وأنا أحرص كل الحرص على تتبع كل ما يكتب في موضوع الهوية العربية عامة والمغربية خاصة، والانتاجات الفكرية في مجال تحديث التراث، أثارتني بعض ردود أصحاب الفتاوى «المعلومة» على دعوة الكاتب الأول للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى المناصفة في الإرث وفي كل القضايا التي تهم العلاقات الخاصة والعامة بين الجنسين، وبالتالي الدعوة إلى مراجعة أحكام الشرع التقليدية المقيدة لعقل الإنسان المغربي وحريته الحقوقية الشرعية. إنها في نظري دعوة مستعجلة إلى المجتمع ومؤسساته لفتح النقاش في هذه القضايا لتمكين الضمير المجتمعي أو الجماعي من تفنيد الادعاءات وتكسير القيود المصطنعة، وبالتالي تقوية مناعة هذا الضمير والرفع من قدرته في مواجهة الطموحات الانتهازية التي يسعى من ورائها رواد التقليد والفتاوى «العجيبة» الاستمرار أطول مدة ممكنة في عملية الاستغلال الفئوي لعقل المواطن المغربي البسيط. إنها دعوة للاجتهاد، كأحد الركائز الأساسية في الدين الإسلامي، في أهم القضايا التي تحكمت في طبيعة الاعتقاد بها تراكمات تاريخية ذات عمق سياسي، مبعدة بذلك عقل الإنسان العربي عامة والمغربي خاصة عن التفكير العقلاني في تطوير ممارساته اليومية وعلاقاته بالمنطق الذي يضمن له التواجد المستمر في واجهات التطور الحضاري للشعوب والأمم. وقبل الدخول في صلب الموضوع، أود أن أذكر القارئ والمتتبع أن الاتحاد الاشتراكي في معركته الدائمة من أجل تحقيق الديمقراطية والحداثة في إطار الخصوصية المغربية، قد نحج دائما، ومنذ تأسيسه، في إثارة القضايا التي تخدم المجتمع بصدق ومسؤولية، وفي مواجهة «الأفواه» أو «الذقون» الانتهازية. وهنا أذكر المغاربة، أيام الصراع العمودي، بمواجهة السفياني، على شاشة التلفزيون، لأحد المدافعين عن شفافية الانتخابات التشريعية لسنة 1992، مؤكدا للشعب المغربي أنه عاين، صحبة الكاتب الأول عبد الرحمان اليوسفي، خلال زيارتهما لبعض مكاتب التصويت ارتكاب الخروقات في واضحة النهار. واليوم، ونحن نعيش نسبيا شروط الصراع السياسي الأفقي في سياق إقليمي شديد التحولات، أرى في توقيت إعلان لشكر رسميا دعوة المغاربة إلى فتح النقاش الشرعي في مسألة المناصفة والمساواة ما بين الرجل والمرأة ذا راهنية وجد مناسب. في البداية، لا بد من التذكير أن ما دعا إليه لشكر، في افتتاح المؤتمر الوطني للنساء الاتحاديات يوم 20 دجنير 2013، هو من القضايا الفكرية الأساسية التي يناضل عليها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برجاله ونسائه منذ تأسيسه. إنها قضايا توجد في صلب مشروعه المجتمعي بواجهاته السياسية والفكرية والهوياتية وبأبعاده التاريخية والمستقبلية. كما أن إثارة هذه القضايا تتم دائما في إطار نظرة علمية متطورة، تعتمد المناهج العصرية المعروفة والمراجع الفكرية للمدرسة الاتحادية وللمدارس الفلسفية الكونية. وبذلك، يكون مصير ردود الفعل الفئوية المتسرعة، المناوئة لمسار التطور المجتمعي، التفنيد والتهميش (المواجهة المفتعلة بين الدارجة واللغة العربية وربطها بمعضلة فشل المنظومة التعليمية والتربوية، واعتبار دعوة لشكر إلى فتح النقاش في المناصفة في الإرث «ردة» كنموذجين). وبالعودة