لمحات من الذاكرة السياسية لحزب التحرر والاشتراكية والتقدم والاشتراكية بسلا (1972-1990) السياق التاريخي والسياسي العام لهذا المقال لتوثيق محطات نضالية من حياة الحزب، أغتنم مناسبة الاحتفال بالذكري السبعينية (1943-2013)، لأنبش في ذاكرتي السياسية التي تغطي فترة تزيد عن أربعة عقود منذ انخراطي في حزب التحرر والاشتراكية وأنا طالب بجامعة محمد الخامس بالرباط، سنة 1970، لتوثيق بعض الأحداث الهامة التي عشتها شخصيا، مع رفيقات ورفاق أعزاء بمدينة سلاوالرباط، عاشوا نفس المحن والضغوطات من السلطات الرجعية في إطار نظام مستبد، وواجهوا مع ذلك، وفي ثبات وبتضحيات كبيرة، مخططات الرجعية والامبريالية والأوساط المحافظة، ليصل حزبهم إلى المستوى الذي أصبح عليه اليوم، كحزب مساهم في الشأن العام ومسير لشئون البلاد. وقد دفعني للكتابة في هذا الموضوع، حرصي الشديد على توثيق فترة هامة من حياة الحزب عبر معايشتي لعدة احداث بمدينة سلا كنت فاعلا فيها ومتفاعلا معها، باعتباري اشتغلت فترة ست سنوات (1972-1978) منذ تعييني كأستاذ للاجتماعيات في ثلاث من ثانوياتها التعليمية (النهضة، والأيوبي، والنجد)، وقطنت بالمدينة 13 سنة (1978-1991)، وفيها ترشحت باسم الحزب في الانتخابات المحلية سنة 1983 بحي البطانة، وفي انتخابات مجلس النواب بدائرة بطانة - حي االسلام سنة 1984 إلى جانب ترشيحات رفاقي فتحي لخضر، ولعلو عبدالحفيظ والسعيد سيحيدة لتغطية الداوائر الانتخابية التشريعية بمدينة سلا وأحوازها. كانت هذه الفترة تسمى زمن الرصاص (السبعينات والثمانينات) مليئة بالأحداث، قوية في النضالات والمواجهات مع النظام، وما كان يعقبها من اعتقالات ومضايقات. ومع ذلك، استطاع الحزب أن يفعل في الأحداث ويتفاعل معها، ويواكب معظم المعارك العمالية والسياسية التي شهدتها البلاد وطنيا، وبمدينة سلا محليا، ومنها معارك تعديل الدستور لسنة 1980 ومعارك الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين يونيه 1981 التي دفع الحزب عنها ضريبة النضال، لمساندته الكادحين من خلال الاعتقالات في الكوميساريات والمحاكمات الصورية على الصعيد الوطني، ومنها رفاقنا بمدينة سلاومكناسوالرباطووجدة وأزرو(1)، وكذا تأطير الطبقة العاملة المغربية لانتزاع حقوقها في إطار الاتحاد المغربي للشغل (نضالات معمل موكاري بسلا) . وسأكتفي في هذا المقال الوقوف على محطات أساسية من حياة الحزب بتقديم تجربتين فريدتين جديرتين بالتوثيق خلال السبعينيات: الأولى تهم العمل السري لرفاقنا التلاميذ بثانوية النهضة بسلا 1972-1974؛ والثانية تجربة رفاقنا في "جمعية المعرفة لمحاربة الأمية" في مطلع السبعينيات حينما كان "حزب التحرر والاشتراكية" محظورا. والمحطة الثالثة توثيق بعض النضالات إلتى خاضها الحزب، وفي مقدمتها معارك هامة إلى جانب الطبقة العاملة وأدى عليها ضريبة النضال والوفاء لمبادئه ومشروعه المجتمعي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبالتركيز على موقفه المتفرد من تعديل الدستور لسنة 1980، ومشاركته في أحداث يونيه 1981، بمناهضته في الشوارع، الزيادة في أسعار المود الغذائية، وتداعياتها على الحزب. أولا: تجربة نضالية فريدة لخلية التلاميذ بمدينة سلا بثانوية النهضة. بنية صلبة بالحزب المحظور ومن روافد الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية. في هذا الإطار وفي مرحلة التأسيس لتنظيم خلوي جديد بسلا، على غرار عدد من الأطر الحزبية المهتمة بالتلاميذ، قمنا بمعية الرفيق علي كرزازي بخلق خلية للتلاميذ جد حيوية بمدرسة النهضة بسلا. وتتبعنا عن كتب تكوينها ايديولوجيا وسياسيا بشكل مكثف ومعمق، في إطار ناحية الرباط بمعية الرفيق المناضل حسن لمباركي. وقد جري تنظيم أولى الحلقات التكوينية السياسية والايديولوجية بمنزلنا بحي أكدال، في غياب أي مقر لحزب التحرر والاشتراكية المحظور. وتحضرني أسماء من الرفاق التلاميذ المناضلين زمن السرية آنذاك (1972-1974)، وأعمارهم كانت وقت انخراطهم بحزب التحرر والاشتراكية المحظور، تقل عن 17 سنة، في مقدمتهم السعيد سيحيدة وعبدالعزيز مازوز ومحمد ولد حيدة وناجم موسى. واعتبرت السنة الجامعية 1972-1973 سنة بيضاء بجامعة محمد الخامس، نظرا للإضرابات الطلابية المتكررة، والتوترات في الجامعة بين الطلبة والمخزن، والقمع المسلط على الحركة الطلابية، وصعود اليسار المتطرف ليقود الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وخروج عدد من اليساريين من الحزب منذ سنة 1970 مما أضعف التنظيم الحزبي والطلابي. هؤلاء الرفاق التلاميذ بثانوية النهضة بسلا الذين انخرطوا عن اقتناع في صفوف حزب محظور رغم صغر سنهم، كانوا يتميزون بانضباط قل نظيره؛ بحيث كانوا يتطوعون لبيع جريدة "البيان" منذ صدورها سنة 1972، و"مجلة المبادئ" التي كان يسهر على نشرها بالدارالبيضاء الرفيق عبدالسلام بورقية، ويوزعون منشورات وبلاغات الحزب الموقعة باسم علي يعته، ويعبرون شوارع سلاوالرباط ليصلوا إلى حي أكدال بدون كلل ولا خوف، لحضور حلقات التكوين السياسي والأيديولوجي كل