العالم العربي قادر اليوم على بلورة مشروع ديمقراطي تقدمي يؤثر على كل منظومة القيم الأحزاب التي لا تستطيع اللحاق بهذه التحركات سيتم تجاوزها سنعمل على تحقيق حلم مشروع القناة الفضائية العربية اليسارية التقدمية لمواجهة المد الإعلامي الرجعي والتجاري لبنان هو البلد الأقل ديمقراطية في العالم العربي ندعو لتعميق الحوار الإيجابي لتجاوز القطيعة بين المغرب والجزائر أكد الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني أن تجربة الأحزاب المغربية تتميز بحد أدنى من الرؤية الواضحة في صياغة مطالبها، معربا عن ثقته في عراقة تجربتها وفي نضج ثورة الشباب المغربي. وأعلن خالد حدادة في حوار لبيان اليوم أن مواقف حزبه بخصوص القضية الوطنية تسير في اتجاه التأكيد على استعادة مسار وحدوي عربي بعيدا عن مسارات التفتيت والتقسيم، وسيساهم حسب استطاعته في تقريب وجهات النظر على أساس هذا المنحى التوحيدي. واعتبر خالد حدادة أن العالم العربي يعيش مرحلة ثورية حقيقية، واصفا ادعاء البعض أن ما يقع يجري ضمن مخطط أمريكي ب «السخيف»، مؤكدا أن هذه الحالة الثورية ستكون لها تأثيرات على كل منظومة القيم العربية وعلى المنظومة الرسمية السياسية العربية، بما فيها قوانين العلاقة داخل الجامعة العربية، باتجاه تبلور أكثر لقضايا عربية مشتركة من القضية الوطنية إلى القضية الاقتصادية إلى القضية الاجتماعية إلى قضية الديمقراطية. * تعيش المنطقة العربية غليانا شعبيا، يكاد لا يستثني أي بلد، ما هو تقييمكم لهذا الحراك المجتمعي؟ - بداية أريد أن أذكر فقط بما طرحته بعض وسائل الإعلام بعد تنحي الرئيس التونسي زين العابدين بنعلي، حول ما إذا كانت هذه الحركات محدودة أم أنها ستكون أوسع من هذا. وأعتقد أن مؤتمر القمة العربية القادم سيكون مجرد قمة للتعارف فقط. هذه الحالة التي بدأت في تونس واستمرت، وكان أوجها في مصر، ستطال معظم الدول العربية إذا لم يكن كل العالم العربي، وبالتالي نستطيع القول، ضمن كل العاملين في الحقل السياسي، لا ندعي أننا توقعنا مواعيد هذا الحراك الشعبي العربي، ولكن، على الأقل، كنا نعتبر أن النظام الرسمي العربي وصل إلى حالة العفونة والموت اللذين هيئا البيئة والمناخ للحراك والتغيير. وقد أكدنا على هذا الموضوع في المؤتمر العاشر لحزبنا، وجددنا التأكيد عليه في اللقاءين اليساريين العربيين الأخيرين، في تشرين الثاني (نونبر) وشباط (فبراير) الماضيين. ولدينا بهذا الخصوص عدة انطباعات أولى قابلة للنقاش في الموضوع، منها أن هذه التغيرات في العالم العربي نتجت بشكل رئيسي عن اجتماع ثلاثة معايير ميزت الأنظمة العربية، فمن الناحية الوطنية معظم هذه الأنظمة اتبعت سياسة الالتحاق بالمشروع الأمريكي، وأقامت بشكل مباشر أو غير مباشر علاقات مع الكيان الصهيوني، مما جعل القضية الفلسطينية تمر بأسوأ مراحلها. والمعيار الثاني أن معظم هذه الأنظمة قامت على القمع والحكم الفردي، وديكتاتورية العائلة والفساد وغيرها من الصفات التي ميزت هذه الأنظمة من الناحية السياسية. وثالث المعايير أن هذه الأنظمة اتبعت، بعد مرحلة الانهيارات الكبرى للاتحاد السوفييتي السابق، سياسة الالتحاق الكامل بالمثال الأمريكي، ورهنت الاقتصاد العربي لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، فباتت كلها دول ترزح تحت عبء الديون المتراكمة وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات، دون