غادرنا إلى دار البقاء المرحوم علي بنساسي الوجه النضالي البارز من رموز الحزب في منطقة الغرب، الذي كافح طوال سبعين سنة، منذ ريعان شبابه بانخراطه في صفوف الحزب الشيوعي المغربي عام 1947 (PCM) وفي حزب التحرر والاشتراكية ((PLS 1968 ثم التقدم والاشتراكية (PPS) ابتداء من غشت 1974 إلى ربيع 2017 يوم ودع أقاربه ورفاقه وجيرانه بجماعة دار بالعامري بإقليم سيدي سليمان. كان الرجل من الذكاء السياسي العالي والتدبير الحزبي اليومي الخلاق ما جعله رمزا من رموز الحزب في منطقة الغرب، علما بأنه كان بسيطا في عيشه، يقتات من عرق جبينه في دكانه الذي يشتغل فيه بإصلاح الدراجات، ويقتسمه وظيفيا، في الوقت نفسه، مع الحزب ، خلال فترات العمل السري والحظر، فكان هذا المكان فضاء سياسيا غير رسمي يستقبل فيه رفيقنا المناضلين للتشاور والاجتماع معهم، ويستقطب المواطنين لإقناعهم بخطة الحزب وبرنامجه لتحرير الوطن من الاستعمار، وإقامة نظام ديموقراطي منصف اجتماعيا ومجاليا. كل هذا العمل كان يقوم به رفيقنا رغم أنه كان أميا. مناضل قروي عايش قياديين سياسيين ومفكرين ثوريين رافق المرحوم علي بنساسي في عصره كبار القياديين الحزبيين والمناضلين المفكرين والأساتذة الجامعيين في الحزب الشيوعي المغربي والتحرر والاشتراكية، أمثال المرحوم عزيز بلال (كاتب أول لناحية الرباط للحزب الشيوعي خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي) والرفاق القياديين عبد الله العياشي وإسماعيل العلوي والهادي مسواك ومصطفى اليزناسني وأحمد الغرباوي وآخرين الذين كانوا يتكيفون مع أوضاع العمل السياسي السري بعقد اجتماعاتهم ولقاءاتهم الحزبية ليلا على ضوء الشموع أو القناديل مع الرفاق المسؤولين الحزبين بالغرب، في مقابر أو داخل بعض الأضرحة بمختلف مناطق الغرب، علما بأن ناحية الرباط من الناحية التنظيمية، كانت آنذاك تمتد من الرباط العاصمة إلى قرية عرباوة، أي حدود المنطقة الخليفية سابقا، (وفق التنظيم الإداري الذي تركه الاستعمار الفرنسي) لم يكن هؤلاء الرفاق الذين يعتبرون في مفهوم كرامشي "مثقفين عضويين" يعيشون في أبراجهم العاجية أو في صالونات النقاشات البزنطية، بل كانوا متجذرين ينصتون لنبض الشعب، وخاصة الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين، وينظمونهم في خلايا في الدواوير والمداشرالتي كانت معقلا للحزب (دار بلعامري، لمساعدة، القرية الرتبية، أولاد احمر، بلقصيري) وكذا المعامل والضيعات. ويشهد على ذلك المعارك التي ساهم فيها وأطرها الرفاق بمساندتهم لمطالب العمال في الواجهة النقابية في إطار مركزية الاتحاد المغربي للشغل وأساسا العمل النقابي للرفاق العمال الزراعيين بالقنيطرة بمساندة من جريدة الحزب "البيان"، نذكر منها معارك سكان أولاد خليفة بنواحي القنيطرة من أجل الدفاع عن أراضيهم، ونضالات العمال الزراعيين بضيعات"صوديا"و"صوجيطا" بالغرب. تصدي رفاق الغرب لظلم وجبروت كبار ملاك الأراضي المتحالفين