مما لاشك فيه أن موضوع التربية وبناء الإنسان من المواضيع التي تؤرق بال العقلاء والآباء والمربين من حيث الإشراف على إعدادهم وتكوينهم والتفرغ لحمايتهم وتحصينهم، وما يتطلبه ذلك من الجد واليقظة ، بحيث إن الأسرة مستهدفة من أعداء الأمة ولاسيما في العصر الحاضر، في تكوينها ثم في استمرارها بعد ذلك. لعل التفكير فيما هو حاصل في العالم من تفشي هذا الفيروس المسمى ب” كوفيد 19″ من أكثر ما يسيطر على عقول الناس على اختلاف وتنوع وعيها بخطورة هذه الأزمة الخانقة على المستويين النفسي والجسدي، هذا جعل لكل واحد منا سلسلة لا تنتهي من المعارك الصامتة بين رغباته والظروف التي تضغط عليه من جهة، وبين إرادته وواجباته وما يشعر أنه الصواب من جهة أخرى، حيث قال عبد الكريم بكار في كتابه طريق الازدهار ” أن الإنسان أثبت في مواقف لا تحصى أنه قادر على التأبي والتمنع عن المغريات والمفاتن والظروف الصعبة، لكن ذلك يحتاج إلى شيئين اثنين: وعي جيد بما ينبغي عمله، ووقود روحي للقيام به، أو فيهما معا، فقد صار من المألوف خضوع الناس للظروف التي يجدون أنفسهم فيها.” لهذا الكلام قياس على ما هو باد في مجتمعنا والظروف القاسية التي يمر منها من تفشي فيروس كورونا الذي يهدد حياة الناس، كما يهدد استقرارهم النفسي. سار نقاش بيني وبين أحد الشباب الذي لطالما لمست من كلامه النظرة الثاقبة في فهم الواقع وكذا حمل هم الأسرة، فله قاعدة يؤمن بها هي ” أن نمط الأسرة الذي نلحظه مخالف للسائد والمعروف، بل ومناقض للفطرة السليمة ومنطق العقول، فهذه الأسرة هي علم وفن له قواعد ومناهج.” وفي صدد الحديث عن الأزمة تكلم بحرقة عن الأسر وما تعانيه جراء هذه الأزمة، حيث قال: ” سيكشف الستار عن أسر معوزة غير قادرة على دعم حاجياتها الأساسية، وأننا في مرحلة جديدة تختبر صبرنا وحبنا لوطننا فلابد من إنجاح هذه الحملة وذلك بتضافر الجهود بين السلطة العليا والشعب، والتحلي بحس المسئولية وروح التضامن الوطني حتى نحقق أحد المبادئ السامية وهي الاحترام الذي من خلاله سنحافظ على علاقتنا مع من نحب حتى يتحقق الاستمرار.” هنا يطرح السؤال المحوري في ظل ما شاهدناه في الأسواق التجارية من هلع السكان و تزاحمهم لشراء عدد كبير من الأطعمة والأشربة والسلع الاستهلاكية قبل تفاقم الأمر، له من التبعات والانعكاسات الخطيرة على مستوى تربية الأبناء، وهذا دليل قوي، قيم التربية لا تزال في حاجة إلى إعادة تدريسها لكل من لا يعيها، ونرجع ونقول أن السؤال المطروح هو: ” كيف نرشد الاستهلاك؟ وكيف نقاوم شهوة التسوق والاقتناء؟ قال عبد الكريم بكار في كتابه مقدمة لمشروع نهضوي: ” الأسرة هي المربي والمعلم وعليها تقع مسئولية غرس ثقافة مقاومة الهدر وشهية التوسع في الاستهلاك… الأطفال يحتاجون إلى تربية عصامية يفهمون منها أن طرق المجد ليست مفروشة بالورود، وأن الرقي الحضاري يحتاج إلى مثابرة وجدية وتعب، الحكمة الذهبية في مساعدة الأبناء تقول: لا تعطهم أكثر مما يحتاجون، فتوجد لديهم روح الاتكال والخمول.” فلابد من العمل بكل جدية من أجل حماية الجيل الجديد من الانهيار الأخلاقي، وتأكيدا على هذا الكلام ما ذكره محمد بنكيران حيث قال: ” التربية ليست فقط إحدى القضايا المهمة في حياة الناس كغيرها من كثير من القضايا التي نحسبها كذلك، وإنما هي فريضة حضارية شرعية يوجبها الدين ويحتمها الشرع، ويسأل عنها الفرد والجماعة ويتحملون تبعاتها في الدنيا والآخرة، وهي لعلاقتها بحاجات المجتمع وأمنه واستقراره ورقيه وسلامة أفراده تنموية وحضارية، يوجب الاهتمام بها رغبة في النماء والازدهار، بحيث لا سبيل لنا إلى التنمية الحقيقية إلا بها.” وبهذا نقول أن الحضارة رهينة بتربية الأسرة، وهذه الحضارة ليست نابعة من فكر شخص أو من فكر مجموعة أشخاص، كما أنها لم تنبثق من عقيدة موضوعية من قبل مفكرين أو عباقرة… الحضارة تستند على قيم ومبادئ بكونها مستندة في منطلقاتها أساسا لشروط موضوعية نابعة من الذات الإنسانية بوحي إلهي، والجدير بذكره أن ما تعانيه الأمة من المشكلات ليست موجودة لدى السابقين، مما يجعل الأفكار السابقة عاجزة عن حل المشكلات اللاحقة، ومن ثم فإن علينا أن نبدع في حل مشكلاتنا من أفق عصرنا وإمكاناتنا الراهنة، فتربية الإنسان في الحقيقة تحتاج إلى جهود إصلاحية متتابعة، لأنه لابد من التنبيه على خطورة القضية وجسامة المسئولية وعظم المهمة، وإيقاظا لهمم من شغلهم الأعمال والمكاسب عن رعاية أبنائهم. * طالبة في سلك دكتوراه الفكر والإصلاح والتغيير في المغرب والعالم الإسلامي