الحديث عن النهب الفردي لقادة هذه الدول. ويمكن من خلال ظروف اجتماع هذه المعايير الثلاثة أن نخلص إلى وجود أزمة حقيقية، والمشكل الأساسي يكمن في إيجاد بديل عن هذا الوضع، البديل الذي يجب أن يتحرك لإزاحة كابوس هذه الأنظمة عن الشعوب العربية. وهذا البديل لم يكن متوافرا لسببين رئيسيين: لنكن صريحين في هذا المجال، فالقوى اليسارية كانت لا تزال تعيش حالة الارتباك والتردد الشديد الذي ساد بعد الانهيار الكبير للاتحاد السوفييتي، وبالتالي اعتمدت في أحسن الأحوال سياسة الصمود، ولم تستطع الانتقاء والاستفادة من اللحظة المناسبة خصوصا بعد انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية. إذ كان عليها أن تبدأ في رفع مشروع هجومي في وجه الأزمة الرأسمالية العالمية وفي وجه الأنظمة العربية. لكنها للأسف استمرت متقوقعة في حالة الصمود. التيارات الأخرى، بما فيها التيار القومي والإسلامي، لم تستطع هي الأخرى أن تشكل البديل. والسبب في ذلك أن معظم هذه الأنظمة خرجت من رحم التيار القومي، وقياسا عليه، فجزء مما يتحمله هؤلاء الحكام يتحمله أيضا هذه التيارات. أما التيار الإسلامي، الذي حاول الغرب تخويف جمهوره منه، ومن أن أي حركة في العالم العربي ستكون بطبيعتها حركة إسلامية، هو تيار بدوره لا يحمل مشروعا متكاملا، كما أنه بطبيعته قابل على المساومة في معظم الحالات. ولديه سياسات متفاوتة من بلد إلى بلد، وإذا أخذنا كمثال التيار الإسلامي في العراق فهو يختلف 180 درجة عن مثيله في لبنان. فهو في العراق متعاون مع الاحتلال الأمريكي ومع العملية السياسية، أما في لبنان فهو مقاوم. وبرزت هذه القضية بشكل جلي في الثورتين التونسية والمصرية، حيث كان الاتجاه العام لهذه القوى هو الخوف من روحية التحرك الشبابي والجماهيري والحذر منها. ولا نقول إنهم لم يكونوا جزءً منها في مرحلة لاحقة، بل كانوا جزءً منها ولكن ليس كما حاول الغرب الادعاء بأنها كانت في قيادة هذا الحراك. إذن البديل بكل عناصره كان إما مرتبكا في صموده كما هو حال اليسار، وإما متحملا لعبء الأنظمة كما هو حال الحركة القومية وحركة التحرر، أو منتظرا ومساوما كما هو حال الحركات الإسلامية. في هذا الوقت جاء انفجار الأزمة الرأسمالية العالمية، بالإضافة إلى تعثر المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير في المنطقة، على الأقل في ثلاثة مواقع في العراق وفلسطين، وخاصة لبنان بعد صمود 2006. هذا التعثر ومقاومة الشعوب العربية أعطى مثالا على إمكانية الشعوب على الصمود والتحرر وليس الدول والأنظمة. واعتقد أن الحالة التي برزت في لبنان وفلسطين والعراق منحت مزيدا من الثقة للشعوب العربية. والخلاصة أن هناك أزمة مثلثة الأضلاع للأنظمة العربية وبداية شلل لليد الأمريكية في المنطقة التي كانت أحد موانع التحرك سابقا نتيجة ضعف الأمل بسبب بسط أمريكا سيطرتها. إذا أضيف لهذا التنظيم الأكبر للشباب، وتفاقم الأزمة الاجتماعية التي دفعت هؤلاء الشباب، خصوصا المتعلمين منهم، وهي أحد المفاهيم التي يجب على قوى اليسار إعادة دراستها، وموقع ما كان يسمى سابقا الفئات العاطلة عن العمل، ومعظمهم كان سابقا غير متعلم وغير مثقف، أما الآن فهم يشكلون أداة ثورية حقيقية كون معظمهم من حملة الشهادات العليا في العالم العربي ولا يجدون فرص العمل وبالمقابل يمتلكون القدرة على استعمال التكنولوجيا الحديثة. هذا التواصل يضاف إليه