إلى موضوعنا، الذي سبق أن فتحت النقاش بشأنه على صفحات هذه الجريدة، نبدأ بتأكيد حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، وهي أن المرأة كانت دائما وستبقى الشريك الوحيد للرجل في صناعة أحداث التاريخ البشري. إنها، بحكم التاريخ والفكر، نصف المجتمع، وأن الحياة لا ولن تستوي بدونها. لقد تمكنت اليوم من «غزو» عدد كبير من المجالات بقدرة وكفاءة عاليتين بعدما كانت محرومة من «الولوج» إليها بسبب ذرائع واهية وقيود مصطنعة. كما مكنت تطورات علاقتها المجتمعية مع الرجل من تجاوز كل مجالات الاختصاص «المصطنعة»، حيث نجدها إلى جانب الرجل في الأسرة، والجندية، والشرطة، والدرك، والإدارة، والمدرسة، والثانوية، والجامعة، والرياضة، والسياسة، والمطبخ (الشهرة في مجال الطبخ مثلا أصبح يقتسمها الرجال والنساء بعدما كان مجالا من اختصاص النساء)،...إلخ. إن مبدأ المساواة قد فرضته التطورات الواقعية، وبذلك تكون دينامية الواقع قد وصلت إلى مستويات ليست بالبعيدة عن الاستنتاجات الفكرية الغربية والمبادئ والكليات في الإسلام. إن الكاتب الأول عندما دعا إلى فتح النقاش في مسألة المناصفة في الإرث ومسألة التعدد والمساواة، فهو يطرح هذه القضية في إطار نظرة فكرية وسياسية شمولية، توجد في صلب النصوص الدينية، يسعى من خلالها الاتحاد إلى الرفع من وثيرة التقدم في تحقيق العقلانية في الرؤية بالنسبة للفرد والجماعة. وعليه، وتفاعلا مع دعوة لشكر، سنقوم من خلال هذا المقال بمناقشة ثلاث مسائل تخص وضعية المرأة في الإسلام، منها أولا مسألة «الشهادة»، وثانيا مسألة حقوق المرأة في الإرث والزواج، وثالثا مسألة الطلاق وتعدد الزوجات. وقبل ذلك، نرى من الواجب ضرورة تذكير القارئ ببعض المبادئ الأساسية التي ركز عليها المرحوم محمد عابد الجابري في كتاباته المختلفة والمتعددة في مجال التراث وتحديثه. بالنسبة له، القاعدة الأولى تتجلى في اعتبار الشريعة الإسلامية كليات وجزئيات، مبادئ وتطبيقات، والأصل في الحكم الصادر في الجزئي أن يكون تطبيقا للمبدأ الكلي. فإذا كان هناك اختلاف، فلسبب وحكمة. والأسباب التي تبرر الحكم الجزئي وتبين معقوليته هي، إما «أسباب النزول»، وهي عموما الظروف الخاصة التي اقتضت ذلك الحكم، وإما مقاصد عامة تستوحي الخير العام. ومن أجل فهم معقولية الأحكام الشرعية في الإسلام، يقول الجابري، لا بد من استحضار ثلاثة مفاتيح أساسية: كليات الشريعة، الأحكام الجزئية، المقاصد وأسباب النزول. أما القاعدة الثانية فتتجلى في كون «عالمية» حقوق الإنسان هي حقيقة مقررة في الفكر الإسلامي مثل ما هي مقررة في أي فكر إنساني آخر، والبحث عنها يجب أن يكون في الكليات والمبادئ العامة. أما الجزئيات فأحكامها قابلة دوما للاجتهاد لأنها مجرد تطبيقات، والتطبيق يختلف من زمن إلى آخر، ومن ظهور وجه للمصلحة إلى ظهور وجه آخر. وعليه، فالحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام لا يمكن أن يتم إلا باستحضار ثلاثة مفاتيح ضرورية: ما تقرره كليات الشريعة الإسلامية، ما تنص عليه أحكامها الجزئية، وما تضفيه المقاصد وأسباب النزول على هذه الأحكام من معقولية. كما أن الحديث عن حقوق المرأة في الإسلام لا يمكن أن يكون