حرصت العروس إلهام ساحلي على مشاركة أقاربها وأصدقائها وزملائها في العمل الذين عجزوا عن الحضور، مراسم زفافها البسيطة عن طريق مقاطع فيديو مباشرة بثتها عبر موقع فيسبوك، حيث اضطرت إلى الخروج مبكرا من صالون الحلاقة وغابت كل مظاهر ومراسم الزفاف المعتادة، بعدما فرضت الجهات المختصة في تونس على غرار بقية دول العالم في إطار الحفاظ على سلامة المواطنين من خطر فايروس كورونا، إلغاء كل حفلات الزواج والاقتصار على عقد القران بمقر البلدية بحضور الزوجين والشاهدين فقط. ولم تتوقع العروس أن توضع أمام خيارين لم يرق لها أي منهما؛ إما تأجيل الزفاف أو الرضوخ لحفل زفاف بسيط يقتصر على عقد القران بحضور أقل عدد ممكن من الحضور، حيث، وفق تعبيرها، بعثر فايروس كورونا جميع ترتيباتها ومخططاتها وألغى جميع التحضيرات لحفل زفافها. كما أنها لم تتوقع أبدا بعد كل الاستعدادات التي قامت بها هي وجميع أفراد أسرتها من جهة وزوجها وعائلته من جهة أخرى، بعد اتخاذ قرار عدم تأجيل الزواج أن يمر زفافها بتلك الصورة الباهتة وبحضور أفراد عائلتها وعائلة زوجها فقط. وتتداول مواقع التواصل الاجتماعي يوميا فيديوهات وصورا لحفلات زواج ضيقة قرر أصحابها عدم تأجيل زفافهم. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا العديد من الصور والفيديوهات لحفلات زفاف خالية من المدعوين وتقتصر على العروسين وأفراد أسرهم فقط. وفضل عدد لا بأس به من الشباب والفتيات تأجيل الزواج بسبب الظروف الطارئة التي تعيشها البلاد، وذلك لإصرار عائلاتهم على اتباع كافة مراسم الزواج التقليدية. وأصبح حفل الزفاف في زمن كورونا يقتصر على العائلة فقط، واضطر كثير من الأزواج في هذه الظروف الاستثنائية إلى تقبل الأمر الواقع، وقالت العروس مهى حمدي، التي اضطرت إلى إتمام زواجها إنها حلمت كثيرا بأن يكون يوم زفافها مميزا نظرا إلى التحضيرات التي قامت بها بداية من الفستان وصالون الحلاقة والمأكولات والحلويات التي كلفتها أموالا كثيرة، إلا أن انتشار هذا الوباء، اندثرت معه كل أحلامها ووجدت نفسها مجبرة على الاختيار بين إتمام الزفاف مع إلغاء جميع المراسم التي أعدتها رفقة زوجها، أو تأجيله إلى أجل غير مسمى، واتفقت مع أفراد عائلتها وعائلة زوجها على إتمام الزفاف بأبسط المراسم. وحث رواد مواقع التواصل الاجتماعي التونسيين المقبلين على الزواج على استغلال هذه الفرصة للتخلص من الالتزامات المادية التي يتطلبها حفل الزفاف، حيث تم إلغاء الولائم والحفلات وقاعات الأفراح التي تتطلب مصروفات كبيرة، واقتصر الزفاف على عقد القران بحضور الزوجين والشهود. وقال ناشط على تويتر إن الزواج في زمن كورونا نعمة لضعاف الدخل والفقراء؛ لا مصاريف لا تبذير لا مدعوين ولا حفلات تتطلب أموالا كثيرة. وغرد آخر "ما أجمل الزواج في زمن كورونا". وقال أخصائيو علم الاجتماع إن فايروس كورونا المستجد أدى إلى تغييرات كبيرة في عادات الزواج في جميع أنحاء العالم، وقد تستمر هذه التغييرات على المدى البعيد، وتلغى الكثير من العادات التي ظهر أنها غير ضرورية لإتمام الزواج. وأوضحوا أن هذه الجائحة على الرغم من سلبياتها العديدة وتهديدها لأرواح الملايين في مختلف دول العالم إلا أنها لا تخلو من جوانب إيجابية، حيث أصبح حفل الزفاف لا يتطلب بالضرورة تكاليف كثيرة تثقل كاهل العروسين بل يمكن أن يتم بتكاليف بسيطة تجنبهما التداين وما يسببه من مشكلات قد تهدد استقرار علاقتهما الزوجية وتحكم عليها بالانهيار المبكر. وتولي الأسر التونسية حفلات الزواج أهمية كبيرة وتعد لها العدة قبل أشهر وتتطلب هذه الحفلات مصاريف كثيرة بالنسبة للفتاة والشاب على حد السواء. وكشفت إحصائيات أن حوالي 50 في المئة من الشباب لا يفكرون في الزواج وتعود المشكلة الأساسية في ذلك إلى ارتفاع تكاليفه ومن بينها المراسم التي تتطلب استعدادات مالية كبرى لضمان نجاحه. وتعود تكاليف الزواج المرتفعة في تونس إلى الطريقة المعقدة للاحتفال بهذه المناسبة، حيث كشفت دراسة أنجزت سنة 2017 أن تكاليف الزواج وصلت إلى 30 ألف دينار، مشيرة إلى أن متوسط الدخل الشهري في تونس يناهز 748 دينارا. وقال الخبراء إن هذه التكاليف تعتبر ضخمة أمام متوسط دخل أكثر من ضعيف، لافتين إلى أن هذه المتطلبات التي فرضها المجتمع على نفسه تعتبر جنونية، في حين أنه كان يمكن تجاوزها لو تم تفعيل العقل والابتعاد عن التباهي والتفاخر. وأشار علماء الاجتماع إلى أنه على الرغم من المبادرات الكثيرة التي تسعى إلى تغيير العادات والتقاليد إلا أن بعض الأسر مازالت متشبثة بتقاليد الأجداد وتراثهم. ولفتوا إلى أن حفلات الزواج يمكن أن تستمر لأسبوع كامل مما يتطلب إنفاق الكثير من الأموال، مبينين أن حفلات الزفاف التي أقيمت بعد تفشي كورونا كشفت أن هذه المراسم لا جدوى منها وأنها غير ضرورية، كما أظهرت أنه لا فرق بين إقامة حفل زفاف في قاعة أفراح فخمة أو نزل بالآلاف من الدنانير أو الاكتفاء بعقد قران بسيط في مقر البلدية أو حتى في المنزل. وقال المختصون إن الزواج أصبح استثمارا تفكر فيه الأسرة كثيرا وتعد له طويلا بسبب المصاريف الباهظة نتيجة المغالاة في اتباع الآخرين والشروط المجحفة للزوج والزوجة. ونبهوا إلى أن الكثير من الأسر التونسية تغالي في مراسم وتكاليف الزواج، حتى إن البعض يقترض من البنوك من أجل إتمام مراسم الزواج، إلا أن الحجر الصحي أثبت أن هذه المراسم ليست ضرورية، ويمكن للعروسين الاستغناء عنها وتوفير المصاريف الطائلة التي ينفقونها على ساعات قليلة قد تثقل كاهلهم وقد يحتاجونها بعد الزواج لتلافي الصعوبات التي تعترضهم.