الوردة التي تنتظر في العراء البارد مواسم التلقيح، تحلم بحياة دافئة، ينازعها شك ولادتها، قد تكون قيسرية، أو طبيعية، قد تموت في رحم الأرض، ولن يتذكرها أي أحد. تعيش أحاسيس متناقضة، تزورها أشباح الورود الميتة وبقاياها المشوهة، ترعبها، تأكل من لحظات انتظارها. الوردة تنتصر على هواجسها، تصنع إكليلا من أحلامها، وتنتظر عبور أول ريح تُلقحها لتخرجها مبتسمةً إلى الوجود. الوردة التي تلقحها الرياح الخريفية، تغرس فيها البراءة، تصالحها مع تربتها، تحس بالاطمئنان، تحلم بغد وردي، تنجذب إلى الأمل وإلى بصيص الضوء الذي سيجعلها ملكة على نفسها وعلى الآخرين. الوردة لا تجد إلا أن تصدق هذه الوعود، تتشبث بالحياة وتنمو، وتنمو، وتنمو لكي لا تشيخ في مهدها، وتجرفها التربة إلى الوادي السحيق. الوردة التي تنمو، تسابق الريح لتكتمل، تفتح عشها للحياة، تشيد عسسا في جذعها، عروقها تتشابك مع التربة، تبحث عما يبرر وجودها دون خوف، تتصيد أملاح الأرض، تتنفس بعمق، فيزداد إيمانها بالحياة صلابة. الوردة التي تكتمل وحدها في العراء لا تجد شاعرا يمدحها، أو بستانيا يشذب أشواكها. لا تجد مرآة تصفف جدائلها المُشعثة، أو تنورة بيضاء تخفي هشاشتها، لا تكف عن الحلم بيد آمنة تقطفها وتمنحها حياة أخرى. الوردة التي لا تجد الأصابع الندية أو الخشنة لتلاعبها، تكبر وحيدة تتأمل أوراقها، تدون يومياتها الباردة بحبر أزرق، تتنفس عطرها البري الممزوج بمرارة الانتظار. في هبوب الريح الثانية، تسقط جزءا من أوراقها، تنفلت منها ذاكرة انتظارها، وتحلم بالشمس والقمر، تحلم بموسيقى عاشقة، تحلم بزخة مطر خفيفة، تحلم بحديقة ممتدة هي ملكتها، تحلم، وتتنفس عطرها الذي ظل فواحا، يستنفر أنوف الذين لا يعبرون مغرسها، تترجاهم، تستعطفهم من أجل أن تستمر.. لا أحد يستنشق عطرها، لا أحد يستجيب لصراخها المتكرر. الوردة التي لا تجد من يقطفها، تسقط ما تبقى من أوراقها، تتعرى للذين لا يعبرون، تظهر تجاعيد الزمن، تحس بسن اليأس يأكل أحشاءها، تشيخ، تشيخ، ولا يد هناك تقطفها. تحلم بمزهرية مقلدة، تحلم بقليل من الماء الممزوج بالسكر بعدما حلمت بآص رفيع، والأوراق تتساقط، كل ورقة تنعي خرابها، تتوقف عن الحلم، تذبل، وتبحث عن أول طريق يوصلها إلى مقبرة الثكالى، تزورها أشباح الورود الميتة وبقاياها المشوهة، لا تجد مفرا سوى أن تفتح أذنيها لتمائم النهاية. الوردة التي لا تجد من يكفنها بياض الثلج، تخرج الأرض لسانها، ليمتص ما تبقى من رحيقها، بينما تمعن الأوراق الذابلة في الهروب بحثا عن تربة خصبة دون أسنان سوداء لتنام فيها، وحده الشوك يبقى شاهدا على أحلام لم تكتمل.