تراكم آخر، وهنا يجب أن ننتبه إلى عدم الانزلاق مع الترويجات الإعلامية، فنحن لا نقلل من دور الشباب، بل على العكس نعتقد كحزب، وركزنا على ذلك في كل أدبياتنا، بأن الشباب هم الأداة الرئيسية للثورة. بل الأكثر من ذلك أن كل الثورات العالمية الكبرى كانت معظم قياداتها شبابية، من ثورة أكتوبر إلى الثورة الفرنسية الأولى، إلى حركة شباب 68 بفرنسا، إلى الثورة الكوبية. * أليس الخطأ في أن التنظيمات السياسية وخصوصا قوى اليسار لم تستوعب مطالب هؤلاء الشباب وتتيح أمامهم فرصة التعبير عن أنفسهم؟ - الخطأ يكمن أساسا في اعتبار الشباب وقودا للثورة وأداة لها. والمفروض أن يكون الشباب ممثلين وفاعلين في قيادة وتنظيم الثورات وليس فقط في تنفيذها. * (مقاطعا) معنى هذا استيعابهم داخل التنظيمات وإعطاؤهم المكانة ودور الريادة؟ - طبعا، نحن كحزب لدينا أكثر من 30 في المائة في كل مؤتمر يجب أن يكونوا من الشباب، وعندما نقول الشباب يعني أقل من 35 سنة. و30 في المائة من القيادة الحزبية، اللجنة المركزية، ممن تقل أعمارهم عن 35 سنة وممثلين أيضا في المكتب السياسي. وتأسيسا على هذا فالشباب هم عصب كل الثورات وليس الثورة العربية وحدها، وليسوا أداة لها فقط. وبالتالي يجب أن نتيح المجال لهؤلاء الشباب لقيادة العملية الثورية واستمرارها. ولكن يجب أيضا أن لا نقدس أداة الاتصال، نحن سابقا، بسبب الإمكانات أو لأسباب أخرى، أهملنا الموضوع، وأهملنا هذه الأدوات وتطويرها، فكانت البورجوازية أكثر استعمالا للتكنولوجيا في العمليات الرجعية الموجهة للشعوب. أما الآن فالشعوب، خصوصا القيادة الشابة للثورات استطاعت استعمال التكنولوجيا. وبقدر ما لا ينبغي أن نقدس التكنولوجيا، بقدر ما لا يجب أن نقلل من أهميتها، فكما كنا نعتبر الجريدة سابقا أداة للتنوير والتعبئة، أصبحت اليوم تعني الجريدة الإلكترونية، وتعني التواصل على شبكة الأنترنيت، على الفيسبوك والتويتر وغيرها، وهي الأدوات الحديثة للاتصال التي ستنتج عنها تغييرات، ليس فقط على مستوى شكل التنظيم الحزبي، بل أيضا فلسفة التنظيم الحزبي. وقد اتخذنا توجها في اللجنة المركزية للحزب قبل بضعة أيام مفاده أنهذا الموضوع يجب أن يرتقي إلى البحث الجدي في فلسفة التنظيم . وأخيرا وليس آخرا يجب عدم إغفال دور التنظيمات النقابية والعمالية. ويمكن القول هنا باختصار إن مراقبة سير ثورتي تونس ومصر يعطي الانطباع بأن الشباب ربما كانوا الأكثر بروزا، ولكن لم تحسم هاتان الثورتان إلا بتدخل الهيئات النقابية والعمال. وهذا يكرر إلى حد ما دون تقليل، سيناريو ثورة ماي 68 في فرنسا التي بدأها الشباب والطلاب وحسمت بتدخل النقابات العمالية. أما بخصوص ادعاء البعض أن ما يقع يجري ضمن مخطط أمريكي، فإننا نعتقد أن هذا الانطباع سخيف، بدليل أن مسار الحركات الثورية الشبابية والجماهيرية في العالم العربي هو مسار وطني وقومي تشكل القضية الفلسطينية جوهرها، وهذا يتناقض مع السياسة الأمريكية. وجزء من أزمة الأنظمة العربية ناتج عن تبعيتها لأمريكا. والولاياتالمتحدةالأمريكية لا يمكنها أن تصنع أنظمة تابعة لها أكثر مما كانت عليه الأنظمة القائمة حاليا. كما أن أمريكا لم تتبن نتائج هذه الثورات إلا في اللحظات الأخيرة، فقد تفاجأت بها، ونرى كيف أنها ساندت حسني مبارك حتى اللحظات الأخيرة، وتساند القذافي حتى الأيام الأخيرة عندما انهار تماما وأصبح تأييده مساهمة في العمليات الإجرامية