مع بعض القياد والشيوخ المستبدين كان رفاق آخرون من ناحية الرباط للحزب على اتصال دائم بهذه القلعة المناضلة للحزب بمنطقة الغرب لتأطير المناضلين وتكوينهم، وإسماع صوت الفلاحين والعمال الزراعيين وكل المستغلين من طرف الإقطاعيين وكبار الملاكين المتحالفين مع بعض رجال السلطة، لقمع كل تحرك نقابي أوسياسي يعادي مصالحهم. وكان الرفاق القياديون والأطر الحزبية يتكيفون في عملهم التنظيمي واجتماعاتهم الحزبية مع الأجواء المناخية بمنطقة الغرب (الفيضانات والأوحال وانقطاع المسالك خلال فصل الشتاء…)، وكذلك مع الظروف السوسيوثقافية (مواسم فترة الحصاد والمواسم والمناسبات الدينية). وإثر حصول الحزب على الشرعية وتجاوز مرحلة العمل السري والحظر، استمر في إعطاء أهمية خاصة لمنطقة الغرب، عبر الاتصال والتنسيق مع المناضلين المحليين الذين أبلوا البلاء الحسن في مواجهة السلطات المحلية وأعوانها التي كانت تمارس مختلف أساليب التضييق والمتابعات والملاحقات على أعضاء الحزب وأنشطته ، وتستخدم أحيانا العنف والترهيب، ومنهم الرفيق المرحوم علي بنساسي وعبدالسلام ولد الخادم والحاج ملوك الفتوي والعربي الشراط وقاسم الحرازمي رحمهم الله جميعا، وغيرهم من المناضلين الذين واجهوا كل أشكال القمع والاضطهاد خاصة في سنوات الرصاص. وقد كان الرفيق محمد مشارك كقيادي ومسؤول تنظيمي عن ناحية الرباط يتتبع عن قرب، أنشطة الخلايا الحزبية في مختلف الدواوير. ويقوم بزيارات منتظمة لتأسيس خلايا جديدة أو الإشراف على اجتماعات جموع محلية. كما نظم الحزب بمنطقة الغرب مهرجانات خطابية وتجمعات جماهيرية ناجحة خلال الاستحقاقات الانتخابية ومنها تلك التي ترأسها الرفيق علي يعته خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وبموازاة ذلك، تم إحداث مجموعات شبابية بالدواوير تابعة لمنظمة "الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية" JMPS (التي تحمل حاليا اسم الشبيبة الاشتراكية)؛ بإشراف الرفيق موسى كرزازي عضو مكتبها الوطني والكاتب الأول لفرعها بالرباط (1977-1992). وكانت تلك التنظيمات الشبابية بحكم الدينامية التي يتمتع بها الشباب، عنصرا فعالا في الأنشطة التي يقوم بها الحزب، وخاصة خلال الحملات الانتخابية المحلية والتشريعية إضافة إلى الأنشطة الرياضية والثقافية الخاصة بالشباب القروي، علاوة على تأطيرهم للدفاع عن حقوق الشباب الديمقراطية كالحق في التمدرس وحملة جمع التوقيعات لتخفيض سن التصويت إلى 18 سنة والترشيح إلى 21 سنة.. في هذا الصدد نذكر بحملات القمع المسلط آنذاك على الرفاق، حتى أن الرفيق عبد السلام ولد الخادم انتزعت منه البقرة التي كان يقتات من حليبها عندما تم حجزها في مطلع السبعينيات من طرف السلطات المحلية لتجويع أسرته، قصد ردعه وإخضاعه، كضريبة لانتمائه السياسي. ولكنه لم يستسلم أبدا. لقد كان الحزب متجذرا في منطقة الغرب؛ بحيث أن الرفاق كانوا منخرطين في الحزب كعائلات بشكل جماعي: هم