موضوعيا إلا إذا استحضر المفاتيح الثلاثة السالفة الذكر. قرآنيا، الحكم العام المطلق والمبدئي في قضية العلاقة ما بين الرجل والمرأة هو المساواة. وفي هذا الشأن، اعتبر النبي (ص) النساء شقائق الرجال، بل أكثر من ذلك أوصى الأجيال المتعاقبة على تقدير المرأة لأهمية أدوارها في الحياة البشرية حيث قال :»الجنة تحت أقدام الأمهات». أما بخصوص الحقوق والواجبات، فقد جاء في كتابات الجابري أن الله عز وجل ساوى بينهما، وتم تكليف المرأة في القرآن بما كلف به الرجل. وفي هذا الشأن قال تعالى: * «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (سورة الحجرات الآية 13 ). * فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، بعضكم من بعض» (سورة آل عمران الآية 195). * «ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا» (سورة النساء الآية 123). * «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» (سورة التوبة الآية 72). فاعتبارا لما ورد في الآيات السالفة الذكر من كليات واضحة، تبقى الأحكام الجزئية ذات طابع تطوري تتغير حسب المستجدات وتطور العقليات والثقافات والحاجيات الجديدة في الزمان والمكان. ولذلك، فالبحث في معقوليتها، يقول الجابري، يجب أن يكون مرتبطا بالمقاصد وأسباب النزول. ومن ضمن القضايا الجزئية، التي تناولها الجابري بالتحليل العقلاني، والتي وردت في القرآن الكريم وصدرت بشأنها أحكاما جزئية الهدف منها تحسين وضعية المرأة في مجتمع الجزيرة العربية مقارنة مع وضعها في الجاهلية، نجد مسألة «الشهادة»، مسألة حقوق المرأة في الإرث والزواج، ومسألة الطلاق وتعدد الزوجات. 1. مسألة حقوق المرأة في الإرث والزواج ينص القرآن الكريم على أن للبنت نصف نصيب الولد من الإرث (الآية: «يوصيكم الله في أولادكم، للذكر مثل حظ الأنثيين». سورة النساء الآية 11، الآية التي اعتمدها «نقليا» الزمزمي في الرد على لشكر). كما هو الشأن بالنسبة للشهادة، والتي سنتطرق إليها في النقطة الثانية، فمسألة «الإرث» بدورها، بالنسبة للجابري، تحكم فيها الوضع السائد في الجزيرة العربية. فالمجتمع الجاهلي كان رعويا ومرتبطا بالأرض، حيث كانت كل قبيلة تفتخر بمراعيها وقطيعها من الأنعام والماشية المختلفة، وتحاول بكل ما لديها من قوة وجهد من أجل الحفاظ عليها وتوسيعها. ونتيجة لهذا الحرص، وصل الحد إلى اعتبار الزواج أكثر من علاقة ارتباط بين رجل وامرأة، بل كان علاقة بين القبائل عبر المصاهرة. لذلك كان التركيز شديدا على اختيار الزوجة أو الزوج لكي تتجنب القبائل المنازعات والحروب والفتن بسبب «الإرث» وما يحدثه من اختلال في التوازنات الاقتصادية بين القبائل. أكثر من ذلك، كان التعصب للقبيلة وحماية ممتلكاتها في بعض الأحيان سببا مباشرا في حرمان البنت بالمرة من حقها في «الإرث»، وازدادت الأمور تعقيدا مع استفحال ظاهرة تعدد الزوجات ما قبل الإسلام. وبنفس المنطق، مع مجيء الإسلام، لم يكن في المستطاع فرض قاعدة المساواة في الإرث، وفرضها في تلك الفترة تم اعتباره مضرا بالصالح العام. وبذلك، فضل عز وجل إصدار حكم قرآني جزئي في تلك المرحلة تنعم من خلاله المرأة بوضع متقدم يمكنها من الرفع من قيمتها مقارنة مع