ورد في القرآن الكريم آية كريمة في مجال تعدد الزوجات تقول "وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا(3)" سورة النساء من القرآن الكريم الآية {3} وورد في مكان آخر قوله تعالى: "وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ، فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا" سورة النساء من القرآن الكريم الآية،{129}. ففي الأولى اشتراط العدل للزواج بأكثر من واحدة، وفي الثانية يوضح الشرع أن شرط العدل غير ممكن. لذلك أعتبر أن الآية القرآنية التي تقول بالتعدد، هي لا تبيح التعدد وإنما أقيمت لها قراءة ذكورية، باعتبار الفقه الإسلامي، الذي قامت عليه الدساتير العربية عموما، هو فقه ذكوري، قام أصحابه بإخفاء ما لا يناسبهم من أحكام الشريعة. طبعا الهدف من هذا الرأي ليس محاججة المتعصبين المتشددين من الإسلاميين، بل الدعوة لفتح نقاش جريء هدفه إطلاع النساء على أصول الأحكام التي حُرّفت وشوّهت على مدى التاريخ الإسلامي. إنه رأي يهم ثنايا الشريعة، يحمل دعوة صريحة لتغيير الثقافة السائدة، التي اختلط فيها الدين بالأساطير والأعراف والتقاليد القبلية التي تمتد جذورها إلى مرحلة ما قبل الإسلام. وهي نفس الدعوة التي تدعو إلى تغيير قانون الأحوال الشخصية المجحف بحق المرأة المعاصرة، والذي لم يُراعَ فيه تغيير الأحكام بما يتناسب مع تغيّر أحوال المرأة والمجتمع، وما تتطلبه مقتضيات العصر المعاصر وتغيراته. السؤال هو هل الإسلام ضدّ المرأة؟ مع العلم أن منهجي دائما كان يقوم على اعتبار القرآن الكريم دستورا أولا يُعتَمد عليه في الشريعة الإسلامية، وجوهر العقيدة القائم على العدل، مع الإشارة إلى ضرورة التفريق بين الآيات المحكمات والمتشابهات وأسباب النزول والسياق التاريخي الذي جاءت به تلك الآيات. * الزواج وتعدد الزوجات: الآية السابقة من سورة النساء هي فعلا تبيح التعدد، لكن في نفس الوقت تعطي شرطا الذي هو العدل ثم تعتبر أن ذلك الشرط مستحيل، حيث كيف يستطيع الرجل العدل بين زوجاته فيما يخص العلاقة الحميمية، هذا إن طبق العدل بينهم فيما يخص النفقة ولوازم المرأة الشخصية؟ إذن عدم إيباح تعدد الزوجات هي القراءة الصحيحة، لأن إذا خرجنا من الإطار الأبوي المهيمن وإذا أردنا أن نقرأ الآية اليوم انطلاقا من عصرنا، ومن قيم عصرنا سنقول إنه في العمق، التعدد كان في مراحل كانت تعتبر فيه المرأة متاعا ضمن المتاعات التي يملكها الرجل، وكان الناس يتزوجون زوجات كثر بالنسبة لذلك السياق، غير أن الإشكال، هو أننا أصبحنا محكومين بسياق تاريخي آخر ويجب مراعاة هذه المسألة. – هل معنى هذا أن في القرآن آيات أسيء فهمها؟ بعض الشرائع اختلط فيها ما هو ديني بالأساطير والأعراف، فأضحت لا تتناسب مع تغيّر أحوال المجتمع. وإذا اعتمدنا على الآيات القرآنية، وقمنا بمقاربة بين المحلَل والمحرم في علاقة الزواج، نستنتج أنه لا وجود لأية إشارة على المهر والقوامة أو الإنفاق أو التعدد، بل الاتحاد النفسي والروحي بين نفسين، ذكر وأنثى. والقاعدة الأساسية في الزواج هي الأحادية، أما التعدد فقد ورد في الآيات التي تضبط أحكاما متعلقة بالأحوال التي سادت زمن نزولها، وقُيِّدتْ بشروط تتناسب مع ذلك. وفي هذه النقطة سأتجنب التوسع في تدعيم رأيي حول الأحادية والتعدد في الزواج، فالنص القرآني واضح (مثنى وثلاث ورباع) مع اشتراط العدل بين الزوجات، وهو الموضوع الأكثر إشكالية الذي يواجه الباحثين الذين