وزوجاتهم وأولادهم وبناتهم وأقرباؤهم وجيرانهم، مما كان يصعب على السلطة تدجينهم أو التغلب عليهم، رغم القمع اليومي المسلط عليهم. وأهم ميزة كان يتحلى بها مناضلو الحزب ورموزه في منطقة الغرب، هي أنهم لم يكونوا يخشون السلطة، لإيمانهم بقضاياهم الاجتماعية ومشروعهم المجتمعي، وبضرورة الارتقاء بأوضاع الفلاحين الصغار والفقراء والعمال الزراعيين وكل الفئات المهمشة التي كانت تعيش في ظروف مزرية اقتصاديا واجتماعيا، رغم أن الغرب يعتبر من أغنى المناطق في البلاد، بفضل اتساع سهوله وخصوبة وتنوع تربته (الترس، الرمل والحمري..) ووفرة مياهه (نهر سبو، بهت ) وقطاعه المسقي وقربه من مدينة القنيطرة بمعاملها ومينائها ومن العاصمتين السياسية الرباط والاقتصادية الدارالبيضاء.. منطقة الغرب كانت أولوية تنظيمية مهمة للحزب في هذا الصدد نذكر أسماء بعض الرفاق أعضاء مكتب ناحية الرباط الذي كان يعطي الأولوية لهذه المنطقة التي تعد قلعة نضالية تاريخية للحزب، وفي مقدمتهم الرفيق محمد مشارك الذي تحمل مسؤولية الكتابة الأولى للحزب والرفاق إسماعيل العلوي وفتحي لخضر، وفرحات ابراهيم وأمل برادة وكرين لبيض وحسن المباركي وكرزازي علي، وبلحامض …وغيرهم. كما أن بعثات من الأطر المناضلة كانت تزور المنطقة بين الحين والآخر لتنظيم وتأطير الخلايا الحزبية ومساعدة الرفاق في تحرير مقالات لنشرها في جريدة "البيان" حول قضايا ومشاكل السكان والمعارك العمالية والفلاحية بالغرب . ومن هؤلاء الرفاق نذكر على سبيل المثال الرفاق أساتذة المعهد الزراعي بالرباط العاملين آنذاك في القطاع الفلاحي ك محمد الرقعي وسعيد أوعطار.. علاوة على الرفاق أعضاء المكتب الوطني للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية (JMPS) ومنهم موسى كرزازي الكاتب الأول لفرعها بالرباط والسعيد سيحيدة الكاتب الأول لفرعها بسلا والرفيق عزيز مازوز عضو مجلسها المركزي الذين يسهرون على تنظيم وتأطير المجموعات الشبابية في القنيطرةوسيدي سليمان وبلقصيري… ومن الناحية الكرونولوجية لابد من التذكير بالرفاق الذين تحملوا المسؤولية التنظيمية في عين المكان وبتنسيق مع ناحية الرباط ، وواجهوا الصعاب والضغوطات السلطوية ومن جانب كبار الملاكين الذين حاولوا، دون جدوى، إسكات صوت الحزب في المنطقة ، لكون الاستفادة الكبرى من ثروات الغرب كانت دوما لأقلية على حساب الطبقات الشعبية والفقيرة. ونذكر من القياديين المحليين الرفيق الإحيائي الذي كان يقطن ببلقصيري ويسير حزبيا منطقة الغرب. ثم الرفيق بنسعيد عزالدين الذي التحق بصفوف الحزب وهو شاب يافع في أواسط السبعينيات، واتخذ من منزل والدته بمدينة سيدي سليمان مقرا للحزب يقصده المناضلون والمواطنون قصد عقد اجتماع او لقاء أو استشارة حزبية؛ بل كان يستقبل حتى الطلبة الباحثين لجغرافيين من جامعة محمد الخامس خلال الثمانينيات قصد مساعدتهم لتحضير بحوثهم في الإجازة. فكان يأويهم بمنزل والدته، ويحسن إكرامهم خلال إجراء أبحاثهم. ومنهم من انخرط بالحزب لاحقا. ثم في مرحلة لاحقة، التحق الرفيق يحي مكتوب، الذي قدم من المغرب الشرقي (وجدة)، بمنطقة الغرب حيث كان مدرسا بسيدي سليمان وتحمل مسؤولية الحزب. وقد تحمل الرفاق الفلاحون والعمال الزراعيون بهذه المناطق مسؤولية تنظيمية كبيرة، خاصة عندما ترشح الرفيق إسماعيل العلوي وجابوا معه مختلف دواوير الدائرة التي ترشح فيها وفاز فيها في مطلع الثمانينات. ولذا لم تهدأ نفوس المناوئين لمشروع الحزب التقدمي والإنمائي، سواء بعض رموز السلطة المعارضة لسياسة وبرنامج الحزب، والتي كانت تضايقه سرا وعلانية؛ بل تعرض عدد من مناضليه للاعتقال والتعنيف الجسدي والرمزي دون جدوى؛ أو من كبار الملاكين الذين كانوا يرغبون في التحكم في رقاب الطبقات الكادحة وفي استغلالهم في الانتخابات الجماعية والتشريعية، ومحاولة استقطابهم عبر تنظيم الولائم وتوزيع الأوراق النقدية قصد التصويت لصالحم في الانتخابات الجماعية منذ 1976 والتشريعية منذ 1977 وكذا استفتاء سنة 1980 على بعض بنود الدستور. وقد قام الحزب بعمل نموذجي بعد فوز الرفيق إسماعيل العلوي بمقعد برلماني بمنطقة الغرب ممثلا عن دائرة بني احسن بالغرب. وأصبح الرفيق المناضل محمد الأعرابي مداوما في مقر الحزب بسيدي سليمان؛ يستقبل المواطنات والمواطنين وينقل شكاويهم إلى النائب إسماعيل العلوي، الذي يقوم بدوره بطرح الأسئلة الشفوية والكتابية المتوصل بها في مجلس النواب. وكان الرفاق في منطقة الغرب، يطلبون مسبقا نسخا من "جريدة البيان"، قصد بيعها النضالي يوم صدور مقال حول قضية معينة، تهم الفلاحين الفقراء أو العمال الزراعيين بشركات صوديا أو صوجيطا لضمان حقوقهم، أو لفضح المستغلين لهم في القطاع الخاص بضيعات كبار الملاكين الكبار، وللرفع من أجورهم وضمان حقوقهم الاجتماعية وتحسين ظروف عملهم. إن الجريدة كانت حقا وسيلة ناجعة لتحقيق مطالب الطبقات الكادحة، ووسيلة تنظيمية، وسلاحا معنويا ونضاليا للتعريف بنضالات الحزب. وإلى جانب هؤلاء الرفاق كان التنسيق مستمرا والزيارات الحزبية متعددة من القنيطرة ومنهم الرفيق محمد المصباحي الذي كان مسؤولا عن فرع القنيطرة، يستقبل في شقته، على صغرها، الرفاق فلاحي الغرب، ويصغي إلى مطالبهم وشكاويهم، ويقوم بتحرير مقالات بشأن قضاياهم، وإرسالها لجريدة البيان، وكذا مراسلة السلطات المعنية بالمواضيع. وسيعقبه الرفيق الأستاذ المرحوم محمد الطالبي النقابي بالاتحاد المغربي للشغل. وكذا الرفيق المناضل أحمد بطا عضو المجلس المركزي للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية والمسؤول الحزبي بفرع القنيطرة والكاتب الأول لفرع القنيطرة للشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية. ويمكن الإشارة إلى عشرات الرفاق ومن ضمنهم الرفيق العيادي وبريوك وغيرهم من الرفاق والرفيقات الذين لا يتسع المقال في هذه الشهادة لذكر كل الأسماء المناضلة في المنطقة التي كانت بحق، قلعة نضالية