الماضي. فالقرآن في هذه القضية أخذ بعين الاعتبار الوضع القائم وقرر نوعا من الحل الوسط (حكما جزئيا) الذي يناسب عقليات المجتمع القبلي وحاجيات مرحلة تقوية ركائز الوحدة بين المسلمين آنذاك. وهكذا تم إقرار مضاعفة نصيب الذكر من الإرث مقارنة مع نصيب الأنثى، مع تحميل نفقة المرأة على الرجل في الزواج (كمقابل). وكما هو الشأن بالنسبة لقضية «الشهادة»، فرض القرآن حلا وسطيا خدمة للصالح العام. وبنفس المنطق، تعامل الخلفاء الراشدون مع حكم «السارق» (قطع اليد)، حيث اعتبروا أنه بزوال مقاصد الحكم الجزئي (التعرف مجتمعيا على السارق من خلال يده المقطوعة كما كان معمولا به في الجاهلية) بفعل تشييد السجون كمؤسسات رسمية لإعادة التأهيل والتربية، لم يعد ما يبرر الاستمرار في تطبيق الحكم، بل تم استبداله بالعقوبة السجنية التي تفتح للسارق باب التوبة، وفي نفس الوقت تحمي المجتمع من أن يكون السارق مقطوع اليد عالة عليه (الوظيفة العصرية للسجون في عصرنا هي إعادة تأهيل السجين وإدماجه في المجتمع). وعليه، نعتقد أنه كان من المرجح لو تطورت الأحداث المتعلقة بالمرأة في زمن النبوة كما حدث بالنسبة لقضية «الخمر» (أنظر مقالي بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 7 غشت 2012 تحت عنوان: «الفساد والزنا وشرب الخمر كنموذجين: لا وصاية للإنسان على الإنسان في الدين»)، أي لو تطور وضع المرأة والأحداث النضالية من أجل الرفع من قيمتها، لنزلت أحكام جزئية أخرى أكثر تقدما في شأنها. وعليه، فكما هو الشأن بالنسبة لقضية «الشهادة»، ما أظهرته المرأة اليوم من قدرات ومؤهلات في المجتمع، وما برهنت عليه من تفوق في العديد من المجالات الحيوية، يفرض ضرورة مراجعة الأحكام الشرعية الجزئية بالاجتهاد بالشكل الذي يضمن الرجوع إلى المبادئ والكليات (الأصل). 2. مسألة الشهادة نظرا لهشاشة وضع المرأة الاجتماعي والتعليمي والاقتصادي قبل الإسلام وفي عهد النبوة، فقد تم افتراض تعرضها للخطأ أّوالنسيان (قبل الإسلام كان المجتمع ذكوريا وكانت المرأة مضطهدة مورست عليها كل أشكال الضغط والاستبداد والاستعباد حيث ساد في الجاهلية ما يسمى بظاهرة «وأد البنات»). وأمام هذه الهشاشة الواقعية التي كانت مترسخة في ثقافة الجاهلية، كان من الصعب إسلاميا فرض المساواة بينها وبين الرجل في الشهادة نظرا لما تتطلبه من حرص وتركيز وضبط وشجاعة في إعادة تشخيص الأحداث. وعليه، فاشتراط رجلين على الأقل أو رجل وامرأتين كان قرارا متقدما جدا ومنصفا لوضع المرأة في تلك الفترة (الآية :»واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى» سورة البقرة الآية 281). واليوم، مع تطور وضع المرأة في كل المجتمعات الكونية وزوال الموانع والاعتبارات بمقاصدها القديمة (الاضطهاد، والتعسف، والجهل، والضغط، النسيان،...)، بات من الضروري أن يفتح المجال للاجتهاد لإنصاف قيمتها الحقيقية الحالية بالرجوع إلى الأصل (الكليات والمبادئ)، أي المساواة. 