موازاة مع الحوار الجاري حول المراجعة الدستورية، تواصل وزارة الداخلية تلقي مقترحات الأحزاب بشأن مراجعة القوانين الانتخابية وقانون الأحزاب، وذلك في أفق إعمال إصلاحات سياسية من شأنها جعل الاستحقاقات الانتخابية القادمة تنتقل ببلادنا إلى مرحلة أخرى في مسارها الديمقراطي. لقد باتت للفساد الانتخابي منظومة متكاملة من التقنيات والأشكال والاختصاصيين، ما يجعل الحل اليوم غير ممكن من دون سلة إجراءات عديدة ومتوازية، ولعل البداية الجيدة قد توفرها مثلا عملية اعتماد بطاقة التعريف الوطنية في مختلف الاستحقاقات، وبالتالي إلغاء البطائق الانتخابية. من جهة ثانية، فإن تأكيد جلالة الملك في خطاب تاسع مارس على أهمية «تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية...»، ودعوة جلالته إلى «تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة»، يجعل من الاستمرار في السماح للامنتمين بالترشح أمرا منافيا لهذا المرتكز الملكي، وبالتالي فإن ذلك يفتح الباب، في غالب الأحيان، لمفسدين لا تأطير سياسي لديهم، ومن غير الممكن محاسبتهم، وهم ليسوا ملزمين بتقديم أي حساب أمام المواطنين عند انتهاء فترات انتدابهم. الحرص على نزاهة الانتخابات وعلى جديتها يمر أيضا عبر تحيين قانون الأحزاب وتجاوز ما كشفته الممارسة من اختلالات، وذلك من خلال تغيير المضامين المتعلقة بمفهوم الحزب نفسه ودوره، ثم تعديل المادة الخامسة الشهيرة، وذلك في اتجاه تبني فكرة إقالة، وبقوة القانون، كل شخص غادر حزبه أو فريق منتخبي حزبه وانخرط في حزب أو فريق آخر، مع اعتبار مقعده في حكم الشغور، ويتم ملؤه وفق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل، علاوة على أهمية اشتراط التوقيع ضمن فريق تمثيلي ما لمدة الولاية بكاملها، فضلا عن تعديل المقتضيات الخاصة بالترشيح وشروطه المنصوص عليها في مدونة الانتخابات، وجعل الزجر ينصب، بالإضافة إلى الأشخاص، على الأحزاب التي تأوي الرحل أيضا. إن الإصلاحات المشار إليها، تحتم أيضا تطوير منظومة تمويل الأحزاب، وجعلها منسجمة مع الواقع ومع حاجيات الأحزاب في عملها اليومي، وفي نفس الوقت توسع ما أمكن مساحات الشفافية والقانون وتخليق العمل الحزبي. وإلى جانب ما سبق، فإن مراجعة وتطوير نمط الاقتراع، من شأن ذلك أيضا المساهمة في جودة حياتنا الانتخابية، ولهذا فإن كل نمط اقتراع يجب أن يؤمن توسيع مجال التمثيلية (الأطر السياسية والقيادات الوطنية للأحزاب والنساء والنخب المحلية ...)، كما يجب على نظامنا السياسي، بواسطة نمط الاقتراع، أن يدعم ثقافة الانخراط في النظام الديمقراطي المؤسساتي، ويحتضن كل الحساسيات السياسية المتواجدة في المجتمع من دون أي إقصاء. إن ورش القوانين الانتخابية إذن يستحق اهتماما أكبر، وحرصا على بلورة نصوص بإمكانها تعزيز التمثيلية وتقوية المشاركة الشعبية وانخراط النخب والنساء والشباب في الحياة الديمقراطية.