يفتخر بها الحزب. خلاصة أن نجاح الحزب في التجذر بمنطقة الغرب منذ أواسط القرن الماضي يرجع إلى إيمان الرفاق بمشروعهم المجتمعي، وعدالة قضيتهم في الدفاع عن الفلاحين الصغار والعمال الزراعيين وكافة الفئات المحرومة والمهمشة، في منطقة تعتبر من أغنى المناطق في المغرب؛ ولكن تعيش فيها نسبة هامة من الفقراء، نظرا للاختلالات الاجتماعية والمجالية، واستبداد السلطة آنذاك، وتحالفها مع كبار ملاكي الأراضي، لتزوير الانتخابات وتكريس الاستغلال. لقد كانت بعض أطراف السلطة المحلية من قياد وشيوخ ومقدمين تتعقب خطوات الرفاق النضالية لإجهاضها، عبر سياسة التخويف والتضييق على العمل السياسي. وقد تمثل ذلك مرارا في حالة الاستنفار التي تعلنها سرا وجهارا تلك السلطات المحلية، عند زيارة وفد حزبي من قيادي الحزب لدواوير وقرى ومدن المنطقة، ومحاولتها التعرف على مختلف الأنشطة والتحركات. ولكن الرفاق في هذه المنطقة كانت لهم مناعة سياسية، لم يستسلموا لتلك الممارسات اللادمقراطية، رغم ضعف مواردهم المالية وضيق عيشهم. وللتاريخ، فقد ترك رفاق قياديون بصماتهم النضالية في منطقة الغرب، ومنهم الرفاق عزيز بلال واسماعيل العلوي ومحمد مشارك، إضافة إلى الرفاق أبناء المنطقة الذين أصبحوا رموزا للحزب رغم بساطة موقعهم الاجتماعي والمالي، ومنهم المرحوم علي بنساسي الذي نترحم عليه في هذه المناسبة، كما نترحم على جميع الرفاق في الغرب ومنهم المرحومين عبدالسلام ولد الخادم والحاج ملوك. وندعو للرفاق الذين لازالوا على قيد الحياة بطول العمر. ولابد من التذكير بأن صمود الحزب استمر رغم القمع في سنوات السرية والقمع، بفضل تضحيات قيادته وقاعدته، كل حسب إمكانياته ومركزه. ففي فترة السرية، كانت معظم المؤتمرات الجهوية تعقد بمنزل الرفيق إسماعيل العلوي بمدينة سىلا (حي بطانة). وكان رفاقنا من خارج الرباط، ومنهم رفاق الغرب يوزعون على الرفاق القاطنين بسلاوالرباط الذين يتكلفون بنقلهم في سياراتهم الخاصة وإيوائهم في منازلهم خلال أيام المؤتمر، لأن الحزب كان محظورا ولا يتوفر على مقرات خاصة به. وفي غياب مقرات للحزب، كان الرفاق المسئولين عن النواحي يستقبلون رفاقهم في منازلهم. كما كانت سيارات الرفاق وهواتهفم في خدمة الحزب بدون حساب. ومع ذلك كان للسياسة طعم، وللنضال مغزي. لكون الرفاق والرفيقات الذين بنوا هذا الحزب، كانوا يحلمون بالمشروع المجتمعي وبالمستقبل الزاهر للكادحين والمقهورين ولكل الفئات المحرومة. وهذا هو سر نجاح الحزب. فهلا استرجعنا تلك القيم النبيلة الحزبية : قيم التضامن والتآزر، وتقديم المصلحة العامة على المصالح الشخصية، والإيمان عن حق بقضايا العدالة الاجتماعية والمجالية وحقوق الانسان، والتنمية البشرية المستدامة؟ هذه خارطة الطريق لحزبنا وهو يسعى للتجذر. بقلم: موسى كرزازي * *عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية ****** كلمة عائلة المرحوم بنساسي علي بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد المصطفى الكريم رفاقي الأعزاء وفد حزب التقدم والاشتراكية برئاسة الرفيق الحكيم مولاي اسماعيل العلوي، الرفاق الأعزاء أعضاء الديوان السياسي للحزب، الرفاق ممثلي فروع الحزب، أيها الحضور الكرام. أود في البداية أن أتقدم خلال هذا الحفل التآبيني تخليدا للذكرى الأربعينية لوفاة والدنا رحمه الله بالشكر الجزيل باسمي الخاص ونيابة عن جميع أفراد الأسرة والعائلة لحزب التقدم والاشتراكية على هذه الالتفاتة الطيبة تكريما منه لروح والدنا رحمة الله عليه وأشكر الرفاق الأعزاء على تكبدهم عناء السفر من مدينة الرباط للحضور معنا، كما أتقدم بالشكر الخاص للرفيق عبد السلام بوطالب الذي أبى إلا أن يضحي بوقته وجهده من أجل إخراج هذا الحفل التأبيني للوجود والشكر أيضا للرفيقين الأستاذ محمد شفيق رئيس جماعة دار بالعامري ومحمد الدياني على كل جهد بدلاه في تنظيم واستضافة الحفل وعلى الاستجابة الدائمة للوالد قيد حياته كما أتقدم بالشكر الجزيل للجميع على تلبية دعوة الحضور. أغتنم هذه الفرصة وقبل كلمتي التأبينية لأهنأ الرفاق الأفاضل محمد نبيل بنعبد الله، الحسين الوردي والرفيقة شرفات البدري أفيلال على تجديد الثقة المولوية التي حضوا بها ونتمنى لهم التوفيق والسداد في مهامهم الوزارية خدمة للوطن وتشريفا للحزب. قال الله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضيةً مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي" صدق الله العظيم (الفجر 27-30) وقال تعالي "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم وأولئك هم المهتدون" صدق الله العظيم. نعلم أن الموت حق، ونعلم أن لا راد لإرادة رب العالمين، فهذه سنة الله في خلقه، وإيماننا يفرض علينا الإيمان بما قاله سبحانه وتعالى، بسم الله الرحمن الرحيم: "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" آل عمران الآية 185. ولكن الفراق صعب، فقبل حوالي أربعين يوما فارقنا والدنا بنساسي علي من هذه الدنيا الفانية إلى الآخرة الدائمة، وقد كان لنا دوما السند، والمرشد، والناصح، والموجه أتذكر في هذه المناسبة نقاشاتنا في الموضوعات المُختلفة، وأدرك أنك كنت أبعد §منا نظرا، تعلمتَ من الحياة أكثر مما علمتنا المدارس والجامعات، تنصحنا ونجد أنك كنت ناصحا أمينا، تملك من خبرات الحياة ما لا يملكه كثيرون من حولك، ونذكر أنك كنت الملاذ إذا ما ادلهمت الخطوب، وبحث المرء عمن يجد لديه الرأي السديد، والنصح الصادق، فكان دوما موجودا لديك. لم يملك والدي الراحل يوما شهادة جامعية، لكنه اكتسب تكوينا عصاميا سياسيا باهرا من مساره النضالي الغني، ومن وفائه للمبادئ الحزبية حيث كان مناضلا تقدميا ووطنيا شريفا من خيرة ما أنجبت حركة اليسار طيلة عقود، التحق بصفوف الحزب الشيوعي المغربي سنة 1947 إلى جانب عدد قليل من المغاربة وبعد حل الحزب الشيوعي بدعوى تنافيه مع الدين الإسلامي، انضم إلى الحزب الجديد الذي حمل اسم "التحرر