يسعون إلى التوفيق بين القانون المدني وبين الدساتير المستمدة من الشريعة الإسلامية. لا يمكن إنكار مسألة أساسية وهي أن عقيدتنا الإسلامية عادلة وتخفف من غلبة الذكورة على النساء. وفي هذه الحالة الطلاق في الإسلام هو حق للرجل، وليس للمرأة حق في ممارسته، والخلع الذي يسمح للمرأة بمفارقة زوجها بإرادتها، شرط أن تعيد للرجل المهر الذي دفعه لها، فهو يقف حائلا في كثير من الأحيان، بين المرأة وبين قدرتها على تحمل الكلفة المادية المترتبة على خلعها، خاصة في ظروف المرأة غير العاملة. إذن، يرتبط بموضوعي الطلاق والخلع، ما يسمى "العدة" وهي للمطلقة ثلاثة أشهر، وللأرملة أربعة أشهر وعشرة أيام، إلا إذا كانت الأرملة في سن اليأس، فعدتها كالمطلقة ثلاثة أشهر، والطبيعي أن تكون عدة الحامل حتى ولادتها. غير أن قبل الإسلام كان الطلاق مباحاً للرجال دون حدود أو ضوابط.، وكانت المرأة فيه مظلومة حيث ينتهك حقها من قبيل الرجل، وكي يحد الإسلام من هذا الحق، اشترط أن لا يتزوج الرجل من امرأة طلقها ثلاث مرات. لذلك تبدو هذه التغييرات، إذا أخذت في واقعها التاريخي، تقدما في تنظيم الحياة الاجتماعية من خلال مؤسسة الزواج. * مسألة الإرث: وهنا يلزم تغيير أحكام الإرث مع تبدل الأحوال. لأن تغيرات الحياة جعلت بعض قوانين الإرث مجحفة في حق البعض، فيما التقاليد المدنية طغت على التقاليد القبلية في بعض المجتمعات الإسلامية. السؤال الذي يجب طرحه هنا هو لماذا الفقهاء لا ينتبهون لهذه التغيرات التي تصاحب الواقع المعاصر؟ لأن هؤلاء يتمسكون بالنص وبفهمه الثابت، لأنهم يريدون أن يحافظوا على نفس الأوضاع، لأنه إذا تطور المجتمع سيتم تجاوزهم، لن يعود من حقهم أن يستعملوا الدين كمشروع سياسي ما دامو يعتبرون أن تلك النصوص تعطيهم الوصاية على المجتمع، إذا تغير فهمها مع تغير الواقع، حيث يعتبرون أن تلك الوصاية والسلطة على المجتمع لن تدوم، ففي الحقيقة هذا أمر يعكس قولنا بكوننا في صراع مصالح وليس في صراع حول الدين. وإذا كان تعدد الزوجات في نظر فقهاء الدين يحارب العنوسة ويصون المرأة، فعذرا هذا لا يعكس إلا وعي ذكوري، يتصور المرأة لا قيمة لها إلا إذا تزوجت، وهذا أمر لم يعد واردا اليوم، لأنه إذا أردنا أن نحارب العنوسة، فعلينا ألا نحاربها بالانحراف أي بالتعدد لأن هذه وضعية شاذة جدا، فهذا التعدد لن يصون المرأة بقدر ما يعرضها للانحراف، فما معنى التعدد؟؟؟ هل هذا منطق مقبول؟؟ وإذا بحثنا عن الأسباب الأساسية للعنوسة، نجد بكل بساطة أن الوضع المناسب للزواج لا يوجد وليس لأن الناس لا تريد الزواج، والملاحظ لواقعه الميؤوس يستنتج بكل بساطة أن الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها… غير متوفرة، فما الذي يمنع الشاب أو الشابة من الزواج لو توفرت لهم هذه الشروط؟ وهناك مسألة، لماذا نربط دائما العنوسة بالمرأة؟ ألا يعتبر الرجل البالغ من العمر الخمسين سنة عانسا؟ أم أنه يبقى رجلا ولا يعاب؟ وهذا في حد ذاته منطق فكر ذكوري. وعموما ما ننشده في هذه الوضعية التي كثر النقاش فيها حول موضوع المرأة والعنوسة هو الدعوة إلى تحديث وتطوير للدساتير العربية والإسلامية، تأخذ فيها المرأة حقوقها التي تتناسب ومعطيات العصر، وهنا لا تعود عملية البحث عن توافق، مع الشريعة أو تناقض مع منطلقاتها، فهذا أمر يجب تجاوزه. والتأكيد على حقوق المرأة في الإسلام، انطلاقا من جوهر وصلب الشريعة الإسلامية وليس من قشورها الفقهية.