3. الطلاق وتعدد الزوجات استنادا على النصوص القرآنية دائما، يتضح جليا أن ما تمت وتتم إثارته في موضوع الطلاق وتعدد الزوجات للطعن في مبدأ المساواة ما بين الجنسين في الإسلام هو أمر مردود عليه، بل لا يمكن اعتباره إلا مزايدة سياسية لا مبرر لها. فالإسلام لا يوجب الطلاق (إن أبغض الحلال عند الله الطلاق)، ولا تعدد الزوجات. فبالنسبة للظاهرة الأخيرة، بعدما استفحلت وشاعت في الجاهلية، جاء الإسلام وعقلنها ووضع لها شروطا من الصعب تحقيقها حيث اشترط «العدل» بين الزوجات (الآية : «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» سورة النساء الآية 3، والآية: «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم» سورة النساء الآية 128). وتأملا في هاتين الآيتين يتضح جليا أن كلام الله في قضية التعدد يميل إلى المنع لأن الشرط المرتبط بها يصعب الوفاء به، بل هو من باب المستحيلات. إن تبادل سلط التأثير، أي الجاذبية، بين الناس يختلف من حالة إلى أخرى. فإذا كان الأمر واضحا في مسألة الصداقة بين الرجال (قوة الصداقة مرتبطة بقوة تبادل السلط، ولكل شخص في الواقع صداقات تعد بالأصابع)، فإن الأمر أشد وضوحا في العلاقات العاطفية والحميمية ما بين الرجال والنساء. خاتمة عندما نتكلم عن ضرورة الاحتكام إلى الاجتهاد في الأحكام الجزئية وربطه بالصالح العام ومصلحة الأفراد والجماعات والأوطان، نعني بذلك أن التطورات التي تعرفها المجتمعات والحضارات، وما تحدثه من تغييرات في الأوضاع والأسباب والمقاصد ومن زوال للموانع، تفرض على المسلمين الرجوع بالأحكام الشرعية الجزئية المقترنة بظروف زمنية ومكانية محددة، عندما يتغير وجه المصلحة فيها، إلى كليات الشريعة ومبادئها العامة. وهنا يقول الجابري: «ف»الكليات» في الشريعة ك»المحكمات» في العقيدة». وعليه، دعا إلى اعتبار قيام التعارض بين الحكم الصادر في جزئيته وبين المصلحة المستجدة بمثابة نوع من «المتشابه» الذي يستوجب الرجوع إلى المحكم والمبادئ والكليات. فوضع المرأة اليوم غربيا وعربيا ومغاربيا يفرض الرجوع إلى الكليات والمبادئ. لقد عبرت على قدرات هائلة في كل الميادين حيث أصبحت اليوم في احتكاك وتنافس دائمين مع الرجل. ففي العديد من الواجهات، نجد بعض النساء أكثر ذكاء ومردودية من الرجال: في الدراسة، والتعليم، والتربية، والعمل، والبحث العلمي، والاقتصاد، والسياسة،...إلخ. فالجنس في عصرنا هذا لا يمكن الاستمرار في اعتماده كأساس للتمييز بين الرجل والمرأة، بل ما تعبر عليه العلاقة بينهما من تكافؤ واضح في القدرات الذهنية وفي المردودية في العمل والابتكار والإبداع، يفرض إعطاء انطلاقة حقيقية للاستثمار في تحرير الإرادات والطاقات وفرض المساواة. وعندما نتحدث على «تحرير الإرادات» نعني بذلك القطع النهائي مع القرارات والقيود التقليدية المكبلة كالتي أمرت بحرق كتب الغزالي لا لشيء سوى لأنه أفتى بمشروعية العزف على الآلات الموسيقية. وفي الأخير نقول، أن ذكاء الله لا يمكن وصفه، وأن وظيفة الإنسان على الأرض هي الاجتهاد بحرية من أجل الاقتراب من الحقيقة المطلقة التي لا يعلمها إلا الله. فجزاؤه، حصيلة عدد الحسنات (النقطة النهائية)، سيكون مرتبطا بلا شك بمجهوداته الصادقة للاجتهاد في كل أمور الدين والدنيا والالتزام بتطبيقها بحرية كاملة، فمن اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد. وبذلك، خارج النقاش وتبادل الأفكار والخبرات، لا وصاية للإنسان على الإنسان.