والاشتراكية" سنة 1969، الذي تغير اسمه سنة 1974 ليصبح "التقدم والاشتراكية" وطيلة مسيرته النضالية والسياسية الطويلة أبان عن عطاء وبذل وتضحية قل نظيره، نصرة لقضايا الوطن ودفاعا عن مصالح الشعب. فقد كان يرفض منطق الصفقات والمساومات وأنصاف الحلول وكانت البوصلة الوحيدة التي تقوده هي الانحياز الكلي والمطلق واللامشروط لأبناء شعبه المسحوقين ولحقًهم في الكرامة والحرية والسيادة. وقد كان ثابتا على الوفاء لقيم الحزب في تحديث المجتمع وتحريره من كافة أشكال التخلف والاستغلال والتبعية. وقف لعقود ضد التيًار في زمن المتاجرة بالمبادئ وفي زمن الرصاص والاعتقالات دون محاكمة. أعلى كلمة الحق بكل شجاعة ونكران للذات في زمن كان فيه النضال يساوي التعذيب والاعتقال، في زمن كان الحزب فيه محضورا وكانت خلاياه تعقد اجتماعاتها السرية برئاسة أعضاء من قيادته أبرزها الرفيق مولاي اسماعيل العلوي الذي كان له حضور دائم في منطقة الغرب، اجتماعات تعقد في المقابر على ضوء الشموع الخافت آو بتنظيم مناسبات وهمية ك"احماتشة" أو "عيساوة" أو ما يسمى ب"جيلالة" بمنزل أحد المناضلين كي يتمكن أعضاء الخلايا للتسلل وعقد الاجتماع بعيدا عن أعين السلطة التي كانت تترصدهم في كل مكان، وفي كثير من الآحيان كانت تعقد أيضا بمنزل مولاي اسماعيل العلوي بمدينة سلا حيث يحكي الوالد كيف كان الرفاق يتسللون لدخول المنزل بعيدا عن الاعين، وكيف تجاوزت علاقة الرفاقة بينهم كل الحدود لتصبح علاقة أخوة علاقة يتقاسمون فيها الاكل والشرب والمبيت والهموم. كما كان الرفيق مولاي اسماعيل العلوي وفي سرية تامة يقوم ليلا بتوصيل المناشير التوعوية لمنزل العائلة ليتكلف الوالد رحمه الله وأعضاء خليته بتوزيعها على كل الدواوير المجاورة لتصبح في الصباح الباكر منتشرة في كل الطرقات والأماكن العمومية وتستنفر السلطات أعوانها لمعرفة الفاعل وكان بعض أعوان السلطة آنذاك يعلم أن الوالد رحمه الله هو الفاعل لكن وطنيته كانت تجعله يتستر عليه وتقيد في كل مرة إما ضد مجهول أو ضد أحد الأعيان الذي باستطاعته إثبات براءته. بعد رفع الحضر عن الحزب وفي ظل التسمية الجديدة حزب التقدم والاشتراكية تم تكوين أول فرع له بمدينة سيدي سليمان حيث تولى الوالد مهمة كاتبه المحلي وتم فتح مقر له بحومة الجامع بالمدينة وبدآ النضال وتعبئة الجماهير الشعبية للانخراط في صفوف الحزب، كان الوالد يتمتع بقوة إقناع قل نظيرها حيث كان يستطيع تفسير مبادئ الحزب والمصطلحات اليسارية بلغته البسيطة للفلاحين والعمال وكل طبقات المجتمع لا يميز بين صغيرهم وكبيرهم أينما حل وارتحل مستغلا في ذلك منزل العائلة ودكانه لإصلاح العجلات بدوار الجديد الذي كان يعتبر المقر الثاني للحزب بالمدينة، كنت آنذاك أدرس بالاولى إعدادي وعمري لا يتجاوز السنة الثانية عشرة وكنت بمثابة الكاتب الخاص للوالد في عملية التعبئة حيث كنت أقرأ يوميا بدكان الوالد منشورات الحزب وجريدته البيان ليتكلف الوالد بالشرح