هل يمكن القول إن قانون 103.13ومنذ صدوره في سنة 2018 قد انعكس إيجابا على واقع العنف ضد النساء، او بصيغة أخرى، هل لمست من خلال ممارستك المهنية ونضالاتك الجمعوية أن هذا القانون قد وفر حماية حقيقية للنساء من العنف؟ لدى صدروه في سنة 2018، شكل القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء إصلاحا نوعيا، إلى حد ما، في المنظومة التشريعية المغربية، بحيث قام لأول مرة بتجريم بعض الأفعال التي لم تكن مجرمة من قبل، نذكر منها على سبيل المثال، تبديد أموال الأسرة، الإكراه على الزواج، التقاط الصور الخاصة وبثها ونشرها، مع تشديد العقوبة في بعض الحالات كحالة السب والقذف بسبب الجنس.. وكذلك الطرد من بيت الزوجية. كما أقر القانون أيضا بعض تدابير الحماية، إضافة إلى آليات أخرى، ضمن مقتضيات جنائية ومسطرية تم إدماجها كذلك في قانون المسطرة المدنية وفي القانون الجنائي. ولكن مع ذلك لا يمكن القول إننا لمسنا بالفعل من خلال هذا القانون حماية حقيقية للنساء من العنف. لماذا؟ هناك عدة أسباب. فأولا، هذا القانون تمت “إذابته” ضمن القانون الجنائي وقانون المسطرة الجناية، علما أن هذا الأخير ليس من أولوياته حماية حقوق الإنسان بصفة عامة، بل هو يرتكز أساسا على فلسفة تقليدية أبوية أمنية، وبالتالي عندما يجرم فإنه يجرم على خلفية الحفاظ على نظام الأسرة وعلى الأخلاق العامة، بما يعني أن خلفية التجريم يفترض أن تكون هي الحماية الفعلية للنساء وكرامتهن وحرمة أجسادهن على اعتبار أن المرأة إنسان مستقل بذاته داخل المجتمع ويستحق الحماية وأن الجريمة مست بالمرأة شخصيا وليس بشيء آخر،لكن ليس هذا ما يحصل بل يتم النظر إلى الجريمة المرتكبة، كالاغتصاب مثلا، فقط من منطلق أنها تمس بالمجتمع أو بالنظام العام أو بالأخلاق العامة. لذلك فإن ربط قانون محاربة العنف ضد النساء بالقانون الجنائي وبقانون المسطرة الجنائية لا يخدم الهدف الذي كان وراء إقراره خاصة أن هناك انتقادات وملاحظات كثيرة على هذين القانونين. ثانيا،القانون 103.13 لم يجرم جميع أفعال العنف التي تمس بالنساء كالعنف النفسي أو الضغط المعنوي (Harcèlement Moral) الذي يجرمه القانون الجنائي، ولم يشمل العديد من أنواع الجرائم الاقتصادية والجنسية وأفعال العنف الجسدي. والأدهى من ذلك كله أن القانون لم يبث نهائيا في إشكالية الإثبات التي تؤدي إلى السماح بالإفلات من العقاب لمرتكبي العنف ضد النساء بسبب جنسهن. فالمشرع كان ولا يزال مطالبا بإيجاد مخرج لإشكالية الإثبات التي تحد من فعالية هذا القانون، وذلك أسوة بالعديد من الدول التي قطعت أشواطا طويلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث يقوم القضاء ب”قلب” عبء ومطلب الإثبات عندما يتعلق الأمر بجرائم العنف ضد النساء وخاصة في جريمة الاعتداء الجنسي. وأشير هنا، على سبيل المثال لا الحصر لبعض القضايا الشهيرة التي تم تناولها إعلاميا وقانونيا بشكل مستفيض كحالة المدير السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان، الذي حوكم بناء على شكوى من عاملة غرف في فندق، أو حالة المفكر والمحاضر طارق رمضان.. وغيرهما من الشخصيات المعروفة الذين تقدمت ضدهم النساء المعتدى عليهن بشكايات، حيث يتم اعتقال المشتكى بهم قبل أن يطلب من المشتكيات الإدلاء بالإثباتات التي يتم اشتراطها في باقي أنواع الجنايات.. لماذا؟ لسبب واضح هو أن جريمة العنف ضد النساء وخاصة الجرائم الجنسية لديها نوع من الخصوصية، ودليل التشريعات الصادر عن الأممالمتحدة يساعد الدول التي لديها إرادة قوية من أجل القضاء على العنف ضد النساء أن تتبع الخطوات التي ينص عليها هذا الدليل باتجاه السبل الكفيلة بإعمال حقيقي للعدالة بما ينصف النساء المعتدى عليهن. والحال أن قانون محاربة العنف لا يؤدي فقط إلى الإفلات من العقاب للأسباب التي ذكرت، بل يؤدي أيضا إلى الإفلات من العقاب في حال تنازل الضحية حيث يتم وضع حد للأفعال الجرمية ولمسطرة الحكم الذي تم إصداره في النازلة.. وكذلك الأمر في حال وقوع صلح بين أطراف الشكوى، حيث يؤدي ذلك بدوره إلى إيقاف المتابعة وإيقاف تنفيذ الأحكام. هذه كلها إمكانيات تتيح لمرتكب العنف الإفلات من العقاب على جريمته وبالتالي تؤدي إلى استمرار واستفحال ظاهرة العنف ضد النساء. والدليل على ذلك هو نتائج البحث الوطني الثاني حول العنف ضد النساء التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط مؤخرا، والتي تؤكد على استمرار ظاهرة العنف وعلى أن النساء لا يجرأن أو لا يفكرن في الإدلاء بشكاواهن من العنف أمام منظومة عدالة وطنية تطرح إشكالات متعددة وعلى رأسها مشكلة الثقة في القضاء للأسف. فإذن عندما نقول الإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء فإن ذلك يعني أن الحق في العدالة الجنائية غير متوفر للنساء. وماذا عن تدابير الحماية التي نص عليها القانون؟ بالفعل تطرق القانون 103.13 إلى عدد من تدابير الحماية أتى القانون، لكنها تظل للأسف بدورها “مسيَّجة” ضمن مساطر معقدة تجعل أن تدابير الحماية المنصوص عليها ضمن القانون، على علاتها، لا تطبق. ومن واقع الممارسة نرى أن هناك ندرة كبيرة جدا في الأحكام القضائية التي اعتمدت المقتضيات المتعلقة بهذه التدابير. يمكن أن نتحدث مثلا عن مسطرة تجريم الطرد من بيت الزوجية.العمل القضائي فرض في هذه الحالة مساطر تعسفية لم ترد في القانون الذي ينص على أن مجرد الطرد من بيت الزوجية يعد جريمة في حد ذاته، لكن في مدينة الدارالبيضاء مثلا لا يتم الأمر بهذه البساطة، بل يجب أن يتم تقديم شكاية بالطرد وطلب إرجاع الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية وفقط عندما يتم رفض إرجاع المطرودة إلى بيت الزوجية يمكن المتابعة من أجل الطرد! وهذا أمر غير مستساغ وهو من بين الأمور التي تجعلني أخلص إلى أن هذا القانون لم يقدم حماية حقيقية للنساء من العنف. لكن لاحظنا، كما لاحظت مجموعة من الهيئات والفعاليات المدافعة عن الحقوق الإنسانية للنساء في بلاغاتها وتصريحاتها، أنه تم بالفعل إصدار بعض الأحكام التي تبعث الأمل في مسار جديد في مجال التعاطي القضائي مع جرائم العنف ضد النساء؟ طبعا الرهان كبير على القضاء لأنه هو من يبعث الروح في القانون ويطبقه في اتجاه اختيارات الدولة الاستراتيجية المنصوص عليها في الدستور وضمن ما تمت المصادقة عليه من اتفاقيات دولية في مجال الحقوق الإنسانية للنساء، من خلال التطبيق الإيجابي للقوانين في الاتجاه الذي يحمي حقوق الإنسان ويساهم في تحقيق الديموقراطية ببلادنا، وأيضا بالشكل الذي يؤدي إلى ضمان حقيقي للأمن القانوني والقضائي لكافة المواطنات والمواطنين. والقضاء ليس مطالبا فقط بإصدار أحكام تعتبر إشراقات واجتهادات حقيقية في القانون بعلاقة مع حقوق الإنسان، ولكن هو أيضا مطالب بنوع من العمل القضائي “الاستباقي” الذي يؤدي إلى تسريع عجلة التشريع في اتجاه تكريس حقوق الإنسان عموما والحقوق الإنسانية للنساء خصوصا. وأظن أنك تقصدين بسؤالك مثلا الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بطنجة والذي اعترف بحق طفل مزداد خارج العلاقة الزوجية في الأبوة وكذلك الحكم للأم بتعويض، حيث ميز هذا الحكم بين حق البنوة وحق النسب، فأقر بحقه في الأبوة ولكنه لم يمكنه من النسب. هذا الحكم يعتبر اجتهادا قضائيا قويا جدا وإشارة قوية من القضاء المغربي رغم أن غياب التوازنات في العمل القضائي بجميع مستوياته أدى للأسف الشديد إلى إلغاء هذا الحكم من طرف محكمة الاستئناف بطنجة. وكان هناك قرار جنائي آخر كذلك بإدانة زوج بجريمة الاغتصاب في حق زوجته، رغم أن الفعل تم في إطار العلاقة الزوجية، وهذا القرار يتماشى بدوره مع مطالب الحركة النسائية والحركة الحقوقية والديمقراطية في بلادنا التي تطالب بتجريم الاغتصاب الزوجي المنتشر على نطاق واسع في المجتمع. وللإشارة فإن هذا المطلب تم رفضه ولم يتم تجريم هذا فعل الاغتصاب الزوجي ضمن مقتضيات القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء. كذلك كان هناك حكم قضائي آخر تم بموجبه عدم إدانة أشخاص بجنحة الفساد المنصوص عليها في الفصل 490 من القانون الجنائي، بحيث أخذ القضاء في عين الاعتبار أن العلاقة الجنسية تمت ضمن إطار علاقة خطوبة وبالتالي فإن ذلك لا يمكن إدراجه ضمن أحكام جريمة الفساد.. هذه إذن، بالفعل، بعض النماذج من الأحكام القضائية التي نحن في حاجة إليها اليوم ببلادنا والتي من شأنها أن تؤدي في آخر المطاف إلى حماية النساء من العنف وضمان حقهن في العدالة الجنائية والأمن القضائي ورفع إحساسهن بالانتماء والاطمئنان في وطنهن.