التي يقوم بها. وانطلاقا من كل هذه الملاحظات فإننا نعتقد أن العالم العربي يعيش حالة ثورية حقيقية ستطال تأثيراتها وتغييرها، ليس فقط الدول التي تجري فيها، بل كل الدول العربية. وما نلاحظه اليوم لدى بعض الأنظمة بما فيها دول الخليج العربي، في محاولة تقديم رشاوى سياسية ومالية لشعوبها، إلا محاولة لاستباق تأثير هذه الحالة الثورية، والتي نعتقد أنهم لن يستطيعوا إيقاف تأثيراتها. وعموما فما يجري الآن لا بد أن ينعكس على مستوى إحداث تغييرات جدية في المنظومة الرسمية السياسية العربية، بما فيها قوانين العلاقة داخل الجامعة العربية، باتجاه تبلور أكثر لقضايا عربية مشتركة من القضية الوطنية إلى القضية الاقتصادية إلى القضية الاجتماعية إلى قضية الديمقراطية. وهذا يعني أن العالم العربي قادر على بلورة مشروع ديمقراطي تقدمي عروبي، يأخذ بعين الاعتبار الفوارق ما بين الدول، وفي نفس الوقت يبلور مشروعا مشتركا متقدما وديمقراطيا، سيكون له تأثير على كل منظومة القيم، حتى المجتمعية والأخلاقية في العالم العربي. وهذا ما يجعلنا نشبه كثيرا هذا الحراك في الشارع العربي بما جرى في ثورة 68 في فرنسا، وانعكاساتها الأوربية إن على المستوى السياسي أو على مستوى منظومة القيم المجتمعية في أوربا. * في تقديركم، هل يمكن أن تكون هذه اليقظة العربية ورجة الشباب التي نعيشها الآن فرصة للقوى اليسارية لإعادة إحياء مشروعها النضالي المبني على الحرية والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد؟ - دعني أحكم بشكل قاطع أن الأحزاب التي لا تستطيع اللحاق بهذه التحركات سيتم تجاوزها. وبهذا المعنى نحن لا نكرس اهتمامنا فقط على أن الأحزاب التقليدية تحاول الاستفادة من هذا الحراك الثوري، ولكن أيضا نكرس اهتماما بجدية لمراقبة ومساعدة هذه التنظيمات التي بدأت تتبلور بين الشباب أنفسهم إزاء الأحزاب السياسية. فلا يمكن التسليم أن هذه الحركات الشبابية ستبقى على حالتها هذه على المستوى التنظيمي، بل بدأت في مصر تتبلور حركات جدية يسارية أيضا خارج الأحزاب التقليدية، تضاف إلى تلك الأحزاب إذا استطاعت أن تجدد نفسها وقادرة على اللحاق، وإذا لم تكن قادرة أن تتماشى مع الروح الثورية عند الشباب ستكون متجاوزة. ونحن على استعداد أن نتعاطى مع الموضوع في اللقاء القادم للأحزاب اليسارية كنتاج موضوعي للحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها مجتمعاتنا. * أثارتني عبارة وردت على لسانكم قبل قليل، وهي قضية التواصل، حيث إن القوى اليسارية كانت دائما تتوارى إلى الخلف وعدم قدرتها على إيصال صوتها إلى مناضليها وإلى الرأي العام عموما، أمام تنامي المد الإعلامي الزاحف الذي يخاطب الوجدان قبل العقول، ألم يحن الوقت بعد لهذه القوى أن تجد لنفسها مكانا في هذا المشهد لإيصال صوتها؟ - حتى لا أطيل الكلام كثيرا في هذا الموضوع، أريد أن أعلن لرفاقنا في المغرب العربي، قرار الاجتماع الاستثنائي للأحزاب اليسارية العربية لنؤكد عليه، وأظن أن جريدتكم نشرت نص البيان، بأننا وصلنا إلى قناعة كان حزبنا قد أعلنها في مؤتمره العاشر، بأن مشروع القناة الفضائية العربية اليسارية التقدمية حلم صعب جدا ولكنه ليس مستحيلا، وسنعمل على محاولة تحقيق هذا الحلم بأقصى الإمكانيات المتوفرة، بمساعدة واسعة من الأفراد، وربما الأحزاب التي ترى في هذا المشروع مشروعا تقدميا يساهم في إغناء التنوع الإعلامي ومنع احتكاره من قبل مؤسسات إما رجعية أو نفعية تجارية أو غيرها. * هل تتوقعون أن يطال هذا الحراك لبنان في القادم من الأيام؟ - بعكس ما يعتقد البعض، سيكون لبنان من أصعب الساحات، بسبب صعوبة الوضع هناك. ففي المغرب مثلا هناك حد أدنى للرؤية التي بدأت تتضح، ولا أريد أن أتدخل هنا في شأن داخلي، ولكن لدينا ثقة كاملة في عراقة تجربة الأحزاب المغربية وقدرتها على صياغة خطها، وأيضا الشباب المغربي الذي وصل مرحلة ناضجة في عمله الثوري، وهذا ما خبرناه منذ فترة طويلة. غير أن الأمر يختلف في لبنان جذريا، حيث ستحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية، بعد ما أصابها من انتكاسة وذهول من الأنظمة الحليفة لها، أن تعيد إطلالتها على مشروعها وعلى إعادة بعض التوازن لمشروعها، عبر لبنان. أولا نظرا لوجود الكيان الإسرائيلي على الحدود اللبنانية وما يشكله من تهديد للبنان وللشعب اللبناني. ثانيا باستعمال المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس الحريري والاغتيالات الأخرى كقضية ابتزاز سياسي وحتى أمني، من خلال محاولة افتعال الفتنة خدمة للاعتداء وتهديد إسرائيل القادم، أو خدمة للابتزاز الأمريكي ومساومات جديدة في الوضع العربي. وعلى العكس مما يعتقده البعض، فلبنان هو البلد الأقل ديمقراطية في العالم العربي. رغم وجود ما يمكن أن يبدو على صورة قشرة من الحريات وصورة من الديمقراطية. بينما هو في الواقع بلد يسوده نظام طائفي تحاصصي زبائني بعيد كل البعد عن النظام الديمقراطي، حول لبنان إلى مجموعة من دويلات طائفية متصارعة حينا ومتفقة أحيانا. هذه الدويلات كلها أقوى من الدولة المركزية. بمعنى إذا كان في كل دولة عربية تنين برأس واحد فلبنان تنين بسبعة رؤوس، وكل رأس منها تستطيع، بحكم ادعاء زعاماتها أنها تدافع عن مصلحة الطائفة، تحريك الغرائز المذهبية والطائفية، لمواجهة الشعب اللبناني بعضهم ببعض، وبالتالي عدم السماح له بالتوحد لمواجهة القضايا المشتركة، وبشكل خاص قضيتي التأهيل السياسي والديمقراطي والقضية الاجتماعية والاقتصادية ومواجهة التبعية والفساد. إذن مهمة التصدي للنظام الطائفي في لبنان تساوي في نظرنا كحزب مهمة المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي. فقد كنا مبادرين في المقاومة اللبنانية لتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي سنة 1982، ومستمرين في نهج المقاومة بما نستطيع حتما، ومبادرين أيضا في مهمة إسقاط النظام الطائفي، التي تساوي في أهميتها قضية المقاومة. وبدأ شباب لبنان ومن ضمنهم الشباب الشيوعي، يعمل بدون فئوية وبانخراط كامل وواع في هذه التحركات، لتنظيم التظاهرات والتجمعات تحت شعار إسقاط النظام الطائفي. في الوقت الذي تعجز فيه قوى الطوائف عن صياغة توافق جديد يجمعها في إطار حكومة واحدة، ليس فقط الآن، بل حتى في وجود الحكومة السابقة التي كانت معطلة بحكم التناقضات ذات الطابع المذهبي والطائفي. * تنعقد القمة العربية في أواخر هذا الشهر، هل تتوقعون أن تخلص إلى قرارات مهمة؟ - أعتقد أن هناك اتجاها أعلن عنه قبل أيام يطالب بتأجيل القمة المقررة في بغداد إلى أواخر أيار (ماي) المقبل، وهذا برأيي تأجيل أول، وربما قد تتأجل إلى تاريخ لاحق، لأن الحراك في الساحة سينتج حالة عربية جديدة تستعيد معها قضية فلسطين، وتستعيد معها الديمقراطية وأهميتها في العالم العربي، مكانتها, وتستعيد معها ضرورة استرجاع الثروة العربية من يد الاستعمار الخارجي والمؤسسات المالية الخارجية، ووضعها في إطار مشروع تنموي عربي متكامل. فلو استطعنا جمع ما نهبه وسرقه الرؤساء المكشوف عنه حتى الآن، أعني الرؤساء الثلاثة، لتجاوزت ديون الأمة العربية كل الديون المتراكمة. ولو أخذنا 10 في المائة مما تأخذه الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب من النفط العربي لاستطعنا إيجاد الحلول لمشاكل الجوع والحاجات الغذائية والبطالة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل الوطن العربي. * في تقديركم هل يمكن أن تخدم الحركات الشعبية في الوطن العربي القضية الفلسطينية بشكل إيجابي؟ - حتما، أولا لأن مصر لن تكون هي مصر بعد الحراك، وهنا لا أتحدث عن التغييرات الدراماتيكية بأي شكل، سواء ألغوا اليوم اتفاقية كامب ديفيد أو ألغوها بعد فترة. إنما الحراك السياسي والاقتصادي في المنطقة لا بد أن يتخلص من التبعية للقرار الأمريكي وللسياسية الأمريكية، وبالتالي سيعيد ارتباط الشارع المصري مع القضية، وهو لم يكن يوما موافقا مع التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني. ثانيا سيعيد النظر في علاقة مصر مع القضية الفلسطينية بعد ما عرفته الفترة الأخيرة، خصوصا إبان الحصار على غزة، وسيعيد الاعتبار لدور قناة السويس الاستراتيجي في حماية استقلالية مصر، وليس وضعها في خدمة المشروع الأمريكي. كل هذه العوامل ستعزز موقع مصر مجددا في المعادلة العربية، وستضعها أمام مسؤولية كبيرة اتجاه القضية الفلسطينية. ومن جهة ثانية ستضع السلطتين الفلسطينيتين، سلطة رام الله وسلطة غزة، بشكل خاص، أمام ضغط شعبي حقيقي بدأ يتبلور اليوم تحت شعار مكافحة الانقسام الفلسطيني والدعوة إلى مشروع فلسطيني مقاوم. * المعروف أن الحزب الشيوعي اللبناني له موقف يعارض استكمال المغرب لوحدته الترابية والوطنية، مساند للأطروحة الانفصالية، هل كان موقفكم مبنيا على تحليل موضوعي وهل يمكن توقع تغيير في هذا الموقف؟ - بكل الصراحة المعهودة فينا، سأقول لك بصدق إن مراجعاتنا السياسية طالت هذا الموضوع بشكل عام وليس بالتفصيل. يعني طالته من حيث تأكيدنا على استعادة مسار وحدوي عربي بعيدا عن مسارات التفتيت والتقسيم. وفي ضوء هذه الوجهة العامة ودعوتنا إلى مسار التوحيد، على الأقل على المستوى السياسي والاقتصادي إذا لم يكن على المستوى الكياني، سنعيد بحث وتقييم كل المستجدات حول كل القضايا، بما فيها القضية المغربية، بوجهة تأييدنا لكل مسعى توحيدي في هذا المجال، لا يقوم على قهر الإرادات الأخرى، وإنما يكون باتجاه إيجابي توحيدي يأخذ بعين الاعتبار مصالح الشعوب الموجودة، ويؤكد بشكل رئيسي على أهمية إيجاد مشروع مشترك في المغرب العربي. وعليه لا نرى مفيدا اليوم أي مسار لتفتيت وتقسيم المغرب العربي. أما بخصوص قضية الصحراء، فإننا سنكون حتما من المساهمين في حوار يقرب من وجهات النظر على أساس هذا المنحى التوحيدي وليس خارجه. ونحيي بوادر التقارب الجديدة بين المغرب والجزائر، وسنساهم من جانبنا ما استطعنا، في التقريب بين البلدين لأن الخلاف لا يمكن أن يكون لمصلحة الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري اللذين يدفعان ثمن الخسارة الاقتصادية لهذا الخلاف، عدا عن الخسارة النفسية والشعبية التي تلحقهما جراء إغلاق الحدود. وندعو لتعميق الحوار الإيجابي لتجاوز القطيعة بين المغرب والجزائر.