والفسير لكل من زار دكانه من رفاق الحزب أو من الزبناء. كان الحزب حزب الاسرة كلها حيث يضم ضمن منخرطيه جميع أفراد الاسرة كبيرهم وصغيرهم مما جعل منطقة الغرب قلعة محصنة للحزب توجت بفوز الرفيق مولاي اسماعيل العلوي نائبا برلمانيا عن حزب التقدم والاشتاركية لدائرة بني احسن "الغرب" في تشريعيات 1984 وهو المقعد الثاني على الصعيد الوطني بعد مقعد الراحل علي يعته بالدار البيضاء. كان أبي من هؤلاء الناس الذين تصدق فيهم هذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى:"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً" الأحزاب:33/23 . أشهد بين يدي الله أنك لم تبدل تبديلاً. أبي الغالي، انتقلت إلى جوار ربك لتلتقي رفاق دربك في النضال: علي يعتة، عزيز بلال، عبد المجيد الدويب، شمعون ليفي واللائحة طويلة ومحليا الرفاق: العربي كراب، الخادم، البوهالي، لكويسي، بلفلاح، الفتوي ملوك، بن عباس وغيرهم، مازالت روحك الطاهرة النقيه تعيش في الوجدان المكسور والقلب المكلوم. وما زالت الدار كئيبه موحشة ومازلت حيا في قلوبنا نعيش مرارة الفراق وحرقة الشوق لرؤياك المستحيل، ذكراك ووجهك الحبيب الى قلبي ما زال في الوجدان، ولن أنسى الساعة الأخيرة قبل وفاتك وأنت تنتظرني قاومت الموت حتى أصل من سفري من مدينة أسفي وأجلس بجوارك وما زالت حرارة يديك تسري وتلامس وجودي وشعوري، ونظراتك البريئة من حولك، وكلماتك " الحمد لله " تدق مسمعي ومخيلتي. يا اكرم وأغلى وأنبل الرجال على قلوبنا ستبقى حيا فينا ما حيينا فقد دفناك في قلوبنا النابضة باسمك وحبك والدعاء لك ستبقى مصدر فخر واعتزاز لنا وللأسرة والعائلة جميعا ونحن نودع جسدك الطاهر وروحك ترفرف علينا وتظلنا يبقى مكانك في قلوبنا للأبد فأنت لم ولن تغيب عن عقولنا ولن تمضي من قلوبنا. كم نفتقدك يا أبي، يا صاحب القلب الكبير، فلا حب يعوض حبك، ولا قلب بوسع قلبك، ولا كلمة أبي تعوضها أي كلمة في الدنيا، والحمد لله على ما أصابنا، ونتوجه إلى الله تعالى بخالص الدعاء أن يرحمك بواسع رحمته ويسكنك فسيح جناته ….. فكل صباح تشرق فيه الشمس يتجدد حزننا على فقدك وفراقك يا أعز الرجال .. ونتواصل معك بالدعاء .. وبأن لا يحرمنا الله لقياك في جنة الفردوس عزاؤنا أنك تركت معينا لا ينضب من الحب، والود، والإخلاص، والوفاء، وعهدنا أن نكون كما أردتنا دوما، متحابين، متحدين، متعاونين، ونعاهدك أن لا نعمل إلا ما يرضيك وأن نسير على دربك، وستكون الوالدة الغالية في حدقات عيوننا، نرعاها كما رعيتمونا صغارا، وندعو الله لها بالصحة، وطول العمر، ونستمطر شآبيب الرحمة على روحك الطاهرة، وندعو لك بالجنة في سجودنا وقيامنا، رحمك الله رحمة واسعة، وجعل مثواك جنة الرضوان بإذن الله وفي الختام أجدد شكري للجميع باسم عائلتي وباسمي الشخصي ونرجو من العلي القدير أن لا يفجعكم بعزيز، وأن يمن عليكم بموفور الصحة والعيش الكريم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته