الاحتفاء بحرية موسيقى الجاز، بالحوار، مزج الأنواع الموسيقية المختلفة بين أوروبا والضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، لمحو الأفكار المسبقة وأحكام القيمة عن الذات والآخر، والتقريب بين جغرافيات يفصل بينها البحر بالقدر الذي يجمع بين شعوبها التاريخ. لعل هذه الكلمات تستطيع أن تختصر معنى مهرجان شالة لموسيقى الجاز الذي سينطلق اليوم بالرباط، في نسخته الخامسة عشر ويستمر حتى الرابع عشر من الشهر الجاري. وفي تصريح خاص ببيان اليوم أكد الفنان المغربي مجيد بقاص المدير الفني لمهرجان شالة أن «الدورة الحالية لا تختلف عن سابقاتها من حيث الأهداف التي ترنو خلق حوار فني بين الثقافات ولقاء فني كبير بين الموسيقيين من أوروبا والضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض المتوسط، لكن من حيث البرنامج هناك إضافات وهناك تغيير، فهذه السنة تم الاتفاق على استدعاء فنانين مغاربة كونوا لهم سمعة موسيقية في بلدان المهجر، ويقدمون للجمهور الأوروبي هويتهم عبر الموسيقى، لكي يتعرف عليهم الجمهور المغربي، من أمثال عازف الإيقاع علي علوي المستقر بمدينة تولوز الفرنسية وهو مبدع له حس منفتح على أنواع موسيقية من كل الاتجاهات. و خالد الكوهن الذي يتألق في باريس وهو معروف بتمكنه الشديد من التراث المغربي وانفتاحه على أنماط موسيقية أخرى من الهند البرازيل وكوبا. و سبق لنا أن اشتغلنا معا على ألبومي السابق «African blues» أو عازف الكمان الكبير المغربي محمد زفتاري، يؤكد بقاص. وكان من المتوقع أن يشاركنا أيضا عازف الإيقاع المستقر بألمانيا المغربي غني كريجة الذي سافر في جولة عالمية مع الفنان البريطاني ستينغ، تاركا المجال لكاميل حشادي البالغ من العمر 21 سنة والذي يعد عن حق أمل الجاز في المغرب وسيحيي حفله مصاحبا بعبد الفتاح الحسيني». وبخصوص الحفل الختامي الذي سيتميز عن باقي فقرات الدورة، أكد الفنان مجيد بقاص أن هذا الحفل سيتم في جو من الصداقة الممتدة لسنوات، بين الموسيقيين الذين سيحيون هذا الحفل وهم عازف الكلارينيت والساكسفون لويس كلافيس ورامون لوبيز وعلي كايتا وتجمعني بهم علاقة صداقة مثينة منذ تسعينات القرن الماضي، وشاركت مع اغلبهم في العديد من الملتقيات الدولية يمكنني التأكيد على أن هذا الحفل الذي سأقدم خلاله البوم makenda الذي سجلته مؤخرا ببلجيكا، سيكون حفلا يتميز بالانسجام الكامل بين موسيقيين من العيار الممتاز تجمع بينهم علاقة الصداقة وهو ما سيعطي صورة واضحة تعكس عمق الشراكة بيننا وبين أوروبا». وستتميز هذه الدورة بمشاركة عشر مجموعات وأزيد من ثلاثين فنانا وخمس لحظات قوية، ستجمع بين مجموعات أوروبية وعلى العموم فإننا ألفنا من مهرجان شالة تقديم فئة من الموسيقيين الممتازين والباحثين في صلب الموسيقى ولهذا فان عمليات المزج بين موسيقاهم وموسيقانا المحلية تكون موفقة في اغلب الحالات. لقد أكد مهرجان شالة للجاز موقعه كتظاهرة فنية كبيرة في المشهد الثقافي الوطني، فمنذ دورته الأولى سنة 1996 ما فتئ المهرجان يمضي بخطو واثق نحو ترسيخ ثقافة موسيقية راقية ومنفتحة، وظل يعود كل سنة أقوى مستفيدا من دعم المفوضية الأوروبية، ومصالح السفارات والمعاهد الأوروبية بالمغرب وأيضا من دعم وزارة الثقافة والمصالح الولائية بالرباط سلا، ما جعله يأخذ صورة تعكس مستوى جيد من الشراكة الثقافية بين أوروبا وبلدان البحر الأبيض المتوسط. الدورة التي تفتتح اليوم ستتميز دون شك وكما جرت العادة باكتشاف آفاق موسيقية جديدة و التعرف على فنانين مغاربة يتألقون في المهجر إضافة إلى المتعة التي ترافق تقنية المزج بين الجاز الأوروبي والموسيقى المغربية، ناهيك عن شعار المهرجان الذي لا يتغير وهو ترسيخ حوار ثقافي بين الحضارات. هذا ويمكن اعتبار أن النجاح الذي حققه مهرجان شالة للجاز لا يتجلى فقط من خلال جمهوره الذي يكبر دورة بعد أخرى، ولكن أيضا من خلال مساهمته الكبيرة في اكتشاف أبعاد ثقافية جديدة، فاتحا الباب أمام الموسيقيين المغاربة والأوروبيين للتعاون والاستفادة في إطار من الصداقة التي تنتصر للبعد الكوني للإنسان. وتروج لقيم الصداقة والحوار والتعاون، ما يجعل من هذا المهرجان وفوق اعتباره تظاهرة موسيقية ناجحة، واجهة لحوار ثقافي شمال/ جنوب وأيضا منبرا يعكس صورة أوروبا المتعددة.