اعتبرت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، في تقييمها لحصيلة سنة 2019 في الشق المتعلق بالحقوق الإنسانية للنساء، أن المغرب لم يتمكن خلال هذه السنة المنصرمة، من تحقيق انجازات واضحة الأثر على النساء ، وأن ذلك يتضح في الرتابة التي عرفها المجال التشريعي على مستوى الإصلاحات القانونية وتعثر السياسات العمومية في الوصول إلى جميع النساء بغض النظر عن الفرق المجالي وكذا التأخر البارز في وضع الآليات المؤسساتية. فبالنسبة للقوانين لم يتم لحد الآن الإفراج عن القانون الجنائي الذي هو قيد المناقشة حاليا في البرلمان والذي يقتصر مشروعه على مراجعة تُعدل وتتمم و/أو تحذف بعض المقتضيات وليس مراجعة جذرية كما تم الالتزام بذلك في المخطط التشريعي لسنة 2012، مما لن يسمح بضمان العدالة الجنائية للنساء، وهذا ما ناضلنا من أجله منذ 2010 من خلال المذكرات المعدة من طرف الجمعيات المنتمية لتحالف ربيع الكرامة أما فيما يتعلق بقانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء الذي صوت عليه البرلمان في فبراير 2018،ودخل حيز التنفيذ، فلقد تم لحد الآن تعيين اللجنة الوطنية، إلا أن ضعف إجراءات الحماية وجبر الضرر والعقاب، خصوصا إزاء العنف الزوجي والأمهات العازبات والمهاجرات والنساء ذوات الاحتياجات الخاصة، ستظل تعرقل تحقيق الهدف الأساسي من وضع القانون، ألا وهو : الزجر والتكفل والحماية والوقاية، كما أن حده للحق في تنصيب المنظمات غير الحكومية العاملة طرفا مدنيا، لن يساهم في ضمان الحماية للنساء ، يكفي أن نذكر ب”حنان” الفتاة التي فقدت حياتها جراء التعذيب الذي مورس عليها. أما فيما يتعلق بقانون العمل المنزلي الذي دخل حيز التطبيق سنة 2018. يعرف الجميع أن الفتيات هن الضحية رقم 1 في التشغيل قبل السن القانوني ، من هنا رغم تحديد سن عمل الأطفال في 18 سنة، لكن الفترة الانتقالية التي ستدوم خمس سنوات ستحيل الفتيات إلى رهينات هذا التمديد. أما بشأن القانون المتعلق بمحاربة الاتجار في البشر، فرغم كونه يكرس تطبيق عقوبات على المدانين بالاتجار في البشر غير أنه لايلتزم بشكل واضح بحماية الضحايا، ولا ينص على أية مقتضيات تلزم الدولة بمسؤولية حماية الضحايا ومساعدتهم وإعادة تأهيلهم وتعويضهم عن الأضرار المترتبة عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، وإدماج الضحايا الأجانب، مما لا يسمح بقياس أثر القوانين على النساء مادامت لا تضمن الحماية للضحايا. وبالنسبة للقانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية، الذي ينص على إدماج بُعد النوع الاجتماعي في برمجة ميزانيات مختلف الوزارات ومراحل التتبع والتقييم. إلا أن الوزارات لا تتوفر على المعلومات والمعطيات والأدوات والمؤشرات المرجعية التي تأخذ النوع الاجتماعي بعين الاعتبار من أجل مأسسة مبدأ مساواة النوع في السياسات والبرامج القطاعية، من هنا يصعب قياس أثر جندرة الميزانية على النساء. أما فيما يتعلق بالسياسات العمومية، فقد انطلقت المرحلة الثانية من الخطة الحكومية للمساواة(2017-2022)، إلا أنه رغم تجاوزها لثغرات الخطة الوطنية للمساواة 2012 – 2016 ورغم تقديمها كخطة تتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة، لكنها لا تحيل إلى كل أهداف التنمية المستدامة المتضمنة في الهدف الخامس، خصوصا تلك المتعلقة بالولوج المتساوي إلى الموارد الاقتصادية وإلى الخدمات المالية والميراث والموارد الطبيعية وإلى اعتماد وتقوية السياسات والمقتضيات التشريعية المطبقة لصالح المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، مما سيحد من مخرجات الخطة، خاصة على المستوى الترابي. أما على مستوى الآليات المؤسساتية فيكفي الإشارة إلى أنه لحد الآن لم يتم وضع هيئة المناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز حيز التنفيذ، وكذا المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والمجلس الاستشاري للشباب والمجتمع المدني مما يحول دون الوصول إلى التسريع بتفعيل روح ومقتضيات الدستور. كما أنه، رغم مرور ثلاث سنوات على بداية العمل بالجهات الاثنتي عشرة الجديدة، لم يبلغ هذا الورش بعد سرعته القصوى بسبب البطء الذي ساد في اعتماد كل مراسيم تطبيق القانون التنظيمي المتعلق بالجهات. فميثاق اللاتمركز الذي يجب أن يعيد هيكلة أصناف التمثيل الترابية للإدارة لم يُنشَر إلا في دجنبر من سنة 2018 ولم يتم تفعيله لحد الآن. يعتبر اعتماد القانون رقم 62.17 المتعلق بالتدبير الإداري لأراضي الجموع في يوليوز 2019.والذي توج معركة الحركة الاجتماعية للنساء السلاليات، والذي ينص على أنه بإمكان أفراد الجماعات السلالية، نساء ورجالا، الاستفادة من ممتلكات الجماعة التي ينتمون إليها، رغم أنه لا يشير بكيفية صريحة إلى المساواة بين النساء والرجال، ولا يوفر الحماية كافية لحقوق النساء المنتميات إلى الجماعات السلالية. وأبرزت من جانب آخر، على أن البرامج المخصصة للتحويلات النقدية للأمهات في وضعية هشاشة،خاصة ما يعرف ببرنامج «المساعدة المباشرة للنساء الأرامل في وضعية هشاشة اللائي الحاضنات لأطفال »، يظل في مستوى لايمكن من ضمان العيش الكريم لهؤلاء الأسر، مقارنة مع متطلبات الواقع اليومي للنساء، مما يفرض الانتقال من البرامج المعزولة إلى برامج مندمجة ضمن السياسات العمومية. وعلى مستوى التزامات المغرب الدولية، اعتبرت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، على أنه رغم اعتماد المغرب في يوليوز 2011 مشروع القانون 125.12 المتعلق بالمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ومشروع القانون رقم 126.12 المتعلق بالمصادقة على البروتوكول الاختياري للعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، إلا أنه لم يتم لحد الآن إيداع صكوك الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة، كما أنه لم يتم سحب الإعلانات التفسيرية المتعلقة بالفصل الثاني وبالفقرة الرابعة من المادة 15 من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. *** 2019 سنة احتدام النقاش حول ملف الحريات الفردية بالمغرب سميرة الشناوي تميزت سنة 2019 باحتدام غير مسبوق للنقاش حول الحريات الفردية ببلادنا، وعلى الرغم من أن الكثيرين كانوا يتوقعون أن يجد جديد في هذا الملف من الناحية القانونية قبل انصرام السنة التي نودعها، إلا أن هذه الأخيرة أبت إلا أن تترك للسنة الجديدة إرثا ثقيلا ينوء بحمله مشروع تعديل القانون الجنائي الذي تأجلت، مجددا، مسألة الحسم فيه داخل البرلمان إلى حين “المزيد من إنضاج الرؤية والتفكير” حول موضوع الحريات الفردية! فقد عجز ممثلو الأمة في مجلس النواب مرة أخرى يوم الجمعة الماضي عن إطلاق سراح المشروع الذي يعيش نوعا من “البلوكاج” منذ سنوات، إذ لم يتوصلوا إلى توافق حول التعديلات المقترحة على نص المشروع، وهي التعديلات التي تهم بعض النقاط الخلافية وعلى رأسها مسألة تجريم العلاقات الرضائية خارج إطار الزواج. وعرف النقاش حول مشروع القانون دفعة قوية خلال السنة التي ودعناها بمناسبة تفجر قضية الصحفية هاجر الريسوني التي اعتقلت في مطلع شهر شتنبر الماضي وحوكمت، صحبة خطيبها رفعت السيد، بتهمة الإجهاض غير المشروع والفساد. فيما وجهت تهم أخرى ذات صلة بنفس القضية إلى طبيب وعدد من مساعديه. وتمت إدانة الريسوني وباقي المتهمين قبل أن يستفيدوا جميعهم من عفو ملكي وضع حدا لتداعيات ملف اتسم بكثير من الإثارة. فالملف توفرت فيه توابل متعددة جعلت منه ملف السنة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، خاصة أن الصحفية معروفة بانتمائها إلى جريدة الصحفي الآخر المثير للجدل توفيق بوعشرين، وكذا إلى أسرة قريبة من دوائر الإسلام السياسي بما أنها تعتبر ابنة أخ كل من الصحفي