يوم سبت غالبا. كما أنهم كانوا يشاركون في تظاهرات فاتح ماي كل عام منذ سنة 1973 ، في إطار الاستعراضات العمالية التي كان ينظمها الاتحاد المغربي للشغل بالرباط. وخلال هذا اليوم العمالي بامتياز، كانوا يقومون بالبيع النضالي للعدد الخاص من جريدة "البيان"، لمشاركة الطبقة العاملة أفراحها ونضالاتها، وهو تقليد نضالي كان معمما على الصعيد الوطني وحتى في مدينة باريسبفرنسا، يساهم فيه الرفاق والرفيقات، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية ووظائفهم، من تلاميذ وطلبة وأساتذة جامعيين، وأطر عليا، ومن موظفين وعمال... وكان الرفيق مازوز وسيحيدة يحملان اللافتة المطلبية يوم فاتح ماي في استعراض فاتح ماي رغم فتوتهما، إلى جانب النقابيين الكهول المتمرسين. وأتذكر لحظة نضالية ظلت شاخصة في ذهني، عندما منع البوليس رفيقنا محمد ولدحيدة من الالتحاق باستعراض فاتح ماي لسنة 1973 لصغر سنه. وفي جرأة شبابية قام بمحاولاته متكررة لينضم للتظاهرة وليلتحق برفاقه. ولكوني كنت في نفس الوقت أستاذا لهم بمؤسسة النهضة بسلا وأحد الرفاق المؤطرين لهم سياسيا وأيديولوجيا، كنت أعطف عليهم وأشعر بالخوف عليهم من شراسة النظام المستبد آنذاك، وأخشى من اعتقال أحدهم، وهم لا زالوا تلاميذ بالثانوي ومراهقين متحمسين للعمل السياسي الحزبي. وقد قامت هذه الخلية التلاميذية بأنشطة سرية هامة بمدينة سلاوالرباط، وداخل وخارج المؤسسة المذكورة، بالرغم من وجود تيار يساري متطرف وكذا بعض الاتحاديين (من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية). وأكثر من ذلك، السياج المضروب على تحركات الرفاق من طرف مدير المدرسة "المرحوم أبو بكر القادري" الذي لم يكن ينظر بعين الرضى لهذه التحركات الشبابية "الشيوعية". وأبدا استياءه من تواجدي كأستاذ ورفيق في مؤسسة النهضة، حيث افصح عن تذمره مني، أمام أحد الزملاء الأساتذة الذين عينوا معي في نفس المؤسسة سنة 1972، خاصة لما سأله عن التيار الذي انتمي إليه، وأكد له الأستاذ، توجهي الاشتراكي "الماركسي". وكان هذا الأستاذ يعرف انتمائي من خلال اطلاعه على لائحة مرشحي الحزب، حين ترشحنا في الجامعة في إطار انتخاب تعاضدية "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" بكلية الآداب بالرباط، تحت يافطة: "أنصار التحرر والاشتراكية" مطلع سبعينيات القرن الماضي. فتساءل مدير مدرسة النهضة: هذا خطير؟ إذن سيدخل لنا هذا الاستاذ، مبادئ الشيوعية لمدرسة النهضة". وفعلا، فإن تخوفه كان في محله، بحيث، في ظرف أقل من سنة استطعنا تكوين خلية جد نشيطة ومكونة سياسيا وأيديولوجيا، وتعمل بعمق في الميدان، حيث توسعت ليبلغ عدد أعضائها 10 مناضلين. ولعبت معظم عناصرها دورا أساسيا في حياة الحزب، في زمن الرصاص، وعلى مستوى الشبيبة والعمل الجمعوي والنادي السينمائي بتابريكت بمساندة وتأطير الرفيق محمد الشيكر الذي كان آنذاك أستاذا بإحدى إعداديات الفتيات بالمدينة القديمة. وقد زاد قلق السيد مدير مؤسسة النهضة لما تأكد من ارتفاع وتيرة العمل وبحيوية متزايدة لنشاط خلية التلاميذ عبر تتبعه للبيع النضالي ل"جريدة البيان"، والتضامن مع النضال الفلسطيني عبر البيع النضالي لمجلة "الحرية" الصادرة ببيروت عن "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" التي كان يتزعمها الرفيق نايف حواتمة، حيث كان يتم بيعها النضالي من طرف الرفاق في إطار التضامن مع الفصائل الثورية الفلسطينية، بتنسيق مع المناضل المرحوم ابراهيم ابو دقة، ممثل الجبهة وأستاذ اللغة العربية بالمدرسة المذكورة بمدينة سلا، في تنسيق مع ناحية الرباط في شخص الرفيق عزيز بلال. كما كان يتابع بقلق أيضا أنشطتنا النقابية المكثفة بالمؤسسة بمعية الأستاذ المعدني المنتمي سياسيا للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وتوزيعنا لمنشورات "النقابة الوطنية للتعليم الثانوي" التابعة للاتحاد المغربي للشغل، وتعليق النداءات العمالية بقاعة الأساتذة دون علمه. ولكون السيد القادري كان من أبرز زعماء حزب الاستقلال ومركزيته "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب"، كان يراقب تحركاتنا عبر استخدام حراس المدرسة الذين كانوا يخبرونه بكل تحركاتنا وأنشطتنا، والتي كانت تزعجه. ومما زاد في حدة التوتر بيني وبين السيد مدير المؤسسة، إضافة إلى انتمائي لحزب التحرر والاشتراكية المحظور، هو عملنا التطوعي عبر تنظيم أنشطة موازية بالمؤسسة؛ وهي عبارة عن عروض تكوينية تختار مواضيعها من طرف تلاميذ المؤسسة، ومنظمة بالقسم تحت إشرافنا خارج استعمال الزمن، زوال كل يوم الجمعة الذي تتوقف فيه الدراسة. وللتأكد من محتوى هذه الأنشطة الموازية، حضر المرحوم القادري بنفسه ذات يوم لأحد العروض الذي قدمته إحدى التلميذات المتعاطفة مع أفكار اليسار المتطرف (إلى الأمام)؛ وتأكد آنذاك، من توجه الأنشطة التقدمي والثوري وحتى اليساري المتطرف. فاستدعاني إلى مكتبه، وحذرني بطريقة دبلوماسية، طالبا مني الكف عن القيام بأنشطة سياسية بثانوية النهضة. ولما يئس من العتاب، قرر إبعادي كأستاذ في المؤسسة، عبر طلب انتقالي من ثانوية النهضة بعد أول عام من التدريس 1972-1973 إلى إعدادية الأيوبي المجاورة، خارج أسوارالمدينة القديمة بسلا. ولما جاء قرار انتقالي، علق المرحوم ابو بكر القادري قائلا: جاء الانتقال لمن لم يطلبه (2)؛. وأضاف قائلا: لم يتحقق انتقال الأساتذة الذين طلبوا الانتقال ولم تلبى رغباتهم ؛ وهو ما يعني بأن السيد المدير راض عنهم تربويا وغير منزعج منهم أيديولوجيا وسياسيا. وربما كان المرحوم القادري يعتبر بأن تسرب الفكر الاشتراكي "الماركسي" آنذاك، خطا أحمر، ونشاطا خطيرا وجب منعه، في مدرسة تعتبر بالنسبة إليه، قلعة إستقلالية محافظة. ويمكن القول بأن نشاط هذه الخلية التلاميذية كان أكبر من حجمها العددي، من حيث الانضباط والفعالية والنجاعة في التحركات النضالية بمدينة سلا. لأنها كانت تجسد التنظيم الأول في فترة الحظر المتسلط على حزب التحرر والاشتراكية. وسيمثل خلية التلاميذ هذه، الرفيق مازوز عبدالعزيز كمندوب في المؤتمر الوطني الأول لحزب التقدم والاشتراكية المنعقد بالدارالبيضاء سنة 1975. ومثل أيضا هذه الخلية كمتطوع في المسيرة الخضراء التي انطلقت يوم 6 نونبر 1975 حيث كان مؤطرا في مجموعة الرفيق محمد مشارك. ولا بد من توضيح أن غياب أي تنظيم رسمي سابق بالمدينة قبل سنة 1972، لا ينفي تواجد بعض الرفاق من القيادة الوطنية الذين كانوا يقطنون أو يشتغلون بمدينة سلا، كالرفيق إسماعيل العلوي والطيب الشكيلي أو نقابيين بالاتحاد المغربي للشغل كالرفيق السككي أحمد السبيطي والمرحوم أحمد المرزوقي. وبعد تأسيس هذه الخلية كأول تنظيم حزبي للتحرر والاشتراكية بالمدينة سنة 1972-1973، سيتم تنظيم الحزب علانية بعد أن أصبح الحزب بتمتع بالقانونية في إسم جديد "حزب التقدم والاشتراكية" ابتداء من في شهر غشت سنة 1974. وسيكون أول كاتب أول لفرع سلا للحزب هو الرفيق محمد أنشوم. وسيلتحق عدد من الرفاق بالفرع المحلي التابع تنظيميا لناحية الرباط، وبأول مقر حزبي اكتري في إسم الرفيق المذكور بتابريكت سنة 1976. وسيعقبه لمدة 19 سنة كثاني كاتب أول لفرع سلا الرفيق عبدالحفيظ ولعلو بعد رجوعه من فرنسا (من 1977 إلى 1993). وسيتحمل المسؤولية التنظيمية والسياسية في هذه الفترة العصيبة، إلى جانب رفاق آمنوا بالتغيير وضحوا بالنفس والنفيس لتحقيق المشروع المجتمعي. ولذا، والحزب يخلد الذكرى السبعينية لتأسيسه، لابد من الوقوف وقفة تأملية وتقديم شهادة نضالية في حق المناضلين والمناضلات المؤسسين لحزب التحرر والاشتراكية ثم التقدم والاشتراكية بسلا، قبل 40 سنة خلت. ويدخل هذا في إطار ثقافة الاعتراف الرفاقي بهؤلاء وبأسرهم وعائلاتهم وفي مقدمتهم أسرة مازوز، التي وضعت منزلها بالمدينة القديمة (حي الملاح الجديد) باب لمريسة، مقرا لاجتماعات الرفاق، ومنهم التلاميذ في عهد السرية وخلال العمل العلني في السبعينات والثمانينات. ونذكر بهذه المناسبة ايضا على سبيل المثال التضحيات الكبيرة في زمن الرصاص لعدد من العائلات المناضلة في الصفوف الأولى التي عاشرتها خلال السبعينات والثمانينات(3)، إضافة إلى خلايا كانت نشيطة وفي مقدمتها خلية مستشفى الرازي من ممرضين وأطباء التي كانت تشتغل في مجالها بعد تأسيسي حزب التقدم والاشتراكية، والتي كان يشرف عليها رفيقنا الطيب الشكيلي، إضافة إلى أعضاء الخلايا الأخرى بالمدينة القديمة وحي تابريكت وحي السلام، ورفيقات طالبات وتلميذات ورفاق من قطاعات أخرى(4)... كل ذلك كان يتم في أيام الشدة وزمن الرصاص، ولذلك عوقب الرفيق الشكيلي بإسقاطه كمستشار فائز في الانتخابات المحلية بسلا سنة 1976 ليبتعد عن الحزب. وللتاريخ، فقد التحق بهؤلاء الرفاق لتعزيز صفوف الحزب خلال الثمانينيات والتسعينات رفيقات ورفاق آخرون، منهم من قطن بسلا لفترة من الزمن، ومنهم من عادوا من فرنسا، ورفاق آخرون استمروا في رفع مشعل الحزب وغيرهم، لا يسع المقال لذكر كل اسمائهم(5). وفي هذه المناسبة، لابد من التذكير بالخدمات الجليلة التي قدمها رفيقنا إسماعيل العلوي القيادي الوطني في الحزب، وتضحيات عائلته الصغيرة، سواء في فترة التحرر والاشتراكية أو التقدم والاشتراكية، حيث كان منزله دوما مفتوحا للرفيقات والرفاق في كل مؤتمرات الناحية لحزب التقدم والاشتراكية، تقصده وفود الحزب من الرباطوسلا والغرب. كما كان مرشحا في الانتخابات البرلمانية بسلا سنة 1977. ولابد من الإشارة إلى عدد من الرفيقات والرفاق الذين اشتغلوا في المنظمات الموازية للحزب، فأطروا فرع الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية(6). كما يجب التذكير بعمل الرفيقات اللواتي كن من المؤسسات الحزبيات والنشيطات "للجمعية الديموقراطية لنساء المغرب" التي أسسها ورعاها الحزب، ومنهن الرفيقة أمينة لمريني والرفيقة قادة رابحة زوجة الرفيق فتحي، أو اشتغلن كمدرسات متطوعات في إطار محو الأمية بالجمعية المذكورة (نجاة الكرزازي...) ثانيا: تجربة غنية لرفاقنا ب"جمعية المعرفة لمحاربة الأمية" بالرباطوسلا كرافد من روافد حزب التقدم والاشتراكية وشبيبة التقدم والاشتراكية هذه الجمعية الثقافية المهمة "جمعية المعرفة لمحاربة الأمية" كانت رافدا أساسيا من روافد التنظيم الشبابي الجديد، والتي كان يرأسها ويدعمها الرفيق المهدي بنشقرون، ويشتغل بمكتبها التنفيذي معظم الأطر الحزبية خلال فترة العمل السري الحزبي إلى حين منعها سنة 1977. وبالنسبة لتأطير مراكز محاربة الأمية بمدراس تابريكت وباب الخميس بمدينة سلا، كان يشرف على العمل رفاق سلا(7). وكانت المناضلة لطيفة اجبابدي، الطالبة بالجامعة آنذاك، من المدرسات المتطوعات المواظبات على محاربة الأمية بهذه الجمعية إلى جانب المرحوم الدكتور الزاوي علي، وأخته الزاوي زهرة، والرفيقة العمراني مريم، إضافة إلى رفيقات ورفاق من أحياء يعقوب المنصور والعكاري والتقدم وحي المحيط لأنهم كانوا يؤمنون بالعمل الجمعوي الجدي. ويمكن التأكيد بأن الجمعية، في ظل الحظر المسلط على حزب التحرر والاشتراكية، كانت متنفسا للعمل الجماهيري بطريق غير مباشر لفائدته، كما اعتبرت رافدا غير مباشر لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط بعد تأسيسه سنة 1974، ورافدا أساسيا كذلك لمنظمة الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، التي أسسها الحزب في 18 يناير 1976، وكذا "منظمة الطلائع أطفال المغرب عزيز بلال" التي أسست سنة 1984. كنا في احتكاك مع التنظيم الشبابي الجديد باعتبارنا أعضاء نشيطين في "جمعية المعرفة لمحاربة الأمية" بالرباطوسلا. فبهذه الجمعية كنت مسؤولا عن لجنة الرحلات. ونقلنا بمعية رفاق لنا في الجمعية، تجربتنا في تنظيم الرحلات واستثمار العلاقات التي ربطناها في إطار هذه الجمعية، لاحقا، إلى منظمة "شبيبة حزب التقدم والاشتراكية" و"الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية" منذ 1976، منها تنظيم رحلات ناجحة للشمال والأطلس المتوسط والكبير ومدن كمراكش والجديدة، وزيارة مشاريع تنموية كمعمل السكر بسيدي بنور وسد أيت عادل، بل كذلك خرجات اصطياف وترفيه للشباب إلى شواطئ الرباطوسلا والهرهورة. وكان للجمعية إشعاع قوي لمحاربة الأمية بالعدوتين الرباط- سلا. فاستفاد الحزب بطريق غير مباشر من مردودية الرفيقات والرفاق العاملين بها، لجديتهم وتفانيهم في تعليم الكبار القراءة والكتابة والحساب، بحيث تخرج عدد من أفواج المستفيدين من محاربة الأمية بحصولهم على الشهادة الابتدائية. بل أقرض بعضهم الزجل، وسال دمع الرفيق فتحي لخضر، أحد أعمدة هذه الجمعية، خلال حفل اقيم بمقر الجمعية الكائن بزنقة لندن (قرب الكنيسة) حي المحيط بالرباط، عندما كان يستمع إلى أحدهم وهو يثني على عمل الجمعية وأطرها التي اخرجتهم من ظلمات الجهل (لأنهم كانوا عميا لايبصرون) إلى النور (المعرفة). أمام هذا الفوز المبين للقوى التقدمية، لم يهدأ بال الرجعية المحلية التي وقفت بالمرصاد لعمل الجمعية بغرض إقبار هذه التجربة الفريدة في العاصمة وسلا. وهو ما أدى بها إلى التآمر مع بعض أفراد السلطات المحلية، وإغلاق المدارس التي كانت قد وضعتها وزارة التربية الوطنية رهن إشارة الجمعية ليلا لتشتغل فيها، وعددها ست مؤسسات تعليمية بالرباط (يعقوب المنصور، العكاري، التقدم) وبسلا (مدرستين بباب لمريسة وتابريكت)، وذلك بإيعاز من أحد أعيان المدينة المرشحين للانتخابات التشريعية بدائرة الرباط- حي المحيط لسنة 1977 ويدعى " عبدالكامل الرغاي". فقد أنزعج هذا المرشح لعدم استجابة مسيري الجمعية لطلبه فتح مقر الجمعية لمعاونيه من أجل خوض حملته الانتخابية التشريعية لسنة 1977 بحي المحيط، في أحضان مقر الجمعية ضمن دائرة ترشحيه بالرباط، ومنهن الرفيقة خديجة الجمالي التي تصدت لفريق حملته. علما بأن رفاقنا كانوا يشكلون أغلبية أعضاء مكتب هذه الجمعية، ومع ذلك لم يستعملوا مقرها في الحملة الانتخابية، احتراما لمبدأ احترام العمل الجمعوي، بعدم استغلال مقر الجمعية لأغراض حزبية. ثالثا: أهم المعارك التي خاضها المناضلون بمدينة سلا والضرائب التي أداها الحزب. نماذج من سنوات الرصاص 1980 و1981 و1982 دفع الحزب ضريبة النضال في عدة أحداث ومعارك خاضها الحزب ولم ترق النظام آنذاك، مما سلط أعوانه لمعاقبة المناضلين في عدة مدن وقرى على مواقفهم المبدئية وتحركاتهم المساندة للكادحين والطبقة العالمة والفلاحين الفقراء. ونورد في هذه النقطة ثلاث محطات كنماذج فقط، نذكر منها على سبيل المثال: معركة التصويت ب "لآ" على تعديل الدستور سنة 1980، ومعركة مجابهة الزيادة في اسعار المواد الغذائية الأساسية التي تضعف القوة الشرائية للمواطنات والمواطنين في أحداث يونيه 1981 ، إضافة إلى بعض المواقف التضامنية مع الطبقة العاملة المغربية بسلا والشعب الفلسطينى والشعب اللبناني سنة 1982. اقترح النظام تنظيم استفتاء على تعديل الدستور سنة 1980، الغرض منه تخفيض سن الرشد لولي العهد ليتولى الملك في سن 16 سنة. وكانت الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية تطالب منذ تأسيسها سنة 1976 تخفيض سن المشاركة في التصويت إلى 18 سنة وسن الترشيح في الانتخابات إلى 21 سنة. ونظمت في هذا الإطار حملة توقيعات شملت جل مدن وقرى المغرب، بما فيها مدينة سلاوالرباط. ولم يلبى هذا المطلب إلا بعد مرور عدة عقود، وبعد نضالات مريرة للشبيبة المغربية. ولذا عارض الحزب هذا التعديل لعدة اعتبارات سياسية وموضوعية، ومنها غموض مكونات مجلس الوصاية. وللتاريخ، فقد كان الحزب الوحيد الذي قرر التصويت ب: "لا" المعبر عنها بالورقة الزرقاء. وكان تأويل بعض اعوان النظام لهذا لموقف مجانبا للصواب، إذ اعتبروه معاديا للملكية، مما أدى بالحزب إلى تأدية ضريبة ثقيلة عن هذا الموقف سنة 1980. بالتأكيد كان هذا الموقف ذا حساسية كبيرة، لأنه الحزب الوحيد الذي كانت له الشجاعة السياسية باختياره الورقة الزرقاء(8). فتم اعتقال عدد من الرفاق في عدة مدن، ومنها مدينة سلا التي اعتقل فيها الرفيقان موسى كرزازي وبنا أحمد، بحيث قضيا ليلة في دهاليز الكومساريا الكبرى بسلا، على أرضية مبلطة بالإسمنت بدون حتى حصير يقي القابعين بها من البرد. وكان ذلك في أعقاب تنظيم الاستفتاء على الدستور سنة 1980. فقد تم اعتقالنا عندما كنا نقوم بحملة نظيفة ضد الاستفتاء، بحيث تم استفزازنا أمام باب مقاطعة المدينة القديمة، باعتبارنا- حسب زعم بعض رجال الأمن – تجرأنا على المرور أمام المقاطعة، التي عبر عنها أحد ضباط الأمن وهو يوجه توبيخا لنا قائلا: الم تدركا بأنكما تمران أمام فم الأسد "فم السبع" حسب تعبيره، أي باب المقاطعة. وقد حصلت مشادة بيني وبين هذا الشخص الذي كان في زي مدني، ولم أكن أعلم بأنه ضابط شرطة سري، إلا فيما بعد. بينما ألقي القبض على الرفيق بنا احمد وسيق إلى مقر المقاطعة بالمدينة القديمة المجاورة، حيث انهال عليه أعوان السلطة بالركل والرفس والضرب بدون رحمة، وهو آنذاك مهندس دولة وموظف متصرف. وكان نفس المصير ينتظرني وأنا آنذاك أشتغل أستاذا للاجتماعيات بثانوية دار السلام بالتقدم بالرباط وأقطن بسلا، لولا المشادة التي حدثت بيني وبين الضابط المذكور، مما عطل وصولي إلى المقاطعة أولا، وثانيا، بفضل يقظة رفاق فرع سلا الذين اتصلوا في الحين، وقت إلقاء القبض علينا، بالرفيق ولعلو عبدالحفيظ الكاتب الأول لفرع الحزب، بمنزله بسلا، والذي حضر على التو إلى المقاطعة المذكورة، وتدخل كعادته محتجا في جرأته المعهودة على اعتقالنا. فتم تخليصنا من مخالب السلطة، وتحرير الرفيق بنا أحمد، بإخراجه من المقاطعة. ونقلنا إلى مخفر الشرطة (كومسارية سلا بباب الخميس) كضريبة دفعها الحزب على موقفه من الاستفتاء المذكور. ومن حسن الحظ أنه أفرج عنا، بدون متابعة قضائية. ضريبة المعركة التي خاضها الحزب بسلا ضد ارتفاع أسعارالرغيف والزبدة 7 يونيه 1981 قام النظام المغربي، في إطار الخضوع لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، بالزيادة في أسعار المواد الغذائية الأكثر استهلاكا من طرف الكادحين، ومنها رغيف الخبز، والزبدة في يونيه 1981. ولذا أصدر الديوان السياسي للحزب بلاغا نشر في افتتاحية جريدة "البيان" يوم الأحد 7 يونيه 1981، يندد بهذه الزيادة التعسفية في الأسعار، ويطالب الحكومة بتقديم استقالتها فورا. وقد توصل فرع سلا التابع لناحية الرباط، برزمة من البلاغ قصد توزيعه، وكذا برزمة من جريدة البيان من أجل البيع النضالي. وباعتبارنا مسؤولين في مكتب ولجنة الفرع المحلي للحزب بسلا التابع لناحية بالرباط، امتثلنا كمناضلين، وخرجنا إلى الشارع لتوزيع البلاغ والبيع النضالي بالمدينة القديمة سلا في ذلك اليوم. وكان كل الرفاق مجندين ومعبئين للخروج الى الشارع، اللهم بعض الرفاق الذين كانوا خارج سلا والذين لم يتمكنوا من الحضور لأسباب شخصية أو مهمة مرتبطة بمنظمة الطلائع. وكان التوتر والضغط الاجتماعي قويا ضد هذه الزيادة التي تضرب في العمق القوة الشرائية للمواطنات والمواطنين. وقد ظهرت احتجاجات قوية في المغرب الشرقي حيث خرج المواطنون والمواطنات في عدة مظاهرات بوجدة وبركان ثم بمدينتي مكناسوسلا، قبل ان تندلع انتفاضة قوية بالدارالبيضاء قادتها مركزية الكنفدرالية الديمقراطية للشغل يوم 21 يونيه 1981 وما رافقها من حرائق واصطدامات خطيرة مع رجال الأمن، وقمع همجي للمتظاهرين من لدن قوات الأمن والقوات المساعدة، بل حتى الجيش لإخماد الانتفاضة. مما اضطر معه المرحوم الملك الحسن الثاني إلى التوجه بخطاب إلى الشعب، يخبره فيه بالتراجع عن هذه الزيادة لتهدئة الوضع المتفجر. في أحداث يونيه 1981 دفع الحزب ايضا ضريبة أخرى باعتقال عدد من الرفاق في مكناسووجدة ثم بالدارالبيضاء ومدن أخرى. وفي مدينة سلا تم اعتقالنا ( الرفيقان لخضر فتحي وموسى كرزازي) وتم اقتيادنا إلى دهاليز الشرطة حيث قضينا يومين وليلتين في كومسارية سلا بباب الخميس يومي 6 و7 يونيه 1981. وكنا نعرف مسبقا قبل خروجنا للاحتجاج بأن الظرف خطير، بل من العجيب أننا ونحن في دهليز كومسارية سلا نتجاذب أطراف الحديث مع الرفيق فتحي، اخبرته بأن زوجتي أنذرتني قبل أن أخرج من المنزل قائلة: " اليوم سيعتقلونكم لامحالة"، وأخبرني الرفيق فتحي بأن زوجته قالت له نفس الشئ. وفي الحقيقة، كان يدور في قرارة أنفسنا احتمال شبه مؤكد لاعتقالنا. لأن الوضع كان