في موكب جنائزي مهيب، ووري الثرى، أول أمس السبت، بمقبرة سيدي مسعود بالرباط، أحد قيدومي حزب التقدم والاشتراكية، المناضل السياسي والنقابي المرحوم فتحي لخضر الذي اختطفته يد المنون يوم الجمعة الماضي بإحدى مصحات العاصمة الرباط. وقد شيع الفقيد فتحي لخضر إلى مثواه الأخير مناضلو حزب التقدم والاشتراكية، ضمنهم رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، إسماعيل العلوي، والمهدي بنشقرون، ومحمد مشارك، وأكرين لبيض أعضاء المجلس ذاته. كما شيع الجنازة أعضاء المكتب السياسي عبد السلام الصديقي، ورشيد روكبان، وعز الدين العمارتي، بالإضافة إلى أعضاء اللجنة المركزية ومناضلي الحزب بالمنطقة الشرقية، و قيادة الاتحاد المغربي للشغل ممثلة في عضو الأمانة العامة نور الدين سليك، ومجموعة من المناضلين النقابيين، خاصة مناضلي الجامعة الوطنية للفلاحة، التابعة للاتحاد المغربي للشغل، والتي كان الراحل أبرز مناضليها. وكانت علامات التأثر بادية على كل من حضر هذه الجنازة المهيبة، وبدا الحزن على محيا رفاقه الذين استحضروا ذكرياتهم الجميلة مع فقيد كان قيد حياته ملكا للآخرين. فقد كان يعطي معنى حقيقيا للالتزام الحزبي، وكان حريصا على التمسك بمواقفه وأفكاره النيرة والوطنية التي تشربها من مدرسة حزب التقدم والاشتراكية، فقد كان صريحا وصادقا فيما يقول، وكانت حياته مليئة بالعطاء كمناضل سياسي ونقابي “استثنائي” كما وصفه رفيقه في النضال السياسي والنقابي إبراهيم فرحات. ولد الراحل فتحي لخضر سنة 1937 بمدينة بركان التي تابع فيها دراسته الابتدائية، قبل أن ينتقل لمواصلة السلك الإعدادي بمدينة وجدة، ثم الثانوي بثانوية مولاي إدريس بفاس وحصل منها على شهادة الباكالوريا سنة 1957، ليلتحق بكلية الحقوق بمدينة الرباط، واشتغل كإطار متصرف بوزارة الفلاحة ثم التحق بالسلك العالي بالمدرسة الوطنية للإدارة العمومية، وانخرط منذ شبابه في العمل السياسي حيث التحق بصفوف الحزب الشيوعي المغربي كمناضل شاب، ثم بحزب التحرر والاشتراكية حيث كان عضوا بمكتب ناحية الرباط عندما كان الراحل عزيز بلال كاتبا لها وكان كل من اسماعيل العلوي ومحمد مشارك أعضاء المكتب ذاته أواخر ستينيات القرن الماضي. كما يعتبر الرفيق فتحي لخضر أحد مؤسسي “جمعة المعرفة” في مطلع سبعينيات القرن الماضي، والتي أصبح رئيسا لها فيما بعد، وكانت هذه الجمعية تنشط أساسا في مجال محاربة الأمية، خاصة في الأحياء الشعبية بمدينتي الرباطوسلا. وكان الراحل على مستوى العمل الجمعوي والنضال السياسي، إلى جانب مجموعة من الشباب المناضلين، يشع حيوية ونشاط، وكان يبذل العطاء ويقدر المسؤولية ويعطي معنى حقيقيا لمفهوم الالتزام السياسي. ومن بين المهام النضالية التي كان يضطلع بها الفقيد في ناحية الرباط، مهمة تأطير العمال الزراعيين، والاشتغال على قضايا الفلاحة، حيث كان عضوا بلجنة الفلاحة التابعة لناحية الرباط، وكان خلال تلك الفترة، وفي مختلف مراحل حياته الحزبية، يمتلك مؤهلات استثنائية في التنظيم، مكنته من الاشتغال مع الرفاق في منطقة الغرب التي كانت محسوبة تنظيميا على ناحية الرباط، حيث كان يقوم بتنظيم العمال الزراعيين والفلاحين الصغار وبتأطيرهم، في منطقة الغرب بمعية الرفاق إبراهيم فرحات وآمال برادة ومحمد الرقعي والراحل أحمد بلحامض ، حيث كانوا جميعا يزورون أسبوعيا منطقة الغرب كمشرع بلقصيري ودار بالعامري وسيدي سليمان وكانوا يلتقون بالفلاحين ويحرصون على تكوينهم سياسيا وتأطير نضالاتهم. كما كان الرفيق فتحي الخضر، عضوا بأول فرع محلي لحزب التقدم والاشتراكية بمدينة سلا إلى جانب الرفاق موسى كرزازي وعبد الحفيظ ولعلو وسعيد السيحدة والطيب الشكيلي ومازوز عبد العزيز، وشارك في الانتخابات الجماعية بمدينة سلا بالإضافة إلى ترشحه في الانتخابات التشريعية بمسقط رأسه مدينة بركان سنة 1984. وتعرض الراحل إلى العديد من المضايقات وتم توقيفه واعتقاله وكانت هيئة دفاعه تتكون من الرفيقين خالد الناصري وعبد العزيز بن زاكور بالإضافة إلى مجموعة من المحامين من مختلف الطيف السياسي والحقوقي. وكان فقيد حزب التقدم والاشتراكية معروف عليه ابتكار الأساليب النضالية الجديدة، وهي الأساليب التي مكنته من نسج علاقات متميزة مع الساكنة، ومع شرائح واسعة من المجتمع خاصة العمال والفلاحين الذين كان يتواصل معهم بشكل مستمر، وكان حريصا على التواصل مع عمال النسيج بمدينة سلا بحي الرحمة، وكان يؤطرهم ويترافع عن مشاكلهم، مما ساهم في خلق نوع من الارتباط القوي مع هذه الشرائح من المجتمع والتي كانت تنظر إليه وإلى رفاقه في حزب التقدم والاشتراكية بكل تقدير، بالإضافة إلى ذلك، كان بيت الرفيق فتحي لخضر مفتوحا، للجميع، وكان كل من طرق بابه، يجده. إن عدد التحرريين المغاربة، أي المنتسبين لحزب التحرر والاشتراكية ثم التقدم والاشتراكية، في تلك المرحلة، كانوا قليلين لكنهم كانوا نوعيين، وكانوا ناجعين في ممارستهم النضالية، فلم يكن الحزب، حينها، يعتمد على عفوية الجماهير، بل كان يعتمد على التنظيم، والاتصال المباشر بالناس، وكانوا يستنفرون كل طاقاتهم لتعبئة المواطنين في كل أحياء الرباطوسلا. الراحل فتحي لخضر واحد من هؤلاء المناضلين الكبار الذين ما أحوجنا اليوم إلى أمثالهم. رحم الله الفقيد وخالص العزاء لزوجته السيدة الفاضلة والمناضلة رابحة قادة؛ وابنتيه الدكتورة ياسمينة، والدكتورة لبنى؛ وابنيه الرفاق الدكتور فؤاد، والدكتور هشام. وكذا أخواته وإخوانه، وكل أقاربه وأصهاره، وباقي أفراد العائلة الكريمة ببركانمسقط رأسه، وسلاوالرباط.