... وانتهى لقاء الجارين -الوداد والرجاء- بالتعادل في الديربي الذي يحمل رقم مائة وعشرة، ليتعادل بذلك الغريمان للمرة الواحدة والخمسين في مسار طويل يمتد منذ منتصف القرن الماضي، تاريخ ميلاد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فكيف عاد الديربي، وبأية حال، وماذا خلف في مدار كرة القدم الوطنية والمغرب الرياضي عامة؟ يدرك الجميع أن الديربي البيضاوي والمغربي ليس لقاء عاديا، حيث يستعد له الفريقان -الوداد والرجاء- جيدا، ويعملان على تحضير كل لاعبيهما الأساسيين، وقد تابعنا كيف غادر الفريقان الدارالبيضاء، بعيدا عن الضغط الجماهيري، حيث اختار الوداد مركزا في بوسكورة، بينما انتقل الوداد إلى فندق بمدينة الجديدة، وعايننا تعبئة شاملة لجماهير وعشاق ومساندي الفريقين وإبداعا رائعا ترجمه هؤلاء المسكونون بالحب، في لوحات فنية صبغت المدرجات بألوان جميلة وأطياف ممتعة. شهدت رقعة التباري تنافسا قويا وصراعا رياضيا، بدنيا، تقنيا، وطاكتيكيا طاحنا، حركته معركة بين المؤطرين فاخر وفخر الدين. كانت الوداد سباقة للتسجيل بواسطة عبد الرحمان بنكوجان في الدقيقة 70، قبل أن يرد عليه حسن الطير بعد سبع دقائق، موقعا هدف التعادل للرجاء؛ تابع الجميع كيف كانت الدقائق السبع قاسية وحارقة بين هدفي التفوق للوداد والتعادل للرجاء، والتحولات والتفاعلات الوجدانية والمشاعر لدى الجماهير، كانت الرجاء في حاجة إلى نقط الفوز للإنفراد بالرتبة الأولى، بعد أن أرغم أولمبيك خريبكة على التعادل، كما كان الوداد يبحث عن الإنتصار ليربح مساحة في اتجاه المقدمة، وهو في الرتبة الخامسة. يؤكد الديربي من جديد قيمته الرياضية الرفيعة المقرونة بالإقبال الجماهيري وطنيا وحتى في المهجر، هذا اللقاء المغربي مصنف تاسعا ضمن أرفع الديربيات في العالم، كما هو الحال في اسبانيا، تركيا، إيطاليا، الأرجنتين، سكوتلاندا، انجلترا... وكالعادة، حجت جماهير غفيرة إلى المركب الرياضي محمد الخامس، وكان العدد سيكون أكبر لو لم يتحرك الجدل حول إلغاء موعد الديربي، والجماهير التي ملأت الملعب جاء بها الحب والعشق، وسجلت الأرقام أن عدد التذاكر التي بيعت 27.897 تذكرة خلفت عائدا ماليا قيمته 1.762.450 درهم، ستخصم منه تكاليف التنظيم، ويبدو أن عدد التذاكر التي بيعت في شبابيك الملعب يوم المباراة (12 شباكا) لم يتجاوز 7800 تذكرة، في حين تم ترويج وبيع 20.000 تذكرة خارج الملعب منذ انطلاق عملية البيع. وأوضحت الأرقام أن التذاكر المرتفعة الثمن أقل رواجا، وقد بيعت 90 تذكرة فقط ثمن الواحدة 300 درهم، كما بيع 329 تذكرة (200 درهم للواحدة) و 5.915 تذكرة (100 درهم) و 21.593 ثمن الواحدة 50 درهما. ويبقى الرقم القياسي في مداخيل الديربي سجله فريق الوداد في الموسم الماضي، حيث بلغت العائدات أكثر من 223 مليون سنتيم مقابل بيع 48.300 تذكرة، وأكبر رقم سجله فريق الرجاء كان في الموسم قبل الأخير، حيث بلغ الدخل 188 مليون سنتيم. من جديد إذن تؤكد الجماهير في الدارالبيضاء وخارجها التزامها بالدعم والمساندة ورعاية الديربي بسخاء وعشق وكبرياء، لكن يبقى السؤال الأزلي معلقا حول دور المجالس المنتخبة وسلطات المدينة بعيدا عن الهاجس الأمني، فلم يفكروا بعد في المساهمة بمبادرات تسعد الجماهير المكونة من قاعدتهم الانتخابية!... هؤلاء المسؤولون والمنتخبون لم يفكروا بعد في إعداد فقرات للفرجة، ومرافق التغذية بأنواعها، حيث يحضر بعضهم فقط يوم المباراة، وتحضر لهم الكراسي في المنصة الشرفية، ويتابعون أطوار اللقاء وما تحمل من إبداع وفن وتنافس، ويتفرجون على انخراط الجماهير في العروض، وهي التي لم تعد تكتفي باستهلاك الفرجة!.. فمتى تتحرك هذه المجالس المنتخبة للمشاركة في اللقاءات الإبداعية الكبرى، وضمنها الديربي الرياضي -الوداد والرجاء-، الذي يجسد محطة لقاء مميز يشرف المدينة والوطن؟ ننتظر..