طلب رئيس الحكومة من مختلف القطاعات، في منشوره رقم: 09/2020 الصادر في فاتح يوليوز، عدم برمجة مناصب شغل جديدة برسم سنة 2021، ما عدا في قطاعات التعليم والصحة والأمن، مبررا ذلك بالوضعية الراهنة التي تعيشها البلاد جراء جائحة "كوفيد – 19". ويضاف هذا القرار إلى قرار سابق قضى بتأجيل الترقيات، وأيضا إلغاء مباريات التوظيف الخاصة بعام 2020، كما يأتي بعد أن طالب الاتحاد العام لمقاولات المغرب بتأجيل تنفيذ الزيادة الثانية في الحد الأدنى من الأجر، المقررة في يوليوز الجاري، وهو الطلب الذي لم تجب عليه الحكومة لحد الساعة، لكن رفضته مختلف المركزيات النقابية التي كانت وقعت على الاتفاق الاجتماعي ل 25 أبريل من السنة الماضية. هذا التوجه الحكومي، وخصوصا القرار المتضمن في منشور فاتح يوليوز، يجسد الجواب الخطأ عن السؤال الاجتماعي الذي كشفت الجائحة خطورته. لقد فضحت كورونا الحجم المهول للفقر والهشاشة وسط شعبنا، وقدمت لنا أيضا درسا مركزيا حول الحاجة إلى دور الدولة، وإلى الاستثمار العمومي من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني، كما نبهتنا كلنا إلى محورية المسألة الاجتماعية، وقدم فاعلون عديدون مقترحات وأفكارا لصياغة مخارج من هذه الأزمة. وفي نفس الإطار، لم ينكر أي أحد تنامي الإحباط واليأس وسط شبابنا، وخصوصا حاملي الشهادات منهم، وأيضا لدى فئات عديدة من مواطناتنا ومواطنينا، وتفشي البطالة، وكل هذا نجمت عنه انتظارات اجتماعية واضحة، وبقي المغاربة ينتظرون ما ستقدم عليه الحكومة من خطوات، وخصوصا ما سيتضمنه قانون المالية التعديلي من إجراءات وقرارات، لكن الجواب جاء خاطئا، ويخلو من أي حس سياسي، وبلا بعد نظر. إن منشور رئيس الحكومة والقرارات الأخرى ذات الصلة تكشف عن غياب أي إنصات جدي وذكي لانشغالات ومطالب الناس، ولا تستحضر تفشي البطالة والعوز وسط شعبنا، ولا تدرك كذلك ما يعنيه ذلك من إحباط ويأس، وما يفضي إليه من مشاكل اجتماعية وخيبات، ومن ثم يكون القرار صدر فعلا عن آذان صماء، وعن عقلية ينعدم لديها ذكاء فهم ما يجري داخل المجتمع وما يعاني منه الناس، ولا تكلف نفسها عناء تجاوز الحلول السهلة التي تجعل بسطاء الناس، في نهاية الأمر، يدفعون كلفة سياسة التقشف، بدل الاجتهاد لإيجاد حلول أخرى. إن وقف التوظيف في الإدارات العمومية، علاوة على كونه سيؤثر على جودة خدمات وتطوير أداء المرفق الإداري العمومي ومسلسلات إصلاح الإدارة وجودة حكامتها وأدائها، فهو أساسا سيساهم في تعميق أزمة التشغيل، خصوصا أن القطاع الخصوصي لن يستطيع التعويض على هذا المستوى، وربما حتى الحفاظ على مناصب الشغل الحالية لديه، كما أن مثل هذه القرارات الحكومية المتسرعة تساهم في المزيد من إضعاف ثقة الناس في الفاعل السياسي والحكومي، وترويج نظرة مفادها أن هذا الفاعل السياسي، الذي يمنحه الشعب ثقته في الانتخابات، ما إن تعترضه مشكلة ما، حتى يبادر إلى جر هذا الشعب نفسه إلى دفع ثمن حلها، وبالتالي عدم مبالاة الحكومة بكل ما قد تفضي إليه قراراتها من تداعيات اجتماعية على الوضع المعيشي للناس، وعلى مستقبلهم. المنتظر، كان هو أن تكون المسألة الاجتماعية خطا أحمر، وأن تحرص الحكومة على تمتين الاستقرار وسط المجتمع، وعلى تعزيز التعبئة الوطنية وأجواء الثقة التي تنامت وسط شعبنا للتصدي لجائحة "كوفيد – 19″، وأن تتفادى المساهمة في نشر اليأس والإحباط وتعميقهما وسط المغاربة، لكن مع الأسف الإشارات الصادرة لحد الآن عن الحكومة الحالية تقدم للبلاد والعباد الجواب الخطأ عن الأزمة. إن مواجهة تحديات الجائحة تتطلب اليوم مقاربة شمولية والتقائية في إطار رؤية عامة تنتصر للإنسان، وتسعى لتحسين أوضاعه المعيشية والاجتماعية، وتشترط على المقاولات الحفاظ، على الأقل، على مناصب الشغل الحالية مقابل الدعم العمومي ومساعدات الدولة، وتعلن عن سياسات عمومية وبرامج حقيقية لتقوية الاستثمار والتأهيل العام للاقتصاد الوطني، وتفعيل دينامية عامة في القطاعين العمومي والخصوصي، بالإضافة إلى إشعاع أجواء سياسية وديمقراطية في البلاد… كل هذا جاءت القرارات الحكومية الأخيرة معاكسة له، وتقدم لشعبنا إشارات سلبية وخطيرة عن المستقبل، كما أنها أصابت الناس بالخيبة والإحباط، ولم تبال بانتظاراتهم وتطلعاتهم… محتات الرقاص