعاته الحقوقية بصفته محام بكفاءة عالية. فهذا الصوت الذي كان يزلزل قاعات العروض الثقافية بقراءاته الشعرية هو نفسه الصوت الذي كان يزلزل قاعات المحاكم، كمحام كفء ناجح ومتألق، دفاعا عن المظلومين والمعتقلين السياسيين في تلك السنوات الصعبة. رافع بقوة عن رفاقنا بالناظور عندما حاولت السلطة سنة 1979 إخماد توهج الحزب بالناظور وتأطيره لنضالات العمال والفلاحين والتلاميذ.. فقامت باعتقال جل قيادييه وعدد من مناضليه وتعذيبهم، ومنهم رفيقنا الحاضر معنا محمد صلو، الشاهد على أهوال تلك الأيام القاسية في حياة الحزب بالناظور. وكان الحسين القمري بجانب الرفاق، مدافعا عنهم في المحاكم، معبئا ومنسقا لهيئة الدفاع، مؤازرا لهم ولعائلاتهم معنويا وماديا بل ومستضيفا لزوجة أحد الرفاق القياديين المعتقلين. وأتوجه بتحية تقدير وإجلال وعرفان للأستاذة فاطمة القضاوي، زوجة فقيدنا ورفيقة عمره، لما قدمته من تضحيات، وما تميزت به من كرم الضيافة ليس فقط في تلك الفترة العصيبة بل أيضا بعدها، حيث كان بيتها بمثابة بيت ضيافة للمناضلين والمثقفين من الناظور ومن خارجه. فلم يكن قادة الحزب المتنقلين للمدينة في مهام حزبية بحاجة إلى فندق بل كان بيت القمري / القضاوي مقر إيواء بكل ترحيب وكرم الضيافة. وتكرر وقوف الحسين القمري أمام المحاكم، متطوعا، للدفاع عن المعتقلين خلال الأحداث الدامية التي عرفتها الناظور وعدد من المناطق المغربية سنة 1984، مظاهرات ووجهت بالسلاح الحي وتلتها اعتقالات واسعة ومحاكمات، وكان من بين المعتقلين عدد من رفاقنا، وكان الحسين القمري مدافعا ومدعما لهم في ظروف صعبة بل ورهيبة، أيام رصاص بالمعنى الحقيقي وليس المجازي، لم يمنع الحسين المحامي من الوقوف صلبا مواجها مدافعا عن الضحايا بكل جرأة وشجاعة. ولأنه مثقف عضوي، كما أسلفنا، فإن الحسين القمري كان مناضلا سياسيا وقياديا وناشطا فعالا بجانب رفاقه في حزب التقدم والاشتراكية، يؤطر لقاءات الحزب داخل المقر الحزبي وخارجه في اللقاءات الجماهيرية، يتنقل إلى القرى والمداشر بمعية ثلة من الرفاق نذكر منهم رفيقنا بومدين عبد الصادقي، خطيب مفوه في التجمعات الانتخابية للحزب، مؤطر لحلقات النقاش الداخلي، موجه لشباب الحزب، مقدما لدروس الدعم في الأدب العربي للتلاميذ داخل المقر، مكونا لشباب الحزب في مجالات المسرح والفن والشعر وكتابة المقالة الصحفية. وبفضل جهوده وجهود رفاق آخرين تخرج من مدرسة الحزب بالناظور جيل من الأطر في مختلف المجالات، ومن مبدعين وفنانين وكتاب في مجالات مختلفة. كما كان الحسين يزود جريدة البيان بمقالات في الأدب والفن والسياسة، وكان له ركن أسبوعي في الجريدة. إنه الحسين القمري، المثقف العضوي، المتعدد، واسع المعرفة، الكبير كمبدع وكمناضل وكإنسان، المتألق لكن المتواضع، يجالس العمال والفلاحين والتلاميذ. إنه الحسين القمري الإنسان بكل ما يحمل هذا المفهوم من معان نبيلة وقيم وأخلاق رفيعة وسلوك وكرم ومحبة للعدل والحق والإنصاف. لن ننصف الحسين القمري مهما قلنا ومهما سردنا من خصال وأفعال وعطاء. إنه نموذج للمثقف الذي نفتقده اليوم أمام طوفان الليبرالية والفردانية وسيادة ثقافة الرأسمال… إنه النموذج الذي نطمح أن يبقى منارة ومرجعا لشبابنا ومثقفينا، ليس فقط بما خلفه من إبداعات وكتابات وأفعال، بل أيضا بما تميز به من تعدد وسلوك وممارسة نضالية متعددة وقيم إنسانية رفيعة. ونحن عازمون، حسب إمكانياتنا المتواضعة، على ترسيخ ونشر هذا النموذج النير والمنير وسط حزبنا ومجموع من يقاسمنا قيمنا الفكرية وقناعاتنا القيمية. ونتمنى أن يعمل المجلس البلدي لمدينة الناضور بدوره في ترسيخ ثقافة الاعتراف عبر إطلاق اسم الحسين القمري على أحد شوارع المدينة التي عشقها وأحبها وناضل من أجلها. ومبادرة قطاع الثقافة والفنون والاتصال لحزبنا بتنظيم هذا اللقاء ستليها مبادرات أخرى في هذا الاتجاه ليبقى اسم الحسين القمري وإرثه حاضرا ومستمرا، ومرجعا للأجيال الحالية والمستقبلية. رحم الله فقيدنا العزيز الحسين القمري.