يعتبر دستور فاتح يوليوز 2011 دستورا متشبعا بثقافة حقوق الانسان، معلنا عن ميلاد جيل جديد من الحقوق التي لم يسبق تكريسها دستوريا، وإن كان بعضها قد سبق أن أقرت بها التشريعات العادية. ومن بين تلك الحقوق التي جاء بها دستور 2011، هناك الحق في الحياة الذي نص عليه الفصل 20 منه الذي اعتبره أول حق للفرد، وهناك الحق في السلامة الذي نص عليه الفصل 21 منه. فمن خلال التمعن في حمولة الحق في الحياة والحق في السلامة، سيتبين بأن هناك علاقة جدلية تربط بين كلا الحقين، يتعين معه تبعا لذلك إبرازها ومحاولة الإجابة على التساؤلات التالية: هل يشكل إزهاق روح أحد ما اعتداء على الحق في الحياة؟ هل إعدام القاتل يشكل اعتداء على حقه في الحياة؟ هل تتم حماية الحق في الحياة من خلال إنهاء حق القتلة في الحياة؟ هل يمكن أن تستمر الحياة اذا قايض المجتمع الحياة بالحياة؟ هل يمكن أن يؤدي إلغاء عقوبة الاعدام الى تهديد حق المجتمع في الحياة؟ أليس تهديد حق المجتمع في الحياة هو تهديد لحقه في السلامة و الأمن؟ كيف يمكن أن نوازي بين الحق في الحياة و الحق في السلامة؟ هل يضمن المجتمع حياته وسلامته من خلال عقوبة الاعدام؟ كيف ستكون نتائج إلغاء عقوبة الاعدام على أمن المجتمع؟ هل يمكن اعتبار الاعدام عقوبة بدائية أم عقوبة ظالمة؟ هل يمكن اعتبار دم المقتول دما رخيصا ودم القاتل دما غاليا؟ أليس للشخص المقتول أيضا الحق في الحياة؟ أليس مصدر الحياة واحد وهو الله؟ هل عقوبة الإعدام تمثل انتصارا لحق المجتمع في الحياة؟ هل يمكن اعتبارها اعتداء غير مشروع على حق القتلة في الحياة؟ هل يمكن وصفها بأنها لا إنسانية؟ هل الإنسان أحق من خالق الانسانية في أن يحكم عليها بأنها لا إنسانية؟ أليس من الضروري ترشيد نطاق تطبيق عقوبة الاعدام؟ إذا كان التعريف الكلاسيكي للحق في الحياة هو أن تدب الروح في الجسد، وعدم التعرض للقتل من قبل إنسان آخر. فإن مفهومه الجديد النابع من ثقافة حقوق الإنسان التي تبناها واضع الدستور يتجاوز ذلك إلى القول بحق الفرد في حياة رغيدة؛ إذ يجب الانتقال بالحق في الحياة من حق بيولوجي الى حق إنساني، لكن هذا الحق لا يتحقق إلا بتوفير الدولة لأفراد المجتمع الحق في الشغل، في السكن، في دخل قار… فمن حق أي شعب أن يكون شعبا سعيدا، كشعب الدنمارك و السويد. فإذا كان الحق في الحياة هو حق غير قابل للتصرف فيه، على اعتبار أن الإنسان مستأمن عليه من خالقه الحق سبحانه الذي يمسك الأنفس التي قضى عليها الموت، ويرسل الأخرى الى أجل مسمى كما جاء في القراَن الكريم؛ فإن فواضع الدستور حينما دستر الحق في الحياة، فهو بذلك قد أرسل إشارة واضحة الى دعاة الاجهاض بدون سبب والقتل الرحيم، بأن الجنين والمريض لهما الحق في الحياة باعتباره حقا غير قابل للتصرف فيه. لكن قد نتساءل حينما يضع المجتمع حدا لحياة أحد الجناة، مما إذا كان ذلك الأمر ينطوي على المساس بحق دستوري، أم أن هذا الأمر ينصرف إلى مجرد اعتبار أن حق الجاني في الحياة ينقلب إلى حق قابل للتصرف فيه متى استشعر المجتمع أن حق أفراده في الحياة والسلامة قد أصبح مهددا، ويحتاج معه تبعا لذلك أن يقايض الحياة بالحياة لتستمر الحياة. و لما كان الأمر كذلك فهل من شأن إلغاء عقوبة الإعدام أن تهدد حق المجتمع في الحياة والأمن؟ هل من الممكن أن نتصور بأن عقوبة السجن ستكون أكثر ردعا على غرار عقوبة الإعدام؟ كيف سنوازن بين حماية حق الجاني في الحياة و حق المجتمع في السلامة والأمن؟ إن الغاية من طرح هذه التساؤلات هو أن نبحث لها عن أجوبة في ضمائرنا قبل أن نجد لها جوابا لدى المشرع.