بجريدة “أخبار اليوم” سليمان الريسوني، وأحمد الريسوني رئيس اتحاد علماء المسلمين والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية. وانضاف إلى هذا كله نوعية التهمة التي حوكمت بها هاجر والتي تندرج ضمن التهم الأخلاقية وترتبط أيضا بنصوص قانونية خاضعة للمراجعة وبقضية خلافية في المجتمع هي قضية الإجهاض. وكان هذا الجانب من القضية هو الذي أشعل فتيل نار جدل سرت كالهشيم في أوساط الفاعلين السياسيين والمدنيين بالمغرب، حيث لم يسبق أن استأثر موضوع باهتمام مماثل من جميع الفاعلين الذين لم يتوان أي منهم عن الإدلاء بدلوه في قضية هاجر، معتبرين أنها تندرج في سياق النقاش المستمر منذ سنوات حول مسألة الحريات الفردية ببلادنا. وهكذا تطورت موجة التصريحات العديدة والمتباينة حول قضية هاجر إلى عاصفة من المواقف والمواقف المضادة من قبل الأحزاب السياسية والفاعلين السياسيين من مختلف الأطياف، من عبد الإله بنكيران إلى النائب عمر بلافريج، والمثقفين من أحمد عصيد إلى عبد الوهاب رفيقي، فضلا طبعا عن المناضلين الحقوقيين وفاعلي المجتمع المدني وخاصة مناضلات الحركة النسائية. بل برزت إلى الوجود تيارات وحركات جديدة بدأت كردود فعل متضامنة مع الريسوني قبل أن تتطور إلى حركات بمسميات متعددة ك”خارجة عن القانون” و”جسدي حريتي”، مطالبة ب”رفع يد الدولة” عن الحريات الفردية والكف عن تجريم الإجهاض والعلاقات الرضائية بين الأشخاص البالغين. وتطور الجدل ليصل إلى البرلمان من خلال أسئلة لعدد من نواب الأمة داخل المؤسسة التشريعية، بل وأيضا من خلال بعض العرائض بآلاف التوقيعات التي بادرت إليها الجمعيات النسائية وبعض الحركات التي ولدتها حملة التضامن مع هاجر. كما اتخذ الموضوع بعدا آخر أيضا بعد أن انبرى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعلى رأسه الحقوقية أمينة بوعياش، إلى الإعلان عن موقفه من الجدل من خلال مذكرة يدافع فيها عن ضرورة ملاءمة التشريعات الوطنية مع المنظومة الكونية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بمجال الحريات الفردية، وعلى رأسها حرية الإجهاض. ولم يتأخر المجلس العلمي الأعلى في الرد على “رديفه” (المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، بإصداره لاحقا لبلاغ جدد فيه موقفه الثابت من الإجهاض ك”كبيرة” شرعية وقانونية لا يمكن إعادة النظر فيها أبعد مما ذهبت إليه المناظرة الوطنية التي كان قد نظمها المغرب حول الموضوع منذ سنوات والتي حسمت في حصر الحالات الاستثنائية التي يمكن أن يتم اللجوء إلى الإجهاض فيها، وبأنه لا يمكن أن تصبح حياة جنين في بطن أمه مرهونة فقط ب”إرادة وحرية” بعض الأفراد في إتمام الحمل أو إيقافه. ومع الوقت تحول الخلاف إلى إعصار هادر يكاد لا يبقي ولا يذر، وينذر بانقسام جديد بين مكونات المجتمع شبيه بما حدث منذ عقود مع قانون مدونة الأحوال الشخصية، حيث وصل الأمر هذه المرة أيضا إلى حد تكفير عدد من المدافعين عن مغرب مغاير يتم فيه تكريس جميع الحريات الفردية، بعيدا عن قيود الدين والتقاليد. ورأى المخالفون أن مثل هذه الدعاوى تفتح “نار جهنم” على الشعب المغربي بتشجيعها على التخلي عن “الثوابت” وإفساح المجال ل”مجتمع التفسخ والانحلال الأخلاقي”. وإذا كان العفو الملكي الذي استفادت منه الريسوني وخطيبها لاحقا، واللذين احتفلا منذ بضعة أسابيع بزفافهما بعيدا عن إكراهات النصوص القانونية والخلافات حولها، قد جاء ليطفيء نار الخلاف، في خطوة وصفت بأنها تعبر عن كثير من الحكمة والتبصر وجاءت في وقت مناسب لوضع حد لتداعيات لا تحمد عقباها، إلا أن انتهاء القضية لا يعني انتهاء النقاش حول هذا الموضوع، حيث سيظل يفرض نفسه على مختلف الفاعلين المجتمعيين الذين يواجهون اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة إيجاد أجوبة شافية لأسئلة حارقة حول اختيارات أمة ومصير مجتمع.