محتقنا، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية كانت خطيرة. وفعلا تم اعتقالنا. ولكن، بفضل تعبئة الحزب وطنيا بنشر أسماء المعتقلين في افتتاحية البيان بما فيها اسمينا، وبلاغات التنديد بالاعتقالات على إثر الزيادة في الأسعار، وتدخل الرفاق في الديوان السياسي في مقدمتهم الرفيق محمد مشارك، ورفاقنا في مكتب سلا (الرفيق ولعلو ومازوز والسيحيدة) الذين زارونا في الكومساريا، بل ظلوا على اتصال دائم بنا، إلى حين إطلاق سراحنا مؤقتا بعد قضاء 48 ساعة في دهليز كوميسارية سلا، على أرضية الإسمنت البارد، وفي ظروف سيئة يختلط فيها مجرم الحق العام بالمعتقل السياسي، في دهليز واحد؛ حيث كنا نشم رائحة البول الكريهة المنبعثة من المرحاض المجاور لنا، ونحن ننتمي إلى فئة الأطر العليا(9) في ضيافة كومسارية سلا، فأحرى بالمواطن العادي الذي ألقي عليه القبض في تلك الظروف. ولكن، ما كان يثلج صدرنا ويحمسنا هو تحركات حزبنا وطنيا ومحليا، للدفاع عنا. وفعلا، تم إخراجنا من دهليز الكومسارية للمثول أمام وكيل الملك للتحقيق بسلا، والذي قرر الإفراج عنا في إطار سراح مؤقت، قبل إعداده الملف على أساس ظهير 35 المشؤوم لتلفيق تهم ضدنا. وقد تم استدعاؤنا لاحقا، للمحاكمة بالمحكمة الابتدائية بسلا ، بتهمة التحريض على الفوضى في الشارع العام والإخلال بالنظام. وللتذكير فقد تم اعتقالنا بسوق الغزل بمدينة سلا، حيث كنا نقوم كرفاق بعملنا النضالي والسياسي العادي. لكن نائب وكيل الملك استند على الظهير المشؤوم 35 الذي ينص على "كل ما من شأنه أن يخل بالنظام العام..." تنكيلا بمناضلي الحزب. وللتذكير، فقد شرع هذا الظهير في عهد الاستعمار، لتسهيل اعتقال المقاومين والمناضلين. واستمر العمل به حتى بعد الاستقلال، للتضييق على عمل الأحزاب التقدمية والثورية. وقد دامت جلسة محاكمتنا مدة ساعة ونصف بالمحكمة الابتدائية بسلا، رافع خلالها دفاعا عنا على التوالي: ثلاثة محامين انتدبهم الحزب، هم الأساتذة: النقيب عبدالعزيز بنزكور وخالد الناصري والأستاذ الشتوكي المنتدب من قبل المنظمة الوطنية لحقوق الانسان. وحكم علينا (الرفيق فتحي وكرزازي) بشهر سجنا موقوف التنفيذ، و500 درهم كغرامة، حيث طبقت ظروف التخفيف علينا، لأننا اعتقلنا قبل الأنتفاضة الكبرى والعارمة والقوية التي حدثت بالدارالبيضاء يوم 21 يونيه 1981. فبعد أن هدأت الأوضاع بالدارالبيضاء، استفدنا من ظروف التخفيف، إذ تحولت التهمة من "كل ما من شأنه أن يهدد الأمن العام ...وفق ظهير 35 المشؤوم" إلى تهمة "البيع لجريدة البيان بدون ترخيص". وقد تم الاستئناف، ومثلنا مرة أخرى بمحكمة الاستئناف بالرباط لاحقا .،حيث رافع عنا دفاعا عنا، باسم الحزب الرفيق المحامي أنيق، طالبا البراءة التامة لنا في الملف المعروض على المحكمة. ولكن المحكمة احتفظت بنفس الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بسلا. وهنا أود أن أذكر ببعض صور التضامن معنا على عدة مستويات : منها أن مكتب الفرع بسلا والناحية للحزب كان على اتصال بنا عبر زيارته لنا وتتبعه للملف. وأود أن أعتز بالموقف التضامني لصديقي الأستاذ محمد جمال الدين، الذي حضر جلسة المحاكمة بسلا، وطمأنني قبل انطلاق المرافعات، على التكفل بأسرتي في حال ما إذا ما أصدرت المحكمة حكما بالسجن في حقي، وهو موقف لن لأنساه أبدا. ومن جانب لآخر، عبر الرفيق عبدالعزيز بنزكور عن استغرابه، لكون محضر الضابطة القضائية المحرر ضدنا بسلا، والذي قدم للقضاة لم يكن موقعا من طرفنا. ومع ذلك لم يجبرنا البوليس، كما هي عادتهم في مثل هذه الظروف الاستثنائية، على توقيعه. ولم نتعرض للضرب من طرف البوليس بدائرة البطانة بسلا التي مزقت المحضر الأول الذي كان يعكس ما أدلينا به في كومسارية سلا، وعوضته بمحضر مزور رفضنا توقيعه، لأنه كان يجانب الصواب، رغم الحرب النفسية التي تعرضنا لها وقت انتظار توقيع المحضر المذكور في فترة الصراح المؤقت، والمثول مجددا للتوقيع على المحضر المزور بدائرة الأمن بطانة. في هذا السياق، حاول أحد الشبان من رجال الأمن تخويفنا عبر بعض الاستفزازات قبيل طلب توقيع المحضر المفبرك، موجها لنا التساؤل قائلا: "ألا تعلمون بأن العمل الذي قمتم به خطير؟". ولكن لما رد عليه الرفيق فتحي بكل هدوء، "هذا عمل سياسي كنا دوما نقوم به، وسنقوم به ايضا مستقبلا، وهو ليس خطيرا ولا ممنوعا". وأمام هذا الجواب الجريئ، اندهش رجل الأمن واختفى. ولم نجبر بعد ذلك على توقيع المحضر، رغم إصرار رجال الأمن على توقيعيه. ومن المثير للانتباه أيضا، أن التعاطف كان صريحا وواضحا عبر المعاملة الحسنة لنا والرفق بنا من طرف رجال الأمن بكومسارية سلا. إذ صرحوا بأننا في الحقيقة، نحن المناضلين المعتقلين، ندافع عنهم أيضا (كأسر تنتمي إلى رجال الأمن)، لأن الرغيف الذي زيد في ثمنه، يهمهم هم أيضا، واستخفافا بالمواطنين الضحايا أطلق عليهم السيد البصري وزير الداخلية آنذاك "شهداء الكومبرا". ولكن لا يستطيع البوليس التظاهر ضد هذا القرار اللاشعبي الذي يضرب في الصميم القوة الشرائية لسائر الكادحين والموظفين. ولذا لم نصب بأي أذى خلال اعتقالنا بمخفر الشرطة بالكوميسارية المذكورة، بل حرر المحضر الأول بكل موضوعية وفق ما صرحنا به لرجل الأمن الذي تكلف بتحريره في حضرة رفاقنا ولعلو، ومازوز، الشيء الذي أربك رئيس دائرة بطانة الذي اعتقلنا وحملنا في سيارته مرسديس إلى الكومسارية يوم اعتقالنا، صحبة المنشورات الحزبية التي تتضمن موقف الحزب من الزيادة في البلاغ الذي أصدره، ومجموعة من نسخ البيان الذي كنا بصدد البيع النضالي لذلك العدد. ولا بد من وصف الحدث كما حصل وقت اعتقالنا. فقد كنا مجموعة من الرفاق نوزع المنشورات ونقوم بالبيع النضالي للبيان. وكنت مع فتحي نجهر في الشارع ونحن نتجول في سوق الغزل بالمدينة القديمة، بالدعوة جهارا الحكومة لتقديم استقالتها فورا، كما هو وارد في البلاغ الحزبي وفي افتتاحية البيان. وربما أن نداءاتنا بالجهر في الشارع العام بهذا الشعار، قد استفز أعوان السلطات المحلية بسلا، مما دفعهم لاعتقالنا. وربما كانوا متتبعين لتحركاتنا وأنشطتنا على المستوى الحزبي والنقابي والجمعوي وبوداديات الأحياء السكنية والنادي السينمائي بدور الشباب وبمقرات العمل وسط التلاميذ والطلبة، واجتماعات الخليه، ومساندة الطبقة العاملة بسلا، مما كان يزعجهم، فأرادو بهذا الاعتقال محاولة إسكات صوت الحزب بهذه المدينة، بل بكل المدن التي اعتقل فيها رفاقنا ومنها مدينة مكناس في نفس الظروف ونفس الحدث، بحيث لفقت ضد رفاقنا نفس التهم، وربما بمكناس كانت العقوبة الصادرة عن المحكمة أكبر مما تعرضنا له بسلا. رغم أن الأمور مرت بخير، فقد تعرضنا قبل المحاكمة إلى نوع من التهديد يتمثل في احتمال فقدان وظائفنا، بعد توصل العمادة بدعوة المثول إلى المحكمة. ومن حسن الحظ أن الحكم توقف في شهر موقوف التوقيف مع غرامة مالية، ولم يصل إلى السجن. وبعد هذه المحاكمة حرمت لمدة من تجديد جواز سفري، رغم تدخل الرفاق على يعته لدى وزير الداخلية والرفيق إسماعيل العلوي لدى عامل عمالة سلا، ورغم الوعود الكاذبة لطمأنة الرفاق، لم يحركوا ساكنا حتى أنني كدت أن أحرم من المشاركة في المهرجان العالمي للشباب والطلبة الذي نظم بموسكو صيف 1985. وقد تدخل باستعجال السيد بنحربيط مدير ديوان السيد وزير الداخلية، وأوفى بوعده، بعد أن استقبلني بمكتبه، وأصغى بإمعان لمطلبي بالحصول على جواز سفري، والذي فيه مصلحة الوطن، لكوني سأكون عضوا في الوفد الشبابي الذي سيدافع عن القضية الوطنية في المهرجان المذكور. وكانت المفاجأة عندما اتصل بمزلي شخصيا ثم عبر ديوانه ليخبر أسرتي بأن جواز سفري جاهز. وفعلا سحبت جواز سفري أخيرا، في صبيحة يوم إقلاع الطائرة من الدارالبيضاء نحو موسكو، وطرت مع الوفد بعد يأس من الوعود. وطوي بذلك ملف تعليق السفر. ولكن الرفبق فتحي لخضر، الذي كان معروفا لدي العام والخاص بنضاله السياسي والنقابي، ومنزله مفتوح لكل الرفاق والنقابيين بما فيهم العمل البسطاء، فقد سحبت منه إدارة المياه والغابات بوزارة الفلاحة، كل وسائل العمل التي كان يتوفر عليها عندما كان رئيسا لمصلحة. وعوض ترقيته إلى أعلى، فقد عوقب، ولم يعد في متناوله حتى هاتف العمل، ولا مكتب يشغله كإطار عالي متصرف. بل إن بعض البروقراطيين كانوا يتهمونه بأنه يبخس من الإدارة لكونه يتعامل مع الموظفين الصغار. وظل ثابتا على المبادئ التي آمن بها إلى حين تقاعده. معارك انتخابية وتضامنية خاضها الحزب بسلا خاض الحزب كل المعارك الانتخابية بالمدينة منها المحلية 1976، 1983 والتشريعية 1977 و1984. وقد ترشح عدد من الرفيقات والرفاق في الانتخابات المحلية وبعض الرفاق في الانتخابات التشريعية (الرفيق إسماعيل العلوي وعبد الحفيظ ولعلو سنة 1977 ، والرفاق فتحي، وكرزازي، وسيحيدة و ولعلو سنة 1984). في مثل هذه المناسبات تعبأ الحزب بسلا وأوصل برنامجه الانتخابي إلى معظم المنازل وأماكن العمل، ووزع رفاقنا يأحياء سلا، آلاف المنشورات والدعوات لحضور المهرجانات الخطابية بدور السنيما "السينما الملكي" وقاعة الأفراح ببلدية سلا، وساحة باب بوحاجة، وكذا مختلف الأنشطة الثقافية والسياسية بمقر الحزب بتابريكت الذي اكتراه منذ 1976 . وساهم في هذه التجمعات العمومية مناضلون من عيار ثقيل في مقدمتهم الأمين العام للحزب الرفيق على يعته، وقيدومي الحزب: عبد السلام بورقية وعبد الله العياشي، وعبد المجيد الذويب، وشعيب الريفي وشمعون ليفي إلى جانب الأحياء أطال الله في عمرهم منهم إسماعيل العلوي وعمر الفاسي ومحمد مشارك، في مناسبات عديدة؛ ومنها المهرجان التضامني مع الثورة الفلسطينية والشعب اللبناني في مطلع الثمانينيات بقاعة بلدية سلا الذي حضره الرفيق علي يعته والسيد ممثل منظمة التحرير الفلسطينية أبو مروان، تضامنا مع الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني إثر ارتكاب شارون لمجزرة صبرة وشتيلا في سنة 1982 ببيروت.. وكانت تجمعات ناجحة بكل المقاييس. كما ساند الحزب نضالات العمال ومنهم عمال معمل الزرابي موكاري بحي المولى اسماعيل بقرية أولاد موسى بسلا، الذين تعرضوا للطرد، وواكبهم رفاقنا في فرع سلا إلى أن حصلوا على تعويضاتهم. خلاصة عامة هذه بعض التجارب التي عايشناها وكنا فاعلين فيها ومتفاعلين معها، كرفيقات ورفاق انخرطوا في حزب محظور زمن الرصاص، كأفراد وعائلات، رغم الخطر الذي كان يحدق بهم، والتربة والبنيات المحافظة الاجتماعية والثقافية التي كانت تحارب الفكر الاشتراكي والتقدمي. ورغم أننا في مقال يلخص فقط بعض الأحداث الحزبية بمدينة سلا، يستحيل ذكر كل أسماء الرفيقات والرفاق، فلابد من التذكير ونحن نخلد الذكرى السبعينية لتأسيس الحزب، بأن أسر الرفيقات والرفاق كانت الخلفية الأساسية المساندة والمتعاطفة معنويا وماديا مع كل المعارك التي خاضها الحزب، وخاصة الحملات الانتخابية المحلية والتشريعية بمدينة سلا، وفي مقدمتهم زوجات الرفاق وأولادهم وأخواتهم وإخوانهم وجيرانهم وأصدقاؤهم ؛ وهو الذي ساهم في إنجاح المهرجانات العمومية للحزب ومختلف المعارك التي خاضها الحزب بسلا، سواء في السرية أو العلنية. ونحن نخلد الذكرى السبعينية لتأسيس حزبنا، نفتخر كأطر حزبية ومواطنين، بمساهمتنا في النضالات على عدة جبهات متكاملة سياسية ونقابية وشبابية وجمعوية لنصرة الكادحين وخدمة الشباب وخدمة المصلحة العليا لبلدنا، بدون مقابل مادي أو رمزي أو طمع في ترقية اجتماعية من وراء أنشطتنا التي كانت طريقا مملوءا بالأشواك والأخطار. فتحية لكل المناضلات والمناضلين، أفرادا وعائلات، الذين ضحوا بالنفس والنفيس في سبيل غرس قيم التقدم والحداثة والتضامن وحقوق الانسان، ومحاربة الأنظمة الرجعية والاستبداد والامبريالية والاستغلال والعنصرية، وعبدوا الطريق لغد أفضل ومشرق للشعب والوطن وخاصة للشباب الصاعد، في ظل الاستقرار والديمقراطية والكرامة والعزة. *مناضل في حزب التحرر والاشتراكية والتقدم والاشتراكية هوامش (1) على سبيل المثال دفع الحزب ضريبة النضال خلال عدة أحداث؛ منها اعتقال رفاقنا التلاميذ و الأساتذة بمدينة آزرو التي كانت قلعة للجزب سنة 1984 ومنهم الرفاق عبدالقادر السويدي، وسعيد الفكاك والذين قضوا في سجن إفران خمس سنوات. ورفاقنا في الرباط بحي يعقوب المنصور الذي كان قلعة للحزب، حيث اعتقل عدد من الرفاق وفي مقدمتهم كرين لبيض، وكرين محمد وسليك عبدالعالي وسليك نورالدين.. وفي وجدة تم اعتقال عدد من المناضلين وفي مقدمتهم مكتوب يحي وقادة محمد بسجن وجدة. وفي مكناس حكم على عدد من رفاقنا في أحداث يونيه 1981 بستة أشهر سجنا موقوف التنفيذ.... (2) وكان يعني انتقالي الذي لم أطلبه شخصيا، وإنما كان عقابا تربويا لاستمرار أنشطتي مع رفاقي التلاميذ بالثانوية المذكورة وأنشطتي النقابية (3) من ركائز الحزب وأعمدته بفرع سلا آنذاك، نذكر أسماء بعض الرفاق وعائلات وفي مقدمتها عائلة فتحي لخضر، وسيحيدة السعيد، وكرزازي موسى ، وولعلو عبدالحفيظ ومحمد ولد حيدة وأحمد الجباري محمد زكار والحاج الخيدر وإدريس السبيطي، والطاهر بنداود والمرحوم أحمد المرزقي في إطار خليته العمالية التابعة للسويسي بالرباط حيث كان يشتغل. (4) اشكر الرفيق السعيد الذي راجع المقال وأغناه بعدة معلومات غابت عني، ومنها اسماء رفيقات ورفاق مناضلين وبعض الأحداث والنضالات الحزبية التي خضناها معا سواء في فترة السرية او العلنية والقانونية. نذكر من الرفيقات والرفاق زهرة الجبلي والجمالي والهيدوري والرفيقة سعاد الصبيحي التى كانت تقوم بالبيع النضالي في أواخر السبعينات لجريدة البيان بالبطانة وهي تلميذة بثانوية لالة عائشة ثم طالبة بكلية الطب، والشيحي المختار، والدكتور العماري وبوناكة وغيرهم (5) على سبيل المثال نذكر منهم الرفاق رحال الزكراوي وأمينة لمريني، ... عبدالقادر جويط، وبنا أحمد وممن رجعوا من فرنسا والتحقوا بالفرع أمين الصبيحي ولطفي لمريني، عبدالرحيم حجي، محمد الشرقاوي، ثم الرعيل الثاني الذي تسلم المشعل واستمر في الكفاح بهذه المدينة المناضلة ( الميلودي، والأدريسي.....) (6) من الرفاق الذين واكبوا عمل الحزب في قطاع الشبيبة وفي كل المعارك الانتخابية نذكر منهم إلى جانب السعيد السيحيدة الذي كان اول كاتب لفرع الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية بسلا، ورفاقه مازوز ، ولد حيدة و زكار وكتلاس، والدغوش، والركوني، وكرزازي حسن... (7) من أعمدة جمعية المعرفة نذكر الرفيقة أمينة لمريني والرفاق فتحي لخضر ومحمد مشارك وزوجته الخالدي كريمة وابراهيم فرحات وعلي وحمزة كرزازي، ونعيمة برادة وبوعبدلاوي رمضان وبنا أحمد وفاطمة الصاوي وخديجة الجمالي . وبسلا الرفاق سيحيدة السعيد ومازوز عبدالعزيز.. (8) على سبيل المثال، دعا الاتحاد الاشتراكي مناضليه والمواطنين إلى حرية الاختيار في التصويت على تعديل الدستور. وهو موقف غامض. كما دعت الأحزاب الأخرى إلى التصويت عليه بنعم. ومن مفارقة الزمن أن الشرطة قد اعتقلت في نفس اليوم المسؤول عن فرع سلا للاتحاد الاشتراكي السيد لغماني (أخ الوزير جمال لغماني)، ووجدنا على أرضية الكزميساريا باب لخميس على خلفية نفس الأحداث. (9) الرفيق فتحي الأخضر كان إطارا ساميا متصرفا بوزارة الفلاحة آنذاك، ، وأنا كنت أستاذا جامعيا بجامعة محمد الخامس سنة 1981.